عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما بعث الله من نبي ولااستخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان،بطانةتأمره بالمعروفوتحضه عليه، وبطانةتأمره بالشروتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى ". [رواه البخاري]
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:
قوله (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة) في رواية صفوان بن سليم " ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة " والرواية التي في الباب تفسر المراد بهذا، وأن المراد يبعث الخليفة استخلافه، ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام " ما من وال " وهي أعم.
قوله (بطانة تأمره بالمعروف) في رواية سليمان " بالخير " وفي رواية معاوية بن سلام " بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر " وهي تفسر المراد بالخير.
قوله (وتحضه عليه) بالحاء المهملة وضاد معجمة ثقيلة أي " ترغبه فيه " وتؤكده عليه.
قوله (وبطانة تأمره بالشر) في رواية الأوزاعي " وبطانة لا تألوه خبالا " وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه وإن جاز عقلا، أن يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور منه أن يصغي إليه، ولا يعمل بقوله لوجود العصمة، وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله " فالمعصوم من عصم الله تعالى " فلا يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالشر أن يقبل منه، وقيل " المراد بالبطانتين في حق النبي الملك والشيطان " وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم "ولكن الله أعانني عليه فأسلم " وقوله " لا تألوه خبالا " أي لا تقصر في إفساد أمره لعمل مصلحتهم، وهو اقتباس من قوله تعالى {لا يألونكم خبالا} ونقل ابن التين عن أشهب أنه " ينبغي للحاكم أن يتخذ من يستكشف له أحوال الناس في السر، وليكن ثقة مأمونا فطنا عاقلا " لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به إذا كان هو حسن الظن به فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك.
قوله (فالمعصم من عصم الله) في رواية بعضهم " من عصمه الله " بزيادة الضمير وهو مقدر في الرواية الأخرى، ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام " ومن وقي شرها فقد وقي " وهو من الذي غلب عليه منهما.
وفي رواية صفوان بن سليم " فمن وقي بطانة السوء فقد وقي، وهو بمعنى الأول، والمراد به إثبات الأمور كلها لله تعالى: فهو الذي يعصم من شاء منهم " فالمعصوم من عصمه الله لا من عصمته نفسه " إذ لا يوجد من تعصمه نفسه حقيقة إلا إن كان الله عصمه، وفيه إشارة إلى أن ثم قسما ثالثا وهو: أن من يلي أمور الناس قد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائما، وهذا اللائق بالنبي، ومن ثم عبر في آخر الحديث بلفظة " العصمة " وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير، وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا، وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة، فإن كان على حد سواء فلم يعترض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وفي معنى حديث الباب حديث عائشة مرفوعا " من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه " قال ابن التين " يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل أن يكون الملك والشيطان " وقال الكرماني " يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة المحرضة على الخير " إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية انتهى.
والحمل على الجميع أولى إلا أنه جائز أن لا يكون لبعضهم إلا البعض. وقال المحب الطبري " البطانة: الأولياء والأصفياء " وهو مصدر وضع موضع الاسم يصدق على الواحد والاثنين والجمع مذكرا ومؤنثا.
اتمنى يا اخوان مِن مَن لديه فائدة حول هذا الحديث ان لا يحرمنا منها ...