قلت: وقد سئل أبو حاتم الرازي وأبو زرعة عن الوجه الثاني والرابع عن حاتم بن إسماعيل؟ فقالا كما في «العلل» [رقم/225]: «والصّحِيحُ عِندنا ، والله أعلمُ : عن أبِي سلمة ، أنَّ النَّبِيَّ r، مُرسلٌ» وزاد أبو حاتم: « ورواهُ يحيى بن أيُّوب ، عنِ ابنِ عَجلان ، عن نافِعٍ ، عن أبِي سلمة ، أنَّ النَّبِيَّ r ، وهذا الصّحِيحُ , ومِمّا يقوِّي قولنا: أن مُعاوية بن صالِحٍ ، وثور بن يزِيد ، وفرج بن فضالة ، حدثوا عنِ المهاصر بن حبيب ، عن أبِي سلمة ، عنِ النَّبِيِّ rهذا الكلام» وزاد أبو زرعة: «وروى أصحاب ابن عَجلان ، هذا الحديث عن أبِي سلمة مرسلا» فسأله ابن أبي حاتم فقال: «قلتُ : من ؟ قال : اللّيث ، أَو غيره».
قلت: وقد توبع ابن عجلان على إرساله عن أبي سلمة، تابعه أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ ، وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فِي سَفَرٍ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ» أخرجه ابن وهب في «الموطأ» [رقم/418]، ثم قال ابن وهب عقبه: « أخبرني مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ النَّبِيِّ r بِهَذَا، وقَالَ : «هُوَ أَمِيرُهُمْ».
قلت: وقد روى ثَورُ بن يَزِيد هذا الحديث عن المهاصر بن حبيب فقال: عَن أَبِي سَلَمَة ، عَن أَبِي هُرَيرة ، عَنِ النَّبِيِّ r إِذَا سَافَرْتُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَكُمْ ، وَإِذَا أَمَّكُمْ فَهُوَ أَمِيرُكُمْ». أخرجه البزار في «مسنده» [1/رقم/466/كشف الأستار]، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْقَطَّانُ الْجُنْدَيْسَاب ُورِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ به ...
قال البزار: « وَبِهَذَا اللَّفْظِ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ rإِلا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ بَعْضَ هَذَا ، فَأَمَّا بِهَذَا اللَّفْظِ فَلا ، وَلا رَوَى مُهَاصِرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ إِلا هَذَا».
قلت: والظاهر: أنه اختلف على ثور بن يزيد في سنده! فقد مضى في كلام أبي حاتم الرازي أن ثورًا رواه عن المهاصر عن أبي سلمة به مرسلا، وهكذا رواه وكيع عن ثور الشامي عن مهاجر بن حبيب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن به نحوه مرسلا ... أخرجه ابن أبي شيبة [رقم/3457 ] حدثنا وكيع به ...
قلت: وتابعه على إرساله معاوية بن صالح وفرج بن فضالة عن المهاصر، وهذا هو المحفوظ عنه، ثم جاء عبد الملك بن مسلمة المصري وروى هذا الحديث فقال: ثنا نافع بن أبي نعيم القارئ عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله r قال: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أحدهم»! هكذا أخرجه أبو الشيخ في الطبقات [4/256]، حدثنا عبد الله بن محمد بن الحجاج قال ثنا مقدام بن داود قال ثنا عبد الملك بن مسلمة بن يزيد به ...
قلت: وهذا منكر عن نافع، وعبد الملك والراوي عنه شيخان ضعيفان ليسا بالحجة! والمحفوظ عن نافع أنه يرويه عن أبي سلمة به مرسلا به ... كما مضى. وقد وقع للإمام الألباني أغلاط في كلامه على هذا الحديث في «الإرواء» و«صحيح أبي داود»! وقد تعقبناه في «غرس الأشجار».
وللحديث شاهد من رواية عبد الله بن عمرو بلفظ: «لا يحل لثلاثة نفرٍ يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم» أخرجه أحمد [176/2]، وفي سنده ابن لهيعة! وحاله معلومة؟ ولم يكن ممن يساق خبره في صدد الاحتجاج به عند النقلة إلا على مذهب من لا يدرك أغوار الرجل بعد؟
وفي الباب آثار موقوفة عن عمر وأبي الدرداء وغيرهما، وهي أصح من المرفوع على التحقيق، كما شرحنا ذلك في «غرس الأشجار».
والصحيح المحفوظ في هذا الباب: هو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا : « إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم » أخرجه الطيالسي [رقم/2152]- واللفظ له- ومسلم [رقم/672]، والنسائي [رقم/782،840]، والدارمي [رقم/1254]، وجماعة كثيرة، وهو يشهد للفظه هنا.
[تنبيه] وقع الحديث عند المؤلف بلفظ: «فليؤمهم أحدهم! » هكذا «فليؤمهم»، والواقع في سائر الرويات من نفس الطريق إنما هو بلفظ: «فليؤمِّروا» وهذا هو الصواب، فلعل الأولى وهم من بعض الرواة، اشتبه عليه بحديث أبي سعيد الآخر بلفظ: «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» وسيأتي [برقم/ 1291]، هكذا استظهره الأستاذ حسين الأسد في تعليقه على «مسند المؤلف»، وهو استظهار جيد، فجزاه الله خيرًا، ولم ينتبه الإمام الألباني لهذا عندما تكلم على الحديث في «الصحيحة» [314/3]، وعزاه للمؤلف مثل لفظ الجماعة! والحديث حسنه النووي في «الرياض» [رقم/960]، وصححه الإمام الألباني، وقد عرفتَ ما فيه؟
انتهى بحروفه من : ( رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى ) [رقم/1054].