وفقا لمطلبك فهاك موجزا مقتضبا لتحقيق المراد
التفريق بين الصفات الخبرية والعقلية غير مبني على حجة أصلا(وإلى هنا يكفي الرد في إقامة الحجة عليهم لأن التفريق دون برهان صحيح تحكم لا معنى له) فإن قيل يلزم من إثبات اليد-مثلا-التشبيه والتجسيم ,خلافاً للسمع والبصر -مثلا- فلا يلزم منه ذلك,قيل الجواب عليه من وجوه:-
*البصر والسمع المثبتان للمخلوق إنما يحصلان له بآلتي السمع والبصر وهما مؤتلفتان من حاسة الإدراك الأذن والعين ,وكذا مركز السمع والبصر في المخ, فما جعلتموه لازما للتجسيم هناك يلزم هنا أيضا ولافرق
*والله تعالى لما نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين أردفها بإثبات السمع والبصر "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" فدل على تقرير ما سبق من عدم التفريق لأنه قطع توهم المشابهة بنفي ذلك ثم أعقبه ببيان أن نسبة الشيء لله وللمخلوق لا يعني المماثلة
كأنه قال:لا يماثله شيء ولا يعارض هذا كونه سميعا بصيرا, وبالمثل يقال:لا يماثله شيء وله يد وعين على ما يليق به من جلال
ومثل هذا يقال في حق "الكلام" أيضا وكذا "الحياة" فإنها لا تكون للمخلوق إلا بخلايا ذوات نواة
*وحاصل قول من يعترض على إثبات أي صفة بهذه الشبهة أن الله تعالى عدل عن البيان المبين بل تكلم بما يوهم ظاهره خلاف الحق فلو أنه ساغ لاحدهم تبديل بعض كلام الله لأمسكوا عن ذكرها ولآثروا حذفها غيرةً على الله! "قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض "؟
*فإما أن يكون الله عالماً بأن ما يقوله المعطلة هو الحق وإما ألا يكون كذلك!-سبحانه وتعالى-
ولما كانوا مقرين بعلمه يقينا,بقي لازم آخر وهو:إما أن يكون الله عز وجل قادرا على التعبير عن الحق بأحق الأوصاف وإما ألا يكون كذلك
فإذا عدل عن الحق الأليق بالله الذي يدعونه مع قدرته عليه كان في ذلك غش يتنزه الله الكريم عنه في أمر هو من أجل مهمات أصول الاعتقاد أعني معرفة الله تبارك اسمه وإنما تتأتى معرفته بأسمائه وصفاته وأفعاله
*وإذا جاز تاويل بعض الصفات ببهرج القول وزخرفه فماذا نصنع بمثل قول الله تعالى "ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي"
فالقول بالتأويل هنا جناية على العربية والمعقول والمنقول
والله الموفق