بسم الله الرحمن الرحيم



﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَابَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَ امُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَوَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَأَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُواوَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْمِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُواإِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْأَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّاكُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَقَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْيُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَالْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ ( سورة القلم الآية : 17 - 33 )


القصة إنه كان هناك شيخ له مزرعة وكان لا يدخل بيته ثمرة منها حتى يعطي كل ذي حق حقه. فلما قبض الشيخ وورثه بنوه -وكان له خمسةمن البنين فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكنحملته من قبل ذلك، فراح الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر, فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم. فلما نظروا إلىالفضل طغوا وبغوا، وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقلهوخرف، فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمينفي عامنا هذا شيئا، حتى نستغني وتكثر أموالنا، ثم نستأنف الصنعة فيمايستقبل من السنين المقبلة. فرضي بذلك منهم أربعة، وسخط الخامس وهو الذي قالتعالى: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون).

فقال لهم أوسطهم: اتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا،فبطشوا به، فضربوه ضربا مبرحا. فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهمفي مشورتهم كارها لأمرهم، غير طائع، فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أنيقطفوا ثمار مزرعتهم إذا أصبحوا دون إعطاء الفقراء شيئا منها، فابتلاهمالله بذلك الذنب، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه.

إن الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ما كان ليغفل عن تدبير خلقه، وإجراءسننه في الحياة. فقد أراد أن يجعل آية تهديهم إلى الإيمان به والتسليملأوامره بالإنفاق على المساكين وإعطاء كل ذي حق حقه.. وأن يعلم الإنسان بأنالجزاء حقيقة واقعية، وإنه نتيجة عمله.
وهكذا يواجه مكر الله مكر الإنسان، فيدعه هباء منثورا، (ومكروا ومكر اللهوالله خير الماكرين). وإذا استطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين، فهلاستطاعوا أن يخفوه عن عالم الغيب والشهادة؟ كلا.. وقد أرسل الله تعالىطائفة ليثبت لهم هذه الحقيقة:

في تلك اللحظة الحرجة اهتدوا إلى أن الحرمان الحقيقي ليس قلة المال والجاه، وإنما الحرمان والمسكنة قلة الإيمان والمعرفة بالله.
وهكذا أصبح هذا الحادث المريع بمثابة صدمة قوية أيقظتهم من نومة الضلالوالحرمان، وصار بداية لرحلة العروج في آفاق التوبة والإنابة، والتي أولهااكتشاف الإنسان خطئه في الحياة.
ومن هنا نهتدي إلى أن من أهم الحكم التي وراء أخذ الله الناس بالبأساءوالضراء وألوان من العذاب في الدنيا، هو تصحيح مسيرة الإنسان بإحياء ضميرهواستثارة عقله من خلال ذلك.