بسم الله الرحمن الرحيم
التوفيق بين النصوص المتعارضة في إبراهيم بن عبد الملك البصري أبو إسماعيل القنَّاد من خلال(تهذيب التهذيب)([1])

مذهب النسائي
لا بأس به

مذهب ابن حبان
ذكره في الثقات وقال: يخطئ

(ز)مذهب عفان الصفار
من المقرر أن عفان بن مسلم الصفار من الأئمة الثقات الذين عرفوا بالتحري والتثبت في الرواية،وقد وصفه الإمام الذهبي بقوله:( الإمام الحافظ، محدِّث العراق، أبو عثمان البصري الصفَّار ، بقية الاعلام)([2]) ومع هذا فالإمام عفان ممن عرفوا بأنهم لا يروون إلا عن ثقة عندهم([3]) وعليه فرواية عفان عن إبراهيم تقوية لحاله ودليل على أنَّ إبرهيم ثقة عند عفان،وقد رأيت الإمام البزار في مسنده يشير إلى ذلك حيث قال بعد أن ساق بعض أخطاء إبراهيم:( ولم يكن به بأس حدَّث عنه عفان وغيره)([4])ولو لم يكن متقرر اً عند الإمام البزار قوة رواية عفان لما نصَّ على روايته دون غيره من الرواة فتأمل، وقد أخرج رواية عفان عن إبراهيم الإمامُ أحمد-- رحم الله الجميع-- ([5])

(ز)مذهب ابن المديني
قال: كان ضعيفا عندنا
قال:كان ذلك شيخا ضعيفا ليس بشئ([6])

(ز)مذهب البزار
لم يكن به بأس([7])

(ز)مذهب الترمذي
صحَّح له( [8])

مذهب العقيلى
(يهم في الحديث)

(ز)مذهب الأصبهاني
(نقل قول الإمام ابن المديني: ليس بشيء)([9])
(ز)مذهب ابن البرقي
(ذَكَرَ عن يحيى بن معين أنه ضعيف)([10])
قلت: تضعيف ابن معين لإبراهيم فيما نقله ابن البرقي ثابت فيما يظهر ،وأما دعوى عدم ثبوته بحجة كون أصحاب ابن معين لم ينقلوا تضعيف إبراهيم كما ذكر ذلك أصحاب(تحرير تقريب التهذيب)([11])فهي منتقضة بأمرين:
أولاًً:ابن البرقي أخذ معرفة الرجال عن الإمام يحيى([12])،و قد لقي ابن معين و روى عنه ،ناهيك أنه إمام حافظ([13]) ذكره الإمام الذهبي في رسالة(ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل)([14]) فكيف لا يعتمد على نقل من هذه مكانته.
ثانيا: يلزم من دعواهم أن جميع كلام الإمام يحيى في الرجال قد نقله أصحابه من بعده،وهي مقالة لم يقل به أحد فيما أعلم.
ولذا فلا يستغرب أن ينقل ابن البرقي عن ابن معين قولاً له في أحد الرواة ولو لم ينقل أحد أصحاب ابن معين ذلك القول

مذهب الساجي([15])

(نقل عن ابن معين تضعيفه،ونسبه الساجي إلى بني شيبان)([16])
قلت:نقل الحافظ عن الإمام الذهبي قوله :ضعَّفه الساجيُّ بلا مستند، فأردف الحافظ قائلا: كذا قال وأيُّ مستندٍ أقوى من ابن معين،والذي يظهر لي أن الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى-لم يستحضر نقل الساجي عن ابن معين وإنما استحضر إدارج الساجي لإبراهيم بن عبد الملك في كتابه(الضعفاء) فقال ما قال ، لأن الإمام الذهبي لو رأى نقل الساجي عن ابن معين لما نفى مستند الساجي في التضعيف-والعلم عند الله-.

(ز)مذهب أبي العرب ([17])
ذكره في الضعفاء([18])


تنبيه:جاء في (إكمال تهذيب الكمال) لمغلطاي نقل تضعيف أبي القاسم البلخي لأبراهيم، وتابع الإكمالَ في النقل عن البلخي الشيخُُ ماهرُ الفحل-وفقه الله تعالى-([19]) ولكني أعرضتُ عن كلام أبي القاسم لأنه ليس في البَلْخِيين من يكنى بأبي القاسم إلا عبد الله بن أحمد بن محمود ،وقد قال عنه الحافظ:( من كبار المعتزلة وله تصنيف في الطعن على المحدثين يدل على كثرة اطلاعه وتعصبه وتوفي سنة تسع عشرة وثلاث مائة)([20]) فمثل أبي القاسم ليس أهلا للإعتداد بكلامه ناهيك أن كتب الصناعة المختصة بالرجال لم ترفع رأسا بأقواله ،ولعل الإمام مغلطاي نقل تضعيفه من باب المتابعات والشواهد.


الأحاديث المنتقدة على إبراهيم
ساق الإمام العقيلي في الضعفاء ثلاث روايات لإبراهيم ليبرهن على خطأه فيها،أولها:
1- ما رواه إبراهيم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ بالمد من الماء لصلاة الفريضة ويغتسل بالصاع ،والعقيلي يرى أن إبراهيم قد أخطأ في الرواية فأصحاب قتادة الأثبات وهما هشام الدستوائي وأبان العطار قد خالفا إبراهيم فروياه عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة،قلت:الصحي ما قرَّره الإمام العقيلي،فإبراهي م سلك الجادة في الرواية، وممن روى عن قتادة على الصواب سعيد بن أبي عروبة([21]) وهمام بن يحيى ([22]) ،وعليه فلا مرية في خطأ إبراهيم في هذه الرواية، لأن أثبت الناس في قتادة-هشام وسعيد-قد خالفاه وناهيك بهم،وقد سبق الإمام العقيلي في تصويب رواية الجماعة الإمامان الجليلان أبو حاتم وأبو زرعة ([23])وممن خطأ إبراهيم أيضا الإمامُُ البزار([24])
2- والرواية الثانية: ما رواه إبراهيم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بشاة ميتة،وقد أخطأ إبراهيم في هذه الرواية كما أشار إلى ذلك الإمام العقيلي والإمام البزار أيضا([25])
3- والرواية الثالثة: ما رواه إبراهيم بالإسناد السابق أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا تلقاني عبدي شبرا تلقيته ذراعا...الحديث،و لإمام العقيلي يرى أن هذا الحديث غير محفوظ من حديث قتادة،والصحيح أن الحديث محفوظ ،فشعبة بن الحجاج قد روى الخبر عن قتادة كما أخرج ذلك الإمام أحمد([26])
وعليه فالخبر محفوظ من حديث قتادة ولا شك ،هذه هي الروايات التي ذكرها العقيلي في ترجمة إبراهيم وقد رأينا أن إبراهيم أخطأ في اثنين منها وأصاب في واحدة منها، وقد أعلَّ العلامة المعلمي-رحمه الله تعالى- خبراً لإبراهيم أخرجه النسائي،وذكر أن إبراهيم وهم في هذا الخبر سنداً ومتنا([27])
والخلاصة أنه ليس من شرط التوثيق ألا يخطأ الثقة وإنما المهم هو ألا تكثر في روايته كما نص المحدثون على ذلك
الراجح عندي أنَّ أبا إسماعيل القناد مقبول الرواية لا بأس به ، وأما عن تضعيف الإمام ابن معين-رحمه الله تعالى- فأبو زكريا رضي الله عنه قد نصت كتاب الصناعة على أنه ذا نفس حادٍّ في الجرح،ومثله الإمام العقيلي على تفاوت في المنزلة بينهما،وأما عن تضعيف علي بن المديني-رحمه الله تعالى-فمن المعلوم أن(الإمام علي بن المديني من القلائل الذين يتمتعون بدراية واسعة بأحوال الرواة وأخبارهم من حين ولادتهم حتى وفاتهم وما بينهما من تفاصيل أحوالهم مما يدل على رسوخ قدمه في مجال النقد وأن حكمه على الرواة مبني على دراسة متينة وتروٍّ ثابت وأن هذا الحكم بعيد كل البعد عن المجازفة والتخرص وعدم الدقة)([28])، ولكن لا يعني كون الناقد ممن يصنف مع المنصفين ألا يظهر فيه أحياناً تعنتٌ مع بعض الرواة ،وقد أشار إلى ذلك العلامة المعلمي-رحمه الله تعالى- بقوله:(ما أشتهر من أنَّ فلانا من الأئمة مُسهِّل وفلاناً متشدد ليس على إطلاقه،فإن منهم من يسهِّل تارة ويشدِّد تارة،بحسب أحوال مختلفة)([29])
وفيما وقفت عليه من أقوال الأيمة لم أرَ من وافق الإمام علي فيما ذهب إليه من تضعيف إبراهيم تضعيفاً شديدا،لأن قوله(ليس بشيء)من ألفاظ الجرح الشديد ([30])، بل ثمة من الأيمة الموصفين بالتعنت في الجرح والتثبت في التعديل=قد وثقوا إبراهيم وهما الإمام النسائي وابن حبان زد على هذا رواية عفان الصفار عنه، وتصحيح الترمذي وتوثيق البزار ، وتوثيق ابن حبان هنا معتبر لأنه يدلُّ على أنه وقف على حديث إبراهيم ولذا قال:(يخطئ) .
ولو تأملنا الجرح الصادر عن المجرحين لوجدنه من الجرح المبهم الذي يقدم عليه التعديل لقرينة كون بعض المعدلين من المتعنتين في التعديل،ولله درُّ الحافظ حين لخص حكم إبراهيم بقوله:( صدوق في حفظه شيء)([31]) وأما الإمام الذهبي فقد نقل في الكاشف قول النسائي (لا بأس به)،وذكره في رسالة(ذكر أسماء من تكلِّم فيه وهو موثق) وقرر في الميزان توثيقه،حيث كتب أمام اسمه (صح) وقد قال-رحمه الله تعالى-:(إذا كتبت صح أول الاسم فهي إشارة الى ان العمل على توثيق ذلك الرجل)([32])،وأمَّا العلامة المعلمي رحمه الله فقد قال عن إبراهيم:(ليس بعمدة)([33])

والحمد لله رب العالمين

[1] النصوص النقدية التي ليست في التهذيب أشير إليها بحرف(ز) أشارة إلى أنها من الزوائد.

[2] السير(10/249)

[3] تحرير علوم الحديث(1/197)

[4] المسند( 6/179 )

[5] المسند( 21/418 )

[6] سؤالات ابن أبي شيبة، ص32،ص37، هذا التضعيف الصادر عن الإمام علي لم يشر إليه الحافظ الذهبي ولا ابن حجر-رحمهم الله تعالى- كما أنه فات أصحاب (تحرير التقريب) وفات أيضا الشيخ ماهر-وفقه الله تعالى-في (كشف الإيهام) مع أن الإمام الأصبهاني قد نقل النص في الضعفاء له، وذكره محمد طلعت في(التذييل على تهذيب التهذيب) .

[7] المسند للبزار(10/227)، اشتهر اسم مسند الإمام البزار بـ(البحر الزخار) والظاهر أن هذه التسمية غير دقيقة،انظر(العن ان الصحيح للكتاب)ص65

[8]الجامع-ط.الرسالة العالمية-( 3/441)

[9] الضعفاء( 1/57)

[10] إكمال تهذيب الكمال(1/246)، وهذا النص لم يذكره الحافظانابن حجر والذهبي وإنما ذكره الإمام مغلطاي ،وللإمام ابن البرقي كتاب في الضعفاء نقل عنه مغلطاي في الإكمال،انظر (بحوث في تاريخ السنة المشرفة)ص101

[11] ترجمة -212- (1/93)

[12]السير(13/46)

[13] تذكرة الحفاظ( 2/569 )

[14]ص193،ط.مكتب المطبوعات الإسلامية،عناية أبي غدة

[15] وصفه الإمام الذهبي بقوله:( الامام الحافظ محدث البصرة)تذكرة الحفاظ(2/709)،و للإمام الساجي كتاب في (الضعفاء) نقل عنه بعض الأيمة كالخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) و ابن حجر في (التهذيب) وغيرهما، وقد ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري أن مؤلفات الإمام الساجي كلها مفقودة،راجع(موا د الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد) ص325

[16] الإكمال( 1/248)

[17] (العلامة المفتي، ذو الفنون، أبو العرب، محمد بن أحمد بن تميم بن تمام، المغربي، الافريقي)سيرأعلام النبلاء(15/394)،وانظر (ترتيب المدارك) (1/371)

[18] كتاب الضعفاء لأبي العرب مفقود،وقد نقل عنه جملة من الحفاظ كالحافظ في(التهذيب)و(الل ان)وُمغْلَطاي في (الإكمال)،انظر(ب وث في تاريخ السنة المشرفة)ص102

[19] كشف الإيهام(1/255)

[20] لسان الميزان(3/255)،سير أعلام النبلاء(14/313)

[21] سنن النسائي(1/180)

[22] المسند(41/384)،أبو داود( 1/71 )،ابن ماجه( 1/99)

[23]العلل لابن أبي حاتم(1/12،26)

[24] المسند له( 10/227 )
[25] المصدر السابق

[26] المسند(19/263 )

[27] التنكيل(3/155)

[28] رسالة(الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال)ص660-بتصرف يسير-

[29]راجع مقدمة (الفوائد المجموعة)ص12

[30] راجع الرسالة أعلاه، ص582

[31] التقريب(1/91)

[32] لسان الميزان( 1/9) نقلاً عن الحافظ الذهبي

[33] التنكيل(3/155)