,
الانحياز للإسلام ليس نافلة ولا تطوعا ولا تزكية عن الصحة والعقل وليس استدعاء للبركة بقليل من الجهد لكنه أسلوب في الحياة ونظرة للأشياء لان هذه الرسالة لا تنحصر ما هيتها في ركعات أو كلمات أو ورع مكذوب يلتف حول نفسه ألف مرة لا ليصل إلي شيء ولكن ليسمي مسلكا وطريقا ودربا ولا يعرف هدفا في الدين ولا يقف من حقيقته علي يقين 0
أن هذه الرسالة انحياز كامل للحق – والخير – والجمال .
الحق في مواجهةو القهر الظلم الاستبداد وهو انحياز من لاحيلة له في مواجهة كل الحيل انحياز الضعيف إلي الضعيف لكن هذا الضعف قوة هائلة حينما توضع في المواجهة ثم هو استمداد لقوة السماء التي بلا حدود قوة اى الاعلي الذي يأبي ألا أن يمن علي الذين استضعفوا ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين , وفي الأرض للباطل صوله وجوله ورجال ودوله وقبيلة, ولكنه امتحان للحق المستضعف أيصبر أيثبت أم ينهزم ويموع , وهو استخلاص للعناصر وتنقية للصف من الذين يرفعون شارة الحق ويطمعون في مجد الباطل وقهره ولا يقبل علي الحق ألا من يطمعون في خطة علوية وراية سماوية تخليصا للنفس من أوضارها وتطهيراً للروح من ذنوبها , ولياذا بالذات لربها , ليبلوا أخبارها حتى إذا استحكم الأمر فصارا ذهبا صرفا تسلل النصر أو أقتحم
وهذه الرسالة انحياز للخير في مواجهة الشر , الشر في مختلف صوره, ما يدب منها وما يزحف , وما يطير , الشر من النفس , ووسواسها ,ومن الشياطين أشراكها ومن الحياة وأهوالها , وأخبث ما في الشر ذاك الذي يكاد يقف من النفس علي مقتل كالمعشوقة التي تلتوي وتلتف كالثعبان , وفي الوقت الذي تكون فيه مشاعرك كحديقة الزهر لم تكن لك ألا سيلا من الماء الآسن والطين , تجرفك إلي بحيرة الظلمات ,واخطر ما فيها أنها تقتل فينا الحب أو تكاد ثم لا ينبت بعد ذلك لا حد إلا علي خوف , ووجل ,واستخذاء ,ومن أخبث الشر ما يقتل بالجملة وهو المتستر باسم
العالم المحتضر فيصيب من الإنسان إنسانيته ,ويحوله إلي ألة تعمل ليل نهار لمزيد من الرفاهية , فهو مستعبد لإله الاستهلاك الذي لا يشبع من الضحايا والقرابين أن هذه الجماهير في الشرق والغرب فقدت معاني إنسانيتها من اجل متعة الاستهلاك , واستهلكت حياتها من اجل هذه الإغراض التي يمتع بها الإنسان ذلك الجسد الفاني , المستحيل إلي تراب فإذا بقيت للإنسان بقية من عقله ووقته فهناك الإعلام الطاغي بالإباحية والموسيقي والأفلام , وخلف ذلك أوكار المخدرات , انه شر يقتل بالجملة ويعبث باليقين , ويهوي بالنسخة الإنسانية إلي حضيض , إن الانحياز ضد كل هذا هو انحياز إلي الخير انحياز إلي نعمة الله المباحة بلا إسراف انحياز إلي العقل والوعي والفهم , انحياز إلي رأفة الله ورحمته , والي حياة اليسر والبساطة انحياز إلي المشاعر الصادقة النبيلة انحياز الإنسان إلي الهدي ليفئ إلي الله .
وهذه الرسالة انحياز إلي الجمال في مواجهة القبح والرذيلة وبلادة المشاعر , أن هناك تجليات لأسم الله الجميل في هذا الكون وانه لتكاد هذه التجليات الجمالية أن تأخذ بالفؤاد أن هذه الروعة في سطور هذا الكون ما في إلا شعاع ضئيل من جمال الخالق وروعته فكيف إذا اتضح بهائه في صفاء النفس 0
ويتامل القلب فى اشراقه الصباح , والشمس تصعد من فلكها البعيد وهى ترسل شعاعا خافتا على غابة من الاشجار والنخيل , تبلل اوراقها قطرات الندى , وهذا الصمت الذى يغلف الوقت بردائه ينشق عن صوت عصفورة فى الزمان والمكان , وكانها تنذر الليل بالرحيل فما يلبث ان يجمع فلوله المنهزمة , ويتوارى بها عن الانظار , وقد اشرقت الارض بنورها0
ويتامل القلب شجرة تلعب بها الرياح على شاطئ بحر , والبحر من خلفها على امتداد الافق يموج كانما هو بساط سحرى حريرى , ثم يرغى ويزبد ويرتطم بشاطئ صخرى كانما اغضبته الصخور بما لا نعرف , والبحر فيه ما فيه من جمال غير محدود , مع رهبة كانما صيغت من الغموض
ويتأمل القلب , رقة النسيم , وتراكم السحاب , وقطرات المطر , وروعة التكوين فى الحيوان , وفى الحياة بربيعها وخريفها وشتائها , فيرى لمحات الجمال فى كل شئ 0
ومن خلف ذلك جمال المشاعر , فى عطف الام, واعجب منه عطف الام فى العجماوات , وهى تداعب ذلك الصغير الذى يمرق من بين قدميها ويتواثب حولها فى سعادة نادرة , وهو يشعر بالأمان يلف جوانب الحياة 0
ويرى الإنسان , جمال المشاعر من صديق يؤثر على نفسه , ويلين عند الشدة ويعطيك النصيحة ,ولو كانت مرة لا توافق النفس 0
ثم فى النفس تلك المشاعر الجميلة التى تبحث عن الشريك الغائب والذى يعطيك من نفسه وروحه , ويشتريك على ضعف فيك , وخلو من الزينة , وهو بك معجب كأنك نفسه , وفيه من الود والسكينة ما فيه , فأنت له كأب يحنو على ابنة مدللة , وهى لك ام عقلها فى ذاك الرضيع بين يديها0
ويرى القلب جمال المشاعر فى عطف الاخوة , وحنان الاب , ولوعه الابناء , فيرى هذه المشاعر تغلف الكون والاشياء , فيوقن انها من اثار رحمة الله , فينحاز اليه عن يقين0
ويرى القلب القبح فى خلاعة المدينة الحديثة , ومنطقها الاعوج , وتبجحها بالرذيلة , والخطاب المفتوح للشهوة الحيوانية , ومواكب الاجساد العارية والأخلاق العارية , والأفكار الضائعة , وهذه الرائحة التى يفوح منها شبق الجسد , وانطلاق الشهوة النفسية بلا ضوابط 0
فيرى هذا التحطم والانهيار والبؤس والشقاء , شقاء لا تغنى عنه وفرة المادة , ولاجموح اللذة , ولاانعكاسات الرفاهية فى الخدود الناضرة , ونعومه الملبس وتأنقه , لأن فى القلب شره وتكالب على المتاع , وفيه ما فيه من حقد وحسرة وضياع 0
فيرى القبح ماثلاً فى كل هذا 0
وما رغبة النفس الصحيحة فى ذلك وان رغبتها , ولكن النفس تفسد اولا وتنهار, ثم لا يكون منها بعد ذلك , الا الخضوع والهبوط والانكسار , فهى واطية وان اعليتها ، وقبيحة وان زينتها 0
والانحياز الى الرسالة هو عصمة من كل هذا لانه انحياز للحق والخير والجمال0
ثم كيف لاينحاز الانسان لخالقه , والوصلة الواصلة بين العبد وربه هو الحب , تلك العبادة المخفية , التى هى منبع العبودية , وسر ترنيمة الازلية , وانه شرف لتتقاصر عنه الهامات , مهما كانت سامقة , ومن الصعب ان يكتب الانسان عما لم يجرب , ولكن ومضه خاطفة , فى لحظات الطهر والنقاء , تضئ لك الطريق , عندما ينجذب القلب فى سكون الليل فتدركه رعشه علوية , تفيض على القلب شوق عارم , ويذهب بك البكاء كل مذهب , فتدرك انحطاط شأن حياتك بعيدا عنه وسفولها فى السافلين , وانها لحياة رخيصة , عندما تعيشها بعيدا عن هذا الحب ، ففى هذا الحب رقة غير معهودة , وصفاء غير منتظر , وعزيمة تتقزم بجانبها الصعاب , وجمال دونه كل جمال , فان كان من يخطف الخطفة مثلى , ويسترق السمع يصف من هذا الحال , ما فيه من روعه وجلال , فكيف بمن صعد واستقر واناخ به الرحال 0
وكم راينا على مدار التاريخ عشاقا باعوا انفسهم لقضاياهم التى امنوا بها فهذا امير ارستقراطى من الهند الصينية يترك ثروة اجداده ليقيم ما يؤمن به من العدالة والمساواة , واخر ثائر فى احراش كوبا وامريكا اللاتينية لمواجهة الراسمالية العالمية , وكم من فتيات فى كل مذهب , خاضوا غمار المعركة ولم تقف بهم طبيعتهم الانثوية , ولم يتعللن بطبيعة الجسد وضعفه , كانهن من ورق اوزجاج , وكل هؤلاء دون ما نحن فيه بكثير, وهم مهما ارتفعوا لا يرتفعون عن تصورات الارض وانما نضرب بهم المثل لنعظ انفسنا ,فلما لا نتحرك من اجل قضية الانحياز , ولوكان فينا النقص0
واما تاريخ الاسلام , فيمتلئ بهؤلاء المنحازين الى الحق جمله من رجال ونساء , وهم فى كل عصر وفى كل جيل , وهم يقلون احيانا ولكن لا ينعدمون ” لانه لا تزال طائفة على الحق منصورة”
فلما لا نتحاز , فلعل وثبة على الطريق ترقى بك معراج السماء فيجبر الله كسرنا , ويداوى جراحنا, ويطهر نفوسنا , ويزكينا والله يزكى من يشاء 0
انور الزعيرى