عزيزي القارئ ...
إن لم تكن على ثقافة عالية ...
فقراءتك لهذا المقال ...
تضيع وقتك الثمين...!!!

بناء المعارف

1- الرباني : هو الذي يعلم الناس صغار العلم قبل كباره.
هذه المقولة الأثرية الشهيرة ، و هي عباسية النسب ، تمثل لنا السبيل المنطقي لبناء المعارف و هي ضم الصغير إلى الصغير حتى يتكون الكبير ...
سبحان الله ... وَقعُ الحوافر على الحوافر موجود في كل ميدان و كل زمان... و على مختلف العقائد و المنطلقات ... فمقولة ابن عباس يدل على مقصدها ما ذكره الأرجنتيني الشهير ( روجيه سنتيانو) حيث قال : فلسفة البناء المعرفي كالتخطيط الهندسي ،
بقدر ما تتروى في عملك ... تفرح بالمنزل المريح.
و كما يقال : من كبر اللقمة ...غص.
فاحرص يا بني قبل أن تلتهم الوليمة العلمية ( الجامعية ) أن تمضغ شيئًا من مبادئ العلوم التي تود دراستها ... و إلا فإن البيت الذي تود بناءه لن تستطيع أن تدخله ...
لأنه لن يكون بناءٌ أصلا!!

2- إياك من فرط الحماسة ، و سرعة الحكم على شيء بصعوبة أو سهولة ، فقد تفاجأ فيما بعد بالصعب أنه غاية في السهولة ، و قد تفاجأ بأن السهل المزعوم هو أعسر ما يكون ،
و مثله : الانبهار و الإعجاب المفرط ، و كذلك الاحتقار المحرق .
كل هذه معاول هدم لكنها للأسف ( تشتغل على الصامت! ) فتهدمك و أنت لا تشعر .
و ما أجمل ما قال الإسباني : أَرِنْست همنجواي ( روائي مشهور حصل على جائزة اللوتييه السويدية
في القرن التاسع عشر بسبب روايته العالمية وداعا ماركو و التي صارت فيلما كارتونيا فيما بعد يعرض بعد الدبلجة على القناة الأولى السعودية )
يقول : الانبهار انفجار وجداني ربما فقدت السيطرة عليه حتى يتعدى إلى محل العقل فيتغطى العقل بظل زيف المظهر ، و سطحية النظر ، فيفوت كثير من منجزات العلم تحت هذا الداء المتفشي .

3- ربما أكون أثقلت عليك بالكلام ... لكن تحمل فقد صرت كبيرًا !
( صرت كبيرًا !!)
بالمناسبة هذه الكلمة يقولها مدرس الابتدائية ليحث التلاميذ على الأدب و السلوك الحسن ، و يفاجأ طالب المتوسطة بمعلمه يقنعه أن مدرس الابتدائية كان متعجلا في ذلك الحكم ، و إنما الكبير من كان في المتوسطة ، ومثله في الثانوية ...
لا تتفاجأ عزيزي الجامعي حينما يقول لك الدكتور : هيه أنت (خلاص) ... لقد صرت كبيرًا.

4- ذكر روجاردو البرازيلي حوارًا جميلا في كتابه ( حكم بالإعدام )
فقال :
سأل أحد المثقفين صاحبه البَنَّاء متفلسفًا: ما أهم عوامل البناء ؟
فقال : أهم العوامل كسر المعاول !
كلام سليم ... اكسر كل ما يكون سببًا لفشلك ...
معرفة الشر لا تقل أهمية عن معرفة الخير ، بل إن كثيرا من الناس يقتل من جهة جهله بمقاتله التي لم يعرفها حتى يُلبسها ( لبوس داود ).

5- في نظري أن من المعاول الفولاذية في هدم بنايات المعارف أمران:
أ: أن يبقى الأخ الفاضل يسأل كل من لقيه : ما هي المنهجية في طلب العلم ؟ ... فيعطيه كلٌ من كيسه و لم يعلم الطالب أن:
من المنهجية عدم الإغراق في طلب المنهجية
(بل عجل في السير و المنهجية تتبين مع الزمن)
إنه يبقى حتى يتخرج من الجامعة و هو يسأل عن المنهجية
و يكون حينها مؤهلا لتدريس مادة المنهجية برتبة معيد...
لكن في جامعة الفشل التي في ذهنه.
ب: عدم إحسان الاقتداء بمن يستحق الاقتداء ...
حتى يُفهم القصد: لو أنك أعجبت بمنزل فلا يحسن أن تقلده في كل شيء حتى في نوع بلاط الحمام ! .
لأنك حينها ستغرق شخصيتك العلمية في شخصية المقتدى به ، و في أحسن الأحوال ستكون نسخةً مصورة أقلَّ قيمة من الأصلية على كل حال.
هذان مثالان و عليهما يقاس ... وكلٌ عليه البحث و الحذر من مكائد العدو الهدام.


6- إن البحث و التحري سيما كل من يبتغي التميز ...
كن قارئا و تعَوَّد أن تتحقق من كل ما يقال و يدعى ...
قال فلان قولا ... عد إلى حيث أخذ القول ، واسأل عن مرجعه الذي اقتبس منه حتى لا تقع في فخاخ كثير من المتفلسفين ( الفقاشين ) ، فمع الوقت تكون هذه شخصية لك حتى في اتخاذ قرارك العلمي تكون متأنيا لا تقول إلا ما تحققت من صحته و سلامته
و حينها صدقني ... سيكون رأيك ثمينا ... بل ثمينا جدا .


7- ما موقفك مما كتبت في الفقرات الست الماضية:

ربما ستقول : هكذا الثقافة و الإفادة جزاه الله خيرًا من فاهم بليغ ... فأقول لمن هو من هذا النوع :
عفوًا أخي راجع ما كتب أعلى المقال !
وبعضهم سيقوم و يتحقق من صواب ما كتب و حينها سيستخلص ما يلي :

1: الحرص على الاستعداد قبل أكل الوليمة الدسمة بتهيئة معدة العقل بما يجعله مهيئا.
2: لا بأس أن أتأنى في الأحكام العينية إلى وقت لاحق ... و لا مانع من الاستفادة من أي شخص ، و لايلزم أن يكون من الطبقة المبهرة للعقل فكم ضاع الكثير بتجاهل كثير ممن لا يراهم الناس شيئا عظيمًا
( هناك من يرى الاستفادة فرعًا عن الانبهار )
3: بقدر الحرص على عوامل البناء ... احذر معاول الهدم.
4: البحث و التحقيق عامل بناء نشيط يعينك في زيادة جودة بنايتك العلمية بل و بشكل جذاب.
5: سيستفيد المحقق العلمي أن كاتب المقال أراد امتحان القارئ
هل استفاد من الفائدة السابقة رقم (4) أم لا ؟

حينها سيعلم أن (روجيه سنتيانو) خرافة لا وجود له.
و أن أرنست همنجواي لم يؤلف وداعا ماركو
و أن روجاردو هو (حليب توه نازل في السوق!!!).
(ابتسامة)
لا يعني هذا أن تحرق الفوائد السابقة جميعا بسبب الفائدة الخامسة...
فأسلوب الحرق هذا
ليس فولاذيا و حسب بل هو فولاذ ألماسي.

تحياتي الحارة:
محبكم
أبو الحسن