النجدي: أسباب ضعف الإيمان ومظاهره




استكمالاً للحوار الذي أجرته مجلة الفرقان مع رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ: د. محمد الحمود النجدي حول شهر رمضان وفضائله؛ حيث ناقشنا العديد من القضايا والمسائل التي تتعلق بشهر العبادة، شهر رمضان المبارك، بجانب إلقاء الضوء على كيفية الإفادة من رمضان، وكيف يكون رمضان روحًا تسري في بقية العام، وكيفية استثمار هذه الفرصة العظيمة لشحذ الهمم وترتيب الأولويات الإيمانية، نكمل اليوم مع الشيخ ما بدأناه.
- ونحن على مشارف نهاية شهر رمضان، كيف يمكن للمسلم أنْ يُحافظ على همّةٍ عالية ومستمرة، إلى آخر ساعة من رمضان؟
- المسلمُ مِن صفاته أنّه عالي الهمّة، وعندما يأتي رمضان تكون همّته أعلى، والقرآن الكريم يدفعنا في كثير من آياته إلى علو الهمّة، والحثّ عليها، فقد قال -تعالى-: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} البقرة: 148، وقال -تعالى-: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133)، وقال -تعالى-:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69)، وقال -تعالى-: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُو نَ} (المطففين: 26)، وقد أخبَرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أنّ الله يُحبُّ أصحابَ الهمّة العالية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله -عز وجل- يُحبُّ مَعَالي الأمُور وأشْرافها، ويَكْره سَفْسافها». رواه الطبراني، وكان مِنْ دعائه -صلى الله عليه وسلم -: «اللهمّ إنّي أعُوذُ بك منَ العَجْز والكسل، والجُبن والهَرَمِ، وأعوذُ بك مِنْ فتنة المَحْيا والمَمَات، وأعوذُ بك من عذاب القبر»، ومِنْ هذا الدعاء نتعلَّم أنّ المُسلم لا يَسْتسلم للعَجز، ولا يُسلِّم نفسَه للكسل، وإنّما عليه أنْ يتغلّب عليهما؛ فلا يَعْجِز ولا يكسَل، وأنْ يَسْتعيذ بالله منهما.
همَّة النبي -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه
ولقد كان للعشر الأواخر من رمضان عند النبي -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وقفة وهمة، ولهم فيها هدى وجِدّة، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصًا فيها على الطاعة والعبادة والقيام والذكر والدعاء والتضرع وسائر القرب، كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يحرص على العشر الأواخر كل هذا الحرص إلا لما يعلم من أمرها وشأنها وجلالة قدرها ما الله -عز وجل- وحده به عليم، تقول عائشة رضي الله عنها(زوج النبي) - صلى الله عليه وسلم - وهي تصف لنا حاله في الثلث الأخير من رمضان كما في صحيح مسلم: «كان رسول الله يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها»، وذلك على النقيض من أحوال بعض الصائمين في زماننا؛ حيث يصيبهم الفتور، ويلحق بهم التراجع، ويطوف بهم التكاسل منذ أن يحاذوا العشر الأوائل، مع أن سرّ العبادات يقول غير ذلك، يقول: إن المفروض بعبادات الصائم وقُرباته في الأيام الأوَل أن تشحنه وتدفعه وتقوي إيمانه وتزيد رغبته، فما أن يصل العشر الأواخر إلا وقد اشتاقت نفسه لمعانقة ليلة القدر، وقطف ثمار العشر الأواخر، وجمع بركاتها، فعالي الهمّة لا يَرضى بما دون الجنَّة، بل يحرص على الدرجات العُلا فيها، وهكذا كان الصحابة -رضي الله عنهم.
- الدعوة إلى الله لها فضلٌ عظيم، فهل يكون فضلها في شَهر رمضان أعظم؟
- شهرُ رمضانَ هو شهر العبادات الكثيرة المتنوّعة، والدعوة إلى الله -تعالى- وإلى التمسّك بدينه وبكتابه وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عبادةٌ من أعظم العبادات، وشهرُ رمضانَ فرصةٌ عظيمة للدعوة إلى الله -تعالى-، فالقلوبُ فيه تَرقّ، والنفوس فيه تَهْفو إلى فعلِ الخير والأعمال الصالحة، وتُجيبُ داعي الله؛ فلا بدّ مِنْ اسْتِشعار المَسْؤولية، واسْتفراغ الوُسْع في سبيل الدعوة بكلّ طاقتك وجُهدك، لأجل الإبلاغ والإعْذار، ورفع التبعات عن النفس.
فضائل الدعوة وثمراتها
وفضائل الدعوة وثمراتها التي تعود على الأفراد خصوصا، وعلى الأمّة عموما؛ لا تكاد تُحصى، وأدلةُ الوحيينِ مليئةٌ بذلك، متضافرةٌ عليه، فالدعوة إلى الله -تعالى- أولاً طاعة لله، وإرْضاءٌ له، وسلامةٌ منْ وعيده بتركِ الأمْر بالمعروف، والنّهي عن المنكر.
والدعوةُ إلى الله إعْزازٌ لدينِ الله -تعالى-، ورفعٌ لشأنه، واقتداءٌ بأنبيائه ورُسُله، وإغاظةٌ لأعدائه منْ شياطين الجنِّ والإنس، وإنقاذٌ لضحايا الجَهل والضّياع والغفلة، والتقليد الأعمى.
والدعوةُ إلى الله -تعالى- سببٌ في زيادة العلم والإيمان في الأفْراد والمجتمعات، ونُزُول الرحمة بهم، ودفع البلاء، ورفعه عنهم، وهي سبب لمضاعفة الأعمال في الحياة وبعد الممات، وسبب للاجتماع والألفة، والتمكين في الأرض.
والدعوةُ إلى الله هي أحسنُ القول، فلا شيءَ أحسنُ مِنَ الدعوة إلى الله، كما قال -سبحانه-: {ومَنْ أحسنُ قولاً ممَّنْ دَعَا إلى الله وعملَ صَالحاً وقال إنَّني مِنَ المُسْلمين} (فصلت: 33)، وهدايةُ رجلٍ واحدٍ خيرٌ مِنَ الدنيا وما عليها، والدُّعاةُ إلى الله هُم أرحمُ الناسِ بالناس، وأزكاهم نفُوساً، وأطْهرهم قُلُوباً، وهمْ أصحابُ المَيمنة، وهمْ ورثة الأنبياء، وعلى المسلمين عموماً التعاون جميعاً في سبيل الدعوة إلى الله، وأنْ نجعلَ مِنْ شهرنا هذا ميداناً لاسْتباق الخيرات، ونتعاون في نُصح الغافلين، وتذكير الناسين، وتعليم الجاهلين.
- ما أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها الداعية؟
- هناك صفات يَحْسن بالداعي إلى الله أنْ يتّصفَ بها، سواء كانت دعوته فردية أم عامة، فمن ذلك: العلمُ الشرعي، والعملُ بالعلم، والإخْلاصُ لله، والصبرُ على المدعوين، والحلمُ عليهم، والرحمةُ بهم، وحُسنُ الخُلُقِ معهم والكرمُ، والإيثارُ والتواضعُ، والحِكمةُ والحرصُ على جمع الكلمة على الحق.
- هل ترى أن هناك تراجعاً في التدين أو الإقبال على العبادة عن ذي قبل في المجتمعات الإسلامية؟
- الدّين هو أهم ما يميّز هوية الشعوب العربيّة خصوصاً، والإسلامية عموماً، وإذا ظهر ارتفاع في التديّن أحيانا أو تراجع أحياناً، فهو بحسب ما يمرّ به كلُّ بلد وكل مجتمع، من ظروف وأحوال وفتن، وهي تزداد أحيانا وتقل أحيانا، وبالتراجع عن التديّن يمكن أنْ نفقد حقيقتنا وذاتنا، وعقيدتنا وأخلاقنا وسماتنا، وما يميزنا عن غيرنا، فنكون بلا هوية خاصة بنا، ونذوب في هويات الآخرين ونفقد استقلاليتنا، ونكون تابعين لغيرنا، وهي من علامات الضياع والضعف والانهيار.
تشويه مفهوم التديّن
ولا شكّ أن مفهوم التديّن يتعرض إلى تشويه متعمد في كثير من المجتمعات، ويتم التسويق له في وسائل الإعلام المغرضة على أنه أصبح مرادفاً للتّشدد في التعامل، وعدم قبول الآخرين، والاستعلاء عليهم، والتشدّد في العبادات، وعدم التهاون في المعاملات، بل صار يقرن بالجماعات الإرهابية التي تكاثرت واقترفت أبشع الجرائم على مرأى ومسمع من العالم، ونحن نقول ونعيد بأنّ هؤلاء مجرمون وليسوا متدينين، ويجب توضيح الحقيقة في هذا الموضوع، وبيان الشريعة السّمحة، وأنّها تقوم على الرحمة والحكمة والعدل والإحسان، كما نصّت عليه نصوص القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة، وهذا واجب الدعاة والعلماء، كما سبق في الكلام في الدعوة إلى الله -تعالى.
- ما مظاهر ضعف الإيمان وأسبابها من وجهة نظركم؟
- مظاهر ضعف الإيمان كثيرة ومتنوعة نذكر منها ما يلي:
(1) الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات، وذلك أنّ المؤمن قوي الإيمان يخاف الله -تبارك وتعالى-، ويراقبه، فإذا وقع في معصية كبيرة أو ذنب عظيم، دلّ هذا على ضعف الإيمان، كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «لا يَزْني الزّاني حين يَزْني وهو مُؤمن، ولا يسرقُ السّارق حين يَسْرق وهو مؤمن». متفق عليه، وإذا كان كثرة الوقوع في المعاصي منْ مظاهر ضعف الإيمان، فإنّ المجاهرة بها أعظم جرماً وأفْدح أثراً، كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ أمّتي مُعَافى إلا المُجاهرين». رواه البخاري. وفسّر المجاهر بأنه: الذي يفضح نفسه في المجالس، ويكشف ستر الله عنه بما عمل من معاصٍ.
(2) ومنها: عدم المحافظة على الطاعات، والتكاسل عن أدائها، وعدم الاكتراث بمواسم الخير ومواطن البركة، كشهر رمضان وغيره.
(3) ومنها: الشعور بقسوة القلب، وذلك أنّ القلب القاسي لا تؤثر فيه المَوعظة مهما عظمت!
(4) عدم الخشوع في العبادات، فيشرد الذهن في الصلاة وغيرها، وقلة التدبر للآيات والأدعية، فلو دعا بدعاءٍ؛ فإنه لا يتفكر في معناه، والرسول -صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَقْبل اللهُ دعاءً منْ قلبٍ غافلٍ لاهٍ». الترمذي.
(5) ضيق الصدر وقلة انشراحه، فيصبح المرء سريع التضجر والتأفف، وتذهب سماحة نفسه.
(6) عدم التأثر بآيات القرآن، لا بوعده ولا بوعيده، ولا بأمره ولا نَهيه، ولا بوصفه للقيامة، فضعيف الإيمان يمل من سماع القرآن ولا يطيق مواصلة قراءته، وكلما فتح المصحف أراد أن يغلقه! وقد يقضي ساعات طويلة في توافه الأمور!
(7) الغفلة عن ذكر الله -تعالى-، وقلّة ذِكره.
(8) عدم الغضب إذا انتهكت مَحارم الله، فلا يأمر بمعروفٍ ولا ينهى عن منكر، ولا يتمعر وجهه قط في الله!
(9) التعلّق بالدنيا ومظاهرها، وحبّ المظاهر، والرغبة في العُلو والظُّهور، مع عدم وجود مؤهلات ذلك منْ أسباب دينية أو دنيوية.
أسبابُ ضعف الإيمان
أمّا أسبابُ ضعف الإيمان فهي كثيرة، فمنها:
1 - الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترات طويلة، كالمساجد وحلقات العلم وغيرها.
2 - الابتعاد عن الصُّحبة الصالحة، فالمؤمن قليلٌ بنفسه كثير بإخوانه، يقول الحسن البصري: «إخواننا أغلى عندنا منْ أهلينا، فأهلونا يُذكروننا بالدنيا، وإخواننا يذكروننا بالآخرة».
3 - الابتعاد عن طلب العلم الشّرعي، وعدم مطالعة القرآن وتفسيره، وكتب الحديث والمواعظ والرقائق وغيرها.
4 - وجود الإنسان في وسطٍ يعجّ بالمعاصي والآثام، ولا يُذكّر بالله والدار الآخرة.
5 - الانشغال الزائد بالمال والزوجة والأولاد، قال -تعالى-: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}.
6 - طول الأمل في الحياة الدنيا، فقد قال -تعالى- عن الكفار: {ذَرْهُمْ يَأكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
- هل الأمر بتدبُّر القرآن خاصّ بالمتخصِّصين المشتغلين بالقرآن وعلومه، أم أن دائرته أوسع من ذلك؟
- القرآن العظيم هو كلامُ اللهِ العليمِ الخبيرِ، الذي لا يأتيه الباطل مِنْ بين يديه ولا مِن خلفه، {تنزيلٌ من حكيمٍ حميد} (فصلت:42). نزل هداية ورحمةً لجميع العالمين، وهدى للمتقين، ولهذا حثّنا اللهُ -سبحانه- على قراءته وتدبره، فقال -سبحانه-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29)، وهذا عام لجميع المسلمين، وليس للعلماء أو المختصين فحسب، ففي قراءة القرآنِ وتدبُّرهِ وفهمه والعملِ بِهِ، هدايةٌ وصلاحٌ وخيرٌ وسعادة، وشفاءٌ للفردِ وللمجتمع من جميع أمراضه الحسيّة والمعنوية، وتلبيةٌ لحاجاتِهِ الدنيوية والأخروية، قال -تعالى-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ويُبشّر المؤمنينَ الذين يعْملون الصّالحات أنّ لهم أجراً كبيراً} (الإسراء: 9)، وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } (الإسراء:82).
وتدبّر القرآن هو مفتاحٌ للعلوم والمعارف كلّها، وبه يزداد الإيمان في القلب، وكلما ازداد العبد تفكراً وتأملاً فيه، ازداد علماً وعملاً وبصيرة، قال الحسن -رحمه الله-: « نزلَ القرآنُ ليُتدّبر، ويُعْمل به؛ فاتّخذُوا تلاوته عَملاً، فتدبر القرآن مأمور به جميع المسلمين، لكن لابدّ لمن أراد تدبر القرآن الكريم من أمور أهمها:
أولاً: فهمه والنظر في معناه
الوقوف على معاني كلماته، وما تدلّ عليه الآيات، من كلام أهل العلم والإيمان، وقراءة ما كتبوا في تفسير القرآن الكريم، يعين على تدبر القرآن وفهمه، فلا يأتي التدّبر دون فهم المعاني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله في فتاويه-: «وتدبّر الكلامِ دون فهم معانيه، لا يُمْكن». (فتاوى ابن تيمية 13/ 331-332).
فالواجب إذًا: على مَنْ أراد فهم كتاب الله -تعالى-، الرجوع إلى كتب التفسير، التي جمعت كلام السلف من أهل الفقه والفهم في كتاب الله -تعالى.
ثانيًا: دراسة سيرة الرسُول - صلى الله عليه وسلم
فدراسة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة حياته وأحْواله، وأخْلاقه وشمائله، وجهاده وغزواته، وعباداته ومعاملاته، والإلْمام بأقواله وأفعاله، ممّا يُعين على فهم القرآن وتدبره، وذلك أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد فسَّر القرآن بقوله، وأقامه بعمله، وبيّنه بخُلقه - صلى الله عليه وسلم -، كما أمره الله -تعالى-، فقال -سبحانه-: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44).
فمعرفةُ السُّنن القولية والعملية التي بيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بها الكتاب العزيز، يُعين بلا شك على فهم الكتاب وتدبره؛ فإنَّ القرآن قد جعل الله بيانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ كما سبق في قوله -تعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44).
ثالثًا: معرفةُ أسبابِ النزول
فمعرفة أسباب النزول ممّا يعين على فهم القرآن، ثم تدبره، وذلك أن القرآن نزل منجَّمًا بحسب الوقائع والأحداث، في ثلاثٍ وعشرين سنة، كما هو معلوم.
- ما وسائل الثّبات على الطاعة بعد رمضان؟
- نعم يُلاحظ أَنَّ كثيراً منَ المسلمين ممّن كانوا يُحافظون على أنواعٍ كثيرة من الطاعات في رمضان، كالصّلاة في جماعة والتبكير إليها، وقراءة القرآن والقيام، والذّكر بأنواعه، والصّدقات وغيرها، يُهْملون هذه الطاعات بعد انقضاء الشّهر ولا يَثْبتون عليها، وهذا الأمر إِنْ اسْتمرّ؛ له خُطُورته على إيمان العبد، وعلى خاتمته وآخرته، فقد أمَرنا الله بالثّبات على الطاعات حتى المَمات، كما في قوله -تعالى-: {واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين} (الحجر: 99).
العمل بما أمر الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم
وإنّ منْ أعظم أسباب الثبات والاستقامة على الهُدَى؛ هو الحرص على العمل بما أمر الله -تعالى- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، منَ الأعمال الصالحة، فقد قال الله -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُ مْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (النساء: 66-68).
البُعد عن المعاصي
وهكذا البُعد عن المعاصي، ومنْ وسائل الثبات أيضاً: صُحبة الأخيار، وحُضور مجالس العلم والوعظ، التي ترقّق القلوب وتزكى النفوس.
ومنها: الاشْتغال بدعوة الآخرين للاسْتقامة، وترغيبهم بالاشتغال بالأعمال الصالحة، وترهيبهم وتنفيرهم من الاشتغال بالرذائل، فهي دَعوة للنّفس أيضا.
كثرة النظر والتأمل في نصوص الوحي
ومِنَ الوسائل أيضاً التي تُساعد على الثبات: كثرة النظر والتأمل في نصوص الوحي التي ترهب من عذاب الله، فإنّ العلم بها يقمع الأهواء، كما يدل له الحديث: «لو تعلمونَ ما أعلم لضَحكتم قليلاً ولبَكيتم كثيراً، وما تلذّذتم بالنِّساء على الفُرش، ولخَرجتم إلى الصّعدات تجْأرون إلى الله». رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
ملازمة الدُّعاء
وكذا ملازمة الدُّعاء، كما أمرنا -سبحانه- أَنْ نسأله مرات عدّة في اليوم الواحد أَنْ يهدينا الصّراط المستقيم، فهذا الثبات له مَوانع وله عوامل، إِنْ تجنّب الإنسان موانعه وأخذ بعوامله؛ ثبتَ على الطاعة بإذن الله، وفي دُعاء القرآن: {ربّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذْ هديتنا} (آل عمران: 8)، وفي الدعاء المأثور: «اللهم يا مُقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك» متفق عليه، وفي الدعاء: «اللهم اقْسِم لنا منْ خشيتك ما تَحُول به بيننا وبينَ معصيتك..»، ومنه: «اللهم إنّي أعوذُ بك مِنْ زوال نعمتك...». وغيرها


وائل رمضان