الشيخُ:( ابنُ شَيْخِنَا): استوعبتُ الذي تفضّلتَ به من الشّرح، والتّمثيل ، وفهمتُ منه قصدَك من "السّبق" المذكور في كلامِك المُجمل الجميل ..فزال الإشكال، واتّضح المقال، والحمد لله على كل حال..
هذا..وقد أفصحَ المثلُ العاميّ الذي أوردتَه في ثنايا كتابِكْ ، عمّا كنتُ أحبُّ أنْ أعرفَه من موطنِ آبائكْ،.. أَمَا وأنّك من بلدِ (جَا يْكَحَّلْهَا عْمَاهَا)..فقد زال من نفسي عُجْبَاهَا(*) ..وفي المثل الفصيح المُعْرِبْ :"الشّيءُ من معدنِه لا يُسْتغرَبْ"..
هذا.. والنكتة التي أسندتها إلى الشيخ:د.خالد الحايك ، أرجو أن تحيلني على سياقها الكامل، فقد كانت تدور في خلدي ، لكن لم أقوى عن الإفصاح بها ..
و الذي تحقق عندي أن التصحيح العيني ، والتعليل العيني(= في كل حديث حديث) خارجان عن المراجعة والمخالفة إذا كانا مجمعاً عليهما بين النقاد ، ولوكان هذا التصحيح و التعليل مخالفين لظاهر قواعدهم المقررة في النّقد و التعليل..(كأن يصحّحوا حديثَ من كانتْ في أحاديثه مناكير، أو ينكروا حديثا لمن عُرف بالضبط و الاتقان..)
أما الأحاديث التي لم يُحقّقوا فيها و لم ينصّوا على تصحيحها أو تعليلها بعينها.. و بقيتْ على ظاهرها.. فهذه يدخُلها النّقد المعاصر، والتّعليل الحديث، بتطبيق قواعدهم عليها وإلحقاً لها بنظائرها المحقَّقِ فيها، المتكلَّم في عينها .. و يُستثنى منها -عندي والله أعلم- الأحاديث التي تكلم فيها من عُرف بالتساهل في التصحيح كابن حبان والحاكم فهذه أيضا مما يمكن للمتأخر أن يأخذ معهم، ويرد لكن بحذر شديدٍ، واستحضار لهيبة هذين الإمامين و جلالة علمهما ..فلا يجسر و لا يقتحم عليهما إلا بعد أن يستفرغ جهده ، و يستخير الله ،و يسأل من هو أعلم منه و أخبر في هذه الصناعة، وياحبّذا لو يكون له سلفٌ في مخالفتهما ..
بقيت مسألة مُشكَلة.. وهي قولك -معلقا على كلام الحايك- :
(والذي قاله صحيح فمن تتبع الأسانيد ونظر ما قيل من قبل المتقدمين فيها علم أنهم لم يحققو في كثير منها
فأخذوا بظاهرها حتى تتبين لهم علتها) فهل تعني بقولك: "أخذوا بظاهرها"؛ أنهم: صححوها أو ضعفوها تنصيصا ..أو تعني أنهم سكتوا عنها فلم يصححوها ولم يعلوها و هي بظاهرها صحيحة أو معلولة على قواعدهم ؟
إن كانت الثانية فلا إشكال ..وإن كانت الأولى فالإشكال وارد -عندي- لأنهم لله درهم- لا يصححون ظاهريا و لا يتكلمون إلا بعلمٍ ، يحدوه ورع و يصاحبه تقوى، كما عُرف من أحوالهم ..وهم -رحمة الله عليهم - كانوا في عصر الرواية، و معاصرين للرواة (شيوخهم و من عاش في عصرهم).. يحفظون للحديث الواحد طرقَه ولو تعددت، ويعرفون مخرجه ،و يتذاكرون فيما بينهم أسانيده ، و يفيد بعضهم بعضا و يغرب ، فهذا شأنهم و ديندهم مذ تطلع الشمس عليهم.. ، يجوعون و يعطشون و يتغربون من أجل حديث واحد ..
فإذا قال لك من هذا شأنه هذا صحيح فاعلم أنه لم يقله إلا عن بينة و علم ..
اللهم إلا أن تقصد بكلامك من عُرف بالتساهل في التصحيح أو التعليل بظاهر السند كما ألمعت إلى ذلك قريبا . و هذا لم يعرف إلا عن بعض الأئمة المتأخرين عن هؤلاء و عذرهم في ذلك مشروح في موضعه فمنهم من لم ينقح كتابه و يراجعه فاخترمته المنية قبل إعادة النظر فيه .. ومنهم من لم يشترط شروطا كالتي اشترطها المتقدمون في قبول الحديث.
_______
(*) أي مما كان يعجبها؛ وهو قولي: "تعجبني شجاعتك الأدبية و محبتك للحديث و دورانك مع الدليل."