تعاهُد الطلبة بتعْليم القرآن وحفظِه هو هدْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما -: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يُعلِّمُنا التشهُّد كما يُعلِّمُنا السورة من القرآن". { م }.
وهذا دالّ على أنَّ تعْليم القرآن أصلٌ يُشبَّه به ما كان يتعاهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصحابَه بالتَّعليم.
قال حذيفة - رضِي الله عنه -: حدَّثنا رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حديثَين، رأيتُ أحدَهما، وأنا أنتظر الآخر، حدَّثنا ((أنَّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثمَّ علموا من القرآن، ثم علموا من السنة .... )) الحديث .. { خ . 7086 }.
* قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
"قوله ((ثمَّ علموا من القرآن، ثم علموا من السنة)) كذا في هذه الرواية بإعادة ( ثم )، وفيه إشارة إلى أنَّهم كانوا يتعلمون القرآن قبل أن يتعلموا السنن، والمراد بالسنن ما يتلقَّونه عن النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - واجبًا كان أو مندوبًا" { الفتح : 13 / 39 }. اهــ.
& قال الميموني: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك، أَبْدَأُ ابْنِي بِالقُرْآنِ أَوْ بِالحَدِيثِ؟
قَالَ: لا، بِالقُرْآنِ، قُلْتُ: أُعَلِّمُهُ كُلَّهُ؟ قَالَ: إلا أَنْ يَعْسُرَ، فَتُعَلِّمَهُ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ لي: إذَا قَرَأَ أَوَّلاً تَعلَّمَ القِرَاءَةَ، ثُمَّ لَزِمَهَا". اهــ.
قال ابن مفلح - رحمه الله -: "وعَلَى هَذَا أَتْبَاعُ الإِمَامِ أَحْمَدَ إلَى زَمَانِنَا هَذَا". اهــ. ((الآداب الشرعية 2 / 33)).
* وقال محمد بن الفضل: "سمعتُ جدِّي يقول: استأذنتُ أبي في الخروج إلى قُتيبة فقال: اقرأ القُرآنَ أوَّلاً حتَّى آذنَ لك، فاستظهرْتُ القُرآن، فقال لي: امكثْ حتَّى تصلِّي بالختمة، ففعلت، فلمَّا عيَّدنا أذِن لي فخرجتُ إلى مرو وسمعت بمروالروذ من محمد بن هشام - يعني صاحب هشيم - فنُعي إلينا قتيبة". اهــ. { تذكرة الحفاظ 2 / 722 }.
& وقال الإمام أبو عمر بن عبدالبر: "طلب العلم درجات ومناقل ورُتب لا ينبغي تعدِّيها، ومَن تعدَّاها جُملةً فقد تعدَّى سبيل السَّلَف - رحمهم الله - ومن تعدَّى سبيلهم عامدًا ضلَّ، ومَن تعدَّاه مجتهدًا زلّ.
فأوَّل العلم: حفظ كتاب الله - جلَّ وعزَّ - وتفهّمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه، ولا أقول: إن حفظه كله فرض، ولكن أقول: إن ذلك واجب لازم على من أحب أن يكون عالمًا ليس من باب الفرض" { جامع بيان العلم وفضله 526 ــ 528 }. اهــ.
وقال الخطيب البغدادي: "ذكر ما يجب تقديم حفظه على الحديث.
ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - إذ كان أجلّ العلوم وأوْلاها بالسَّبق والتقديم". اهــ. { الجامع 1 / 106 }.
وقال الحافظ النووي - رحمه الله -: "وأوَّل ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز فهو أهمّ العلوم، وكان السلف لا يعلِّمون الحديث والفقه إلاَّ لِمن حفظ القرآن، وإذا حفِظه فليحذرْ من الاشتِغال عنه بالحديث والفِقه وغيرهما اشتغالاً يؤدِّي إلى نسيان شيءٍ منه أو تعريضه للنسيان.
وبعد حفظ القرآن يَحفظ من كلِّ فنٍّ مختصرًا، ويبدأ بالأهم ومن أهمها الفقه والنحو ثم الحديث والأصول، ثم الباقي على ما تيسَّر". اهــ. { م. المجموع 1/ 38}.
وقال شيخ الإسلام: "وأَمَّا طَلَبُ حِفْظِ القُرْآنِ: فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا تُسَمِّيهِ النَّاسُ عِلْمًا وَهُوَ إمَّا بَاطِلٌ، أَوْ قَلِيلُ النَّفْعِ.
وَهُوَ أَيْضًا مُقَدَّمٌ في التَّعَلُّمِ في حَقِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ عِلْمَ الدِّينِ مِنْ الأُصُولِ والفُرُوعِ، فَإِنَّ المَشْرُوعَ في حَقِّ مِثْلِ هَذَا في هَذِهِ الأَوْقَاتِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ أَصْلُ عُلُومِ الدِّينِ، بِخِلافِ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ مِن الأعَاجِمِ وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ يَشْتَغِلُ أَحَدُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ فُضُولِ العِلْمِ، مِنْ الكَلَامِ، أَو الجِدَالِ وَالخِلافِ، أَو الفُرُوعِ النَّادِرَةِ، والتَّقْلِيدِ الَّذِي لا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، أَوْ غَرَائِبِ الحَدِيثِ الَّتِي لا تَثْبُتُ وَلا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَكَثِيرٍ مِن الرِّيَاضِيَّات ِ الَّتي لا تَقُومُ عَلَيْهَا حُجَّةٌ، وَيَتْرُكُ حِفْظَ القُرْآنِ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ........... وَالمَطْلُوبُ مِن القُرْآنِ هُوَ فَهْمُ مَعَانِيهِ، وَالعَمَلُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ هِمَّةَ حَافِظِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالدِّينِ، واللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ". { الفتاوى الكبرى 2 / 235 }.
والحمد لله ربِّ العالمين.
(من النبذ في آداب طلب العلم / لحمد العثمان)
http://www.tafsir.net/vb/showthread....925#post126925