من وحي الواقع ( لا تتأخّر عن مريض )

قال أحدهم والدموع تخضّب لحيته :

أذكر .. أنّي كنت مواظبا على زيارة عمّي في المستشفى ... حتى أنّي لم أتأخر عنه يوما .. أنسا لوحشته وقضاء لحاجته وتسلية عن مصابه .. أشهر طويلة وأنا كذلك لم أشعر بكلّ أو تعب فقد كان خفيف الظلّ حبيبا للقلب صريحا صادقا تكاد تفيض عيناه حنانا ورأفة .. فجأة ودون سابق إنذار توفي جدّي رحمه الله فذهبت لإعانة أهلنا في دارهم حتى وقت متأخر من الليل طلب مني خالي مرافقته هو وبعض أفراد العائلة للمستشفى إلاّ أنّي كنت تعبا وكان الوقت متأخرا فتراخيت وآثرت النوم على أن أزور عمّي وهو على فراش موته على أمل أن ألقاه صباحا .. وفي الثانية والنصف ليلا قمت مرتعبا خائفا من رؤيا تجسد فيها منظر فتاة جميلة أعرفها وقد أطلقت شعرها وتحولت إلى عجوز شمطاء مخيفة فعلمت بأنّ أمرا قد حدث !! سألت عن الوقت حتى أحفظه فإذا به الثاية والنصف ... لم تكد شمس الصباح التالي تشرق حتى دخل علينا خالي دخولا أشبه ما يكون بالأفلام وصرخ بأعلى صوته أنّ - فلانا - قد مات ... لم أدر ما حدث بالضبط -عندها- فقد انفجر الدم في داخلي وفقدت القدرة على الرؤية والكلام وإذا بصفير غريب في أذني يحجبني عن سماع ما حولي ... لن أطيل عليكم إلاّ أنّه إن كان للندم من معنى ... فهو ما شعرت به يومها وأشعر به يومي هذا فقررت أن لا أتأخر عن مريض مهما كلّفني ذلك .. إنتهى .. كلامه .