الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :بسم الله الرحمن الرحيممسألة : حكم من أتى ذات محرمٍ .
فهذه مسألة من المسائل التي وقع فيها خلاف بين أهل العلم – رحمهم الله – وتحتاج إلى تحرير وبسط للأدلة والاعتراضات حتى يتضح وجه الحق فيها ؛ فأقول مستعيناً بالله :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال :
القول الأول : أن من أتى ذات محرم فإنه يعامل معاملة الزاني مطلقاً سواءً بسواء . وهذا هو قول الحسن البصري [1] ، ومذهب المالكية [2] ، ورواية في مذهب الإمام أحمد [3] ، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية [4] ، واختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز [5] .
أدلتهم :
الدليل الأول : قوله تعالى : " الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ... " .
وجه الاستدلال : أن الآية عامة في كل زانٍ ، ولم يخص به من زنى بغير ذات محرم له .
يرد عليه :
1 – أن السنة ثبتت في قتل من أتى ذات محرم ، فلا يجوز العدول عن هذا النص .
2 – أن استدلالكم بالعموم غير صحيح ، وذلك لأنكم توافقونا بأن الحكم في هذه الآية خاص بالبكر دون الثيب ، وهذا عُلِمَ من السنة = فكذلك تخصيص ذوات المحارم ثبت بالسنة ، فوجب العمل به .
الدليل الثاني : قوله تعالى : " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً " [6] .
وجه الاستدلال : أنَّ الله – سبحانه وتعالى – سمَّى نكاح امرأة الأب فاحشة ، وقد سمَّى الزنا فاحشةً – أيضاً – فقال : " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " فدل ذلك على مساواته في الحكم .
يرد عليه :
1 – أنَّ الله – سبحانه وتعالى – يطلق اسم الفاحشة على غير الزنا من المعاصي ؛ كقوله تعالى : " ولا يخرجن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قيل : أن خروجها من بيته فاحشة ، وقيل : أن الفاحشة في ذلك أن تستطيل بلسانها على أهل زوجها ، وقيل : أنها الزنا = فصار لفظ ( الفاحشة ) من الألفاظ المشتركة يتناول كل محظور .
2 – في هذه الآية التي فيها النهي عن نكاح ما نكح الآباء لفظ زائد ، وهو ذكر المَقْت مما يؤكد أن إتيان امرأة الأب – ويقاس بقية المحارم – أشد من الزنا بغيرهن من الأجنبيات الذي ورد في وصفه بأنه " فاحشة " فقط .
الدليل الثالث : أنَّ هذا وطءٌ في فرجِ امرأة ، مجمعٌ على تحريمه من غير مِلْك ولا شُبْهَة ملك ، والواطئ من أهل الحد ، عالم بالتحريم = فيلزمه الحد ، كما لو لم يوجد العقد ، وصورة المبيح إنما تكون شبهةً إذا كانت صحيحة ، والعقد هاهنا باطلٌ محرم .
يرد عليه :
أنَّ قياسكم هذا صحيح لو لم يَرِدْ هنا نصٌّ خاصٌ في المسألة ، وحيث ورد هنا نصٌ خاص = وجبَ الحكم به ، والعمل بمقتضاه .
القول الثاني : أن من أتى ذات محرم فإنه يقتل مطلقاً ، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد [7] ، اختارها إسحاق وأبو أيوب وابن أبي خيثمة [8]، وهو قولُ جماعةٍ من السلف والخلف سيأتي ذكرهم .
أدلتهم :
الدليل الأول : عن ابن عباس – رضي الله عنهما – ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " من وقع على ذات محرم فاقتلوه " [9] .
يرد عليه : بأن الحديث ضعيف لا يصح ،
فقد قال عنه أبو حاتم في العلل ( 4 / 204 ) : هذا حديث منكر ، لم يروه غير ابن أبي حبيبة .
وقال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإبراهيم بن إسماعيل يضعف في الحديث .
وقال ابن عدي : وهذا لا يرويه إلا عبد العزيز بن عمران بهذا الإسناد ، وهو منكر .
وقال ابن حبان : وهذا باطلٌ لا صل له .
وقال البيهقي : تفرد به إبراهيم بن الأشهلي ، وليس بالقوي ، وهو إن صح محمول على التعزير .
الدليل الثاني : عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أنه قال : لقيت خالي – وفي بعض الروايات : عمي – ومعه راية ، فقلت له ؟ . فقال : بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله أو أضرب عنقه [10] .
وجه الاستدلال : قياس ذوات المحارم على امرأة الأب بجامع كونهن من ذوات المحارم .
يرد عليه :
ستأتي مناقشة هذا الاستدلال عند ذكر أدلة القول الثالث – إن شاء الله – .
الدليل الثالث : ما جاء من أنَّ الحجاج أُتِيَ برجل قد اغتصب أخته نفسها . فقال : احبسوه ، وسلوا من هاهنا من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فسألوا عبد الله بن أبي مطرف ، فقال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " من تَخَطَّى الحرمتين ؛ فَخُطَّوا رأسه بالسيف " . وكتبوا إلى ابن عباس ، فكتب إليهم بمثل قول عبد الله بن أبي مطرف [11] .
يرد عليه :
أنَّ الحديث لا يصح ؛ ولا تثبت الأحكام الشرعية إلا بعد ثبوت النص الوارد فيها .
الدليل الرابع : عن معاوية بن قرة ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعثه إلى رجلٍ أعرس بامرأة أبيه ، فضرب عنقه ، وخَمَّسَ ماله [12] .
الدليل الخامس : عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن أبيه قال : لقيت عمي ومعه الراية ، فقلت : أين تريد ؟ فقال : بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجل أعرس بامرأة أبيه ، فأمرني أن أقتله وآخذ ماله [13] .
يرد عليه :
أنَّ الحديث لا يصح ، ولا تثبت الأحكام الشرعية إلا بعد ثبوت النص الوارد فيها .
الدليل السادس : عن أبي بن كعب أنَّ رجلاً جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : إنَّ فلاناً يدخل على امرأة أبيه . فقال أبي : لو أنا لضربته بالسيف ؛ فضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال : " ما أغيرك يا أبي ! إني لأغير منك ، والله أغير مني " [14] .
يرد عليه :
أنَّ الحديث لا يصح ، ولا تثبت الأحكام الشرعية إلا بعد ثبوت النص الوارد فيها .
الدليل السابع : عن المغيرة بن شعبةَ – رضي الله عنه – قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلاً مع امرأة أبيه لضربته بالسيف غير مصفح ؛ فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : " أتعجبون من غيرة سعد ! فو الله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، ومن أجل غيرةِ الله : حرَّم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، ولا شخصَ أغير من الله ، ولا شخصَ أحبُّ إليه العذر من أجل ذلك وعد الجنة " [15] .
الدليل الثامن : أنَّ هذا القول هو اختيار جماعةٍ من الصحابة لم يعلم لهم مخالف ؛ فهو قول :
1 – ابن عباس ، فقد جاء عنه أنه قال : اقتلوا كل من أتى ذات محرم [16] ،
2 ، 3 – وعبد الله بن مطرف ، وأبو بردة ؛ فقد جاء عنهما أنهما حكما في رجل زنا بانته بقتله[17] .
وجه الاستدلال به من جهتين :
الأولى : أنَّ ابن عباس – رضي الله عنهما – وهو ترجمان القرآن لا يقول هذا الحكم العام إلا بتوقيف من النبي – صلى الله عليه وسلم – .
الثاني : أن هؤلاء الصحابة لا يعلم لهم مخالف من الصحابة .
الدليل التاسع : أنَّ هذا القول هو اختيار جماعة من التابعين والسلف من أهل العلم والتحقيق :
1 – فعن سعيد بن المسيب أنه قال فيمن زنا بذات محرم : يرجم على كل حال [18] .
2 – وعن جابر بن زيد – وهو أبو الشعثاء ؛ كما بين ذلك ابن حجر في الفتح – فيمن أتى ذات محرم منه . قال : ضربة عنقه [19] .
3 – وقال إسحاق بن راهويه : من وقع على ذات محرم قُتِلَ [20] .
4 – قال الإمام أحمد – كما في مسائل ابنه صالح وإسماعيل بن محمد – : يقتل ويؤخذ ماله إلى بيت المال . وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع ( 14 / 246 ) : وهي الصحيحة – أي عن الإمام أحمد – .
5 – وبوَّب أبو داود في سننه على حديث البراء : بابٌ في الرجل يزني بحريمه .
6 – قال الترمذي في سننه ( ح 1462 ) : والعمل على هذا عند أصحابنا ، قالوا : من أتى ذات محرم – وهو يعلم – فعليه القتل .
7 – وبوَّب النسائي في سننه الكبرى على حديث البراء : باب عقوبة من أتى بذات محرم .
8 – وسئل شيخ الإسلام – رحمه الله – كما في الفتاوى ( 34 / 177 ) عمن زنا بأخته ؟ فأجاب : وأما من زنى بأخته مع علمه بتحريم ذلك وجب قتله .
9 – وابن القيم اختار هذا القول في زاد المعاد ( 5 / 14 ) ، وروضة المحبين ( ص 374 ) .
10 – وهو ما جزم به ( ناظم المفردات ) من أنَّ حدَّه الرجم مطلقاً ؛ كما نقل ذلك المرداوي في الإنصاف ( 26 / 274 ) .
11 – وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين كما في الشرح الممتع ( 14 / 246 ) .
12 – وهو ما رجحه الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – في كتابه الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ( ص 148 ) .
الدليل العاشر : أنَّ هذا القول هو محض القياس الصحيح ، حيث إنَّ :
المقيس عليه ( الأصل ) هو : نكاح امرأة الأب .
المقيس ( الفرع ) هو : إتيان ذوات المحارم .
الجامع بينهما ( العلة ) هو : أنَّ هؤلاء كلهن من ذوات المحارم .
الحكم هو : القتل لكل من أتى ذات محرمٍ منه ، محصناً كان أم غير محصن ، بعقد أو بغير عقد .
الدليل الحادي عشر : أنَّ العقوبة على قدر الجُرْم ؛ فعندما غَلُظَ الزنا في هذه المسألة لكونه في ذات محرم = زادت العقوبة عليه ، ويدل على تغليظ هذه الجريمة الشنعاء :
أ – ما ورد في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " لا يدخل الجنة من أتى ذات محرم " [21] .
ب – أنَّ الزنا معدودٌ في الكبائر ، ومعلومٌ أن المعصية تتغلظ بالمكان والزمان ؛ فكيف إذا كانت هذه المعصية – في الأصل – من الكبائر = لا شك أنها تكون من أعظم الموبقات إذا انظم إليها كون المزني بها من ذوات المحارم ، قال الهيتمي في الزواجر عن الكبائر ( 2 / 226 ) : وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الزِّنَا لَهُ مَرَاتِبُ : فَهُوَ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَا زَوْجَ لَهَا عَظِيمٌ , وَأَعْظَمُ مِنْهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَهَا زَوْجٌ , وَأَعْظَمُ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ , وَزِنَا الثَّيِّبِ أَقْبَحُ مِنْ الْبِكْرِ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ حَدَّيْهِمَا , وَزِنَا الشَّيْخِ لِكَمَالِ عَقْلِهِ أَقْبَحُ مِنْ زِنَا الشَّابِّ , وَالْحُرِّ وَالْعَالِمِ لِكَمَالِهِمَا أَقْبَحُ مِنْ الْقِنِّ وَالْجَاهِلِ .
القول الثالث : أن من أتى ذات محرم فإنه يجب فيه التعزير والعقوبة البليغة إذا كان بعقد بما يراه ولي الأمر ، أما إذا كان بغير عقد فحده حد الزاني ، وهذا قول سفيان الثوري وأبي حنيفة [22] .
واستدلوا :
بأن حديث البراء محمول على المستحل ، ويدل على ذلك الأوجه التالية :
الوجه الأول : أنَّه ليس في الحديث ذكر الرجم ؛ بل القتل ، والقتل ليس بحدِّ الزنا ، فثبت بهذا أنَّ الخدَّ هنا لمعنًى خلاف ذلك وهو الاستحلال .
يرد عليه :
1 – أنَّ تأويلكم لو كان صحيحاً لقال الراوي : بعثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجلٍ قد ارتدَّ فاستحلَّ امرأة أبيه، فقتلناه على الردة ؛ فلمَّا لم يقل ذلك دلَّ على أن ما تأولتموه غير صحيح .
2 – أنَّ الراوي قال : تزوج امرأة أبيه ، فدلَّ ذلك على أنًّ الحكم معلقٌ بهذه الفاحشة ، ويقاس عليها كل المحارم .
3 – أنَّ قولكم : أنَّ هذا ليس بحدِّ الزنا . فنقول : نعم ، لكنه حدٌّ مستقل عن حدِّ الزنا العام ، لِمَا فيه من البشاعة ، فجريمة الزنا كبيرةٌ من الكبائر ، وهو بذات المحرم أشدُّ جُرْمَاً ، فناسب مغايرة الحُكْمِ بينهما .
الوجه الثاني : إذا لم يكن في الحديث ما ينفي قول أبي حنيفة والثوري لم يكن حجةً عليهما ، لأنَّ مخالفهما ليس بالتأويل أولى منهما .
يرد عليه :
1 – على التسليم بأنه ليس هناك ما ينفي قول أبي حنيفة والثوري : هل يتوقف في المسألة ؟! أم يبحث عن أدلةٍ ومرجحات أخرى ؟! وإذا بحثنا وجدنا أنَّ الأدلة دالةٌ على وجوب قتل من أتى ذات محرم منه .
الوجه الثالث : أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – عقدَ رايةً لقتل هذا الرجل ، ولم تكن الرايات تعقد إلا لمن أمر بالمحاربة ، والمبعوث لإقامة حدِّ الزنا غير مأمور بالمحاربة .
يرد عليه :
1 – عدم العلم ليس دليل العدم ؛ فعندما لا نعلم أنَّ هناك رايةً عُقِدَت في غير الجهاد لا يلزم منه عدم وجودها .
2 – أنَّ هناك توجيهاً لعقد الراية أحسن مما ذكرتموه ، وهو : أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – عقد هذه الراية لقتل هذا الرجل ، لئلا يعترض معترضٌ على قتله ، لعلمه بأنًّ هذه الراية قد عقدها النبي – صلى الله عليه وسلم – .
3 – لو كان قتله ردةً لما بعث معه راية ؛ لأن الراية لا تكون إلا في الحرب ، فهذا دليل على كون ذلك حداً ؛ كما بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – أنيساً إلى المرأة الزانية دون أن يعقد له راية .
الوجه الرابع : في الحديث أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بعثه إلى رجلٍ تزوج امرأة أبيه ، وليس فيه أنه دخل بها ؛ فإذا كانت العقوبة وهي القتل مقصوداً بها إلى المتزوج لتزوجه = دلَّ ذلك على أنها عقوبة وجبت بنفس العقد لا بالدخول ، ولا يكون ذلك إلا والعاقد مستحلٌ لذلك .
يرد عليه :
1 – أنه لا يلزم من ارتكاب المعصية أن يكون العاصي مستحلاً لها ؛ وإلا لكفر كل من عصى الله ! .
2 – أنه إذا كانت هذه هي عقوبة العاقد فقط ؛ فالداخل والزاني بدون عقد ولو كان باطلاً = أولى بهذه العقوبة .
3 – أنَّ هذا من الحيل الباطلة ! فإذا أراد إنسانٌ غير محصن أن يعاشر أحد محارمه ويتخذها زوجةً له ولا يريد أن يقتل ، فليس عليه إلا معاشرتها بدون عقد !
4 – أنَّ مصطلح ( الزواج ) من المصطلحات الشرعية الواردة في النصوص ، وأما كل عقد أو وطءٍ لم يأمر الله به ولا أباحه ؛ بل نهى عنه = فهو باطل ، ومن سمى ذلك زواجاً فهو متعدٍّ ، والأسماء الشرعية تتلقى من الشارع .
5 – أنَّ من سمى كل عقدٍ باطل ووطءٍ فاسدٍ – وهو الزنا المحض – زواجاً ليتوصل به إلى إباحة ما حَرَّمَ الله ، أو إسقاط حدود الله = كمن سمَّى الخنزير كبشاً ليستحله ونحو ذلك ؛ فهذا انسلاخٌ من الإِسلام ، ونقض عقد الشريعة !
الوجه الخامس : أنَّ في الحديث زيادة على القتل ، وهي " أخذ المال " ، وفي رواية " ويخمس ماله " ؛ فدل ذلك على أنَّ المتزوج كان بتزوجه مرتداً محارباً ، فوجب أن يقتل لردته ، وماله مال الحربيين .
يرد عليه :
1 – أنَّ هذه الزيادة غير صحيحة ؛ كما يتضح ذلك في الملحق الخاص بتخريج حديث البراء .
2 – أنَّ القتل ليس لردته ؛ فهذا محلُّ النزاع بيننا = فلا يستدل به .
3 – أنَّ أخذَ المال عقوبة زائدة على القتل – على التسليم بثبوتها – ، ولها نظائر ؛ كما في آحاد الناس الذين يمنعون الزكاة ، فإنها تؤخذ منهم وشطر أموالهم ...
القول الرابع : التفريق بين من تزوج بامرأة أبيه بعقد أو بغير عقد ، سواء كانت أمه أو غير أمه ، دخل بها أبوه أم لم يدخل ، وبين غيرها من المحارم ، وهذا هو اختيار ابن حزم [23] .
واستدلوا :
بأن حديث البراء بن عازب فيمن تزوج امرأة أبيه ، والباقي يبقى على الأصل وهو معاملته معاملة الزاني بكراً كان أو ثيباً عقد عليها أو زنا بها بدون عقد .
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الاستدلال غير مستقيم ؛ فإما أن يتوقف مع حرفية النص – فيقال : أنَّ هذا الحكم خاص بمن عقد بامرأة أبيه فقط دون من لم يعقد عليها – أو يبطل استدلالكم .
2 – أنَّ الأدلة الأخرى توضح أنَّ الحكم مطرد في كل ذوات المحارم .
3 – أنَّ التفريق بين ذوات المحارم تأباه روح الشريعة التي لا تفرق بين متماثلات ولا تجمع بين متفرقات ؛ فزنا الأب بابنته أو الابن بأمه أشد شناعة من نكاح الابن زوجة أبيه .
الترجيح : الذي يظهر – والله أعلم – قوة القول الثاني القائلين بأنه يقتل مطلقاً لقوة أدلتهم وإمكانية مناقشة الأقوال الأخرى .
وقد تم تحرير هذا البحث في يوم الأربعاء 9 / 3 / 1428هـوالحمد لله أولاً وآخراً .
[1] المصنف لابن أبي شيبة ( 28869 ) .
[2] المدونة ( 4 / 483 ) ، وتبصرة الحكام ( 2 / ) وقال : فعليه الحد مع الأدب الشديد لما انتهك من الحُرْمَة وهذا مذهب ابن عبد الحكم ، وأَبَاهُ ابن القاسم وأشهب وقالا : لا يزاد على الحد .
[3] الكافي ( 5 / 383 ) ، والفروع ( 6 / ) وقال : ونقل جماعةٌ : ويؤخذ المال لخبر البراء ، وأَوَّلَهُ الأكثر على عدم وارث ، واَوَّلَهُ جماعةٌ : ضَرْبَ العنق على ظنِّ الراوي . وقد قال أحمد : يقتل ويؤخذ ماله على خبر البراء إلا رجلاً يراه مباحاً فيجلد ، قلت : فالمرأة ؟! قال : كلاهما في معنًى واحدٍ تُقْتَل . وعند أبي بكر : إن خبر البراء عند الإمام أحمد يُحمل على المستحل ، وإنَّ غير المستحل كزانٍ . نَقَلَ صالح وعبد الله أنَّه على المستحل . اهـ وهذا هو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب ؛ كما في الإنصاف ( 26 / 274 ) .
[4] شرح معاني الآثار ( 3 / 149 ) .
[5] الحلل الإبريزية من التعليقات البازية ( 4 / 315 ) .
[6] أحكام القرآن للجصاص ( 3 / 64 ) .
[7] الكافي ( 5 / 383 ) ، والإنصاف ( 26 / 274 ) ، وقال ابن القيم في زاد المعاد ( 5 / 14 ط . الرسالة الجديدة ) : وقد نصَّ أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد ، في رجل تزوَّج امرأة أبيه أو بذات محرم ، فقال : يُقْتَل ، ويُدْخَل ماله في بيت المال . وهذا الفول هو الصحيح ، وهو مقتضى حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اهـ .
[8] المغني ( 10 / 184 ) .
[9] أخرجه الترمذي ( 1462 ) ، وابن ماجه ( 2568 ) ، والطبري في تهذيب الآثار ( 1 / 554 وَ 555 / مسند ابن عباس ) ، والطبراني في المعجم الكبير ( 11 / 183 ) ، وابن حبان في المجروحين ( 1 / 110 ) ، والدارقطني في السنن ( 3 / 126 ) ، والبيهقي في السنن الكبير ( 8 / 252 ) . مطولاً ومختصراً .
ورواه ابن أبي سيبة في المصنف ( 28510 ) من طريق عبيد الله بن موسى ، وأحمد في مسنده ( 1 / 300 رقم 2727 ) من طريق أبي القاسم بن أبي الزناد ، والطبري في تهذيب الآثار ( 1 / 556 / مسند ابن عباس ) من طريق إسحاق بن محمد الفروي ، وابن عدي في الكامل ( 1 / 234 ) وَ ( 5 / 286 ) من طريق عبد العزيز بن عمران = جميعهم عن إبراهيم بن إسماعيل – وهو ابن أبي حبيبة – به مطولاً ومختصراً .
* مستفاد هذا التخريج من العلل لابن أبي حاتم بتحقيق جماعة من الباحثين ، بإشراف الشيخ سعد الحميد – وفقه الله – ( 4 / 204 ) .
[10] صححه الحاكم ، وابن الجارود ، وابن القيم ، والألباني ، وجماعة غيرهم ؛ وقد وضعت ملحقاً بتخريج ودراسة هذا الحديث .
[11] أخرجه العقيلي في الضعفاء ( 2 / 201 – 202 ) – ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 54 / 187 ) – ، وابن عدي في الكامل ( 3 / 175 ) وَ ( 4 / 221 ) – ومن طريقه البيهقي في الشعب ( 5090 ) – .
قال العقيلي : ولا يحفظ هذا اللفظ إلا به . أي : صالح بن راشد .
قال ابن عدي : ورفدة بن قضاعة هذا لم أر له إلا حديثاً يسيراً ، وعند هشام بن عمار عنه مقدار خمسة أو ستة أحاديث ، وهذا الحديث حديث عبد الله بن أبي مطرف لا أعرفه إلا من حديث رفدة .
وقال أيضاً : وهذا الحديث هو الحديث الذي أشار إليه البخاري أنه لا يصح عنه .
* مستفاد هذا التخريج من العلل لابن أبي حاتم بتحقيق جماعة من الباحثين ، بإشراف الشيخ سعد الحميد – وفقه الله – ( 4 / 205 ) .
[12] أخرجه النسائي في الكبرى ( 7224 ) ، وابن ماجه في سننه ( 2608 ) ، والطبراني في معجمه الكبير ( 48 ) ، والدارقطني في سننه ( 350 ) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 4523 ) ، والبيهقي في الكبرى ( 12502 ) وَ ( 16671 ) . وقال في الزوائد : إسناده صحيح . وقال ابن منده – كما في أسد الغابة ( 1 / 97 ) – : هذا غريب من هذا الوجه . قال : وقال يحيى بن معين : هذا صحيح ، كان ابن إدريس أسنده لقوم ، وأرسله لآخرين . ونقل ابن القيم – أيضاً – تصحيح ابن معين لهذا الحديث في زاد المعاد ( 5 / 13 ط .الرسالة الصف الجديد ) ، وقال الألباني : حسن صحيح .
[13] أخرجه الطبراني في الأوسط ( 6645 ) ، وإسناده ضعيف ؛ ففيه إسحاق بن راشد تكلم في روايته عن الزهري ، وهو هنا يروي عنه .
[14] تاريخ دمشق ( 7 / 366 ) ، وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن أبي بن كعب – رضي الله عنه – .
[15] أخرجه الحاكم في المستدرك ( 8060 وَ 8061 ) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، فإنَّ أبا عوانة سمَّى مولى المغيرة هذا في روايته ، وأتى بالمتن على وجهه . ولم يتعقبه الذهبي . والحديث في الصحيحين وغيرهما بلفظ : أرأيت إن وجدت رجلاً مع امرأتي .
[16] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 5 / 549 ) .
[17] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 5 / 549 ) .
[18] أخرجه ابن حزم في المحلى ( 12 / 201 ) .
[19] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 5 / 549 ) .
[20] نقل ذلك عنه الترمذي في سننه ( ح 1462 ) .
[21] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ( 11 / 57 رقم 11031 ) ، وفي سنده هشام بن سليمان متكلم فيه ، قال ابن أبي حاتم ( 9 / 26 ) : مضطرب الحديث ، ومحله الصدق ، ما أرى به بأساً . وقال العقيلي في الضعفاء ( 4 / 338 ) : في حديثه عن غير ابن جريج وهم – وهو هنا يروي عن الزهري – .
[22] شرح معاني الآثار ( 3 / 149 ) .
[23] المحلى ( 12 / مسألة رقم 2220 ) .