كان صخر بن عمرو بن الشريد شريفا في بني سليم ، ومن شجعانهم المعروفين ، فخرج ذات يوم في غزاة فقاتل فيها قتالا شديدا ، وأصابه جرح بليغ ، فمرض وطال مرضه ، وكان إذا عاده قومه سألوا أمه : كيف صخر اليوم ؟ فتقول : أصبح سالما بنعمة الله ! وكانوا إذا سألوا امرأته سلمى عنه قالت : لاهو حي فيرجى ، ولاميت فينسى !! وكان صخر يسمع كلامها فيشق عليه كثيرا إلا أنه لفرط مرضه لا يستطيع الرد عليها بشيئ ، حتى جاء يوم أفاق من علته بعض إفاقة فعمد إلى امرأته فعلقها بعمود الفسطاط ! ثم أنشأ يقول :-
أرى أم صخر ماتجف دموعها................و ملت سليمى مضجعي ومكاني
وماكنت أخشى أن أكون جنازة................عل يك ومن يغتر بالحـدثان
فأي امرئ ساوى بأم حليلة................فل ا عاش إلا في شقا وهوان
ولاشك أن في القصة أبعادا جاهلية لايرضاها مسلم ؛ كالتنكيل بزوجه بهذه الصفة إلا أن فيها مع ذلك أبعادا فطرية صادقة ومؤثرة ، كحب الأم الصادق ورحمتها البالغة التي لاتبدلها الظروف ، قال شوقي : -
وإذا رحمت فأنت أم أو أب................ هذان في الدنيا هم الرحماء !
وحقا والله إنها لرحمة صادقة لاتزيدها الأيام إلا صدقا وعمقا ؛ ولهذا كان الوالدان أحق الناس بحسن الصحبة ، فهنيئا لمن قدم بر والديه على بر كل أحد دون أن يبخس أحدا من حقه شيئا ( المقسطون عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين ؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا ) .