نظرتَ إلى عنوانه فنبذتَه *** كنبذك نعلًا أخلقت من نعالكا
تأمّل كيف يفكّر الشيخ القرنيّ .. وقارنه بما سطّرته يراع الأستاذ الطناحيّ ..
يقول محمود:
( ... وليس أدلَّ على أهمية "الحفظ" في العملية التعليمية في تراثنا، من هذا القدر الهائل من المنظومات في اللغة، والنحو، والفرائض(الموار ث)، والقراءات، وعلوم الحديث، والأصول، والبلاغة، والمنطق، والعروض، والميقات، والطب ..
وكل ذلك لضبط القواعد وتقييد الأحكام . وما أمر ألفية ابن مالك ببعيد )
ولمثل هذه الدعوة مآلات لا تخفى ..
خذ حول هذه المهزلةِ ما قاله شيخُ العربية ..
قال محمود محمد شاكر بعد أن ذكر ما اقترفته يَدَيْ محمد عبده من ذمِّ الكتب التي كان طلبة العلم في الأزهر يدرسونها كتلخيص الفتاح وما كان على شاكلته من كتب المتأخرين:
( ...وهذه الخصلة وحدها ليست من خصال أهل العلم، إنما هي تشدُّقٌ وثرثرة، كلُّ امرِئٍ قادرٌ على أن يتبجَّح بها ويتباهى، وقبل كلِّ شيء، فهي في حقيقتها صدٌّ صريح عن هذه الكتب، يُورِث الازدراء، ويُغري بالانصراف عمَّا فيها، ويحمِل على تحقير أصحابها.
وفُتِح هذا الباب، ولم يُغلقْ إلى اليوم ...
فكان هذا أولَ صدعٍ في تراث الأمة العربية الإسلاميَّة، وأول دعوةٍ لإسقاط تاريخٍ طويل من التأليف، وما كتبه علماء الأمة المتأخرون، إسقاطًا كاملًا يتداوله الشباب بألسنتهم ...
والاستهانة داءٌ وبيلٌ يطمس الطرق المؤديةَ إلى العلم والفهم ...
فمن أراد اليوم أن يردَّ الناس عن كتب المبرِّد ومن بَعده إلى ابن عقيل، إلى ابن هشامٍ إلى الأشمونيّ، ويحثَّهم على الاستمداد النحوِ من "سيبويه" وحده، فقد أغراهم بأن يلقوا بأنفسهم في بحر لُجِّيّ لا يرى راكبُهُ شاطئًا يأوي إليه، وما هو إلا الغرق لا غير .
كتاب "سيبويه" لا يُعلِّمُ طالبَ العلم النَّحوَ، إلا إذا مهَّد الطريق ابنُ عقيل وابن هشام والأشموني، وإلا فقد قذف نفسه في المهالك .
كلُّ من دعا طُلَّاب العلمِ إلى الإعراض عن الكُتُب التي قعَّدت القواعد، ومحَّصت الكتب التي تُعدُّ أصلًا في علمٍ لم يسبقهم إلى مثله سابق، كسيبويه وعبدالقاهر، وحثَّهم على الرجوع إلى الأصل وحدَه، دون استعانة بمن قعَّدوا قواعد هذا العلم، وقتلوه بحثًا وتنقيبا، فقد استهان بعقول هؤلاء الأئمة العظام الذين خدموا العلم بإخلاص وورع جيلًا بعد جيل، وعوَّد طلبة العلم أن يستهينوا ويتخفُّوا بالعلم نفسه، وهذا هو البلاء الماحقُ لكلِّ فضيلة في طالب العلم ... )
ثم ارجع إلى تلميذه الطناحيِّ واسمع ..
( ... ومما لا يختلف عليه اثنان أيضًا أن أساتذتنا الأكرمين وزملاءَنا الأفاضل الذين كتبوا الدراسات الحديثة في النحو واللغة، وشرَّقت كتبهم وغرَّبت، ينتمون جميعًا إلى جيل الحفظة (حفظةِ القرآن الكريم والمتون والحواشي والمصطلحات القديمة) . ولولا هذا الأساس المتين ما استطاعوا أن يفقهوا النحو ويبرعوا فيه، ثم يكتبوا مذكراتهم ومختصراتهم ... )
وبعد ذلك كلِّه هاكها نجديَّةً قَصِيميَّةً تتألَّق ..
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
( ونحن الآن بَلَغنا ما بلغنا، وما معنا إلا ما حَفِظنا )
---
وأخيرًا ..
فلَلشيخُ عائضٌ أجدرُ أن يكتبَ عن تلك المهزلةِ التي عَرَت المكتبةَ العربيَة ..
مَهزَلةِ التَّجميعِ والتلفيقِ والكلامِ المكرور المعاد ..
فهذا الذي أثقلَ كاهلَ الأمة، وكثَّر نقطةَ العلمِ، وأشغلَ عن الكتاب والسنّة ..

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصام البشير
ووددت لو نُقل لنا نقاش (الأديب الساخر) مع (الجرادة الصفراء) في مسألة من دقائق الفقه، أو عويصات النحو، إذن لعلمنا مَن أساس داره من الإسمنت المسلح، ومن يبني على الرمل والماء!
هو ذاك أيها الشيخُ الكريم ... لكن دون "دقائق" و "عويصات" .. فالأمرُ دون ذلك .. أعوذ بالله أن أظلِمَ أو أُظلَم ..