أزمة الضمير الأدبي
بقلم/أحمد زكريا عبد اللطيف

- الأدب في جوهره يعني التعبير الفني الإبداعي عن موقف الإنسان ورؤيته لمشكلات الحياة وقضاياها وتصويرها.. وتلمس أساليب مواجهتها.. والكشف عن الإمكانات التي تنطوي عليها الطبيعة الإنسانية.

- والأدب بهذا الاعتبار يقوم بدور إيجابي نشط في التعبير عن وجهة نظر الأديب المبدع في العديد من القضايا وتسجيل أحاسيسه ومشاعره إزاءها.. وهكذا يسهم الأدب بقدر كبير وحظ موفور في الاتجاهات الفكرية والقيم السلوكية والأساليب الحضارية ونشرها بين الناس.

- وكلما كان الأديب مدركا لمثالية الأدب فاهما لقيمته وأهميته واعيا لمجتمعه أمينا على القيم والمبادئ حريصا على الحقيقة والجوهر بعيدا عن الزيف والضلال كلما كان مصلحا لمجتمعه وصالحا في نفسه.. كذلك كان أدبه في صالح المجموع الإنساني الذي يشاركه الحياة ويتأثر بأدبه في حياته وبعد مماته..وهكذا يتاح للأدباء أن يكونوا أعظم تأثيرا في حياة البشرية.

- ومن هذا المنطلق كانت مهمة الأدب ثقيلة وصعبة.. وكانت مسئولية الأديب والفنان مسئولية عسيرة تضع في عنقه أمانة التعبير عن الجيل الذي يعيش فيه.. والقدرة على النفاذ إلى آفاق المستقبل بالإحساس المرهف والشفافية الملهمة ..ولن يتحقق ذلك ما لم يكن الأديب والفنان على صلة وثيقة بهذا المجتمع في قيمه ومثله ومبادئه.. مرتبطا أشد الارتباط بجذوره الممتدة في الأعماق والأغوار..وذلك لكل أديب أصيل وهو أحرى أن يتوافر في الأديب المسلم .

- وإذا كان الإخلاص مطلوبا في كل أمر فهو أشد ما يكون ضرورة للأدب والفن.. فكلما كان الفنان والأديب مخلصا عظم أثره وجل قدره وازداد خيره ونفعه.. وكلما توفرت الأمانة وتحمل المسئولية في الأديب والفنان وكان حريصا على الصدق في النية والغاية واعيا بحقائق الحياة المغيبة وسط أكوام الضلالات ومتاهات الأهواء والانحرافات مع وضوح الرؤية الدينية في ذهنه جيدا.. إذا تحقق كل ذلك كان على درجة بالغة من الحساسية التي ترقى به إلي قمة التعبير والتصوير والتأثير.

- أهمية الحرية المنضبطة النقية للأدب والفن:

- إن الأدب بهذا الاعتبار السابق لا يتأتى إلا في أجواء الحرية النقية الصافية.. وليست الحرية المتمردة على الدين والقيم والمثل والأخلاق.

- إنها الحرية المتألقة بعقيدتها وإيمانها بربها وبكرامة الإنسان وحقه في الحياة الكريمة الراقية المترفعة على الدنايا والرذائل والتفاهات والسفاهات.

- وبهذا أضيفت وظيفة أساسية إلى وظائف الفن المخلص الصادق.. وأعني بها الدفاع عن الحرية ،لأنه بغير الحرية لا يتحقق لهذا الأدب وجود.

- ولكن أية حرية هذه التي نتكلم عنها..أهي حرية الشرود والجموح؟

- أم حرية البذاءة والإفساد؟

- أم حرية التعالي والغرور؟

- كلا..لا هذه ولا تلك.

- إنما هي الحرية البيضاء النقية التي لا تشوبها شائبة ولا تعتريها ذرة من دنس.

- إنها حرية أهل الحق والصدق والإخلاص والوفاء والالتزام.

- ومثل هذه الحرية لا يمكن أن تنحني أو تهزم مهما يكن جبروت الاستبداد.. وكذلك فإنها تمد الأدب المخلص بإمكانات فريدة وقدرات عجيبة على الإيحاء والتوجيه والتأثير.

- ولكن يبدو أن كلمة(حرية)قد امتهنت امتهانا شنيعا في زماننا ،وحقا ما قاله الأستاذ عبد الله حسين في مقاله الرائع في جريدة الأهرام القاهرية(6مارس2003 ):"فأصبحنا وأضحينا وأمسينا وقد كثرت جموع المتباكين على هذه الحرية كما يفهمونها - حرية التضليل والتهريج والتخريب والإمعان في الإفساد في الأرض ـ هؤلاء المتباكون على (حرية الأدب والفن)غير مخلصين للأدب ولا للإنسانية ولا لدينهم ووطنهم.."

- وإذا كان بعض الكتاب المعاصرين يختارون الجانب المنحل من المجتمع ليقفوا إلى جواره مدافعين عن أهدافه الممقوتة وغاياته الشريرة وأساليبه الهابطة الدنيئة ،فإن ذلك يشكل أزمة في الضمير الأدبي عند الكتاب قبل أن يكون أزمة الافتئات على حرية التعبير والإبداع.

- إننا في هذه الفترة من حياتنا ننظر إلى أدبنا وفنوننا المعاصرة فنجد أنها تعاني أزمة شديدة عنيفة ،سببها في الأساس الاختلاف في الإخلاص لرسالة الأدب والفن الحقيقية .

- والأدب الحر المخلص لا يخشى على حريته من الآداب الرخيصة.. ولكن يخشى من هذه الآداب الرخيصة أن تدنس المجتمعات النظيفة وتعكر صفوها وتبدد نقائها وتضيع سلامها وأمنها ودينها.

- والتحدي مازال قائما،والصراع مازال محتدما.. وعلى المخلصين من عباد الله الحريصين على نصر هذا الدين ونشر دعوته ودحض دعاوي الإلحاد والانحلال مواجهة التحدي ومقاومة الباطل ،مهما تكن حدة الصراع .

- والأدباء المخلصون في دعوتهم أقوياء بفضل الله سبحانه أولا ..ثم لأن قضيتهم هي قضية الفطرة السليمة والنفس السوية .. فعلى أدباء وفناني الإسلام أن يخوضوا الغمار.. ولا يتركوا الساحة خالية أمام العلمانيين والشيوعيين والإباحيين..والل ه معهم ولن يخيب سعيهم.

بقلم/ أحمد زكريا عبد اللطيف