بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أمين
قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" الأحزاب:٥٩
و قال تعالى "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" النور:٣٠
قال تعالى " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور:٣١
قال ابن كثير:
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري . وكذا رواه الإمام أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد به ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه أيضا وقال الترمذي حسن صحيح وفي رواية لبعضهم فقال " أطرق بصرك" يعني انظر إلى الأرض والصرف أعم فإنه قد يكون إلى الأرض وإلى جهة أخرى والله أعلم اهـــ
إختلف العلماء و المفسرون قديما و حديثا في حكم تغطية المرأة وجهها و كفيها فمن قال بوجوبه أخذ بتفسير عبد الله ابن مسعود للزينة الظاهرة بأنها الثياب الخارجية فقط لأنه لا يمكن إخفائها و من قال باستحبابه فقط دون الوجوب أخذ بما روي عن ابن عباس في أن الزينة الظاهرة الوجه و الكفين
كذلك في آية الجلباب القائلون بعدم الوجوب إستدلوا بالمعنى اللغوي لكلمة "يدنين" و الإدناء في اللغة "التقريب" كما ورد في القواميس مثل "المفردات" للإمام الراغب الأصبهاني و ليس معناها تغطية الوجه و استدلوا بتفسير عبد الله بن عباس و تلميذه مجاهد " تغطي الحُرَّة إذا خرجت جبینها ورأسها". و تفسير قتادة "أخذ الله علیهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب".و ذلك حتى تتميز المسلمة العفيفة عن الكافرات و الباغيات فلا يتعرض لهن الفساق بأذى
و القائلين بوجوبه أخذوا برواية أخرى عن ابن عباس أنها تغطي وجهها و تبدي عينا واحدة و رواية أخرى عن عبيدة السلماني لما سأله محمد بن سيرين عن الإدناء في الاية فأخذ رداء فغطى وجهه و أظهر عينه اليسرى و في رواية اليمنى.
كذلك المذاهب الأربعة اختلفت أقوال أئمتها , و المشهور هو أن الجمهور على أن الوجه و الكفين ليسا من العورة
لكن:
أولا: ليس معنى أنه قول الجمهور أنه القول الصواب فهناك كثير من العلماء خالف
ثانيا: العورة قد يكون مقصود بها عند البعض عورة الصلاة و عليه فقولهم أن الوجه و الكفين ليسا من العورة أي في الصلاة , فمعنى العورة قد يختلف مدلوله إذن من مذهب لاخر و من عالم لاخر
ثالثا: هناك اعتبار آخر غير كون الوجه و الكفين عورة أم لا ألا و هو إعتبار "سد الذرائع" فهذا أصل من أصول استنباط الأحكام الشرعية عند كثير من الفقهاء و هو مشهور العمل به عند المالكية و الحنابلة فالشئ قد لا يرد فيه نص في نفسه بوجوبه لكن يغلب على الظن أن عدم إعماله سيفضي إلى وقوع مفسدة أو فتنة فيكون واجب حينئذ و كذلك قد لا يرد فيه نص في نفسه بتحريمه لكن يغلب على الظن أن فعله سيفضي إلى وقوع مفسدة أو فتنة فيكون محرما
و فتنة الرجال بالنساء و النساء بالرجال لا يمكن لأحد أن ينكر أنها من أشد الفتن و أنها سبب كثير مما تبتلى به الأمة من فساد و أنها تبدأ غالبا من النظرة و لذلك كما جاء في الحديث " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" رواه الترمذي و صححه الألباني في مشكاة المصابيح:٣١٠٩
و حتى أنه في الغالب لا يتعدى الأمر مجرد النظر و لكن كما جاء في الحديث "فالعين زناها النظر , و اليد زناها اللمس" و النظر المقصود منه هنا لابد أنه النظر المتفحص أو المصحوب بشهوة.
و الان:
إذا كان وجه المرأة يحرم على المسلم النظر إليه بتأمل فهو محرم على غير المسلم من باب أولى.
و إذا كانت الطرقات و الاماكن العامة التي تخرج إليها المرأة يكون فيها في الغالب المسلمون و الكفار أيضا بل ليس كل المسلمين مفترض أنهم سيغضوا أبصارهم فالمسلمون فيهم كثير من العصاة و الفساق.
و لما كان لا يوجد ضمان أن الكافر و الفاسق سيصرف بصره
فالضامن الوحيد هنا لئلا ينظر أحد للمرأة نظرة محرمة هي أن تغطي وجهها , هذا كله على فرض أن الوجه و الكفين ليسا عورة في أصلهما فيكون النقاب واجب من باب سد الذرائع و لأن كل ما يؤدي إلى محرم فهو محرم فكيف إذا أضيف إلى ذلك من قال أن وجه المرأة عورة خارج الصلاة كابن مسعود من الصحابة و أخرون من أهل العلم كابن القيم و الجصاص و غيرهم.
و بالتالي فإن إرتداء النقاب هو الأحوط و الأفضل للمرأة المسلمة خصوصا في زماننا
و إن لم يكن واجبا فهو بالتأكيد سنة و مستحب
لكن لأن الأمر فيه خلاف معتبر و من قال بجواز كشف الوجه و اليدين إذا أمنت الفتنة هم جمهور العلماء فعلى ذلك لا إثم على غير المنتقبة
فلا تنكر المنتقبة على المحجبة الغير منتقبة ولا تنكر المحجبة الغير منتقبة على المنتقبة كذلك , أيضا لا ينكر القائلين بوجوب النقاب على القائلين بعدم وجوبه ولا العكس.
و مثال ذلك حديث "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" فصلى بعض الصحابة قبل الوصول لبني قريظة قبل فوات وقت العصر و صلى الاخرون في بني قريظة إمتثالا للحديث و النبي صلى الله عليه و سلم أقر هؤلاء و هؤلاء
فالأمر فيه سعة و الحمد لله
و لله الحمد و المنة