تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: نُقول من تفسير الشيخ عبد الرحمن الدوسري

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,225

    افتراضي نُقول من تفسير الشيخ عبد الرحمن الدوسري

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأفاضل ،
    حول تفسير قوله - سبحانه وتعالى -: قوله - سبحانه - في الآية (76): {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
    يقول الشيخ/ عبد الرحمن بن محمد الدوسري - رحمه الله - في كتابه "صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم" المجلد الخامس:

    لما حثَّ الله المؤمنين في الآية السابقة على الجهاد والقتال بكلِّ حرارة، وأوضح لهم بعض العِلَل الدَّاعية إلى وجوبه وتحتيمه، وهي استضعاف المسلمين وفتنتهم عن دِينهم، والمحاولة الشِّريرة لمصادرة عقولهم وعقيدتهم، وأنَّ مَن يُسمَّوْن بالمواطنين يجب قتالهُم إذا ظلموا المسلمين لهذا الغرض الخبيث، واعتبار الوطن دار حرب مهما كانت قداسته إذا كان أهلُه على هذه الحال الكافرة؛ إذْ لا موطن أقدس من مكَّة المكرمة، وأشرف وأحبَّ عند الله ورسوله، فلما تلوَّثَت بالكفر أوجب الله سفْكَ الدَّم فيها لأعداء المعتنِقين دينَه، والذين يصدُّون عن سبيله، فلا تُعِيذهم مكَّة، ولا تحميهم قداستُها بما فيها الكعبة؛ ولهذا أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقتل المتعلِّقين بأستار الكعبة من الكفَّار يوم الفتح؛ إعلامًا لأمَّته إلى يوم القيامة بأنَّ حرمة دين الله الإسلام الصَّحيح أعظم من حرمة الكعبة، وأنَّها لا تُعِيذ الكفَّار والمؤْذِين لمعتنقي الإسلام الحقيقي، وقد ورَد الحديث بأنَّ حرمة المؤمن عند الله أعظم منها، فإذا كانت "مكة" ليست موطنًا للمؤمنين إذا سَيطر عليها الكفَّار، وتسَلَّطوا على المؤمنين، بل كانت دار حرب يجب على المسلمين غَزْوُها وقتال أهلها، فكيف بما سِوَاها من كلِّ بلد لا يَحكم بحكم الإسلام ويُساء إلى المسلمين فيه، أو يُفتَن أولادهم عن الإسلام بسوء التَّربية ووسائل التوجيه الأخرى؟ لا شكَّ أن البلدة المحكومة بغير حكم الإسلام والتي يُفتن فيها المسلمون فتنة حسِّية، أو يُفتن فيها أولادهم فتنة معنوية بمناهج التربية والتعليم وسائر أنواع البثِّ والتوجيه المخالِف للإسلام وأخلاقه، إنَّها بهذه الحال "دار حرب" ولو كانت مسْقطَ رؤوسهم، فليست موطنًا للمسلمين، ولا يجب عليهم الدِّفاع عنها، وإنما وطن المُسْلِم الذي يجب عليه الدِّفاع عنه والجهادُ من أجْلِه هو البلد الذي تُقَام فيه شريعة الله، وتُرفع فيه رؤُوس المؤمنين.
    وجميع التصوُّرات المخالفة لهذا فهي تصوُّرات جاهلية شيطانية؛ ولهذا جاءت هذه الآية السادسة والسبعون من سورة النساء تَرْسم الأهداف، وتوضِّح الدَّوافع والغايات، وتبيِّن للمكلَّفين أنَّ العبرة ليست بصورة الجهاد والقتال، وإنَّما العبرة بمقاصدهما والبواعثِ عليهما؛ فإنَّ القتال في حدِّ ذاته شيءٌ قبيح مستَبْشَع، ولا يُجِيز العقل السَّليم والشرع العادل ما كان قبيحًا إلاَّ لإزالة ما هو أقبح منه من الظُّلم والشُّرور، ومقابلة نِعَم الله بالكفر، والأمور بمقاصدها وغاياتها.
    فلهذا كشف الله الفوارق والشُّبهات عن قتال الفريقين في قوله - سبحانه -: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]؛ يعني أنَّ المؤْمِنين الصادقين يُخْلِصون مقاصدهم لله في القتال؛ إيقانًا بوعده ووعيده، فيقاتِلُون في سبيل الله لإعلاء كلمته، وتحقيق منهجه، وتحكيم شريعته التي شرَعَها لعباده، وقصَر تحاكُمَهم عليها، وإقامة العدل الذي أمر بإقامته، ورعاية الأمانات التي أمَر بِحُسن رعايتها، والقوَّة في أدائها، ومن أعظمها حَمْل رسالته ونور هدايته، وأخْذُ كتابه بقوَّة، فإنَّ هذا سبيلُ الله في الذي يقاتِل المسْلِمون فيه، مِن أجْلِ تحقيقه، مستَنِدين إلى ولاية الله - سبحانه - وكفى بالله وليًّا وكفى بالله نصيرًا، نِعْم المولى ونعم النصير.
    وأمَّا الذين كفروا فَلِجحودهم لله، أو إنكارِهم وحدانيته وتكذيبهم برسوله وما نزل عليه من الحقِّ، وإلحادهم في أسمائه - سبحانه وتعالى - فإنهم يُقاتِلون في سبيل الطَّاغوت كما يَسْعون في سبيل الطَّاغوت بجميع نواحي سُلوكهم؛ لأنَّ جميع اتِّجاهاتهم وأهدافهم للشَّيطان الذي يتفرَّع من عبادته عبادةُ جميع أنواع الطواغيت، فهم مستَنِدون إلى الشيطان، وقتالهُم في سبيل الطاغوت على اختلاف أنواعه؛ طاغوت الأصنام الصامتة أو النَّاطقة، أو طاغوت المبادِئ الأرضية أو المبادئ العصبيَّة أو المذاهب المادِّية أو طاغوت الظُّلم والتسَلُّط، أو طاغوت الاعتداء والتوسُّع، أو طاغوت الطَّمع والشَّهوات وغير ذلك من طواغيت الأنانيات.
    ففي هذه الآية أوضحُ دليل على أنَّ من كان هدفُه في جهاده أو أيِّ فِعْل من أفعاله غيرَ مرضاة الله، فإنَّ قتاله وسائرَ أعماله في سبيل الطاغوت؛ وذلك لانحرافه في مقاصده ونواياه عن سبيل الله ومرضاته؛ لأنَّ الله - سبحانه وتعالى - حصَر أعمال المكلَّفين في هذا التقسيم بهذه الآية الكريمة في هاتَيْن السَّبيلين اللَّتين لا ثالث لهما، وليس بينهما حلولٌ ولا أَنْصافُ حلول؛ فإمَّا في سبيل الله أو في سبيل الطاغوت لا محالة، فمَن كانت أهدافُه ومقاصده في جهاده وقتاله وسائر حركاته وأعماله نصرةَ دين الله، وما نَزل من الحقِّ، وحَمْلَ رسالة الله وتوزيعَ هدايته، والعملَ على تحكيم شريعته وإعلاءِ كلمته، ونصرةَ المؤمنين ورفْعَ مستواهم، والقيامَ باستنقاذ المستضعفين من الرِّجال والنِّساء والولدان من براثن الظَّلَمة المتهوِّرين الذين يَكُون الرِّجال أمام إرهابهم كالنِّساء والولدان في الضَّعف، والقيام بِقَمْع المفْتَرين على الله، والمتطاولين على ألوهيَّته في الأرض بالتشريعات الخبيثة المُبِيحة لما حرَّم الله، والمرخِّصة لأعراض عباده، والحامية لشخصيَّاتهم بالمقوِّيات المهْلِكة، فإنَّ المُجاهِد والمقاتل في هذه السَّبيل والذي يعمل على قَمْع هؤلاء أو إزالة سُلطانهم، هو في سبيل الله، لإبقائه مرضاته في هذه الأعمال.
    وأمَّا المُجاهد والمقاتل الذي يَقصد بَسْط نفوذه الشخصي على أهل المُدُن والأقاليم، أو يقصد بَسْط مذْهب مادِّي من المذاهب الماركسية ونحوها، فإنَّه في سبيل الطاغوت ومن المستَنِدين إلى الشياطين، وكذلك المجاهد والمقاتِل منتصرًا لِنَعرة عصبيَّة من سائر القوميَّات والوطنيات التي نبَشَها اليهود، فإنَّ هذا والذي قبله من أبغض الناس إلى الله؛ لأنَّه سَنَّ في الإسلام سُنَّة الجاهلية، فهو من المنصوص عليهم بذلك في الحديث الذي صحَّحه البخاري، ومَن يجاهد أو يقاتل لدَحْض خَصْمه السياسي المزاحِم له في الملك أو الاقتصاد، فهو في سبيل الطاغوت أيضًا كالمجاهد لتوسيع حدوده وسلطانه، وعلى هذا فالميت أو المقتول تحت رايات الذين أهدافهم في سبيل الله فهو الشَّهيد الحائز على وعد الله للشهداء.
    وأما الميت أو المقتول تحت رايات المقاتِلين لأهداف مادِّية أو أغراض شخصية أو توسُّعية؛ لِبَسْط نفوذهم فليس بشهيد، ولا يجوز تسميته شهيدًا كما هو المصْطَلَح القوميُّ الجاهلي الجديد، وأمَّا الذي يجاهد ويقاتل من أجْل استرجاع وطنه المغتَصَب من الكفار، فهو على حسب مقاصده في حُكْمه لبلاده إذا استرجَعَها، فإنْ كان يقصد بتحريرها إعلاءَ كلمة الله بتحكيم شريعته وقَمْع المفترين عليه، وإنقاذ المسلمين المستضعفين وإعزازهم، ورَفْعِ مستواهم وإزاحة المَظَالم عنهم، فجِهاده وقتاله في سبيل الله، وإن كان يَقصد إقامة حُكم علماني يَسِير على مناهج الإفرنج، أو حكم مادِّي يسير على المناهج الماركسية ونحوها، من مخالفة حكم الله، فإنَّ قتاله في سبيل الطاغوت بتحكيمه الشياطينَ في التشريعات ومناهج التَّربية وغيرها، ولإذلال المسلمين والزيادة في ظلمهم وإرهابهم وإعدام قادَتِهم كما حصل فعلاً في أكثرَ مِن بلد إسلامي عانَى المسلمون بعد تحرُّره من الظُّلم وإهدار الكرامة ما لم يعانوه من الكُفَّار؛ وذلك لاستلام أفراخ الشُّيوعيِّين زمام القيادة أوَّلاً ثم تقاليد الحكم ثانيًا، وهذه مصيبة عمَّت بها البَلْوى، فينبغي للمسلمين أن يكون اهتمامهم بشأن القيادة قبل كلِّ شيء؛ حتى لا تَضِيع جهودهم لأعداء الله وأعدائهم، ويكون عمَلُهم في سبيل الطَّاغوت والشيطان، فإنَّ في هذه الآية أعظمَ تربية لهم وتعليمٍ يَقِيهم سوء المصير، سواءٌ كان من الخنوع للكفار أو الانخداع بأفراخهم وأذيالهم من حمَلَة الشهادات العلميَّة المادِّية المفْسِدة لتفكيرهم واعتقاداتهم وتصوُّراتهم التي يساوون فيها الكُفَّار أو يكونون شرًّا منهم في معاملة المسلمين، كما هو الواقع.
    فالله - سبحانه وتعالى - يقوِّي عزائم المسلمين المؤمنين بهذه الآية مبيِّنًا مَيْزتهم بين جميع الناس بدون شهادات مادِّية؛ لأنَّ أهدافهم خالية من جميع الأنانيات ومُخْلِصة لله، فهم يقاتلون في سبيل الله محضًا لصالح الإنسانية وتحريرها من استِعْباد الظَّلَمة والطواغيت، بخلاف الكفَّار فاسدي المقاصد والأعمال، أهل الاستغلال والاستعباد والظلم والإرهاب والطَّمع والشهوات، وبعدَما يوضِّح الله الفَرْق العظيم بين حُسْن مقْصد المؤمنين وسوء مقاصد الكافرين، ويشجِّع الله المؤمنين على قتال الكافرين، ويقوِّيهم ويحرِّضهم، ويُسقِط الكفار من أعينهم، وينقصُهم عندهم حيث يَصِفهم بأنهم أولياءُ الشيطان المخذول الرَّجيم المرجوم هو ومن تولاَّه؛ إشعارًا بسوء عاقبتهم؛ لأنَّ من كان وليُّه الشَّيطانَ فحظُّه الخسران المُحقَّق؛ لأنَّ المقاتِل في سبيل الطاغوت فهو في سبيل الشيطان المخذول المغلوب...

    وجزاكم الله خيرا
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,225

    افتراضي رد: نُقول من تفسير الشيخ عبد الرحمن الدوسري

    بسم الله الرحمن الرحيم


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأفاضل ،
    حول تفسير قوله - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]
    يقول الشيخ/ عبد الرحمن بن محمد الدوسري - رحمه الله - في كتابه "صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم" المجلد الخامس - باختصار -:

    وههنا فوائد:
    ....
    سادسها: يجب على وُلاة الأمور أن يَرفضوا طلب مَن أراد القضاء أو أراد أيَّ ولاية من قيادات المسلمين؛ اقتداء بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وامتثالاً لحكمه؛ فقد روَى البخاري في كتاب الأحكام من "صحيحه" حديث (1129) عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: دخلتُ على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنا ورَجُلان من قومي، فقال أحَدُ الرجلين: أَمِّرنا يا رسول الله، وقال الآخَر مثلَه، فقال الرسول: ((إنا لا نولِّي هذا الأمر مَن سَأَله ولا من حَرَص عليه)).
    وأخرج البخاري أيضًا في هذا الباب حديث (2488) عن عبدالرحمن بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عبدَالرحمن، لا تَسأل الإِمَارة؛ فإنَّك إن أُعطِيتَها عن مسألة وُكِلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعِنت عليها، وإذا حلَفْتَ على يمين فرأيتَ غيرها خيرًا منها، فكفِّرْ عن يمينك، وائْت الذي هو خير))؛ ورواه الإمام مسلم أيضًا في "صحيحه".
    وأخرج أبو داود في كتاب الأقضية حديث (3578) عن أنس بن مالك قال - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن طلب القضاء واستعان عليه وُكِل إليه، ومن لم يَطلبه ولم يَستَعِن عليه أَنزل الله إليه ملَكًا يسدِّده))؛ ورواه أهل السُّنن.

    سابعها: قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في كتابه المشهور "السياسة الشَّرعية في إصلاح الراعي والرَّعية" ما نصُّه: "ثم إنَّ المؤدِّي الأمانة مع مخالفة هواه يُثِيبه الله فيحفظه في أهله وماله بَعدَه، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصْدِه، فيذلُّ أهله ويذْهب ماله....".

    ثامنها: إذا كان الله - سبحانه - قد أوجب أداء الأمانات المقبوضة بحقٍّ، فإنَّ أداء المسروق والمغصوب والمنتَهَب والمقبوض بأيِّ حيلة من حِيَل الخيانة أولى بوجوب الأداء، ولْيُنظَر تفصيل ذلك في الكتاب المُشَار إليه للشيخ - رحمه الله.

    تاسعها: ما ذكَرناه من رفْض النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - طلَبَ من أراد توليته على شؤون الناس بقوله: ((إنَّا لا نولِّي هذا الأمر مَن سأله ولا من حرص عليه))، فيه تعليمٌ لأمَّته أن يأخذوا حذرَهم من الانتهازيِّين الذين يتقدَّمون بطلب الوظائف الكبرى؛ ليستغِلُّوا نفوذهم على الناس، وهذا من بصيرته - صلَّى الله عليه وسلَّم - التي بصَّرَه الله بها؛ فإنه حاذِرٌ من الدَّوافع الخفيَّة التي تَدْفع الطالب إلى توليته، وتجعله يحْرِص عليها، فبَنَى الأمر على الحزم والحذر، وإن كان بعضهم قد يندفع بحسن نية أو تحمُّس إلى الإصلاح، فإنَّ هذا من النَّادر الذي لا حُكْم له.
    ويا ليت المسْلِمين في هذا الزمان يَحذرون ممن يرشِّح نفسه للانتخاب في نيابة مجالس الأمة والوزارات أو العضويَّات الأخرى، ويفكِّرون في الدوافع المذهبيَّة أو الحِزْبية أو النَّفعية التي دفعَتْهم إلى تزكية أنفسهم، غيرَ مبالين بإعلانهم افتراءَ الكذب على الله، ويفكِّرون فيما يبذلونه للناخبين من ولائم الذبائح أو شراء الأصوات، وما يقوم به أعوانُهم من الدعاية لترشيحهم بأنواعٍ شتَّى من المدْح والوسائل!

    ولا شك أنَّ طريقة الانتخابات المتَّبَعة هي طريقةٌ يهودية لإبْراز مَن يريده عُمَلاء اليهود من الشُّيوعيِّين ونحْوِهم، فمَتى ينتبه المسْلِمون، ويَسلكون طريقة نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أخْذ الحَذَر من كلِّ من يرشح نفسه لأيِّ منصب؟!

    ..........


    ثم قال صاحب "المنار": "ليس بين القانون الأساسي الذي قرَّرَتْه هذه الآية على إيجازها، وبين القوانين لأرقى أُمَم الأرض في هذا الزمان، إلاَّ فرقٌ يسير، نحن فيه أقربُ إلى الصواب، وأثبَتُ في الاتِّفاق منهم إذا نحن عَمِلنا بما هدانا إليه ربُّنا.
    هم يقولون: إنَّ مصدر التشريع هي الأمَّة، ونحن نقول بذلك في غير المنصوص عليه في الكتاب والسُّنة، كما قرَّره الرازي، ولكنَّنا نَقْصر الحقَّ فيه على العلماء الصالحِين الذين يَخْشون ربَّهم بالغيب، ولا نُنِيط هذا بالخبراء المادِّيِّين الذين لا يَستنبطون من وحْيِ الله، ولا يَلتفتون إليه.
    وهم يقولون: لا بدَّ أن يَنُوب عن الأُمَّة من يمثِّلها في ذلك؛ ليكون ما يقرِّرونه كأنَّه بلسان الأمَّة، ونحن نقول بذلك مع التحفُّظ بأمانة الله.
    وهم يقولون: إنَّ ذلك يُعرَف بالانتخاب، ولهم فيه طرُق مختَلِفة، ونحن لم يقيِّدْنا القرآن بطريقة مخصوصة، فلَنَا أن نسلك في كلِّ زمان ما نراه مؤدِّيًا للمقصود، لكنْ ينبغي لنا الحذَرُ مما وقعوا به من شرور الانتخاب، فنجتنَّب الطُّرق التي وقعوا فيها والتي هي من دسائس يَهُود، وصارت ملعبة لهم لا يَفُوز فيها إلاَّ من يرشِّحونه بأصواتهم الخفيَّة، وأموالهم المتدفِّقة من أجْلِه.
    وهم يقولون: إن هؤلاء المنتَخبِين إذا اتَّفقوا وجب على الحكومة تنفيذُ ما اتَّفقوا عليه، وعلى الأمَّة الطَّاعة، ولهم إسقاط من لا ينفِّذ تقاريرهم، ونحن نقول بذلك، وهذا هو الإجماع المعدود من شريعتنا، لكن مع ملاحظة تطبيق الأحاديث النبوية السَّالفة الذِّكْر ونحوها؛ حتَّى لا تكون فتنة يعمُّ خطرُها، وتَرتعُ الأحزاب فيها، وينال الأبرياء شرورًا مع معرَّتِها.
    وهم يقولون: إنَّه إذا اختلفوا يجب العمل برأي الأكثر، ونحن نتَّبِع أمر الله - سبحانه - بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، فنَعرِض ما جرَى به الاختلاف على الكتاب والسُّنة، فما وافقَهُما عَمِلنا به، وما خالفَهما رفضناه إلى غير رجعة، ونحن نَعلم كما يعلمون أنَّ رأي الأكثرين ليس أَوْلَى بالصواب من رأي الأقلِّين، ولا سيَّما في هذا الزمان الذي يتحزَّب فيه أهل الباطل وأهل الأغراض الدَّنِيئة للتَّصويب بما يريدون، ومِن ورائهم يهود الذين يَقْبَع تلاميذهم وعملاؤُهم في أواسط الأحزاب وغيرها، وقد قرَّر المحقِّقون أن العمل بقول الأكثرية هو من سُنَن الجاهلية التي من سنَّ شيئًا منها في الإسلام كان مِن أبغَضِ الناس إلى الله، كما جاء في الحديث الصَّحيح الذي رواه البخاري في كتاب التَّوحيد، فالأكثرية لا تستلزم الأحقِّية، والإصابة في الأحكام لا في الآراء، ولا هي بالتالي تطمئنُّ الأمَّة إلى رأيها، وقد حصل من أخطاءِ الأكثرية انتخابُ ما يَخدم دولة اليهود، وتشريعَ ما يهدم الأخلاق والعقيدة، وقد قال الله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116]، ومما ذكرناه، وما شاهدناه من حال أهل الأرض تَستبينُ حكمةُ عرض المسائل المتنازَعِ فيها على كتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما حصلت الشَّقاوة لأهل الأرض إلاَّ من عدم تطبيق هذه القاعدة الشَّرعية، فلم تحصل الفِتَن وتتفَاقمْ شرورُها إلاَّ بسبب ذلك؛ انتهى بحذف وزيادة.

    انتهى.

    وجزاكم الله خيرا

    [[منقــــــــــــ ول]]
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    140

    افتراضي رد: نُقول من تفسير الشيخ عبد الرحمن الدوسري

    رحمه الله الشيخ، فقد كان من العلماء الربانيين الذين لا يخافون في الله لومة لائم، وله درر غالية تكتب بماء الذهب كما يقال.
    جزاك الله خيرا أخي الفاضل على النقل.
    لا تنسوني من صالح دعائكم:
    علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا وزوجة صالحة تعين على طلب العلم والفردوس الأعلى.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,225

    افتراضي رد: نُقول من تفسير الشيخ عبد الرحمن الدوسري

    الأخ أبا عبد الرحمان
    بوركتَ، لكنِّي لستُ أدرك أو أعي ما تقول؛ فللشيخ أقوال أخرى لعلها من المشتبهات.
    قد ذكر ذلك أخونا أبو إلياس في هذه المشاركة:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو إلياس الرافعي مشاهدة المشاركة
    وقف أخي الأستاذ الشاعر الهلالي على بعض كلام للشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري من خلال بعض قراءاته في تفسيرِه، ثم عَرَضَه عليَّ وعلى بعض إخواني، فاتضح لي وله بعض النقاط، وهي التي سأعرضها على إخواني ها هنا:

    1 - أن الشيخ لا ينقل نصوص العلماء كما هي، بل ينقل النص ثم يغير بعض الكلمات التي ربما تدل على عقيدة معينة، أو مذهب معين، أو رأي معين، وبالتالي فهو بذلك يغير رأي العالم الذي نقل منه كلامه. وهذا كثير كثير وخاصة مع صاحب المنار، ثم يقول: انتهى بتصرف! ولا أعلم أي تصرف الذي يغير فيه كلمة واحدة، أو يغير فيه عبارة واحدة!

    2 - أنه تحامَل على السيدة عائشة تحامُلاً شديدًا بما لا يليق، وذلك في قوله:
    "أمَّا قوله سبحانه: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} - بعد نَقْلِ كلام صاحب المنار - (انتهى قول صاحب المنار).
    وأقول - وبالله التوفيق -: إن قول عائشة - رضي الله عنها -: "فُرِضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيدت في الحضر وأُقِرَّت في السفر" فيه نظَرٌ، ولا يعتمد على قولها هذا من عدَّة وجوه:
    أحدها: أنه غير مرفوع، ولا ينجبر ذلك بالاعتذار عنها بإِمْكان سماعها إيَّاهمن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما دامت لم تُصَرِّح بالسماع منه، ولم تنسب إليه كعادتها.
    ثانيها: صِغَر سِنِّها؛ بحيث إنَّها عند فرضيَّة الصلاة ليلة المعراج كانت طفلة لا تَعْقل.
    ثالثها: إنَّ كلامها في غاية الشُّذوذ؛ لأنَّه لم يَقُل به أحد من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا المهاجرين ولا الأنصار، فلم يَقُل أحدٌ سواها، حتى أبوها ومن معه من المهاجرين: إنَّ الصَّلاة مفروضة في الأصل ركعتين أبدًا.
    رابعها: وهو أقْواها أنَّ قولها مخالِفٌ لنصِّ القرآن الذي ورد بِقَصْر الصلاة في السَّفر؛ فإنَّ نصَّ القرآن يدلُّ على أن الصلاة أربع، وأنه يجوز قصرها للمؤمنين إذا ضربوا في الأرض، ولو كانت الصلاة ركعتين على ما زعمَتْه عائشة لَمَا ورَد نَصُّ القرآن بهذا اللفظ فقَصْر الصلاة من أربع إلى ركعتين يُبْطِل قول عائشة المقتضي .... إلخ.

    3 - اتخاذه فِكْر الخوارج والخُرُوج على المسلمين والحُكَّام بالقتال في بعض توجيهاته وتفسيراته، واعتباره هذه البلاد - بلاد المسلمين - غير مسلمة لأنه لا يحكم فيها بالشرع!!!
    ومن ذلك قول الشيخ/ عبد الرحمن بن محمد الدوسري - رحمه الله - في كتابه "صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم" المجلد الخامس:
    لما حثَّ الله المؤمنين في الآية السابقة على الجهاد والقتال بكلِّ حرارة، وأوضح لهم بعض العِلَل الدَّاعية إلى وجوبه وتحتيمه، وهي استضعاف المسلمين وفتنتهم عن دِينهم، والمحاولة الشِّريرة لمصادرة عقولهم وعقيدتهم، وأنَّ مَن يُسمَّوْن بالمواطنين يجب قتالهُم إذا ظلموا المسلمين لهذا الغرض الخبيث، واعتبار الوطن دار حرب مهما كانت قداسته إذا كان أهلُه على هذه الحال الكافرة؛ إذْ لا موطن أقدس من مكَّة المكرمة، وأشرف وأحبَّ عند الله ورسوله، فلما تلوَّثَت بالكفر أوجب الله سفْكَ الدَّم فيها لأعداء المعتنِقين دينَه، والذين يصدُّون عن سبيله، فلا تُعِيذهم مكَّة، ولا تحميهم قداستُها بما فيها الكعبة؛ ولهذا أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقتل المتعلِّقين بأستار الكعبة من الكفَّار يوم الفتح؛ إعلامًا لأمَّته إلى يوم القيامة بأن حرمة دين الله الإسلام الصَّحيح أعظم من حرمة الكعبة، وأنَّها لا تُعِيذ الكْفَّار والمؤْذِين لمعتنقي الإسلام الحقيقي، وقد ورَد الحديث بأنَّ حرمة المؤمن عند الله أعظم منها، فإذا كانت "مكة" ليست موطنًا للمؤمنين إذا سَيطر عليها الكفَّار، وتسَلَّطوا على المؤمنين، بل كانت دار حرب يجب على المسلمين غَزْوُها وقتال أهلها، فكيف بما سِوَاها من كلِّ بلد لا يَحكم بحكم الإسلام ويُساء إلى المسلمين فيه، أو يُفتَن أولادهم عن الإسلام بسوء التَّربية ووسائل التوجيه الأخرى؟ لا شكَّ أن البلدة المحكومة بغير حكم الإسلام والتي يُفتن فيها المسلمون فتنة حسِّية، أو يُفتن فيها أولادهم فتنة معنوية بمناهج التربية والتعليم وسائر أنواع البثِّ والتوجيه المخالِف للإسلام وأخلاقه، إنَّها بهذه الحال "دار حرب" ولو كانت مسْقطَ رؤوسهم، فليست موطنًا للمسلمين، ولا يجب عليهم الدِّفاع عنها، وإنما وطن المُسْلِم الذي يجب عليه الدِّفاع عنه والجهادُ من أجْلِه هو البلد الذي تُقَام فيه شريعة الله، وتُرفع فيه رؤُوس المؤمنين.
    وجميع التصوُّرات المخالفة لهذا فهي تصوُّرات جاهلية شيطانية؛ ولهذا جاءت هذه الآية السادسة والسبعون من سورة النساء تَرْسم الأهداف، وتوضِّح الدَّوافع والغايات، وتبيِّن للمكلَّفين أنَّ العبرة ليست بصورة الجهاد والقتال، وإنَّما العبرة بمقاصدهما والبواعثِ عليهما؛ فإنَّ القتال في حدِّ ذاته شيءٌ قبيح مستَبْشَع، ولا يُجِيز العقل السَّليم والشرع العادل ما كان قبيحًا إلاَّ لإزالة ما هو أقبح منه من الظُّلم والشُّرور، ومقابلة نِعَم الله بالكفر، والأمور بمقاصدها وغاياتها.

    4 - وفي كتابه اليهودية والماسونية ينقل كلامًا عجيبًا يقول فيه:
    وقال الشيخ أبو زهرة:
    "هناك أمور مصْطَنعة تمدُّ الشباب بالمجون، فالأفلام المِصْرية الماجنة - وأقول: إنَّه يَكاد أن تكون كلُّ الأفلام المصرية ماجنةً، إلاَّ بعض أفلام دينيَّة تُذِيعها بعض الهيئات الدينية، أما الأفلام السَّائرة فلَيْس فيها إلا المُجُون.
    ولعلِّي قد أخالف الأستاذ الشافعي اللبَّان في أنَّه قال: إنَّ الفساد يَأتي من الأفلام الأمْريكية، فأقول له بمِلْء نفْسي وبملء قَلبي: إنَّ الأفلام الأمريكية لا تَحمل من الفساد ما تَحمله الأفلام المصرية، ولعلَّ الأفلام المصرية فساد لا خير فيه قَطُّ، والأفلام الأمريكية فسادٌ قد يُخالِطه بعض الخير".
    إلى أن قال: "ولكنَّ الأفلام المصرية لا خير فيها مُطْلقًا، وهي شرٌّ مطْلَق، ثم نَجِد الوسائل الإعلامية الأخرى؛ فالصُّحُف التي تَنتشر الصور العارية مما يثير غريزة الجِنْس عند الكُهول لا عند الشَّباب فقط! وهذه الصُّوَر التي تُوضع على الجدران في الطُّرقات، فلا يمكن أن تَرى طريقًا خاليًا من هذه الأَنْجاس، ثم الإذاعة وما فيها مِن أَخْيلَة فاسدة، ومن قَصَص كانت تصوِّر الإجْرام والمُجْرِمين، ولا تكاد تَسْمع قصَّة في الإذاعة إلا كان الحُبُّ أساسَها".
    إلى أن قال: "ثم هذه الروايات القَصَصية الهَزِيلة في خيالها ومعانيها الضَّحْلة في تَفْكيرها، الرَّديئة في أسلوبها - هذه الروايات تُفْسِد العذَارى في البيوت وتُفْسِد الشبَّان، وتَجعل منهم مَلْهاةً للعَبث".

    وأقول: إنما عرضت مثل هذا الموضوع لأرى رأي إخواني - ممَّن هم أَعْلَم منَّا - في عقيدة الشيخ وتفسيره وكلماته، هل هذا هو فكره أو أنَّ التعبير يخون أحيانًا؟!
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •