أريد أن أستدرك على كلام سبق أن قلته حول تكفير النبهاني ، فقد أعلمني بعض الإخوان الأفاضل أن العلامة المفسر الألوسي رحمه الله قد حكم بردة الشيخ النبهاني ، وأرشدي إلى المرجع ، فلما رجعت إلى الكتاب المشار إليه وهو ( الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى ) وجدت ما قاله الأخ الفاضل صحيح ، حيث انتهى الألوسي في هذا الكتاب إلى الحكم بردة النبهاني ، فقد وصفه بالكفر في أكثر من موضع ، وأقره على ذلك محقق الكتاب الأستاذ (عمر بن أحمد آل عباس )، وإن كان في نفسي شئ من نسبة ذلك الكتاب إلى الإمام الألوسي رحمه الله ، فإن العبارة لا تدل على أسلوبه فقد أتسمت بالشدة المفرطة ، والإعجاب بالذات ، والسرعة في إطلاق الأحكام الشرعية لا سيما التكفير ، وعلى كل حال سوف أنقل هنا بعض تلك العبارات التي يظهر فيها تكفير النبهاني ثم أعلق على المقصود .
يقول العلامة الألوسي رحمه الله : ( أيها النبهاني المسكين ؟! وقد قلت ما لم تفعل ! وفعلت ما لم يأذن به الله عزوجل ، تقول : أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وتناقض شريعته بحكمك بغير ما أنزل الله ، وشرعه في دينه المحكم ) إهـــ كتاب الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى (101)
وقال في موضع ثاني : (من رد على النبهاني يعتقده أنه أعدى الناس لجده ، حيث أخل بكلمتي التوحيد وخالف الشريعة الغراء ،
وحكم بغير ما أنزل الله ، وجوز عبادة غير الله ، وادعى ألوهية مخلوق من مخلوقات الله ، وقال بوحدة الوجود ، وغلا في أهل القبور ، واعتقد بأمور وهمة كالقول بوجود الخضر ، وإلياس ، والأقطاب ، والأبدال ، ونحو لك ، وتطاول على أسلاف من رد عليه ، وبهت أهل الدين ، وأئمة المسلمين ، وبدع حملة الحديث ، ورمى المحصنات الغافلات ، وشتم الاحياء والاموات ، إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتبه وشعره ، مما يستوجب تخليد اللعنة عليه وعلى من سلك مسلكه إلى يوم القيامة ) إهــ المرجع السابق (112)

ويقول في موضع ثالث: ( يريد بذاك الكتاب " غاية الأماني في الرد على النبهاني " ولا بدع أن تكلم فيه بمثل هذا الكلام ، فإنه كتاب أخلص التوحيد لله ، وأبطل عبادة ما سواه ، وذب عن السلف الصالح ، وحملة الدين ، وأبان سبيل المؤمنين ، وخلد اللعن على النبهاني إلى أن يحشر مع إخوانه المشركين في سجين ، وأهل العلم يعلمون ما قاله أعداء القرآن في القرآن فلا حاجة إلى زيادة البسط والبيان . وفي الحديث الصحيح : " لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك" ، وفي حديث آخر : " من لعن مؤمناً فهو كقتله ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله " ، ولا شك أن مصنف كتاب " غايه الأماني " من أجل أهل الإيمان ، كما دل على ذلك ما حوته كتبه ، وخصامه أهل الغي والطغيان ، فما ذكره النبهاني من اللعن عاد عليه ، وانتهى إليه ، وحسبه جهنم وبئس المصير ) إهـــ كتاب الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى (114)
ويعلق المحقق فيقول : (
وما قرره العلامة الألوسي هنا صحيح حيث أن النبهاني هو الذي بادره بالتكفير ، لذا جاءت عبارته أحياناً كما مر شديدة في الرد عليه ) إهــ المصدر السابق (114)
ويقول الألوسي رحمه الله : ( يريد النبهاني الإفتخار بالتقاريظ التي قرظ بها كتابه بعض المصريين ، الذين زعم النبهاني أنهم مشائخ إسلامهم ، وأن من قرظ كتاب " غاية الاماني " أهل الزور بسبب تقريظهم لهذا الكتاب ، وهو حكم بغير ما أنزل الله كما هو دأبه ، فإنه لا يعرفهم ولم يجتمع بهم ، بل إنه حكم بما حكم لاعترافهم بالحق وشهادتهم بالصدق ، على أن منصف الرد عليه لم يفتخر بتقاريظهم كما افتخر هو ، ولم يجعلها حجة له كما جعلها النبهاني ... والمقصود أن النبهاني لا ينبغي له أن يفتخر ، ويتعجب بتقاريظ من قرظ كتابه ، فإنهم إما ان يكونوا قرظوه بالتماس ورجاء من غير أن يقفوا على ما فيه من الزيغ والإعوجاج ، كما هو الظاهر فلا عبرة بتقاريظهم ، وإما أن يكونوا قرظوه بعد الوقوف على ما فيه ، ومطالعة مباحثه ، بسبب أنهم من غلاة القبورين ، والجهلة الضالين ممن هو على شاكلة النبهاني ،
وإلا لو كانوا من أهل الفضل والعرفان والتقوى والإيمان ، لما مدحوا مثل النبهاني الفاسق بنص الكتاب والسنة على من حكم بغير ما أنزل الله ، ما عدا إشراكه ونفاقه وريائه وإطالة لسانه على أعلام الإسلام ، وكذبه وزوره ، وفجوره ، إلى غير ذلك مما يستوجب تقريظة وتقريظ كتابه غضب الرب ، واهتزاز العرش .)إهـ كتاب الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى (123)
ومن الأمور التي أعتبرها العلامة الألوسي دليل صريح على كفر النبهاني قوله في هذا البيت من الشعر :

وأعقل منه الكلب يستر رجسه * وهذا رأى في نشر أرجاسه فخرا
والمقصود من هذا الوصف كتاب ( غاية الأماني ) ومؤلفه العلامة الألوسي رحمه الله .
فقال الألوسي معلقاً : (
إن هذا القول يفضي بكفر قائله ، وخروجه من الدين ، وذلك أنه جعل مباحث الرد عليه رجساً ، مع ما حواه من الآيات القرآنة والاحاديث النبوية والعقائد الدينية ، فكل ذلك من النور المبين ، وهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، ثم ترجيح الكلب على المسلم الموحد بيقين ، فانظر إلى حمق هذا الرجل ، وجهله واتباعه لهواه وضلاله ! والعياذ بالله ) إهــ (119)
وقال المحقق معلقاً: ( وما قرره العلامة الألوسي هنا حق لا مرة فيه ، ولعل هذا ما دعاه إلى أن يصرح بكفر النبهاني في أكثر من موضع من كتابه ، لهذه القرائن القوية ، ولغيرها مما يعلمه عنه من القرائن الاخرى ، بحكم المعاصرة ) إهــ (119)
قلت : هذه هي الأسباب التي أوجب كفر النبهاني عند الإمام الألوسي حسب ما جاء في الكتاب المشار إليه سابقاً ، والله أعلم وأحكم .
وسوف أرجع وأعقب في المشاركة القادمة بمشيئة الله على كلام الألوسي حول دعوى حكم النبهاني بغير ما أنزل الله وهل كفره الألوسي بهذا السبب أم لا ، إن ثبت صحة ذلك ؟!، بعد أن نقرأ تعقب الإخوان على هذه المشاركة .