كيف أشعر بالسعادة؟!
السعادة ليست لغزا يحتاج إلى إعمال الفكر والخيال والتصور لمعرفة حله، ولكنها امتثال وعمل وهمة، يقول أحد السلف: إنه لتمر بالقلب ساعات يرقص فيها طربًا، وإن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم إنهم لفي عيش طيب.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
فهل نتصور كم كانت قلوبهم ترقص فرحًا؟ ماذا كانوا يشعرون حينها؟ كيف وصلوا إلى هذه المراتب؟ ويعلم الله أني أعرف شخصًا قال لي يوما ما بالحرف الواحد: تأتيني لحظات أشعر أني أسير مع الناس بجسدي وروحي تحلق في السماء.
ترى ماذا يقصدون؟ وعن أي شيء يتحدثون؟
هناك أسرار للسعادة، فالسر يكمن في أمور، منها: الطاعة والاستمتاع بالحياة فيما أحله الله، واجتناب المعاصي والمنكرات وهجر الكسل وتطليق العجز وتوديع الفراغ فإنه من أبواب الشقاء، فتأمل اللحظات الجميلة في حياتك، تذكرها جيدًا، ارجع بشريط الماضي واستحضرها الآن.
اللحظات الجميلة ما كانت كذلك إلا لأنك عشت خلالها ما تحبه فعلاً، وأهم سعادة تجني ثمارها هي السعادة بالقرب من الله، فإذا نجحت في أن تكون سعادتك مع الله من أهم أولوياتك فسيسعدك ربك في كل خطوة، فنحن لا نحتاج إلى التذكير بأن السعادة والراحة والهناء القلبي لا يمكن أن تكون في طريق المعصية والمنكر واتباع الأهواء النفسية، بل هذه الأمور تحقق غالبا متعًا حسية آنية، وبقدرها يكون الألم الداخلي وبحجمها يكون شقاء النفس؛ فينقلب المأمول وهو السعادة إلى الضد وهو الشقاء.
فهي سعادة مؤقتة، بل إن السعادة في حقيقة الأمر منوطة بتحقيق الإيمان في القلب وتمثله في الحياة، مع الاستمتاع بما أباحه الله في هذه الحياة، ولا تنس نصيبك من الدنيا ولكن بحدود ما يبيحه الشرع؛ فسعادتك هي أن تسعد أخيك وتفرحه فلا تقتصر السعادة على إسعادك لنفسك فقط، بل اجعلها تحيط بأحبابك ومن حولك، فترى الفرح في أعينهم، فما أجمل من أن تدخل الفرحة على أخيك المسلم.

ثورة التغيير والتمكين.. ابدأ بنفسك وبيتك أولاً
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا سيد المرسلين، وبعد: فإن لله تعالى سننا كونية لا تتبدل ولا تتغير من لدن آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، ومن هذه السنن سنة التغيير والتمكين للمستضعفين في الأرض فقال جل وعلا: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.
فهذه سنة الله عز وجل في الأرض - ولكن هذا التمكين وهذا التغيير له أسباب شرعية لا بد من الأخذ بها:
1- تغيير النفس، قال جل وعلا: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
2- الإيمان والتقوى، قال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}.
3- العمل الصالح، قال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}.
4- الصبر، قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
5- كثرة الاستغفار، قال تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارا}.
هذه هي بعض أسباب التغيير الحقيقية ولكن بكل أسف نحن نعيش في زمان كثير من الناس فيه لا يحكمهم الشرع ولا ينظرون في سنن الله عز وجل الكونية، فترى رجلاً لا يصلي ولا يزكي ويفعل المنكرات وزوجته متبرجة والغناء والرقص في بيته ليل نهار، وبعد كل هذا يشكو من الضنك وسوء الحال ويقول أنا مظلوم، وهو في الحقيقة كذلك، ولكنه هو الذب ظلم نفسه،
وليس معنى هذا أننا نرضى بالظلم ونقره, نعوذ بالله من ذلك، ولكن إذا أردنا أن نرفع ظلم الآخرين عنا فعلينا أولاً رفع ظلم أنفسنا لإنفسنا.

عبد المحسن غريب
منقول