الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه ... وبعد :
فإن مسالة عذر الجاهل المشرك قد أخذت حيزا كبيرا في النقاشات ،وقبل ذلك أخذت حجما كبيرا في نفوس الكثير من الإخوان ، وأذكر هنا أصلا في هذه المسالة اعتقد أنه يوضح وجهة نظر من يقول بالتفصيل في هذه المسالة خلافا لمن يطلق القول بالعذر بالجهل ...
وهذا الأصل يرجع إلى أمرين :
الأول : هو حقيقة الإيمان الكفر..
والثاني : هو النصوص الواردة في المسالة ..
-أما الأمر الأول وهو حقيقة الإيمان والكفر...
-فالإيمان والكفر متقابلان بل إذا زال احدهما خلفه الآخر ، ولا يجتمع أصل الإيمان وأصل الكفرأبدا ، ولكن قد يجتمع شعبة من شعب الكفر مع أصل الإيمان فالكفر أصل ذو شعب ، كما قد يجتمع شعبة من شعب الإيمان مع أصل الكفر فالإيمان أيضا أصل ذو شعب كما جائت بذلك الأحاديث لكن لا يجتمع الأصلان قط في قلب رجل كما أنه لا يخلو قلب رجل منها في آن واحد...
- والكفر في اللغة الستر والتغطية
- وشرعا أو اصطلاحا هو " ضد الإيمان"
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
( والكفر عدم الإيمان باتفاق المسلمين سواء " اعتقد نقيضه وتكلم به" أو " لم يعتقد شيئا ولم يتكلم" ولا فرق في ذلك ) مجموع الفتاوى ( 20 / 86 )
ومعنى قوله رحمه الله أن الكفر عدم الإيمان ،أن من لم يأت بالإيمان فقد كفر وهو على ضربين :
- ضرب يأت بما ينقض الإيمان ،وهذا كمن يأتي المكفرات القولية والعملية
- وضرب آخر لم يحقق الإيمان وإن لم يأت بما ينقضه ...
فكل من لم يحقق الإيمان فقد لابس الكفر قطعا ..
ولذا قال ابن القيم رحمه الله : ( والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، والإيمان بالله وبرسوله وإتباعه فيما جاء به ، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم ، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل ..)
فما لم يأت العبد بالإيمان فليس بمسلم سواء اعتقد نقيضه وتكلم به" أو " لم يعتقد شيئا ولم يتكلم" ولا فرق في ذلك...
وكل ما يحيد بالمكلف عن تحقيق الإيمان فليس بعذر في كون صاحبه قد كفر أو أشرك على الحقيقة سواء كان جاهلا أو غير ذلك ، وإن كان قد يعذر في العذاب ...
- الأمر الأخر وهو النصوص الواردة في المسالة ..
فليس ثمة نص صريح يدل على عموم العذر بالجهل كما في الخطأ والنسيان والإكراه فالأدلة على ثبوت هذه الأعذار صريحة وقاطعة ومع ذلك فأصحاب هذه الأعذار لم تنتفي عنهم حقيقة الإيمان ولم يلابسوا الكفر بخلاف الجهل ...
وكل ما يورد في المسالة لا يفيد العموم - وإن ادعوه - وليس فيه سوى نصوص أرجح ما يقال فيها أنها تخص ما جائت فيها ومثيلاتها مما لم يتعرض بنقض حقيقة الإيمان السالف ذكرها ...
- هذان الأمران هما الأصل الذي ينطلق منه من يقول بالتفصيل في مسالة العذر بالجهل ...
وعدم التكفير في كلام بعض أهل العلم لا يعني عدم الوقوع في الكفر وملابسته فهذا أمر وذاك آخر وللكلام بقية إن شاء الله
والله أعلم