تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 21

الموضوع: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

  1. #1

    افتراضي ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    ثبوت الشهر القمري
    بين
    الحديث النبوي والعلم الحديث


    الأستاذ الدكتور شرف محمود القضاة
    كلية الشريعة - الجامعة الأردنية
    المختصر
    يتناول هذا البحث مسألة إثبات الشهر القمري بالحساب والتقدير، وذلك باستعراض أدلة الفريقين ومناقشتها، مبينا أن إثبات الشهر بالحساب هو الأصل الذي لم يكن متيسرا وقطعيا في العصور الأولى، وأن الوسيلة التي كانت متيسرة هي الرؤية إن كان الجو صحوا وإلا فالإكمال ثلاثين، وأنه لابد في عصرنا من الرجوع إلى الأصل لأنه أصبح متيسرا وقطعيا في النفي والإثبات على حد سواء، إذ لا فرق بينهما لا شرعيا ولا علميا.
    ويتميز البحث ببيان المعلومات الفلكية ذات العلاقة، وحالات الشهادة المستحيلة علميا، وبيان المشكلات التطبيقية في الشهادة والإكمال، وميزات اعتماد الحساب.
    ويخلص البحث إلى ضرورة اعتماد الحساب، واعتبار اختلاف المطالع، وأن الهلال إذا ثبت في بلد فقد ثبت في كل البلدان الواقعة على خط الطول نفسه، وفي البلدان الواقعة غربه من باب أولى، وبذلك يدخل الشهر في كل الأرض في يوم واحد بالمعنى الشرعي.

    Abstract

    In this paper we discuss the issue of lunation from Shari'a point of view. Can we rely on calculations or should we be restricted to eyesight? In Sunna, we have two confirmed Hadiths ( sayings of the prophet); one commanding us to estimate, which means to make calculations, and the other commanding us to complete the thirty days of the month if the seing of the new moon is not possible. The later case were followed in the early ages of Islam for two reasons; first , the calculations were not accurate, and second, the Muslim Nation, during that period of time, were nearly illiterate in this area.

    Recently, the astronomic calculations regarding the new moon, and consequently, regarding lunation are not only very accurate, but are rather precise and error free. So, our opinion, which is deduced from the sayings of the prophet, peace be upon him, is to rely on calculations to determine lunation. Finally, we state that if the lunation is proven in a certain area, it is then proven in all places at the same or, by the way, to the west of the longitude line passing through that area.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
    فيعالج هذا البحث مشكلة واقعية وهي الاختلاف الواقع في تحديد بداية الأشهر القمرية وبخاصة شهري رمضان وشوال، فلا شك أن هنالك خطأ يتسبب في هذا الاختلاف، فأين يكمن هذا الخطأ؟ وكيف يمكن التخلص منه؟.
    وهذا الموضوع له جانبان جانب شرعي نابع من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وجانب فلكي معتمد على قوانين حركة الأرض والقمر وموقعهما من الشمس.
    ولقد كان علم الفلك لقرون طويلة علما إسلاميا، ووضع المسلمون كثيرا من قواعده وأصوله وقوانينه، ولم يكن هنالك انفصام بين العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية، ومنها علم الفلك، فكنتَ تجد الفقيه الطبيب كابن رشد الحفيد الذي له كتابان شهيران أحدهما في الفقه وهو ( بداية المجتهد ) والثاني في الطب وهو ( الكليات )، وكابن النفيس الدمشقي الذي كان يدرِّس الفقه والطب، وكثير غيرهما.
    ثم جاءت عصور تقطعت فيه الصلات بين هذه التخصصات، وتقوقع كل تخصص على نفسه حتى في داخل التخصصات الشرعية نفسها، وأصبح التفاهم بين التخصصات الشرعية والطبيعية صعبا، وافتعلت مشكلة بين الإسلام والعلوم الطبيعية تقليدا ومحاكاة لما حدث في أوروبا، وكان هذا من المشكلات الثقافية الهامة التي أصابت الأمة الإسلامية في عصور انحطاطها.
    ولذلك لا بد من إعادة بناء الجسور التي هدمت بين هذه التخصصات إذا أردنا لهذه الأمة أن تنهض من جديد، ويأتي هذا البحث في هذا الإطار الذي أرجو أن يعيد للأمة شيئا من تماسكها الثقافي في وجه ما تلاقيه من هجمات شرسة في كل مجالات الحياة.
    وسأتناول جانب الحديث النبوي والجانب الفلكي، دون الخوض في الجانب الفقهي الذي يحتاج بحثا خاصا، وقد كُتبت فيه فعلا بحوث متعددة قديما وحديثا.
    والله الموفق وعليه وحده الاتكال.
    بماذا يثبت الشهر؟
    لاشك أن الشهر يثبت بالرؤية، ولا شك أنه يثبت بالإتمام عندما يغم على الناس،كما كان ذلك متبعا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى عصرنا هذا، ولكن هل يثبت الشهر بالحساب والتقدير؟ في هذه المسألة رأيان مشهوران:
    أولهما: أن الشهر لا يثبت بالحساب والتقدير وهو قول الجمهور قديما وحديثا.
    ثانيهما: أن الشهر يثبت بالحساب والتقدير وهذا الرأي لم يقل به في القرون الأولى إلا قلة، ولكن أتباعه يزدادون جيلا بعد جيل.

    أدلة الرأي الأول ومناقشتها:
    استدل أصحاب الرأي الأول بما يلي:
    1. بحديث ابن عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ ) .
    قال ابن حجر العسقلاني: إن الحديث علق الحكم بالصوم بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير .
    وقال القرطبي تعليقا على الحديث: إن الله لم يكلفنا في تعرف مواقيت صومنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفتها الحُسَّاب وغيرهم .
    فالحديث ينفي ولا ينهى، إنه ينفي أن تكون الأمة الإسلامية في ذلك الوقت أمة متقدمة في العلوم بعامة وفي علم الفلك بخاصة، وليس في الحديث نهي عن الحساب، وإلا كان معناه تحريم علم الحساب بعامة - أي علم الرياضيات - وتحريم حساب حركة الأجرام السماوية بخاصة - أي علم الفلك – ولم يقل بهذا أحد.
    بل لو أننا فهمنا الحديث على هذا النحو لكان معناه تحريم تعلم الكتابة أيضا لأن الحديث يقول ( لا نكتب ) وهذا ما لم يقل به أحد، ويتعارض مع كل الآيات والأحاديث التي تأمر بالعلم بمعناه الشامل.
    2. وبحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَــالَ ( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) .
    فقالوا إنه لا بد من الرؤية، لأن الحديث رتب الأمر بالصوم على الرؤية، وقد تعبدنا الله بذلك.
    وقد جعل أصحابُ هذا الرأي الرؤية شرطا لثبوت الشهر، ولم يعتبروها وسيلة لإثباته، وهذا مرجوح لأمور:
    أولها: أن الشهر يثبت بالإكمال في حال الغيم بنص الأحاديث المعروفة التي ستأتي في أدلة أصحاب الرأي الثاني، ولذلك لا تشترط رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم الثلاثين لإثبات دخول الشهر باتفاق، لأن وجوده في هذه الحالة لا شك فيه، فالعبرة إذن بتيقن وجوده مع إمكان رؤيته لو لم يحل دون ذلك غمام .
    ثانيها: أنهم لم يطبقوا ذلك على أحاديث أخرى كحديث ( إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم ) ، والمسلمون منذ زمن طويل يصومون ويفطرون على الحساب والتقدير من غير نكير، ولا يراقبون طلوع الفجر وغروب الشمس بالعين كما كانوا يفعلون زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمن من بعده من أهل القرون الأولى الفاضلة، فلماذا لم يجعلوا الرؤية هنا شرطا للإفطار؟.
    ثالثها: أن الحديث خرج مخرج الغالب ، كما هو الشأن في كثير من النصوص الشرعية، والسبب في ذلك أن هذه هي الوسيلة التي كانت متاحة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن متاحا للأمة الإسلامية في ذلك الوقت الحساب الفلكي القطعي، بل ولا الذي يحقق غلبة الظن.
    3. أن الحساب من علم النجوم، وقد نهانا الإسلام عن ذلك، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي ) .
    قال ابن بزيزة: فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنه حدس وتخمين ليس فيه قطع ولا ظن غالب، مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق .
    وهذا الدليل أيضا لا يدل على النهي عن تعلم حساب حركة النجوم ولا عن اعتماده في إثبات الشهر، بل هو نهي عن التنجيم الذي هو ادعاء علم المستقبل من خلال حركة النجوم، والزعم أن للنجوم تأثيرا في حياة الإنسان وأن مستقبل الإنسان يتحدد بناء على برجه أي التاريخ الذي ولد فيه.
    4. أن الحساب ظني لا تقوم به الحجة، كما في كلام ابن بزيزة الآنف الذكر، والدليل على أنه ظني أن التقاويم التي تصدر عنهم تختلف في بدايات الشهور فيما بينها.
    ولقد كان هذا الدليل صحيحا في القرون الأولى من الإسلام، ولكن علم الفلك تقدم كثيرا بعد ذلك عبر القرون، حتى أصبح قبل مئات السنين في نطاق غلبة الظن، ثم أصبح في مسألة بداية الشهر القمري علما قطعيا كما سأبينه لاحقا.
    5. أن في الحساب تكليفا للناس بما لا يطيقون، قال النووي: قالوا ولا يجوز أن يكون المراد - أي بحديث فاقدروا - حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم . وكما في كلام ابن حجر وابن بزيزة الذي سبق ذكره، فمن أين للناس في كل بلدة أو قرية متخصص في علم الفلك.
    وهذا كلام صحيح فيما مضى أيضا حينما كانت وسائل المواصلات بطيئة، ولم يكن من الممكن أن يُنقل خبر بداية الشهر إلى أماكن بعيدة خلال ساعات أو يوم، ولكن هذا في عصرنا عصر الإذاعة والتلفزيون والهاتف والفاكس والإنترنت لا يكلف الناس شيئا من المشقة، بل إن الحساب الآن أسهل عليهم من المراقبة بالعين المجردة في كل منطقة، فيكفي وجود عدد قليل من المتخصصين في علم الفلك في العالم الإسلامي كله يحددون بداية الشهر ويبلغون الناس بذلك في دقائق.
    وهكذا وبعد مناقشة الأدلة فإن أدلة هذا الرأي بعضها لا يصح أصلا، وبعضها يصف واقعا معينا قبل قرون طويلة ولا ينطبق ذلك على عصرنا إطلاقا.

    أدلة الرأي الثاني ومناقشتها:
    يمكن أن يُستدل لأصحاب الرأي الثاني بما يلي:
    1. بقول الله تعالى { شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه … الآية } .
    2. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ) .
    ووجه الاستدلال بهذين الدليلين أن الله قد فرض علينا أن نصوم كل أيام شهر رمضان متى ثبت الشهر، وقد كانت الرؤية ثم الإكمال خير وسيلة لذلك، أما الآن فإن الحساب هو الوسيلة الأفضل لبعدها عن الخطأ، ويؤكد ذلك الدليل التالي.
    3. عن ابن عمر رَضِي اللَّه عَنْهمَا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ ) .
    قالوا إن هذا الحديث يدل على أن الأصل في إثبات الشهر أن يكون بالحساب، ولأن هذا الأصل غير متيسر في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فقد تم اللجوء إلى البديل وهو الرؤية، وإلا فما وجه ذكر أن الأمة أمية لا تكتب ولا تحسب؟ أي يكون معنى مجموع الأحاديث كما يلي: لأننا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب صوموا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا، فالعلة في إثبات الشهر بالرؤية هي أن الأمة لا علم لها بعلم الفلك، والمعلول يدور مع العلة وجودا وعدما، أما في عصرنا فقد تيسر الأصل فلماذا نلجأ إلى البديل؟ .
    4. وبحديث ابن عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ) .
    وقد اختلف العلماء في معنى التقدير الوارد في الحديث على ثلاثة آراء :
    أولها: قدروه تحت السحاب، أي اجعلوه تسعة وعشرين، وعلى هذا الرأي أحمد وغيره.
    وهذا الرأي غير صحيح لأنه على عكس معنى حديث فأتموا، فهو رأي يتعارض مع النصوص الأخرى.
    ثانيها: قدروه بحساب المنازل، أي اعتمدوا فيه الحساب، وعليه ابن سُريج وغيره.
    ثالثها: قدروا له تمام العدة ثلاثين، وعليه الجمهور.
    والذي أرى أنه الراجح هو الرأي الثاني لما يلي:
    أولا: أن معنى هذا الحديث كمعنى الحديث الوارد في مدة مكث الدجال وأنه يمكث أربعين يوما منها يوم كسنة ( قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا اقدروا له قدره ) ، فلا شك أن المعنى هنا هو الحساب لكل صلاة بحيث يصلون في ذلك اليوم صلاة سنة.
    ثانيا: تبين لي بعد جمع الروايات ورسم شجرة الأسانيد ومقارنتها ما يلي: اتفق كل الرواة من طريق سالم عن ابن عمر، ومن طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر على رواية ( فاقدروا له ) كما هو في البخاري ومسلم والموطأ والنسائي وابن ماجة وأحمد، وبعض أسانيدهم مما قيل فيها: أصح الأسانيد.
    وأما رواية ( اقدروا له ثلاثين ) فقد اختلف فيها الرواة عن نافع عن ابن عمر، فروى أكثرهم ( فاقدروا له ) من غير لفظة ثلاثين، كما في البخاري ومسلم والموطأ والدارمي وأحمد، وعدد هذه الروايات إحدى عشرة رواية، ولم ترد رواية ( فاقدروا له ثلاثين ) إلا في ثلاث روايات من طريق نافع كما في مسلم وأبي داود.
    ولذلك فإن رواية ( فاقدروا له ) هي الرواية الأصح من حيث عددُ الرواة، ومن حيث قوةُ ضبطهم.
    5. أن الحساب كان ظنيا، بل كان دون ذلك، ولكنه الآن أصبح قطعيا لأن حركة الأجرام السماوية من شمس وقمر وغيرهما حركة منتظمة لها قانون ثابت، يقول الله تعالى { الشمس والقمر بحسبان } أي بحساب ثابت دقيق جدا، كما تدل عليه صيغة المبالغة.
    ويقول سبحانه { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } .
    ولقد بدأت محاولات الإنسان لمعرفة قوانين حركة المجموعة الشمسية منذ زمن سحيق، وبدأ العلماء يحققون شيئا من التقدم منذ آلاف السنين، ولكن حساباتهم كانت ظنية، واستمر العلماء في تعديل حساباتهم حتى أصبحت في عصرنا غاية في الدقة، وحتى أصبحوا يحسبون الشهر القمري بأجزاء الثانية، وأصبح من المعلوم لديهم جميعا دون اختلاف أن متوسط الشهر القمري هو: 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة وثانيتان و87% من الثانية، أفيمكن بعد ذلك أن يقال إن الحسابات الفلكية ظنية !.
    ولذلك تعرف ولادة القمر ( أي لحظة الاقتران ) باليوم والساعة والدقيقة والثانية لمئات السنين القادمة، وهي الآن موجودة ومعلنة ومطبوعة لعشرات السنين القادمة ، كما أنها موجودة في برامج الحاسوب، وعلى شبكة الإنترنت، وليس ذلك من العلم بالغيب في شيء، وإنما يدل ذلك على أن لهذا الكون سننا وقوانين ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.
    وأما ما يقال من اختلاف التقاويم فيما بينها فليس سببه اختلاف المتخصصين، فهذه التقاويم لا تصدر عن المتخصصين ولا عن المراكز العلمية، وإنما تصدر عن بعض المقومين الذين تعلموا ذلك من كتب وجداول قديمة مضت عليها مئات السنين، وفيها أخطاء، ولم يدرس هؤلاء المقومون علم الفلك الحديث، ومع ذلك فإن بعض وسائل الإعلام تخلط - كما هو شأنها - وتصفهم أنهم علماء في الفلك، وهذا كمن يخلط بين الطب الشعبي والطب الحديث وبخاصة في مجال التشخيص بعد كل التقدم الموجود في علم المختبرات وما شاكلها من وسائل.
    ومما يؤكد هذه الدقة أن حسابات الكسوف والخسوف دقيقة جدا رغم أنها أصعب بعشرات المرات من حساب بداية الشهر القمري، ومع ذلك يحدد العلماء قبل عشرات بل مئات السنين مواعيد الكسوف والخسوف باليوم والساعة والدقيقة، ويحددون الأماكن التي يرى منها، وكم سيستمر، وهل سيكون كليا أم جزئيا، وكل ذلك يتحقق بدقة كما يعرف المتابعون لذلك ، فإلى متى يمكن تجاهل ذلك؟ ولماذا يتم تجاهله؟ ولماذا يريد البعض أن يضع الإسلام في موضع المعارضة للحقائق العلمية الحديثة؟ وأن يوقع الإسلام في مثل ما أوقعت به الكنيسة في أوروبا نفسها، مما أدى إلى فصل الدين عندهم عن الحياة، ولمصلحة من يتم ذلك؟ بالرغم من أن الإسلام - وهو دين العلم - لم ينه عن الأخذ بالحساب والتقدير وبخاصة إذا كان قطعيا، بل قد أشار إليه، بل قد أمر به، كما سبق ذكره في أدلة أصحاب الرأي الثاني.
    وهكذا يمكن فهم الحديثين المتعلقين بحالة الغيم ( فإن غم عليكم فأكملوا ) و( فإن غم عليكم فاقدروا ) بشكل متكامل، فإنه لا تعارض بين الحديثين، وإنما يطبق كل منهما في حالة غير الأخرى، فإن كان الحساب ظنيا، أو كانت الأمة أمية في هذا المجال فالحكم الشرعي هنا هو الإكمال، وأما إن كان الحساب قطعيا أو قريبا من ذلك فإن المطلوب في هذه الحالة هو التقدير، ولعل أول من قال بهذا الرأي هو ابن سريج أحد كبار الفقهاء في القرن الثالث الهجري، ولذلك نقل ابن العربي عنه أن حديث ( فاقدروا ) خطاب لمن خصه الله بهذا العلم .
    وهكذا فإنه يتبين من خلال مناقشة الرأيين أن الرأي الثاني الذي يأخذ بالحساب والتقدير هو الأرجح في عصرنا بعد أن زالت عن الأمة الإسلامية أُمِّيَتُها، وبعد أن أصبح علم الفلك في مجال حساب حركة القمر والأرض علما قطعيا.

    هل التقدير للإثبات والنفي أم للنفي فقط؟:
    فرَّق بعض العلماء بين الأخذ بالحساب بين حالتي النفي والإثبات، فقالوا لا نثبت الشهر إلا بالرؤية أو الإكمال في حالة الغيم تطبيقا للأحاديث التي استدل بها الفريق الأول، ولا يأخذون بالحساب إلا في نفي شهادة الشهود إذا شهدوا برؤية الهلال وكان الحساب يقول باستحالة تلك الرؤية.
    وقد ظهر هذا الرأي في وقت متأخر نسبيا، حيث بدأت الأمة تخرج من أميتها الفلكية، وبدأت الحسابات تدل على استحالة بعض الشهادات، ولعل أول من قال بهذا - إذا كانت الحسابات قطعية في النفي لا في الإثبات - هو تقي الدين السبكي في القرن الثامن الهجري حيث قال: وهاهنا صورة أخرى وهو أن يدل الحساب على عدم إمكان رؤيته … فلو أُخبرنا به بخبر واحد أو أكثر ممن يحتمل خبره الكذب أو الغلط.. لم تقبل الشهادة، لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظن لا يعارض القطع فضلا عن أن يقدم عليه، والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسا وعقلا وشرعا.. والشرع لا يأتي بالمستحيلات .
    ولم يثبت السبكي الشهر بالحساب لسبب ذكره فقال: إن الحساب - لدخول الشهر - إنما يقتضي الإمكان، ومجرد الإمكان لا يجب أن يرتب عليه الحكم.. والفرق بينه وبين أوقات الصلاة أن الغلط قد يحصل هنا كثيرا بخلاف أوقات الصلاة يحصل القطع أو قريب منه غالبا . فسبب أخذه بالحساب في النفي فقط هو أن علم الفلك في عصره - أي قبل سبعة قرون - كان قطعيا في النفي دون الإثبات، أو هكذا ظن السبكي رحمه الله ولذلك فإن السبكي ممن يقول باعتماد الحساب في الإثبات أيضا إذا صار الحساب قطعيا كما في عصرنا.
    وممن قال به من المتأخرين الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر ، والشيخ علي الطنطاوي حيث يقول: وهذا الحساب قطعي، بينما الشهادة على الرؤية غير قطعية فربما توهم الشاهد أو كذب … وخلاصة رأي السبكي الذي يجمع بين العمل بحديث (صوموا لرؤيته) وبين حقائق علم الفلك هي أن نسأل أولا علماء الفلك هل يمكن أن يُرى الهلال هذه الليلة؟ فإن قالوا: نعم، تحرينا رؤيته … وإن قالوا بأنه لا يمكن أن يُرى رددنا شهادات الشهود … وأنا أرجو ممن يقرأ هذه الفتوى … أن يفكر في رأي السبكي فإن فيه العمل بالسنة وفيه اتباع حقائق العلم، وأرجو من أهل العلم وأرباب الأقلام أن يتكلموا فيه .
    وهؤلاء الثلاثة ممن مارس القضاء، وخبر الأمر عمليا، واطلع على الأعاجيب في شهادات الشهود، وقد أخذ بهذا الرأي عدد من المحاكم الشرعية في الدول الإسلامية كمصر والأردن، ويقول بهذا الرأي عدد من العلماء اليوم، وذلك محاولة للتقريب بين رأي من يأخذ بالحساب مطلقا، ورأي من يرفضه مطلقا.
    ولا شك أن هذا الرأي أقرب إلى الصواب من رأي من يرفض الحساب مطلقا، ويقبل شهادة من يشهد برؤية الهلال ولو قبل ولادته ( الاقتران ) بيوم كامل.
    وميزة هذا الرأي ما يلي:
    1. أنه يحاول التوفيق بين الرأيين السابقين.
    2. أنه في الحقيقة درجة للوصول إلى الأخذ بالحساب في الإثبات والنفي.
    3. أنه يعالج المشكلة كما يعيشها العالم الإسلامي اليوم، فالمشكلة الرئيسية في عصرنا ليست في عدم رؤية الهلال لغيم أو غيره مع أن الحساب يثبت وجوده، ولكن المشكلة التي تتكرر في أكثر السنين هي الشهادة برؤية الهلال قبل ولادته (الاقتران) أو بعد الاقتران ولكن أثناء المحاق، أي حيث لا تمكن رؤيته.
    ولكننا لو دققنا في هذا الرأي لم نجد له ما يؤيده لا شرعيا ولا علميا، فالنصوص الشرعية لم تفرق بين النفي والإثبات في الأخذ بالحساب والتقدير، وبخاصة حديث ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) ففي الحديث أمر بالتقدير لإثبات الشهر، وليس لنفي الشهادة، وأما علميا فلا فرق في دقة الحساب وقطعيته بين حساب إثبات دخول الشهر، وحساب نفي دخوله.
    وهكذا فإن الراجح في عصرنا أن اعتماد التقدير والحساب يكون للنفي والإثبات سواء بسواء، وذلك لما يلي:
    1. لأن الحساب هو الأصل الذي لم يكن متيسرا في العصر النبوي فجاء الأمر بالصوم إذا رئي الهلال بديلا عنه، كما دل على ذلك حديث ( إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ ).
    2. ولأن الشهادة بالرؤية غالبا ما تكون ظنية وكذلك الإكمال، بينما الحساب في عصرنا قطعي، وكلها وسائل فنأخذ في كل عصر بأقوى وسيلة.
    3. وتطبيقا لحديث ( فإن غم عليكم فاقدروا له ).
    ونكون بذلك قد أخذنا بالنصوص الشرعية كلها، وفهمناها بطريقة متكاملة، ونكون في الوقت نفسه قد أخذنا بالحقائق العلمية الحديثة ولم نهملها، ومن أشهر من قال بهذا الرأي قديما مطرف بن عبد الله من كبار التابعين في القرن الهجري الأول ، وأبو العباس بن سريج من كبار الفقهاء في القرن الثالث الهجري، وابن قتيبة الدينوري من كبار علماء القرن الهجري الثالث ، والسبكي من كبار علماء القرن الثامن الهجري إن كان الحساب قطعيا، حيث يعلق على حديث ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) فيقول: وقد يقال إنه يرد على القائلين بجواز الصوم أو وجوبه إذا دل الحساب على رؤيته، ووجه الاعتذار عنه أنه لما دل على الصوم بإكمال ثلاثين من غير رؤية فهمنا المعنى وهو طلوع الهلال وإمكان رؤيته، وهما حاصلان بالهلال في ليلة الثلاثين في بعض الأوقات .
    ويقول في مكان آخر: وإذا غم الهلال علينا في مثل ذلك فيقوى اعتماد الحساب والحكم بالهلال كما قاله كثير من الأصحاب .
    ومن أشهر من قال به في عصرنا الشيخ أحمد شاكر حيث قال: فإذا خرجت الأمة عن أميتها وصارت تكتب وتحسب … وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت، وأن يأخذوا في إثبات الأهلة بالحساب وحده .
    والشيخ مصطفى الزرقا الذي تبنى هذا الرأي في مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة، ولكن هذا الرأي لم يحصل على أكثرية الأصوات .
    حيث قال: إن الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلة لإثبات الشهور يجب أن يقبل من باب قياس الأولى، بمعنى أن السنة التي شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى لما يحيط بها من الشك والاحتمال - وهي الرؤية - لا ترفض وسيلة أعلى وأكمل وأوفى بتحقيق المقصود .

    لمحة فلكية
    يدور القمر حول الأرض في مدار إهليلجي، ولذلك فإنه يقترب أحيانا من الأرض فيكون في الحضيض، ويبتعد أحيانا أخرى فيكون في الأوج، وقد جعل الله سبحانه له قانونا، فكلما اقترب زادت سرعته لئلا ينجذب إلى الأرض ويصطدم بها، وكلما ابتعد قلت سرعته لكيلا ينفلت من الجاذبية ويخرج عن مساره، ويتم كل هذا بنظام دقيق وضعه الله ببالغ حكمته، ويعرف هذا القانون بقانون كبلر، وهو اسم العالم الذي اكتشفه.
    والأرض تدور كذلك حول الشمس في مدار إهليلجي بحسب القانون نفسه، فتكون الأرض أبعد ما تكون عن الشمس وفي أقل سرعة لها في 21/6 وفي 21/12 من كل سنة وتكون أقرب ما تكون من الشمس وفي أقصى سرعة لها في 21/3 وفي 23/9.
    فإذا أصبح مركز كل من الشمس والأرض والقمر على خط واحد سُمي ذلك: الاقتران المركزي، وفي هذه الحالة فإن الوجه المضيء من القمر الذي يواجه الشمس لا يواجه شيءٌ منه الأرضَ، فلا تمكن رؤية شيء منه، ويسمى هذا الوضع أيضا: المحاق، وذلك لانمحاق أي: انعدام رؤية أي شيء من القمر .
    ويحدث الاقتران بمعدل كل: 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة وثانيتان و87% من الثانية ، وهذا هو متوسط الشهر القمري، أي إن متوسط الشهر القمري هو: 29.53 يوما .
    ومن المستحيل أن تكون أكثر أشهر السنة 29 يوما، أو أن يكون رمضان أو أي شهر آخر في أغلب السنوات – لسنوات طويلة - تسعة وعشرين يوما، لأن متوسط الشهر القمري أكثر من تسعة وعشرين يوما ونصف اليوم، فاحتمال كون الشهر ثلاثين يوما هو 53% ، بينما احتمال كونه تسعة وعشرين يوما هو 47%، ولهذا السبب كان الأمر النبوي بإكمال الشهر إذا غم على الناس لأن غالب الأشهر ثلاثون يوما.
    ولذلك فإن علماء الفلك يعلمون علم اليقين اليومَ والساعة والدقيقة بل والثانية التي يتم فيها الاقتران المركزي، وكل هذا معلوم لعشرات السنين القادمة، وهو معلن ومنشور، ويعرفه أهل الاختصاص والمهتمون بذلك .
    وهذا الاقتران المركزي يتم في اللحظة ذاتها لكل الكرة الأرضية، أي لا يختلف باختلاف المطالع، وموعده - كما ذكرت سابقا - أمر قطعي لا يختلف فيه المتخصصون.
    وإذا حدث الاقتران قبل منتصف الليل - بتوقيت جرنيتش - فيعد ذلك ولادة الهلال، وهو بداية الشهر فلكيا، ولكنه ليس بداية الشهر شرعيا، لأنه تستحيل رؤية الهلال في هذه الحالة، ولا بد لبداية الشهر شرعا من رؤية الهلال الجديد بعد غروب الشمس، أو إمكان رؤيته بحسب الحساب، وبين الولادة بالمعنى الفلكي للهلال والولادة بالمعنى الشرعي يوم كامل غالبا، ولذلك فمن الخطأ اعتماد الاقتران المركزي بداية للشهر شرعا.
    وإذا حدث الاقتران المركزي وقت غروب الشمس فإن القمر في هذه الحالة يغيب مع غياب الشمس غالبا، وتستحيل رؤيته لأن الوجه المضيء للقمر بأكمله باتجاه الشمس، وليس مقابل الأرض إلا الوجه المظلم.
    أما إذا حدث الاقتران المركزي قبل غياب الشمس بعدة ساعات فإن القمر يغيب بعد الشمس بوقت قصير لا يكفي لإمكانية رؤيته، فإن سرعة الشمس الظاهرية أكبر من سرعة القمر كما يراهما المراقب من فوق سطح الأرض، وفي حالات نادرة يغيب قبل الشمس كما حدث في هلالي شهري رمضان وشوال لعام 1427هـ.
    ومتوسط الزمن الذي يتأخره القمر عن الشمس كما يراه الإنسان من الأرض حوالي 48 دقيقة في كل يوم، ومعنى هذا أن القمر يتأخر عن الشمس بمعدل دقيقتين في كل ساعة، فإذا تم الاقتران قبل غروب الشمس بخمس ساعات فإن القمر سيغيب بعد الشمس بعشر دقائق، وهذا بشكل متوسطي ، وفي هذه الحالة أيضا تستحيل رؤية الهلال الجديد لأمرين:
    أولهما: أن الجزء المواجه للشمس والأرض معا، أي الجزء المضيء من القمر بالنسبة لمن هو على سطح الأرض صغير جدا جدا لا يساوي إلا حوالي جزءا من سبعين جزءا من القمر بدرا.
    ثانيهما: أن الهلال الصغير هذا يكون قريبا جدا من الشمس، وهو في مجالها الضوئي القوي، بحيث تكون أشعتها في الأفق بعد الغروب بعدة دقائق أقوى من ضوء الهلال الوليد.
    ولذلك فمن المستحيل أن يرى الهلال إلا إذا تأخر غيابه عن غياب الشمس بما لا يقل عن ( 29 ) دقيقة ، وهذا يعني أن يكون قد مضى على الاقتران حوالي ( 15) خمس عشرة ساعة على الأقل، وقد لا يُرى إلا بعد حوالي ثلاثين ساعة من الاقتران المركزي، وهذا يرجع إلى عدة متغيرات، منها موقع القمر من الأرض، وموقع الأرض من الشمس، لأن ذلك الموقع قربا أو بعدا يؤثر على سرعة كل منهما.
    ومن الجدير بالذكر أن هذه المعلومات والأرقام قد وضعت بعد مراقبة مستمرة - لمئات السنين - من قبل كثير من المراصد، ومن قبل كثير من الهواة الذين يراقبون الهلال في مختلف أنحاء العالم وبخاصة - للأسف الشديد - العالم غير الإسلامي، وإن أقل زمن أمكنت رؤية الهلال فيه بعد الاقتران يعد من الأرقام القياسية التي تسجل، وإذا ثبت أن أحدا رأى الهلال بعد الاقتران بزمن أقل فإن هذا الرقم الجديد يسجل، ولكن الأمر بلغ من الدقة أن الرقم الجديد لا يختلف عن الرقم القديم إلا بالدقيقة أو أجزائها.
    وتستحيل رؤية الهلال بعد الغروب - وهي الرؤية المعتبرة شرعا - إذا رئي صباحا قبل طلوع الشمس، لأن هذه الرؤية تعني أن الاقتران لم يحدث بعد، وأن القمر لازال - كما يُرى من فوق الأرض - أمام الشمس، وهذا يعني أنه لا بد من مرور 15 ساعة على الأقل حتى يحدث الاقتران، وإلى 15 ساعة أخرى بعد الاقتران لتمكن رؤيته، ويجب مرور هذا الوقت كله وهو ثلاثون ساعة على الأقل ما بين رؤيته قبيل طلوع الشمس وما بين بعيد غروب الشمس، وهذا مستحيل حتى في أطول نهار من أيام السنة.
    كما أنه من المستحيل رؤية الهلال قبل حدوث الاقتران بساعات، لأنه في هذه الحالة سيغيب قبل الشمس، ومن المستحيل أن يُرى على صغره أثناء سطوع الشمس، وحتى لو رئي - فرضا - فلا يعتد بهذه الرؤية لأن هذا الهلال ليس هو هلال الشهر الجديد، وإنما هو بقية هلال الشهر السابق، ولذلك لا يعتد بهذه الرؤية لا شرعيا ولا فلكيا.
    ومن المستحيل أن تتم رؤية الهلال أول ما يُرى في كل شهر أو في أغلب الشهور في منطقة بعينها، أو في دولة واحدة من بين دول العالم كلها، فليتنبه إلى ذلك .

    مشكلات الشهادة والإكمال
    الشهادة بالمستحيل
    لازال بعض الناس يظن أن الرؤية يمكن أن تتعارض مع الحسابات الفلكية، وما سبب هذا الظن إلا بُعدهم عن هذا التخصص وما وصل إليه علم الفلك في هذا المجال، والصحيح الذي لا شك فيه عند كل من له إلمام علمي بهذا الموضوع أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تتعارض الرؤية مع الحسابات الفلكية، وإنما الممكن والموجود كثيرا هو أن تتعارض الشهادة مع الحسابات، وفرق كبير بين الأمرين، ذلك أن شهادة واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أي عدد من آحاد الناس شهادة ظنية، ولا تكون الشهادة قطعية إلا أن تكون متواترة، أي أن يشهد بالرؤية عدد يستحيل - عادة - وقوعهم في الكذب أو الخطأ، ولا يتحقق هذا إلا قليلا.
    ومن المعلوم أن الشهادة بالمستحيل شهادة غير مقبولة، فمن شهد في عصرنا أنه رأى بعض الصحابة، أو حضر غزوة بدر حكمنا برد هذا الخبر أو هذه الشهادة.
    وإذا ثبت أن الشمس قد غابت أمس في تمام الساعة الخامسة، ثم جاء من يخبر أنها غابت اليوم في الرابعة حكمنا برد كلامه، لأنه معلوم عادة أنه لا يمكن أن يكون الفرق في غروب الشمس بين يومين متتاليين أكثر من دقيقة أو دقيقتين، فكيف يمكن أن يكون هذا الفرق ساعة؟ وكيف يمكن أن نقبل شهادة من شهد برؤية الهلال قبل ولادته بساعات؟.
    مشكلات إثبات الشهر بالشهادة
    إن للشهادة بالرؤية مشكلات متعددة يعاني منها المسلمون في العالم مع بداية كل شهر، وبخاصة رمضان و شوال وذا الحجة، وتتركز هذه المشكلات في أن الشهادة بالرؤية إنما تكون عادة من واحد أو اثنين أو عدد قليل من الشهود، وتعد هذه الشهادة شهادة ظنية تحتمل الخطأ، وتحتمل الكذب، ولذلك لم يقبل الحنفية الشهادة في حال الصحو إلا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم .

    ومن أسباب الخطأ ما يلي:
    1. عدم صفاء الجو، فمن المعلوم أن جو الأرض في القرنين الأخيرين قد تكدر وتعكر كثيرا، وذلك نتيجة لما أطلقته المصانع والآلات ووسائل المواصلات الحديثة في جو الأرض، مما جعل التلوث في الجو يصل إلى مستويات لم تعرفها البشرية من قبل، ولذلك فقد يكون الهلال موجودا ولا يُرى، وهذه مشكلة حديثة نسبيا.
    2. كثرة الطائرات في الجو مما يجعل أشعة الشمس بعد غروبها عن الشخص الـذي يراقب عن سطح الأرض تبقى فترة من الزمن في مقابلة هذه الطائرات، ويُحدث ذلك لمعانا يراه الذي يقف على الأرض، ويظنه بعض الناس الهلال الجديد.
    وقد حدث هذا من بعض الطلبة المسلمين الذين يدرسون في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1993 حيث قرروا - وكانوا أربعة - مراقبة الهلال بأنفسهم، فاستأجروا طائرة صغيرة وارتفعوا بها فوق السحاب وبعد قليل رأوا شيئا ظنوه الهلال، ونزلوا واتصلوا باللجنة يشهدون أنهم رأوا الهلال، وبعد سؤالهم واحدا بعد الآخر عن بعض التفصيلات قال ثلاثة منهم إنهم غير متأكدين من ذلك، وإن الرابع هو الذي رآه جيدا، وعند سؤاله عن شكل الهلال الذي رآه وعن اتجاهه وعن موقعه من الشمس قال: إن شكل الهلال الذي رآه خط مستقيم !!!.
    3. استعمال المقراب ( التلسكوب ) الذي يقرب الأجرام الموجودة في السماء فتبدو أكبر، وربما رأى بعضهم هلال بعض الكواكب فيظنه هلال القمر، كما حدث ذلك مع تسعة من الطلبة المسلمين في أمريكا أيضا - كما حدثني أحدهم - حيث رأوا هلالا، ولما شهدوا بذلك أمام اللجنة التي كانت تضم بعض الفلكيين وسئلوا عن موقع الهلال الذي شاهدوه، وعن شكله واتجاهه ومكانه تبين أن الذي شاهدوه هو هلال الزهرة، وكذلك ما حدث في آخر يوم من شعبان سنة 1427هـ حيث شاهد بعضهم هلال عطارد، ولذلك يفضل أن لا تزيد قوة تكبير المقراب عن عشرة أو خمس عشرة مرة .
    4. عدم الخبرة في مراقبة الهلال عند الناس إلا ما ندر، وإن كان بعض الناس يظن أن الأمر سهل ولا يحتاج إلى خبرة، وتنتشر بين هؤلاء الناس كثير من الأخطاء الشائعة التي يظنون أنها لا يرقى إليها شك، فلقد وصل الأمر ببعض من شهد برؤية الهلال أن يقول عندما سئل عن الموعد الذي رأى فيه الهلال إنه رآه بعد الفجر، وأجاب آخر بأنه رآه قبل غروب الشمس، ورأيت من يراقب الهلال يوما وهو يعتقد أن الهلال يكون غائبا في الأفق ثم يرتفع بعد غروب الشمس ثم يغيب ثانية، ولما حاولت إفهامه خطأه أصر وقال إنه متأكد من ذلك !!!.
    ويظن البعض أنه يعرف عمر الهلال بدقة بمجرد النظر إليه في أي يوم من أيام الشهر، دون معرفة موعد ولادته، وهذا لا يمكن لاحتمال وقوع الهلال في أعلى المنزلة أو أدناها، أو ما بين ذلك، وإنما يعرف من موعد الاقتران، وهذا كمن يحاول معرفة عمر الطفل الصغير الذي عمره أيام من النظر إليه، دون النظر إلى تاريخ ولادته.
    ولقد ثبت أن الخطأ في هذه الشهادات غير قليل، وقد بينت دراسة مقدمة إلى مؤتمر الفلك الإسلامي الثاني في الأردن عام 2001م من الفريق الأردني وكذلك السوري لهلالي رمضان وشوال خلال خمسين سنة، أن الخطأ كان أكثر من 90 %، نعم أكثر من تسعين بالمائة.
    ومما يدل على الخطأ أو الكذب في الشهادة ما يلي:
    1. حدوث الكسوف في اليوم الأول من الشهر حسب الشهادة، فهذا يعد دليلا قاطعا على أن الشهادة غير صحيحة، كما حدث ذلك في السعودية سنة 1403هـ، وتبعتها في ذلك أكثر الدول الإسلامية، فقد شهد بعضهم برؤية الهلال مساء الجمعة أي ليلة السبت، وحدث كسوف للشمس يوم السبت - كما كان ذلك متوقعا سلفا من الفلكيين - ورئي هذا الكسوف في عدة دول، فدل هذا بلا أدنى شك على أن السبت ليس بداية رمضان، وأن الشهادة لم تكن صحيحة.
    والأعجب من ذلك أن هناك - في السنة نفسها - من شهد بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من رمضان ابتداء من السبت الذي زعم البعض أنه رأى هلال رمضان ليلته، أي يوم الثامن والعشرين من رمضان في الحقيقة، هناك من شهد أنه رأى هلال شوال وقبلت شهادته، وتم إعلان عيد الفطر، ثم صدرت الفتوى - بعد ذلك - بقضاء يوم، لأن رمضان لا يمكن أن يكون ثمانية وعشرين يوما .
    2. أن لا يرى في اليوم الثاني من الشهادة رغم عدم وجود غيوم تمنع رؤيته، فإن رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم الأول، أي في ليلته الثانية تكون في غاية السهولة، ولا تحتاج رؤيته إلى بحث في الأفق أو تركيز نظر، ولذلك يتأخر الإعلان عن ثبوت هلال شهر ذي الحجة يوما كاملا على الأقل للتأكد من رؤيته بعد غروب اليوم الأول منه، وهذا أمر جيد، وإنما تم اللجوء إليه لحدوث بعض الأخطاء في الشهادة برؤية هلال ذي الحجة في بعض السنوات، ولأن في الأمر متسعا من الوقت، بخلاف شهري رمضان وشوال حيث لا مجال لتأخير الإعلان عن بداية الشهر إلى اليوم التالي.
    ومن العجيب أن ينكر مجمع الفقه الإسلامي في مكة على رئيس المحاكم الشرعية في قطر قوله: إنكم قبلتم شهادة من رأى الهلال يوم الاثنين، ونحن لم نره في قطر لا يوم الاثنين ولا يوم الثلاثاء، علما أن الجو كان صافيا، وقد جاء في الرد أنه لا تشترط رؤيتكم للهلال لا في اليوم نفسه ولا في اليوم الذي يليه، ولو كان ذلك دليلا على عدم صحة الرؤية لأخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    3. أن يكون الفرق في إثبات الشهر بين منطقتين في العالم أكثر من يوم، وقد حدث هذا في بعض السنوات كسنة 1409هـ حيث صامت السعودية والكويت وقطر والبحرين وتونس وغيرها الخميس كلها برؤية السعودية، وصامت الأردن ومصر والعراق والجزائر والمغرب وغيرها الجمعة، وصامت باكستان والهند وإيران وعُمان السبت .
    4. أن يشهد الشاهد بشيء مستحيل، كالحالات التي سبق ذكرها.

    شروط الشاهد
    لمعالجة احتمال الخطأ أو الكذب في الشهادة لا بد من اشتراط بعض الشروط:
    1. أن يكون الشاهد عدلا أي مسلما بالغا عاقلا تقيا ذا مروءة وذلك لضمان عدم كذبه.
    2. أن يتم التأكد من ضبطه من خلال مناقشته في شهادته، وسؤاله عن المكان والزمان الذي رأى فيه الهلال، وعن شكل الهلال، وعن موقعه من الشمس، وذلك لضمان عدم وقوعه في الخطأ.
    وأما حديث الأعرابي الذي يستدل به البعض على قبول شهادة الشاهد بمجرد كونه مسلما ودون أن يكون عدلا ضابطا فهذا نصه: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا.
    قَالَ أَبو عِيسَى ( الترمذي ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ رَوَوْا عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا .

    ولذلك فهو حديث ضعيف لأمور:
    أولها: أن الراجح فيه أنه حديث مرسل، فهو مردود عند كثير من العلماء، ولم تتوفر فيه شروط القبول عند من يقبل المرسل بشروط.
    ثانيها: أنه يتعارض مع النصوص الأخرى التي تشترط في الشاهد في كل مجالات الشهادة دون استثناء العدالة والضبط.
    ثالثها: أن رواية سماك عن عكرمة مضطربة.

    مشكلات الإتمام:
    يكون الإتمام عند عدم التمكن من رؤية الهلال مساء اليوم التاسع والعشرين، وفي القديم كانت هذه هي أفضل وسيلة - بعد الرؤية - لإثبات الشهر، بل هي الوسيلة الوحيدة عند المسلمين الأوائل الذين لم تكن لهم معرفة بالحساب والتقدير.
    وقد كان الإتمام في العصور الإسلامية الأولى وبخاصة في غير فصل الشتاء قليلا نسبيا، لصفاء الجو، وخبرة الناس، واهتمامهم في مراقبة الهلال.
    ولكن الإتمام في الدول الكثيرة الغيوم مشكلة كبيرة، فكثير من دول العالم يكون الجو غائما حتى في الصيف، وأما في الشتاء فلا تكاد الشمس تُرى، فكيف تمكن رؤية الهلال الصغير في الأفق؟ وهم في هذه الحالة بين أمور ثلاثة هي:
    1. إكمال الشهر لعدم الرؤية، والمشكلة هنا أن هذا يتكرر، وسيضطرون لإتمام عدة شهور متوالية أحيانا، وهذا سيجعل الخطأ يتراكم شهرا بعد شهر حتى يصل في بعض الحالات إلى عدة أيام.
    2. أن يأخذوا برؤية غيرهم ولا يعتدون باختلاف المطالع، وهذا أمر مختلف فيه، ولا توافق عليه بعض المذاهب، ولم يرد في هذا الموضوع إلا حديث واحد هو حديث كريب الذي يدل على وجوب أن يصوم كل بلد حسب المطلع الخاص به.
    3. أن يأخذوا بالتقدير والحساب أخذا بالحديث الصحيح (إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ).


    فوائد التقدير
    إذا أنعمنا النظر في التقدير والحساب وجدناه خاليا من المشكلات التي نجدها في غيره، بل إننا نجد فيه فوائد متعددة تدل على أهميته، ومن أهمها:
    1. أنه ينهي الخلاف المستمر المتكرر بين المسلمين في بداية الأشهر القمرية وبخاصة لشهري رمضان وشوال.
    2. يُمَكِّننا من عمل تقويم هجري دقيق للمستقبل، ولا يمكن للعالم اليوم أن يعيش وينظم أمور حياته من غير تقويم دقيق للمستقبل يحدد بداية كل شهر وكل سنة ونهايتهما، وذلك لتنتظم مواعيد الناس في كل شؤونهم، كالتقاويم اللازمة للحكومات والمؤسسات، وتنتظم مواعيد الطائرات والقطارات وغير ذلك.
    إن من أسباب انتشار التقويم الميلادي في العالم الإسلامي على حساب التقويم الهجري أن التقويم الميلادي منضبط، بينما لا يمكن عمل تقويم هجري للمستقبل ونحن ننتظر بداية كل شهر لنحاول رؤية الهلال.
    3. الحساب هو الذي يُمَكِّن القاضي من مناقشة الشهود الذين يشهدون برؤية الهلال، ويستطيع الحكم على الشهادة، فإن كانت ممكنة قبلها، وإن كانت مستحيلة ردها.
    4. ينهي الأخطاء، ويقطع الطريق على الكاذبين مهما كانت دوافعهم.
    5. يحل مشكلة اختلاف المطالع، فإن هذه المشكلة لم تحل قديما.
    6. يساهم في إزالة الفجوة المصطنعة بين الإسلام والعلوم الطبيعية.

    اختلاف المطالع
    لا شك أن مطالع القمر تختلف من منطقة إلى أخرى كما تختلف مطالع الشمس، وذلك نظرا لكروية الأرض، فقد يُرى الهلال في مكان ولا يرى في آخر، وهذه حقيقة علمية لا تقبل المناقشة.
    ولكن هل لهذا الاختلاف أثر في الحكم الشرعي؟ أي هل المطلوب شرعا أن يصوم أهل كل منطقة بحسب منطقتهم، أم يصوم الناس في كل العالم في يوم واحد؟.
    في هذا الموضوع رأيان مشهوران ولن أناقشهما من الزاوية الفقهية، بل سأعرض لهما من الزاويتين الحديثية والفلكية.
    فمن الناحية الحديثية لم يرد في هذا الموضوع إلا حديث واحد هو حديث كُرَيْبٍ ( أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ: فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ: أَوَلا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
    فقول ابن عباس: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا الحديث له حكم المرفوع، كما هو مقرر عند العلماء، ومع أن الموضوع ليس فيه إلا حديث واحد فقد انقسم العلماء إلى رأيين:
    الرأي الأول: أن يصوم كل أهل منطقة برؤيتهم، أخذا بحديث كريب السابق، وهو يشبه ما يطبق في الصلاة، حيث يصلي أهل كل منطقة حسب توقيتهم الخاص.
    ولكن أصحاب هذا الرأي لم يتفقوا على حدود المنطقة التي يلزم الناس فيها الأخذ بالرؤية، وذلك لعدم ورود نص شرعي صحيح صريح في المسألة، ولأن المعلومات الفلكية والجغرافية لم تكن متقدمة في القرون الهجرية الأولى.
    فقال بعضهم: هي مسافة القصر من كل الجهات، وهم مختلفون في تحديد مسافة القصر.
    وقال آخرون: هي البلاد الواقعة على سمتها أي موازاتها، وهو كلام يحتمل موازاتها في خطوط الطول، أو موازاتها في خطوط العرض.
    وفي ضوء عدم وجود نص شرعي فلا بد من الرجوع إلى المعلومات الفلكية التي تؤكد بلا أدنى شك أن تحديد ذلك بمسافة القصر لا أساس له من الصحة علميا، كما تؤكد أن لا علاقة بين اختلاف المطالع واختلاف دوائر العرض.
    والصحيح علميا أن رؤية الهلال في منطقة تعد رؤية للبلاد الواقعة على خط الطول نفسه، وللبلاد التي تقع غرب ذلك الخط من باب أولى، عدا مناطق القطبين.
    وهذا على عكس الحال بالنسبة للصلاة، حيث إن غروب الشمس في بلد يدل على غروبها في البلدان الواقعة على خط الطول نفسه، والبلدان الواقعة شرق ذلك الخط، وأما البلدان الواقعة غرب ذلك المكان فإن الشمس فيها لم تغب بعد.
    الرأي الثاني: أن الشهر إذا ثبت في مكان ثبت في الأرض كلها، ولا عبرة باختلاف المطالع .
    وهذا الرأي ليس له دليل شرعي خاص يدل عليه، واستدلوا بأدلة عامة لا تقف في وجه الدليل الخاص.
    ويظن كثير من الناس أنه أسهل في التطبيق، حيث يصوم المسلمون جميعا في يوم واحد، فإن رئي الهلال في مكان ليلة الجمعة فإن يوم الجمعة هو بداية الشهر في العالم كله.
    ولكننا لو أنعمنا النظر في هذا الرأي لوجدنا ما يلي:
    1. أن هذا الرأي يتعارض مع حديث كريب، ولا يستند إلى أي نص شرعي.
    2. أن المكان الذي يبدأ فيه اليوم أمر اعتباري، وليس أمرا شرعيا، ولا كونيا.
    وبيان ذلك أن الأرض شبه كروية، وفي كل لحظة تطلع الشمس على جزء من الأرض وتغيب عن جزء آخر، وهي في كل لحظة قسمان نصفها ليل ونصفها الآخر نهار، أي إن الأرض ليس لها بداية ولا نهاية، فأين يبدأ اليوم؟ هل يبدأ في مكة المكرمة؟ أم يبدأ في غرينتش أي فيما اعتبروه خط الطول صفر؟ أم يبدأ من خط التوقيت الدولي؟ أم أين؟.
    إن الجغرافيين قد رأوا أن يكون ما اصطلح على تسميته بخط التوقيت الدولي هو المكان الذي يبدأ فيه اليوم، وهو خط وهمي متعرج غير مستقيم، وهو الذي اعتبروه خط الطول 180، وفي اللحظة التي تطلع فيها الشمس على هذا الخط الوهمي يكون هذا الشروق شروق شمس الجمعة مثلا على الجانب الغربي لهذا الخط، بينما هو شروق شمس السبت على الجانب الآخر من هذا الخط الوهمي، فهذا اصطلاح متأخر منهم لا يغير الحكم الشرعي السابق، فما هي قيمة خط 180 شرعا؟ إننا لو جعلنا خط غرينيتش هو خط التوقيت لتغير اسم اليوم في نصف الكرة الأرضية من الجمعة إلى السبت أو العكس.
    3. أن الوقت الذي يبدأ فيه اليوم عند الجغرافيين هو الساعة الثانية عشرة ليلا، وهذا أيضا أمر اصطلاحي، وهو مخالف لبداية اليوم شرعا، فبداية اليوم شرعا هو لحظة غروب الشمس وليس منتصف الليل.
    ولكل ذلك فإنه لا مناص من الأخذ بحديث كريب، وأن الشهر إذا ثبت في مكان فقد دخل الشهر في كل مكان يقع على خط الطول نفسه، وفي الأماكن الواقعة غرب تلك المنطقة، بينما لا يدخل الشهر في المناطق الواقعة شرقا إلا في اليوم الذي يليه.
    وبما أن اليوم والشهر والسنة تدخل كلها شرعا في لحظة غروب الشمس، وليس في الساعة الثانية عشرة ليلا، وغروب يوم معين لا يحدث في الكرة الأرضية في وقت واحد بل يحتاج إلى أربع وعشرين ساعة، فإن الشهر يدخل في كل الكرة الأرضية خلال أربع وعشرين ساعة ، وبذلك يكون المسلمون جميعا في كل مكان قد صاموا وأفطروا في اليوم نفسه بالمعنى الشرعي، وليس بالمعنى الجغرافي.


    نتائج البحث
    1. لم ينه الحديث النبوي عن اعتماد التقدير والحساب في إثبات الشهر، بل جعل ذلك هو الأصل إن كان في الأمة علماء في الفلك.
    2. رؤية الهلال وسيلة من الوسائل لإثبات الشهر وليست هدفا وغاية.
    3. الحساب ليس من علم التنجيم الذي نهى عنه الإسلام.
    4. كان الحساب ظنيا، ولكنه أصبح منذ زمن طويل قطعيا.
    5. لا دليل يدل على اعتماد الحساب في النفي فقط دون الإثبات لا شرعيا ولا علميا، ولذلك فالراجح هو اعتماد التقدير القطعي في الإثبات وفي النفي.
    6. لا تتعارض الرؤية مع الحساب، وربما تعارضت بعض الشهادات مع الحساب القطعي.
    7. لا تقبل الشهادة بالمستحيل، ولا بد أن يكون الشاهد عدلا ضابطا.
    8. للشهادة بالرؤية وللإتمام مجموعة من المشكلات في التطبيق، بينما نجد للتقدير عددا من الفوائد.
    9. الراجح شرعا اعتبار اختلاف المطالع.
    10. تختلف بداية اليوم والشهر شرعيا عن بدايته جغرافيا من حيث الزمان والمكان.
    11. تعد الرؤية في مكان رؤية لما يقع على خط الطول نفسه، أو غربه، وبهذا يبدأ المسلون الشهر في كل الكرة الأرضية في يوم واحد بالمعنى الشرعي.
    والحمد لله رب العالمين

  2. #2

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    البحث هنا مرفق كملف pdf مع الهوامش
    لمن اراد تحميله كاملا
    وجزاكم الله خيرا
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,469

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    جزاك الله خيرا ،وبارك فيك
    قال العلامة الأمين : العقيدة كالأساس والعمل كالسقف فالسقف اذا وجد أساسا ثبت عليه وإن لم يجد أساسا انهار

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي المعادلة بسيطة: فإذا رأيت الهلال فصم وإلا أكمل العدة ثلاثين

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه، وبعد
    قد قرأت المقال فوجدته ينصر فيه وبشدة ضرورة العمل بالحساب الفلكي في إثبات دخول شهر رمضان الكريم فرأيت أن أجمع هٰذه المعلومات وبسرعة حتى يتبين للقراء الأعزاء أن هٰذا الأمر مخالف للصواب على مر القرون، ولا ينبغي أن ننبهر بهٰذه التكنولوجيا... بل علينا الاستفادة منها فيما ينبغي أن نستفيد منها فيه وعلينا أن ننظر إلى هٰذه الأمور العلمية التكنولوجية من الناحية الشرعية لا أن ننظر إلى العلوم الشرعية من الناحية العلمية التكنولوجية، فقديما كان تقديس العقل على حساب الشرع واليوم ظهر لنا تقديس التكنولوجيا على حساب الشرع.
    ونحن نقول في هٰذا ما قاله أسلافنا في ردهم على العقلانيين، فإن صح التعبير نقول هٰذا ردنا على التكنولوجيين.

    ومع ذلك نقول: إن علم الفلك موجود منذ القدم بل وجد علماء الآثار حسابات على كسوفات حدثت قريبا حُسبت منذ عهد فيثاغورس وغيره،

    وهٰذا المقال تستطيع أن تقول: إنه ليس لي فيه شيء إلا جمعه، فهو يحوي على مقدمة وهي اختصار لأشرطة للشيخ وليد إدريس بعنوان أحكام الأهلة، وفيها كلام وجيه بل ونُقول لبعض الفلكيين المتخصصين.
    وبعدها وهو الشرح كاملا لثلاثة أحاديث من بلوغ المرام للشيخ العثيمين مع تعليقات مهمة، كنت قد أنزلت في موقع أهل الحديث إلا فوائدها فقط فرأيت أنه يحسن أن أضعها كلها.
    وسميت هٰذا الجمع بـ:
    المعادلة بسيطة: إذا رأيت الهلال فصم وإلا فأكمل العدة ثلاثين.


    ومما فيه:
    إذن يمكن أن يُرى الهلال قبل ولادته من هذه الجهة، التي هي من جهة قبل ميعاد الولادة. أكثر ما يشاع في الجرائد يقال: أن الهلال سيولد في هذه السنة في الساعة الفلانية، إذا حددوا الساعة واحدة فهي بالنسبة لمركز الأرض، أما بالنسبة للإنسان الموجود في سطح الأرض هذا يحتاج لكل قرية لها توقيت مختلف عن التوقيت الآخر.
    طيب، بالنسبة لمسألة رؤية هل يمكن أن يرى الهلال قبل ولادته، حتى بالنسبة للحظة ولادة الهلال بالنسبة للواقف على سطح الأرض لو استطعنا ببرامج في الكمبيوتر وغيرها يمكن أن تحدد للإنسان... في المركز الراصد.
    وهذا كلام ليس من عندي بل هو كلام لجماعة من الفلكيين منشور في الدكتور اسمه ...
    حمل الموضوع ستجد البقية
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  5. #5

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    جزاكم الله خيرا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    وإياكم أخي الكريم، ووفقك الله وسدد خطاك، وزادك حرصا على الإسلام والسنة.

  7. #7

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث، مجلة دراسات، مجلد 26، العدد 2، 1999م، وترجم إلى الإنجليزية في بريطانيا سنة 2002م.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أظن أن ترجمة المقال في بريطانيا لا يشفع له..

    وإليكم
    قواطع الأدلة في الرد على من عول على الحساب في الأهلة
    الشيخ حمود بن عبد الله التويجري

    http://www.alukah.net/Articles/Artic...ArticleID=1164

  9. #9

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم الجزائري مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أظن أن ترجمة المقال في بريطانيا لا يشفع له..
    وإليكم
    قواطع الأدلة في الرد على من عول على الحساب في الأهلة
    الشيخ حمود بن عبد الله التويجري
    http://www.alukah.net/Articles/Artic...ArticleID=1164
    جزاكم الله خيرا أخي الكريم

    أرجو منك قراءة البحث بتمعن وان تناقش فقراته بعلمية تامة
    وذكرنا ان البحث قد ترجم للانكليزية ليس تشفعا
    لان الابحاث العلمية الجادة تكون محط اهتمام وعناية
    والله تعالى اعلم

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    أرجو منك قراءة البحث بتمعن وان تناقش فقراته بعلمية تامة
    ما رأيكم لو أقترح عليكم أن تقرأ ما كتبت بتمعن، وتناقش ما تراه يستحق المناقشة.

    وذكرنا ان البحث قد ترجم للانكليزية ليس تشفعا
    لان الابحاث العلمية الجادة تكون محط اهتمام وعناية
    وهذه هي المشكلة؛ فاعلم أخي أن هذا الذي نحن نتكلم حوله دين، وديننا لا ننتظر الغرب أن يهتم به، لو كان المقال علميا بحتا -يعني لا يحلل ولا يحرم- فإني أقول لك صحيح؛ بل ليعلم الجميع أن أكثر المقالات العلمية حتى تأخذ مصداقية أكبر -وفي بعض البلدان حتى تأخذ مصداقية- فإن أصحابها ينشرونها في مجلات علمية في الغرب، ومنها مثلا في بريطانيا (IOP Journal) التي تهتم بأبحاث الفيزياء والرياضيات وغيرها..


    وأقول لأخي العزيز، إن شاء الله تعالى سأرد على المقال نقطة نقطة، -إن كان في العمر بقية- لكن ليس هذه الأيام.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    46

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    الأخ الأحمدي _ سلمه ربي من الزلل _
    هذا المقال فيه أوهام وأخطاء علمية , وسوف أسوق هذه الأخطاء باختصار :
    1 - أن اثبات الشهر بالحساب هو الأصل - إذا كان في الأمة علماء للفلك -الذي لم يكن متيسرا في العصور الأولى , - وأنى له ذلك -.
    2 - أن القائلين بالحساب الفلكي يزدادون جيلا بعد جيل , وهم في العصور الأولى قلة ,-فليته بقي مع الجماعة ففيها الخير والفلاح وترك عنه شواذ المسائل -.
    3 - أن الحساب كان ظنيا في السابق وهو الآن قطعي , - فما هذا التشريع الجديد - .
    4 - أن الأمة بدأت تخرج من أميتها الفلكية الى الأخذ بالحساب والتطور , - فليته لم يخرج وبقي مع القوم - .
    5 - وجود مشكلة اليوم في العالم الإسلامي في عدم رؤية الهلال , - فليته اتمم الشهر وأخذ بالهدي النبوي - .
    6 - قوله بأنه قد أخذ بالنصوص كلها وبالحقائق العلمية في اعتبار الحساب , - فليته أخذ بالنصوص وترك الحقائق لأربابها - .
    7 - أن رؤية الهلال ليست هدفا وإنما هي وسيلة وليست غاية .
    8 - أن الحساب منذ زمن طويل هو قطعي الدلالة , - وما أدري من أين أتى بها -
    فينبغي للإخوة التحري في النقل والنظر وقرأة المقال جيدا وعدم الاستعجال في عبارات الشكر والثناء .
    وفق الله الجميع لهداه .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    111

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    بارك الله بأبي الخير على هذا البحث القيم جداً، وهناك ملاحظة صغيرة:

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخير الأحمدي مشاهدة المشاركة
    والصحيح علميا أن رؤية الهلال في منطقة تعد رؤية للبلاد الواقعة على خط الطول نفسه، وللبلاد التي تقع غرب ذلك الخط من باب أولى، عدا مناطق القطبين.
    جيد أنه استثنى القطبين لأن أحدهما لا يمكن أن يرى الهلال قطعاً. لكن قوله "رؤية الهلال في منطقة تعد رؤية للبلاد الواقعة على خط الطول نفسه" ليس على إطلاقه. فهو ينطبق على المناطق القريبة لا البعيدة. وفي وقتنا الحالي يقع رمضان في الشتاء ولذلك قد يظهر هلال رمضان في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية دون أن يظهر في منطقة شمالية على نفس خط الطول.

    وفي ما عدا ذلك فالمقال جيد جداً
    قال الحسن البصري : لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج. سمعته يقول: إن امرؤا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليه حسرته يوم القيامة.

  13. #13

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمّد الأمين مشاهدة المشاركة
    بارك الله بأبي الخير على هذا البحث القيم جداً، وهناك ملاحظة صغيرة:
    جيد أنه استثنى القطبين لأن أحدهما لا يمكن أن يرى الهلال قطعاً. لكن قوله "رؤية الهلال في منطقة تعد رؤية للبلاد الواقعة على خط الطول نفسه" ليس على إطلاقه. فهو ينطبق على المناطق القريبة لا البعيدة. وفي وقتنا الحالي يقع رمضان في الشتاء ولذلك قد يظهر هلال رمضان في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية دون أن يظهر في منطقة شمالية على نفس خط الطول.
    وفي ما عدا ذلك فالمقال جيد جداً
    جزاكم الله خيرا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    111

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    وإياكم أخي الفاضل
    قال الحسن البصري : لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج. سمعته يقول: إن امرؤا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليه حسرته يوم القيامة.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    القاهرة
    المشاركات
    525

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    يتنازع الناس حول الأصل هل الحساب أو الرؤية ؟
    فالأصل مثلاً صوم شهر رمضان " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ....... لا يختلف على ذلك أحد
    ودخول الشهر يكون بمولد الهلال ............. لا يختلف على ذلك أحد
    والحساب الفلكي في عصرنا يثبت موعد مولد الهلال بالدقيقة والثانية ............. لا يختلف على ذلك احد
    وعليه فالأخذ بالحساب أدق وأحكم لتحقيق مراد الشرع ........... يختلف هاهنا الكثير .... فوا عجباً

  16. #16

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    هذه مسألة ذكرها الشيخ ابن عقيل الظاهري في كتابه ( من أحكام الديانة ) من صفحة 316-330 قد نسختها وأحلت إلى الصفحة من الكتاب، ففي كل نهاية ورقة أضع هامش.
    قال أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري - حفظه الله - :
    المسألة الثامنة عشر: العبرة بثبوت رؤية الهلال للصوم والفطر والحج:
    هل توجد ليلة آخر الشهر لا يمكن أن يُرى فيها الهلال، ويكون من دواعي رؤية الهلال واهماً أو كاذباً ؟
    هذا علم لا أفقهه، وقد تحمس له أخي الدكتور أحمد بن عبد العزيز اللهيب، وهو أدرى [به مني ] (1).
    وإنما هدفي أن يتبصر ذوو العلم المادي الحسي وذوو العلم الشرعي في اجتماع ينتهون فيه إلى قناعة بأن مثل تلك الليلة توجد، أو لا توجد (2) أعني الليلة التي يترأى الناس فيها الهلال، ويقول العلم المادي: لا يمكن أن يُرى الهلال فيها.
    فإن اقتنع علماء الشريعة أن نفي رؤية الهلال في تلك الليلة قائم على براهين حسية يقينية أو راجحة، أو بشكل أغلبي: فتراعى تلك البينات في وزن شهادة شهود الرؤية، وذلك أنه لا اجتهاد لنا في تغيير العلامة التي نصبها الشرع، وهي: الرؤية.
    ولنا اجتهاد في وزن بينات الرؤية ؛ لأن معرفة العدالة ، والثقة بعلم الناقل، ومعرفة البينة الحسية: مما فوّضه الشرع إلى عقولنا، ومداركنا.
    وحسبي أيضاً أن أنبه إلى أمور يجب أن يراعيها المتنازعون في هذه المسألة حتى لا يأخذ الهوى والعصبية والعناد مأخذهما من أحد منهم ؛ لأن الشيطان حريص، وموالجه خفية.
    وهذه المسألة لي بها عناية منذ ستة وعشرين عاماً، فخلال عاميْ 1388-1389 هـ نشرت لي بحوث بجريدتي ( البلاد ) و (الندوة ) عن مسائل الهلال، ونشرتها عام 1399 هـ، بكتيب بعنوان ( مسائل الهلال ) صدر عن دار الوطن، وكانت المسألة الثالثة بعنوان: ( إنما يعرف الهلال بالرؤية، لا بالحساب والعدد ).
    وقد قلت في هذه المسألة: ولو أن علم الهيئة يرشدنا إلى أن (3) الشهر يهل هذه الليلة – أخذاً باليد – لم يكن من الجائز أن نعتبر غير الرؤية، أو إكمال العدة، لنص الحديث.
    وإذا قضى النص بمراعاة الرؤية، فقد قضى نص آخر ( بتعريضه ) أن لا يراعى غيرها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( إنا أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين ).
    ففي هذا النص التعريض بالحساب أنه لا يلزم الأمة تعلمه لإثبات الأهلة، وفي هذا النص مع نص الرؤية التيسير على الأمة الأمية لتعمل بالرؤية، ولتعلم أن الشهر لا يزيد على ثلاثين، ولا ينقص عن تسع وعشرين.
    قال أبو عبد الرحمن: وفرق بين قول: ( لا يلزمنا تعلم الحساب ) وبين قول: ( لا يلزمنا علم الحساب إذا تعلمناه فكان يقيناً حسياً ) فالقول الأخير لا أقول به.
    قال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث: [ فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً، ويوضحه قوله في الحديث الماضي: ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) ولم يقل فسلوا أهل الحساب ].
    قال أبو عبد الرحمن: هذا صحيح، فلا نعمل بالحساب من غير رؤية، ولكن لا نعمل برؤية يدفعها الحساب، إذا كان الحساب حسياً (4) يقينياً؛ لأن الرؤية تخطئ، وإنما العصمة للشرع، والشرع إنما يعلق برؤية مسلم، ثبتت عدالته، وأنه غير واهم.
    وفي الأيام الأخيرة رأيت مباحث نفيسة للدكتور أحمد بن عبد العزيز اللهيب عن مسألة الحكم برؤية الرائي لإمكانها، وعدم الحكم بها لإحالتها.
    ولم أكتف بقراءة ما كتبه، بل استوضحته على رؤوس الملأ مراراً لأعرف مقصده، وفي الوقت نفسه رأيت نصاً للشيخ صالح الفوزان يقول: ( فمن جاء بشيء يزعم أنه يعلم به دخول الشهر غير ما بينه الشرع فقد عصى الله ورسوله، كالذي يقول: إنه يجب العمل بالحساب في دخول شهر رمضان ).
    ورأيت بيد الدكتور اللهيب ورقة يقول إنها من تقرير الشيخ محمد الصالح العثيمين عن الحالة التي لا يقبل فيها شهادة الرائي لكون المشهود عليه غير ممكن، قال: ( من زعم أن الشمس يمكن أن تطلع قبل الفجر ).
    قال أبو عبد الرحمن: وبناء على كل ما سبق سرده، ونظراً إلى أن الشحناء عظمت حول هذه المسألة مع أنها من مسائل الفروع – أي من الخلاف في المسائل العلمية التي لا يستبشع فيها الخلاف – ونظراً أيضاً إلى أنه كثر في الآونة الأخيرة انتقاد بعض الصحف العربية للمنهج الشرعي الذي سلكته المملكة في إثبات الأهلة تصريحاً تارة (5) ، وتلميحاً تارة، ونظراً إلى أن الساكت عن الإدلاء بالحق حال قدرته عليه شيطان أخرس: فإنني مدلٍ بدلوي حول ما أعتقده في المسألة، لعل المختلفين يراعون فذلكاته حال النزاع، ولأن المتعبد لله بعلمه لا يلجمه عن الحق خوف ضياع مكانته الشعبية عند عوام الجمهور، أو مكانته الخاصة عند ولاة الأمر، وتلك الفذلكات كالتالي:
    1- لو صام المسلمون، أو أفطروا، أو وقفوا بعرفة بناء على توثيق القضاء الشرعي لرؤية الرائين، ثم ثبت بعد ذلك بيقين حسي قاطع أن الرؤية خاطئة أو مدعاة، وأن واقع الهلال بخلاف الرؤية: فلا غضاضة ولا حرج.
    لأنه لا فرق بين صوم اليوم الأول من الشهر الذي يظن أنه الثلاثون، من الذي قبله، أو اليوم الثلاثين الذي ين أنه الأول من الشهر الذي بعده، ولا فرق في هذا كله إلا باعتبار الشرع، وإذا قرر القضاء إثباتاً شرعياً أمضاه أهل الحل والعقد كان ذلك اعتباراً شرعياً، وإن كان دليله الحسي ظنياً، أو ثبت فيما بعد بطلانه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( صومكم يوم تصومون وأضحاكم يوم تضحون ) قضى بجمع الكلمة على المسلك الشرعي؛ لأن الجماعة المسلمة لا ينبغي لها أن تصوم وأن تضحي إلا وفق مسلك شرعي، ومن تلك المسالك: ثبوت شهادة العدول.
    2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحاح: ( صوموا (6) لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقال: ( إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا ).
    قال أبو عبد الرحمن:ولهذين النصين الصحيحين فلا وجه عندي لمن فرق بين مدلولي: صوموا لرؤية الهلال بمعنى حين إمكان رؤيته، وصوموا لرؤيتكم إياه.
    قال أبو عبد الرحمن: بل قوله صلى الله عليه وسلم: ( لرؤيته ) في معنى: ( لرؤيتكم إياه ) لأن الهلال محل الرؤية.
    إما كون الهلال تلك الليلة محالة رؤيته، وإما كون رؤية بعضنا معرضة للخطأ، أو للكذب، فتلك مسألة أخرى، لها حكمها بدليل آخر غير التعليق بالتفريق بين: رؤيته، ورؤيتكم.
    وهذا الفرق معقول لغة، ولكنه ملغى شرعاً بإناطة الحكم برؤية الجماعة في قوله صلى الله عليه وسلم: ( رأيتموه ) وإذا أمضى أهل الحل والعقد رؤية بعضنا: لزمت جميعنا، فأصبحت رؤية لنا كلنا.
    3- الذي حققته من أخي الدكتور اللهيب محادثة وقراءة أنه لا يدعو إلى إثبات دخول الشهر بالحساب، وإنما يدعو إلى مراعاة الأمور الحسية اليقينية عند تزكية الشهود، وإرادة العمل بشهادتهم، ودعا إلى ملاحظة أن شهادة الشهود إحدى طرق الإثبات، وليست وسيلتنا لإثبات الرؤية شهادة الشهود فحسب، بل نعمل (7) بأقوى البينات الشرعية وشهادة الشهود من عرض البينات؛ لقول عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: ( ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانكسوا لها فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان: فصوموا وأفطروا ) رواه النسائي، وأحمد، والدارقطني، وزاد أحمد: ( مسلمان ) وزاد الدارقطني: ( ذوا عدل ) كل ذلك عن إرواء الغليل.
    إذن: إنما الدعوة إلى العمل بالرؤية، وإنما المطلوب تمحيص من تقبل رؤيته بمراعاة البينات الحسية القطعية.
    4- البينات الحسية القطعية التي تراعى كما تراعى شهادة الشهود ذكرها العلماء، كالقرطبي، والشاطبي، وابن تيميه، وابن القيم الجوزية، والسبكي، وهو أكثر من فصّل في ذلك، وغيرهم، وكل ذلك ذكره أخي اللهيب.
    قال أبو عبد الرحمن: شيخ الإسلام فرق بين معرفة الكسوف والخسوف بالحساب، وعدم معرفة الهلال بذلك، فربما استبعد مستبعد أن يكون شيخ الإسلام يذهب إلى حالة يُعرف بالحساب امتناع رؤية الهلال فيها.
    قال أبو عبد الرحمن: بل الحكم في تلك الحالة هو مذهب شيخ الإسلام، وعليه صريح كلامه، وقد استثناه من عموم مذاهب أهل الحساب (8).
    قال رحمه الله: ( فاعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بالحساب، بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة، أو لا يرى ألبتة، على وجه مطرد، وإنما قد يتفق ذلك، أو لا يمكن بعض الأوقات، ولهذا كان المعتنون بهذا الفن من الأمم: [ الروم ، والهند ، والفرس، والعرب ، وغيرهم مثل بطيلموس، الذي هو مقدم هؤلاء، ومن بعدهم قبل الإسلام، وبعده ] لم ينسبوا إليه في الرؤية حرفاً واحداً، ولا حدّوه كما حدوا اجتماع القرصين، وإنما تكلم به قوم منهم في أبناء الإسلام مثل كوشيار الديلمي، وعليه وعلى مثله يعتمد من تكلم في الرؤية منهم، وقد أنكر ذلك عليه حذاقهم مثل أبي على المروذي القطان وغيره، وقالوا: إنه تشوف بذلك عند المسلمين، وإذا فهذا لا يمكن ضبطه ).
    ولما بين أن الكسوف والخسوف يعلمان بالحساب، نفى أن يعلم الهلال بذلك على الإطلاق، بل في حالة واحدة، فقال: ( وأما الإهلال فلا له عندهم من جهة الحساب ضبط؛ لأنه لا يضبط بحساب يعرف، كما يعرف وقت الكسوف والخسوف، فإن الشمس لا تكسف في سنة الله التي جعلا لها إلا عند الاستسرار إذا وقع القمر بينهما وبين أبصار الناس على محاذاة مضبوطة، وكذلك (9) القمر لا يخسف إلا في ليالي الإبدار على محاذاة مضبوطة، لتحول الأرض بينه وبين الشمس، فمعرفة الكسوف والخسوف لمن صح حسابه مثل معرفة كل أحد أن ليلة الحادي والثلاثين من الشهر لا بد أن يطلع الهلال، وإنما يقع الشك ليلة الثلاثين، فنقول: الحاسب غاية ما يمكنه إذا صح حسابه أن يعرف مثلاً أن القرصين اجتمعا في الساعة الفلانية، وأنه عند غروب الشمس يكون قد فارقهما القمر إما بعشر درجات مثلاً، أو أقل، أو أكثر، والدرجة هي جزء من ثلاثمائة وستين جزءاً من الفلك، أما كونه يُرى، أو لا يُرى فهذا أمر حسي طبيعي، ليس هو أمراً حسابياً رياضياً، وإنما غايته أن يقول: استقرأنا أنه إذا كان على كذا وكذا درجة يرى قطعاً، أو يرى قطعاً، فهذا جهل وغلط، فإن هذا لا يجري على قانون واحد، لا يزيد ولا ينقص، في النفي والإثبات، بل إذا كان بعده مثلاً عشرين درجة فهذا يرى ما لم يحل حائل، وإذا كان على درجة واحدة فهذا لا يرى ).
    وما أحال إليه شيخ الإسلام من أمر الخسوف والكسوف علم لا كهانة، قال رحمه الله: ( الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة، كما (10) لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجرى الله عادته بالليل والنهار والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر، وذلك من آيات الله تعالى كما قال تعالى: { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون } وقال تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب وما خلق الله ذلك إلا بالحق } وقال تعالى: { والشمس والقمر بحسبان } وقال تعالى: { فالق الإصباح جعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم } وقال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } وقال تعالى:{ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم } وقال تعالى: { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم ملمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر أو ليلة إحدى وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين، أو تسعة وعشرين، فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل فهو غالط، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار (11) ووقت إبداره هو الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها، ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي، والهلال يستسر آخر الشهر، إما ليلة، وإما ليلتين كما يستسر ليلة تشع وعشرين وثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره، وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف، كما أن من علم كم مضى من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها، لكن العلم بالعادة في الهلال علم عام يشترك فيه جميع الناس، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه ).
    وقال رحمه الله: ( وكسوف الشمس إنما يكون وقت استسرار القمر آخر الشهر، وخسوف القمر إنما يكون ليالي الإبدار الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، كما أن الهلال قد يكون ليلة الثلاثين، أو الحادي والثلاثين (12) وهذا الذي أجرى الله به عادته في حركات الشمس والقمر، وما ذكره بعض الفقهاء من تقدير اجتماع الكسوف وصلاة العيد فهذا لم يقله أحد من الصحابة، ولا ذكره أكثر العلماء، لا أحمد، ولا غيره، ولكن ذكره طائفة من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد، وغيرهما تبعاً لما ذكره الشافعي، فإنه رضي الله عنه لما تكلم فيهما إذا اجتمع صلاتان كيف يصنع، وذكر أنه يقدم ما يفوت على ما لا يفوت، ذكر من جملة التقدير صلاة العيد والكسوف طرداً للقاعدة، مع إعراضه عن كون ذلك يقع أو لا يقع، كما يقدر الفقهاء مسائل كثيرة كطرد القياس مع إعراضهم عن وقوع ذلك في الوجود، بل يقدرون ما يعلمون أنه لا يقع عادة، كعشرين جدة، وفروع الوصايا، فجاء بعض الفقهاء فأخذ يكابر ويقول: إن هذا قد يقع ).
    قال أبو عبد الرحمن: وجاء العلم الحديث ولم يبطل قول أسلافنا، بل أقره، واليقين في قلوبنا من نتائج العلم الحديث الحسية، وما سبق إليه تحقيق علماء الأمة، كالذين مر ذكرهم لا يقل عن شهادة الشهود العدول الذين يحكم القضاء برؤيتهم، وحينئذ يجب على القضاء الموازنة بين البينات من شهود الشهود، وحقائق العلم، وتحقيقات العلماء (13) .
    والموازنة كيفها الشرع ببدهياته، فقد أطال ابن قيم الجوزية النفس بكتابه ( إعلام الموقعين ) عن عموم البينة، وأنها ليست وقفاً على شهادة الشهود، وليست شهادة الشهود أقوى البينات.
    والقاعدة الفكرية الشرعية: أن الظني يرد بالقطعي.
    ومن منقولات اللهيب: قول ابن العربي في الأحكام: ( الشاهد إذا قال ما قام الدليل على بطلانه فلا تقبل شهادته ).
    5- من قال: يعرف الهلال بغير شهادة الشهود لا يحكم بأنه عصى الله حتى يثبت أن ما قاله معارضاً لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه غير معذور باجتهاده.
    وأقول هذا احتياطاً لإعراض سلف من علماء الأمة ذوي علم وفضل أخذوا بالمشترك اللفظي من قوله صلى الله عليه وسلم: ( فأقدروا له ) إذ يتناول الإكمال للثلاثين، والحساب، والعدد.
    فمنهم مطرف بن عبد الله بن الشخير من كبار التابعين، ومتكلم أهل والجماعة ابن قتيبة قالا: يعول على الحساب عند الغيم، أخذاً بالمشترك من قوله صلى الله عليه وسلم: ( فأقدروا له ) وبه قال بعض أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، كأبي العباس ابن سريج، وأبي جعفر الطحاوي، إلا أنه اعتبر إكمال الثلاثين ناسخاً لكلمة ( فأقدروا له ) على أن ابن عبد البر ضعّف نسبة المذهب إلى ابن الشخير.
    6- من قال: إثبات الهلال ليس وقفاً على شهادة الشهود بل تراعى البينات الحسية فليس عاصياً لله ورسوله، ولم يجئ بشيء (14) يزعم أنه يعلم به دخول الشهر غير ما بينه الشارع، وإنما دعا إلى إدخال الشهر وفق طرق الإثبات الشرعي.
    قال أبو عبد الرحمن: ومن مشكل الحديث، حديث أبي بكرة رضي الله عنه في صحيح البخاري: ( شهران لا ينقصان: شهرا عيد رمضان وذو الحجة ) ففي معنى هذا الحديث الشريف عدة أقاويل استوفاها ابن حجر في ( فتح الباري ) منها مذهب الإمامين أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: أنهما لا ينقصان في سنة واحدة، وبذلك قال أبو بكر أحمد بن عمرو البزار.
    قال الحافظ ابن حجر: ( يدل عليه رواية زيد بن عقبة: عن سمرة بن جندب مرفوعاً: شهرا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يوماً ).
    قال أبو عبد الرحمن: يلزم من أخذ بهذا المذهب أن يرد شهادة الشهود بنقص شهر رمضان وذي الحجة في عام واحد إلى هذا الحديث.
    قال الحافظ ابن حجر عن حديث سمرة بن جندب: ( وأما ما ذكره البزار من رواية زيد بن عقبة: عن سمرة بن جندب: فإسناده ضعيف، وقد أخرجه الدارقطني في الأفراد، والطبراني من هذا الوجه بلفظ: [ لا يتم شهران ستين يوماً ] ).
    وقال أبو الوليد بن رشد: ( إن ثبت فمعناه لا يكونان ثمانية وخمسين في الأجر والثواب ) (15) .
    قال أبو عبد الرحمن: إذا أمضى ولاة الأمر الحكم بدخول الشهر: فلا يجوز لأحد الشغب على الجماعة، أو الخروج عنهم بفطر أو صيام.
    وإنما يرجو رجال العلم الشرعي وعلماء الهيئة الذين لهم علم حسي يقيني محقق من ولاة أهل الحل والعقد فينا أن يغربلوا شهادة الشهود وفق البينات الأخرى، وأن يتحققوا الأمر في حالة من الحالات يقول فيها العلم الحديث، ويقول فيها محققو علمائنا السالفين: إن الرؤية فيها غير ممكنة (16).
    ـــ
    (1) في الكتاب: ( أدرى منه به ) وهي خطأ.
    (2) نهاية صفحة 316
    (3) نهاية صفحة 317
    (4) نهاية صفحة 318
    (5) نهاية صفحة 319
    (6) نهاية صفحة 320
    (7) نهاية صفحة 321
    (8) نهاية صفحة 322
    (9) نهاية صفحة 323
    (10) نهاية صفحة 324
    (11) نهاية صفحة 325
    (12) نهاية صفحة 326
    (13) نهاية صفحة 327
    (14) نهاية صفحة 328
    (15) نهاية صفحة 329
    (16) صفحة 330
    أبو محمد المصري

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    القاهرة
    المشاركات
    426

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    سلام عليكم،
    فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو،
    أما بعد،

    فاسمح لي يا أخي الحبيب أن أخالفك في هذه النقطة:

    إن ما يسمى بمولد الهلال هو أن يكون القمر بين الشمس والأرض، فمن كانت الشمس عنده فيستحيل أن يراه في تلك اللحظة، ولعل هذا هو اتساق القمر، أي كونه على خط واحد مع الأرض والشمس، والله أعلم،

    فبدء الشهر من الناحية الشرعية رؤية الهلال، لا مجرد العلم بمولده،

    قال تعالى : ((يسألونك عن الأهلة ..)) البقرة 189
    فالميقات هو الهلال، والقمر إذا اتسق سماه الله تعالى قمرا ولم يسمه هلالا،

    ومع ذلك فإن الله تعالى لم يتركنا دون أن يزودنا بالوسائل البسيطة الدقيقة لمعرفة صحة الرؤية إذا شهد عليها شاهد،

    يقول الحق تبارك وتعالى: ((والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )) ((يس39))

    إذاً فدورة القمر حول الأرض (=360 درجة) ستون درجةً وثلاثمائة في شهر، فإن عددنا الشهر نحو ثلاثين يوما، فإن القمر يقطع نحو 12 اثنتي عشرة درجة كل يوم، (وفي تحديد المقدار تفصيل يعلمه أهل العلم بقوله تعالى ((كالعرجون القديم)) لأن مسار القمر حول الأرض ليس دائريا، لكنه كما قال الله تعالى: كالعرجون القديم، أي حلزوني بتعبيرنا الدارج، لأن القمر يدور مع الأرض حول الشمس أيضا)

    وعليه فإن ارتفاع الهلال عن الأفق يزيد كل يوم بذلكم المقدار، وارتفاعه في الليلة الأولى لا بد أن يكون أقل من ارتفاعه في الليلة الثانية بذلكم المقدار.

    فإن زعم بعض الشهود أنهم رأوا الهلال ليلة الاثنين، ثم رأيناه بعد المغرب على ارتفاع يقل عن اثنتي عشرة درجة ليلة الأربعاء!!، (أي بعد موعد الرؤية المزعومة بيومين كاملين) علمنا أن شهادتهم باطلة، ولا نعتد بها، ولكن ندعو الله تعالى لهم أن يريهم الله تعالى الجنة ونعيمها في الآخرة بقدر ما رأوا ذلكم الهلال

    وارتفاع النجوم معروف للعرب من قبل الإسلام، قال تعالى: ((وبالنجم هم يهتدون)) النحل 16
    فالقمر أولى بذلك.

    والله تعالى أجل وأعلم


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شريف شلبي مشاهدة المشاركة
    ودخول الشهر يكون بمولد الهلال ............. لا يختلف على ذلك أحد
    والحساب الفلكي في عصرنا يثبت موعد مولد الهلال بالدقيقة والثانية ............. لا يختلف على ذلك احد
    وعليه فالأخذ بالحساب أدق وأحكم لتحقيق مراد الشرع ........... يختلف هاهنا الكثير .... فوا عجباً
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  18. #18

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    للفائدة

  19. #19

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    جزاكم الله خيرا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    225

    افتراضي رد: ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم الجزائري مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أظن أن ترجمة المقال في بريطانيا لا يشفع له..

    وإليكم
    قواطع الأدلة في الرد على من عول على الحساب في الأهلة
    الشيخ حمود بن عبد الله التويجري

    http://www.alukah.net/articles/artic...articleid=1164
    أخي سالم الرابط لا يعمل

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •