الأخ أبو بكر العروي وفقك الله :
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو بكر العروي
بارك الله فيك.
قلت وفقك الله:
"نعم بارك الله فيك ، نقلتُ عن ثلاثة ، ولم أقصد الحصر ، ومَن أنكر أنَّ هؤلاء الأئمة لا يقصدون المجاز الذي هو قسيمُ الحقيقة ، فهو إمَّا مكابر ، وإما جاهل بمعنى المجاز ."
وللمعترض أن يقول لك: هذا أمر ليس من المسلمات فهلا جئتنا بنص من أحد هؤلاء يقسم فيه الكلام إلى قسمين حقيقة ومجاز كما شاع في كتب الأصول؟
يُرَدُّ على هذا المعترض بالنقول التي جئتُ بها ، فالأئمة الذين نقلتُ عنهم قالوا بالمجاز الذي هوَ قسيمُ الحقيقة ، وأنا أستغرب مِن قولك "فهلا جئتنا" .. فهذه عندي مكابرة ، أو لأنَّك تخطيتَ النقول بسبب العجلة .
وزيادةٌ على الذي نقلتُ منهُ في بحثي ، أنقل ما قاله ابن قتيبة رحمه الله في نفس الكتاب : ( وأمَّا الطاعنونَ على القرآن (بالمجاز) فإنَّهم زعموا أنَّهُ كذبٌ . لأنَّ الجدارَ لا يريدُ والقريةَ لا تسأل .
وهذا مِن أشنعِ جهالاتهم ، وأدلِّها على سوءِ نظرهم وقله أفهامهم . ولو كان المجازُ كذبًا ، وكلُّ فعلٍ يُنسبُ إلى غير الحيوان باطلاً - كان أكثر كلامنا فاسدًا ، لأنا نقول : نبتَ البقلُ ، وطالت الشجرة ، وأينعَت الثمرة ، وأقام الجبل ، ورخصَ السعر ) . وذكر أمثلة كثيرةً على هذا ، حتى قال رحمه الله : ( في أشباه لهذا كثيرة ، سنذكر ما نحفظ منها في كتابنا هذا مما أتى في كتاب الله عز وجل ، وأمثاله مِن الشعر ولغات العرب ، وما استعملهُ الناس في كلامهم .
ونبدأ ببابِ الاستعارة ، لأنَّ أكثر المجاز يقعُ فيه ) أهـ . انظر كتاب "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (ص73 - ص87) .
إذًا : تجاهل نقولي السابقة يُعدُّ مكابرة ، فأنا نقلتُ عمن يقول بالمجاز الذي هوَ قسيمُ الحقيقة ، ولا حاجة لتأويل النصوص فهي صريحة .
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو بكر العروي
ثم قلت أيضًا:
"وكيف يتبيَّن لي ذلك أخي الكريم ؟ فإنَّه لا علاقة لذلك بمسألة القرون ، ومسألة القرون الثلاثة الأولى واضحة لدي ، وليس هناك ضابط صريح مِن كلام شيخ الإسلام ، وقد عرضتُ هذا الكلام على أحد المشايخ الكبار عندنا ممَّن يخالفونني في هذه المسألة ، فقال لي أنه لم يسمع بمصطلح القرون هذا ، والأصل بقاء ما كان على ما كان ."
وكأنك ذهلت عن الحديث المتفق عليه " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ولو راجعت كلام الشراح لألفيتهم مجمعين على أن المراد بالقرون عصر الصحابة ثم تابعيهم ثم أتباع تابعيهم.
والله تعالى أعلم.
بارك الله فيك ، في قولك "مجمعين" مجازفة ، فأنا لم أختلف في معنى القرن في الحديث ، ولكن أنقل لك عن الإمام الحافظ ابن حجر كلامًا نفيسًا ، يثبت فيه صحة كلامي ، ويُبطل القول الغريب الذي قال به الإخوة في حساب القرون عند ابن تيمية .
قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح : ( قوله : (خير أمتي قرني) أي أهل قرني ، والقرنُ أهل زمانٍ واحدٍ متقارب ، اشتركوا في أمرٍ مِن الأمور المقصودة ، ويُقال إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل ، ويُطلق القرنُ على مدة مِن الزمان ، واختلفوا في تحديدها مِن عشرة أعوامٍ إلى مئة وعشرين ، لكن لم أر مَن صرح بالسبعين ولا بمئة وعشرة ، وما عدا ذلكَ فقد قال به قائلٌ .
وذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين ، وقد وقعَ في حديثِ عبدالله بن بسر عند مسلم ما يدلُّ على أنَّ القرنَ مئة وهو المشهور ، وقال صاحبُ المطالع : القرنُ أمةٌ هلكت فلم يبق منهم أحد ، وثبتت المئة في حديث عبدالله بن بسر ، وهي ما عند أكثر أهل العراق ، ولم يذكر صاحب "المحكم" الخمسين ، وذكر مِن عشر إلى سبعين ، ثم قال : هذا هو القدر المتوسط مِن أعمار أهل كل زمن ، وهذا أعدل الأقوال وبه صرح ابن الأعرابي وقال : إنه مأخوذٌ مِن الأقران ، ويمكن أن يحمل عليه المختلف مِن الأقوال المتقدمة ممن قال إن القرن أربعون فصاعدًا ، أمَّا مَن قال إنه دون ذلك فلا يتلائم على هذا القول والله أعلم .
والمرادُ بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة ، وقد سبق في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله : "وبعثت في خير قرون بني آدم" وفي رواية بريدة عند أحمد "خير هذه الأمة القرن الذي بعثتُ فيهم" ، وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مئة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل ، وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيكونُ مئة سنة أو تسعين أو سبعًا وتسعين ، وأمَّا قرن التابعين فإن اعتبر من سنة مئة كان نحو سبعين أو ثمانين ، وأمَّا الذين بعدهم فإن اعتبر منها كان نحوًا من خمسين ، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان والله أعلم .
واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومئتين ، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا ... ) فتح الباري (7/8) دار السلام .
وكلام الحافظ يشهد على صحة كلامي وأنني ملتزمٌ بالاصطلاح المعروف ، ومرة أخرى أقول : لا دليل من كلام ابن تيمية أنه يقصد بقوله "القرون" وقوله "المئة" غير الذي يقصده بقية الأئمة .
وجزاك الله خيرًا .