تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مبحث في التقية الشيعية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    88

    افتراضي مبحث في التقية الشيعية

    * التقية:

    التقية في اللغة هي التقوى ، فـ " التُّقاة وَالتقيَّة والتقوَى والاتِّقاءُ كلُّه واحدٌ " () ، وهي " الخشية والخوف " ().

    أما معنى التقية عندهم فهي إظهار موافقة المخالفين حال خوف الضرر ، وعدمه ، فإذا خيف الضرر وجبت التقية ، وإذا لم يخف الضرر فهي مستحبة ! ، يقول محمد تقي الموسوي الأصفهاني في كتابه (وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام ) عند ذكره الوظائف المطلوبة من الشيعة زمن غيبة إمامهم: "أن يلتزم بالتقية من الأعداء - أي أهل السنة - ، ومعنى التقية الواجبة هو أن يكتم عقيدته عند احتمال الضرر العقلاني على نفسه أو ماله أو مكانته وبأن يظهر خلاف عقيدته إذا اقتضى ذلك لسانه فيحفظ نفسه وماله ويضمر عقيدته الصحيحة في قلبه" ().فهذه هي الواجبة حال الخوف من الضرر .

    أما التي ليست لخوف الضرر ، وإنما هي لتحبيب المخالفين ومداهنتهم و مداراتهم فيقول الخميني : "فتارة تكون التقية خوفاً وأخرى تكون مداراة .. والمراد بالمدارة أن يكون المطلوب فيها نفس شمل الكلمة ووحدتها بتحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر كما في التقية خوفاً وسيأتي التعرض لها وأيضاً قد تكون التقية مطلوبة لغيرها وقد تكون مطلوبة لذاتها وهي التي بمعنى الكتمان في مقابل الإذاعة على تأمل فيه" ().

    ويقول : "وليعلم أن المستفاد من تلك الروايات صحة العمل الذي يؤتى به تقية سواء كانت التقية لاختلاف بيننا وبينهم في الحكم كما في المسح على الخفين والإفطار لدى السقوط أو في ثبوت الموضوع الخارجي كالوقوف بعرفات اليوم الثامن لأجل ثبوت الهلال عندهم" ().

    ـ منزلة التقية :
    والتقية لها أهمية عظيمة في الدين عندهم ، و ورد في الحث عليها والترغيب فيها ، وإيجابها من الروايات الشيء الكثير ، فروى الكليني في الكافي عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عن القيام للولاة فقال: قال أبو جعفر : "التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له" ().
    وروى عن أبي عبد الله أنه قال: "يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين" ().
    وروى عن الصادق قال: "سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إليَّ من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله، يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا" ().
    وروى عن أبي عبد الله قال: "التقية ترس الله بينه وبين خلقه" () ، وروى عن أبي عبدي الله قال: "… أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية" () ، وروى عن أبي عبد الله قال: "كان أبي يقول: أي شيء أقر لعيني من التقية إن التقية جُنة المؤمن" ().
    و عقد محمد بن الحسن بن الحر العاملي في وسائل الشيعة باباً بعنوان "باب وجوب الاعتناء والاهتمام بالتقية وقضاء حقوق الإخوان" () ، و باباً بعنوان "باب وجوب عشرة العامة بالتقية" ().
    وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة عن أمير المؤمنين قال: "التقية من أفضل أعمال المؤمنين" ()، وفي وسائل الشيعة عن علي بن الحسين قال: يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان" ()، و عن الصادق قال: "ليس منا من لم يلزم التقية" ()، وفي جامع الأخبار قال أبو عبد الله عليه الصلاة و السلام : "ليس من شيعة علي من لا يتقي" (). وفيه عن النبي : "تارك التقية كتارك الصلاة" (). !!

    ويقول الصدوق : " "واعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة .. والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج من دين الله وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة"() .

    فانظر إلى مبالغتهم وتهويلهم في شأنها ، حيث رووا في أهميتها و وجوبها وأن تاركها ليس من الدين ، أكثر مما رووا في ترك الصلاة والزكاة ، وهكذا شأنهم مع كل الأصول البدعية التي يقررونها ، فترى كأنهم يحاولون التغطية على ابتداعهم إياها بتهويل أمرها ، واختراع الكذب ونفخه في الحث عليها والأمر بها .

    ـ التقية والإكراه :
    وتجد منهم من يحاول التخلص من ذلك الإشكال ـ وهو تشريع النفاق وتسميته تقية ـ بأن هذا مشروع فقط لأجل الضرر ، وهو أصل شرعي محكم ـ كما سنذكر الآن في الأدلة ـ ، وهذا غلط ، فإن التقية كما ذكرنا من كلام علمائهم ـ ومنهم الخميني ـ تشرع للحفظ من الضرر ، وتشرع لمجرد التعمية وموافقة العامة والتودد إليهم ، وتحبيبهم في التشيع ، وهذا عين النفاق ، بل لو لم يكن ذلك نفاقا ، فلا نفاق على الأرض .

    ومما يدل على أن التقية أعم من كونها ضررا ، ما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة عن الصادق قال: "عليكم بالتقية فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره"() .

    ويقول الخميني : "ثم إنه لا يتوقف جواز هذه التقية بل وجوبها على الخوف على نفسه أو غيره بل الظاهر أو المصالح النوعية صارت سببا لإيجاب التقية من المخالفين فتجب التقية وكتمان السر لو كان مأمونا وغير خائف على نفسه" ().

    ويقول أبو القاسم الخوئي : "وذلك لأن المستفاد من الأخبار الواردة في التقية إنما شرعت لأجل أن تختفي الشيعة عن المخالفين وألا يشتهروا بالتشيع أو الرفض ولأجل المداراة والمجاملة معهم ومن البين أن المكلف إذا أظهر مذهب الحنابلة عند الحنفي مثلا أو بالعكس حصل بذلك التخفي وعدم الاشتهار بالرفض والتشييع وتحققت المداراة والمجاملة معهم "()

    و سئل الخوئي : "ما المراد بالتقية في العبادات وهل يمكن اتصافها بالأحكام الخمسة، وهل هي في مورد احتمال خوف ضرر أم التجامل بالمظهر وعدم إلفات النظر؟
    أجاب الخوئي: "أما في مورد احتمال الضرر بمخالفتها واجبة وفي الصلاة معهم ـ يقصد أهل السنة ـ فمستحبة مع عدم احتمال الضرر" ().

    وأيضاً سئل كاظم الحائري :"ما هي حدود التقية المسوغة للعمل بها شرعاً وهل أن الأذى الكلامي وانتقاد المذهب والمضايقة من مسوغات العمل بالتقية؟
    أجاب: "ينبغي للإنسان الشيعي أن يتعامل مع السني معاملة تؤدي إلى حسن ظنه بالشيعة لا إلى تنفره عن الشيعة" ().

    ـ انتهاء التقية :
    وينتهي العمل بالتقية في حالة خروج الإمام المنتظر ـ المهدي ـ كما أوردنا في بعض الروايات سابقا ، ومن ذلك أيضا ما رواه العياشي والحر العاملي عن جعفر الصادق في تفسيره قوله عز وجل: ( َفإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ) [الكهف : 98]. قال: "رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله" ().
    و يروي الحر العاملي عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في حديث عن التقية قال: "من تركها قبل خروج قائمنا فليس منا" وكما يرويه الشعيري عن الصادق قال: "ومن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا" ().
    فإذا خرج القائم تركت التقية ، فروى الحر العاملي عن الحسن بن هارون قال: "كنت عند أبي عبد الله جالساً فسأله معلى بن خنيس أيسير الإمام القائم بخلاف سيرة علي قال: نعم وذلك أن عليا سار بالمن والكف لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم وإن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي لأنه يعلم أن شيعته ?ن يظهر عليهم من بعده أبداً" ().
    وفي الغيبة للنعماني عن أبي عبد الله قال: "إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف" () ، وأيضا عن أبي عبد الله قال: "ما بقى بيننا وبين العرب إلا الذبح وأومأ بيده إلى حلقه " () .
    ويقول محمد صادق الصدر: "عن أبي جعفر قال: "إن الناس في هدنة نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي أماناتهم حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة" ويشرح معنى المزايلة فيقول: "هي المفارقة والمباينة بين أهل الحق وأهل الباطل" ().

    التقية في الفقه الإمامي :

    أ ـ الإشكالية :

    وإشكالية احتمال أن يكون قول المعصوم صادرا عن التقية ، من معضلات الاجتهاد الفقهي الإمامي .
    ولذلك رووا غير رواية أن الصادق كان يفتي لأحدهم بفتوى ، ولآخر بفتوى أخرى في المسألة ، ولثالث بثالثة ، ثم بين للمعترضين أنه إنما فعل ذلك كي يخالف بين الشيعة فلا يعرفوا .

    واختلفوا في هل يجوز أن يفتي الإمام بقول ليس موجودا عند العامة لمحض المخالفة بين أصحابه ، على قولين اختار يوسف البحراني منهما الجواز () .

    ومن ثم فإن من أسباب الخلاف في الترجيح والاختيار احتمال كون النص مقولا على التقية .

    ولهم في ذلك طرائق ، المشهور منها اعتماد ما يخالف العامة () ، وذلك مقتضى من لم يجوز أن يصدر عن المعصوم ما يخالف فيه العامة .

    وخلاف المشهور العرض على كتاب الله وجعله ضابطا في ذلك ، ونُسب إلى الكليني القول بـ ( التخيير ) وهو مشكل على طريقتهم في العصمة جدا ، قال صاحب الحدائق : " واما بالنسبة إلى مثل زماننا هذا فالظاهر انه لا يتجه العمل بذلك على الاطلاق، لجواز ان يحصل العلم بان الثاني انما ورد على سبيل التقية والحال ان المكلف ليس في تقية، فانه يتحتم عليه العمل بالاول ولو لم يعلم كون الثاني يخصوصه تقية بل صار احتمالها قائما بالنسبة اليهما، فالواجب حينئذ هو التخيير أو الوقوف بناء على ظواهر الاخبار، أو الاحتياط كما ذكرناه. (الخامس) - المستفاد - من كلام ثقة الإسلام وعلم الاعلام (قدس سره) في ديباجة كتاب الكافي - ان مذهبه فيما اختلفت فيه الاخبار هو القول بالتخيير. ولم اعثر على من نقل ذلك مذهبا له مع ان عبارته (طاب ثراه) ظاهرة الدلالة طافحة المقالة، وشراح كلامه قد زيفوا عبارته واغفلوا مقالته. قال (قد): فاعلم يا أخي - أرشدك الله - أنه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء (عليهم السلام) برأيه الا على ما اطلقه العالم بقوله (عليه السلام): " اعرضوها على كتاب الله، فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه وقوله (عليه السلام): " دعوا ما وافق القوم، فان الرشد في خلافهم " وقوله (عليه السلام): خذروا بالمجمع عليه، فان المجمع عليه لا ريب فيه " ونحن لا نعرف من جميع ذلك الا اقله، ولا نجد شيئا احوط ولا اوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم، وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله: " بايما اخذتم من باب التسليم وسعكم انتهى. وقوله (قدس سره): " ونحن لا نعرف.. إلى اخره) الظاهر ان معناه انا لا نعرف من كل من الضوابط الثلاث الا الاقل. " () .

    وقال مقرا الإشكال : " واما مذهب العامة فلا يخفى - على الواقف على كتب السير والآثار والمتتبع للقصص والاخبار، وبه صرح ايضا جملة من علمائنا الابرار بل وعلماؤهم في ذلك المضمار ما عليه مذاهب العامة في الصدر السابق من الكثرة والانتشار، واستقرار مذهبهم على هذه الاربعة انما وقع في حدود سنة خمس وستين وستمائة، كما نقله المحدث الامين الاستربادي في كتاب الفوائد المدنية عن بعض علماء العامة، على ان المستفاد من الاخبار كما قدمنا تحقيقه في المقدمة الاولى وقوع التقية وان لم يكن على وفق شيء من اقوالهم واما المجمع عليه، فان اريد في الفتوى فهو ظاهر التعسر، لان كتب المتقدمين كلها مقصورة على نقل الاخبار كما لا يخفى على من راجع الموجود منها الان، ككتاب قرب الاسناد وكتاب على بن جعفر ومحاسن الرقي وبصائر الدرجات ونحوها ولتفرق الاصحاب وانزوائهم في زواية التقية في اكثر البلدان، وان اريد في الرواية بمعنى ان يكون مجمعا عليه في الاصول المكتوبة عنهم، ففيه انها قد اشتملت على الاخبار المتخالفة والاحاديث المتضادة فهي مشتركة في الوصف المذكور، وحينئذ فمتى لم تعلم هذه الامور على الحقيقة فالمعتمد عليها ربما يقع في المخالفة من حيث لا يشعر وتزل قدمه من حيث لا يبصر، فلا شيئ اسلم من الاخذ بما وسعوا فيه من باب التسليم لهم دون الجزم والحكم بكون ذلك هو الحكم الواقعي، فان فيه تحرزا عن القول على الله (سبحانه) بغير علم، وتخلصا من التهجم على الاحكام بغير بصيرة وفهم. وما اذكره بعض مشايخنا المعاصرين (نور الله مراقدهم) - من انه ليس الامر كذلك، قال: " فان الحق لا يشتبه بالباطل، والمطوق ليس كالعاطل، والشمس لا تستر بالنقاب، والشراب لا يلتبس بالسراب، وما ورد من التقية لا يكاد يخفى " انتهى - فالعبارة قشرية وتسجيعات من التحقيق عرية، كما لا يخقى على من عض على العلم بالاخبار بضرس قاطع، واعطى التأمل حقه فيما اوعدناه في هذه المواضع، كيف ؟ وهو (قدس سره) في جملة مصنفاته وفتاويه يدور مدار الاحتياط خوفا من الوقوع في شبهت الاحتياط، قائلا في بعض مصنفاته: " ان مناط اكثر الاحكام لا يخلو من شوب وريب وتردد، لكثرة الاحتلافات في تعارض الادلة وتدافع الامارات، فلا ينبغي ترك الاحتياط للمجتهد فضلا عمن دونه "() ، قلت : والمراد ببعض مشايخه هاهنا شيخه أبو الحسن سليمان بن عبدالله الماحوزي البحراني .

    ب ـ الاختلاف في تحديد موارد التقية ( تمثيل ):

    ( نجاسة الخمر )

    يقول أغلب الإمامية بنجاستها كالطوسي ، وحملوا روايات الطهارة على التقية ، و بالعكس قال المقدس الأردبيلي وحمل روايات النجاسة على التقية .

    قال محمد باقر الصدر : " والتحقيق: أن المشهور في الفقه السني بمختلف مذاهبه هو الحكم بالنجاسة، حتى ذكر السيد المرتضى قدس سره أنه: " لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم "، وأكثر من نسب إليهم القول بالطهارة من فقهاء السنة ممل لا يمكن افتراض اتقاء الإمام الصادق عليه السلام منهم، فضلا عن الباقر (ع). فقد قيل: أن الطهارة أحد القولين للشافعي أو قئل الشافعية ومن الواضح أن ولادة الشافعي بعد وفاة الإمام الصادق، فلا معنى لاتقائه منه. ونسب القول بالطهارة إلى ليث بن سعد، وهو وإن كان معاصرا للإمام الصادق (ع) غير أنه كان يسكن في مصر، فهل يحتمل عادة أن الإمام وهو في الحجاز أو العراق يتقي من فقيه في مصر، ولا يعتنى بما ذهب إليه فقهاء الحجاز والعراق؟! وإذا افترضنا صدور بعض نصوص الطهارة من الإمام الباقر المتوفى سنة 114 ه* كان عدم تعقل اتقائه من ليث في غاية الوضوح، لأن ليث ولد سنة 93 ه* فيكون عمره حين وفاة الباقر عليه السلام حوالي عشرين عاما. ونسب القول بالطهارة إلى داود المولود سنة 202، وهو متأخر ولادة عن وفاة الإمام الصادق، فكيف يفرض الاتقاء منه؟! ونسب القول أيضا إلى ربيعة، وهو وإن كان معاصرا للإمام الصادق (ع) ولكنه كان فقيها منعزلا، ولم يتحقق له في حياته من المقام الرسمي أو الاجتماعي ما يناسب الاتقاء منه، خصوصا إذا قبلنا صدور بعض النصوص السابقة في الطهارة من الإمام الياقر الذي كان ربيعة شابا عند وفاته. وعليه فافتراض التقية بهذا المعنى غير محتمل عادة في نفسه، فضلا عن دعوى صدق عنوان ما وافق العامة على أخبار الطهارة." () .

    وقال الأردبيلي : " الجمع بحمل ما يدل على وجوب الغسل على الاستحباب أولى من حمل ما يدل على عدمه على التقية " ()

    وتعقبه الصدر فقال : " وهذا الوجه في غاية الغرابة والانحراف عن التفكير السليم إلى درجة لم أكن أرضى بأن يتفوه به فقيه، وذلك: أما أولا: فلأن ما دل على ترجيح المخالف للعامة على الموافق ناظر إلى الموافقة والمخالفة بلحاظ ما عليه تدين العامة وشرعهم، لا ما عليه عمل فساقهم وفجارهم. وأما ثانيا: فلأنه كيف يمكن أن نحتمل في الأئمة عليهم السلام أنهم ينزلون إلى مستوى الإفتاء بغير الواقع تبريرا لفسق الحكام، فإن مثل هذا لم يكن يصدر من المتعففين من فقهاء السنة أنفسهم، فكيف يصدر من أئمة أهل البيت؟! وما كان الأئمة يمارسونه من تقية مع الحكام إنما يرجع إلى التعامل معهم كحكام وعدم التجاهر بعدم صلاحيتهم للحاكمية لا تبريك فسقهم وفجورهم. وأما ثالثا: فلأن الخلفاء المعاصرين للإمام الصادق لم ينقل في التاريخ أنهم شربوا خمرا بل لم ينقل ذلك إلا عن شواذ الخلفاء وأشباه الخلفاء في عصور أخرى، ولم يتفق في زمان من تلك الأزمنة أن يكون قد بلغ استهتار الخليفة إلى درجة التجاهر بمساورة الخمر وشربه والتصدي للتنكيل بمن يفتي بنجاسته، وأي فائدة لشاربي الخمر في تطهيره مع التأكيد على حرمته؟! ونحن نلاحظ على عكس ما ادعي أن الأئمة عليهم السلام شنوا حملة شديدة ضد الفكرة القائلة بإباحة غير الخمر من أنواع الأنبذة التي يسكر كثيرها دون قليلها، ولم يؤثر عنهم أي تساهل في ذلك، فلو كان هناك اتجاه نحو مجاملة فسق السلاطين لاقتضى خلاف تلك الحملة، حتى روي عن الإمام الصادق (ع) في شأن النبيذ المسكر: والله إنه لشئ ما اتقيت فيه سلطانا ولا غيره "()

    *شبهات :

    ويستندون في تقرير مبدأ التقية ، وإلزام أهل السنة للقول به لبعض الأدلة الشرعية المحكمة ، فمن القرآن كقوله تعالى : (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً)[آل عمران : 28] .
    وقوله تعالى : (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ) [النحل : 106] ، وقوله تعالى : (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )[البقرة : 195] ، وقوله تعالى : (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) [النساء : 98] .
    واستدلوا كذلك بالحديث فمنها الكلام على ما يتعلق بآية الإكراه من سبب نزولها في السنة فقال القرطبي : "وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر في قول أهل التفسير ، لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه ، قال ابن عباس : أخذه المشركون ، وأخذوا أباه وأمه سمية ، وبلالا "وخبابا و " سالما " فعذبوهم ، و ربطت سمية بين بعيرين ، ووجئ قبلها بحربة ، وقيل لها : إنك أسلمت من أجل الرجال ، فقتلت وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين في الإسلام ، وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها " ، فشكاذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تجد قلبك ؟ ، قال : مطمئن بالإيمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن عادوا فعد () .
    وروى الترمذي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين ، إلا اختار أرشدهما () ، وفي هذا دليل على أن التقية التي اختارها عمار كانت أرشد هنا "() .
    وقال البخاري تعليقا على قوله تعالى ( إلا المستضعفين ) : " فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به والمكره لا يكون إلا مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به وقال الحسن التقية إلى يوم القيامة وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق ليس بشيء وبه قال ابن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن " ()
    وروى البخاري في صحيحه (باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب) ، أن عائشة رضي الله عنها أخبرته ، قالت : استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إئذنوا له ، بئس أخو العشيرة ، أو ابن العشيرة ، فلما دخل ألان له الكلام ، قلت : يا رسول الله ، قلت الذي قلت ، ثم ألنت له الكلام ، قال : أي عائشة ، إن شر الناس من تركه الناس - أو ودعه الناس - اتقاء فحشه .
    وقال :" ويذكر عن أبي الدرداء : إنا لنكشر في وجوه قوم ، وإن قلوبنا لتلعنهم " () .

    *الجواب :

    1 ـ لا خلاف بين المسلمين أجمعين = أن حصول الإكراه المؤثر على حرية إرادة الإنسان واختياره ، من إتلاف النفس أو العضو أو المال أو الأهل = أنه يبيح له ضروبا من الأقوال و الأفعال : لولا ذلك الإكراه لكانت محرمة ، ثم يدخل في مفهوم ذلك الإكراه وما يبيحه في كل حالة تفصيل كثير ، لكن الشاهد أن هذا الأصل معتبر في الشرع ، لا خلاف فيه ، والأدلة عليه معروفة مشتهرة ، كقوله تعالى (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ )[النحل : 106] ، واعتمد ذلك أهل العلم فشقوا من ذلك قاعدتين من قواعدهم الفقهية الخمس الكبرى وهما ( المشقة تجلب التيسير ) ، و ( الضرر يزال ) .

    2 ـ إذا قررنا ذلك ، فجعل مناط الاختلاف بين المسلمين والإمامية في اعتبار التقية أنها الإكراه = مغالطة محضة وتمويه ، وإنما النزاع في التقية التي مفادها ( إخفاء الدين ) ، ومنافقة الناس دون إكراه مؤثر ، وإنما لمحض إخفاء الدين ، أو لجلب مصالح دنيوية بحتة ببذل عوض ديني ، أو لمجاملة المخالف أو مداراته، والكذب عليه وغشه في تبيين الحقائق الدينية الصحيحة ، فهذا مما لا يجوز في دين الله ، فالله أمر الناس بالدعوة إلى دينه ، وإذاعته وإظهاره مع القدرة ، ولم يجز الكذب على الله ، والافتراء عليه ، ولم يبح الشرع الكذب إلا في ثلاث () ليس منها تقريب الكفار إلى الدين ! ،وقد أسلفنا من الروايات والنقول عن الإمامية الشيء الكثير في استحباب التقية حال عدم الخوف والضرر ، وأنها مطلوبة لاستمرار التشيع لذاته ، ومما يدل على ذلك دلالة واضحة ، ما رواه الكليني في الكافي عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله : "يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله" ().

    وهذا ما يضاد كتاب الله صراحة ، إذ يقول تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )[التوبة : 33] ، فالله أرسل رسوله بدين الإسلام ليظهره ظهورا حسيا ومعنويا على كل ماعداه من الأديان والآراء الباطلة ، بينما نرى في رواية الكافي أن إظهار الدين الحق ـ بحسب الإمامية ـ يكون مجلبة للذل ، وكتمه يكون عزا ، وهذا لا يكون إلا في الآراء السرية الهدامة المخربة ، ولذلك وجدنا في نقولات القوم كما نقلنا عن الخوئي وغيره أن من أغراض التقية مداراة المخالفين وتحبيبهم في التشيع ، وذلك معناه أن المكلف إن اطلع على حقيقة التشيع دونما تقية فإنه لن يحبه ، بل سيبغضه ، لمناقضته الفطرة والشرع الثابت المستقيم .

    3 ـ وعلى ذلك تفهم الأدلة المذكورة التي استخدمها الرافضة كشبهات لتجويز مبدأهم في التقية ، فكل الآيات التي استدلوا بها إنما هي في المكره الخائف ، أما ما استدلوا به من السنة كحديث ( بئس أخو العشيرة ) فالكلام فيه من وجهين :

    الأول : أنه ليس في الحديث مداراة في الدين أصلا ، فلا فيه إحلال حرام أو فعله ، أو تحريم حلال أو تركه ، بل قصارى ما فيه التبذل في أمر دنيوي كالهش والبش ، لدفع مضرة فحش لسانه ، قال الحافظ : " وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْن عِشْرَته وَالرِّفْق فِي مُكَالَمَته وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْدَحهُ بِقَوْلٍ فَلَمْ يُنَاقِض قَوْله فِيهِ فِعْله ، فَإِنَّ قَوْله فِيهِ قَوْل حَقٌّ ، وَفِعْله مَعَهُ حُسْن عَشْرَة " () ، فمعنى كلامه أن النبي بذل أمرا دنيويا تجاه أمر دنيوي ، فليس في الأمر مدخل ديني ، فلم يثن عليه ، " ولم يمدحه النبي صلى الله عليه و سلم ولا ذكر أنه أثنى عليه في وجهه ولا في قفاه " () ، وإنما هش له وبش ، بل نفس هذا الفعل من حسن الفعال التي أمر بها الشرع مطلقا إلا لحاجة يترتب عليها اقتضاء تركها ، فذلك هو المداراة ، وبين المداراة والمداهنة فرق ، فـ "الْفَرْق بَيْنَ الْمُدَارَاة وَالْمُدَاهَنَة أَنَّ الْمُدَارَاة بَذْل الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوْ الدِّين أَوْ هُمَا مَعًا ، وَهِيَ مُبَاحَة ، وَرُبَّمَا اُسْتُحِبَّتْ ، وَالْمُدَاهَنَة تَرْك الدِّين لِصَلَاحِ الدُّنْيَا ، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ دُنْيَاهُ حُسْن عِشْرَته وَالرِّفْق فِي مُكَالَمَته "()

    الثاني : أن النبي إنما فعل ذلك معه ليتألفه على الإسلام ، وتألف الكافر والفاسق للتوبة إلى الإسلام والطاعة جاء بها الشرع الشريف ، واختص بها مصرفا للزكاة ، وذلك التأليف إنما يكون بأمور دنيوية اتفاقا ، وهكذا الذي في الحديث فأنه " إِنَّمَا تَأَلَّفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ لِين الْكَلَام " () ، فأين هذا من مجاملة المخالفين بترك الفرائض و الواجبات ، وفعل المحرمات ، كما هو في دين الإمامية ؟!.

    ــــــــــــــ
    هوامش :

    () الأزهري في تهذيب اللغة 9/199
    () المعجم الوسيط 2/1052
    () وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام 43
    () الرسائل 2/174
    () الرسائل 2/196
    () الكافي ـ باب التقية 2/219
    () الكافي 2/217
    () نفسه
    () نفسه 2/220
    () نفسه 2/218
    () نفسه 2/220
    () وسائل الشيعة 11/472
    () نفسه بعنوان 11/470
    () وسائل الشبيعة 11/473
    () نفسه 11/474
    () نفسه 11/466
    () جامع الأخبار لمحمد بن محمد الشعيري 95
    () نفسه
    () الاعتقادات 104
    () وسائل الشيعة 11/466
    () الرسائل 2/201
    () التنقيح شرح العروة الوثقى 4/323-333
    () صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات 2/79
    () الفتاوى المنتخبة 1/150
    () تفسير العياشي 2/351 ، والحر في وسائل الشيعة 11/467
    () إثبات الهداة 3/477
    () جامع الأخبار 95
    () وسائل الشيعة 11/57
    () الغيبة 234
    () نفسه 236
    () تاريخ ما بعد الظهور 726
    ()الحدائق الناضرة 1/106
    () في الدرر النجفية
    ()علل الشرائع للصدوق 354
    () الحدائق الناضرة 1/106
    ()نفسه 1/107-108
    () بحوث في شرح العروة الوثقة له 3/349
    () زبدة البيان في أحكام القرآن للأردبيلي 43
    () بحوث في شرح العروة الوثقى 3/350
    () أخرجه الحاكم في المستدرك ( 3362 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 16673 ) وغيرهما ، وقال الحاكم على شرطهما و وافقه الذهبي .
    () الترمذي ( 3799 ) ، وأحمد ( 24864 ) ، والمستدرك ( 5665 ) وصححه الألباني وشعيب .
    () تفسير القرطبي 10/180
    () صحيح البخاري 6/2542
    () نفسه ( 5707 )
    () نفسه 5/2270 ، نكشر يعني تظهر أسنانا والمراد الضحك والبشر .
    () لحديث المسند ( 1939 )وغيره " لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ "
    () الكافي 2/222
    () فتح الباري 17/180
    () شرح النووي على مسلم 8/403
    () فتح الباري 17/180
    () النووي على مسلم 8/403

  2. #2

    افتراضي رد: مبحث في التقية الشيعية

    جزاك الله خيرًا يا شيخ عمرو.. وبارك فيك.
    عن الأوزاعي قال:
    إذا أراد الله بِقَومٍ شرًا.. ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل.
    [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - اللالكائي (1/164)]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    88

    افتراضي رد: مبحث في التقية الشيعية

    وإياك جزى وفيك بارك أخي أبا العباس

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •