مقدمة الناظم:
1- بحمدِ الذي رفعَ الحامدين ** وأجزلَ للشاكـرين النِّعـمْ
2- سنبــدأُ سائرَ أقوالنا ** وبالحمــدِ أقوالَنا نختتــمْ
3- فحمداً جزيلاً على كل حال ** لمولى الجزيلِ وباري النَّسَمْ
4- وبعد فهذا نظـــامٌ بديع ** تناسق كالجوهـر المنتَظِمْ
5- تضمّن تلخيصَ بابِ الصيامِ ** وأوجـزَ أحكامَه والحِكمْ
6- وقرّب ما يقتضيـه الدليلُ ** لسائـــرِ طلابهِ فانسَجَمْ
7- على مذهـب السالفين الكرامِ ** ونِعمَ المعوَّل والمعتصَمْ
8- فليس لنــا دونـه مذهبٌ ** ولسـنا إلى غيـره نحتكمْ
9- ولكننا نتبع البينـــاتِ ** ونقفو الأدلــةَ في كل يـم
10- ولولا تضايُق بحر القصيد ** وخشية بسطٍ يجر السَّأَم
11- لسقتُ الأدلةَ مثل الشموس ** تزيل عن السائرين القَتم
فضل رمضان وفضل الصوم:
12- فكم قد روى فضله من ثقات ** وكم فيه من خبر قد عُلم
13- فقد فضـل الله أيامه ** على سائر الدهر منذ القـِـدم
14- ففيها يُكفَّــرُ ذنبُ العباد ** وتعظم للعاملين القِسـَـم
15- وفيها يفتَّح بابُ الجنان ** ليدخـلَ من رامها واعتـزَم
16- وفيها يُغلَّـق باب الجحيم ** ويُعتـق فيها الذي قد رُحم
17- وفيها الشياطيـنُ مغلولةً ** فلا يصِلــون لكيـد الأُمم
18- فيخلو بذاك طريـقُ الهدى ** ويغدو بأربابه مُزدحِــم
19- وفيها ينادي منادي الفلاح ** أيا باغي الخيـر حيّا هلُم
20- ويا باغي الشر أقصِر فما ** لشرّك في شهرنا من قَدم
21- وقد أنزل الله قرآنـه ** بشهر الصيام ليجــلو الظُّلم
22- لذلك جبريلُ جاء الرسولَ ** يدارسه فيه حتى ختــم
23- وللصوم فضل عظيم وما ** درى قدْرَه غيرُ باري النَّسَم
24- وقد ضاعف الله أعمالنا ** وقال: الصيام لنا والتــزَم
25- تعالى بأن يجزي الصائمين ** بغيرِ حسابٍ فيا للكـَرَم
26- وللصائمين هنا فرحـةٌ ** إذا حــان فطرهمُ وانتظم
27- وأخرى إذا همُ لاقوا الإله ** ووفاهمُ وعده الملتــزَم
28- وفاح الخلُوف كمسك شذيٍّ ** وأشرع ريانُهم وازدحم
29- وقيل ادخلوه فلا تظمئون **فقد فات وقت الظما وانصرَم
30- هنيئـاً بما كان أسلفتمُ ** من الجوع والعطش المحتدِم
حِكَمُ الصيامِ وأسرارُه:
31- وللصوم معْ فضله حكمةٌ ** وسرٌّ بدا بعضه واكتَتَم
32- فمِن سِرِّه أنه مدخلٌ ** لتقوى الإله عظيم النِّقــم
33- ومن سِرّه تركُ محبوبنا ** لمحبوب خالقنا ذي النعم
34- فتسموا بذاك نفوسُ الورى ** وكم مَن به عن هواه انفَطَم
35- ومنه التخلي لذكـرِ الإلهِ ** إذا ما خلا البطنُ ثم استَجَم
36- ومنه تنبُّهُ أهلِ الغنى ** إلى الجائعين وأهلِ العـــدم
37- فتسمحُ بالصدقاتِ النفوسُ ** وتسمو إلى الصالحاتِ الهمم
38- ومن ذاك كسرُ جماحِ النفوسِ ** بأغلال تجويعها واللُّجَم
39- وتعليمها الصبرَ والانضباطَ ** وتخليصها من رديء الشِّيَم
40- ومنها الشفاءُ لأسقــ،امنا ** إذا ما كُفينا شــرور التُّخَم
وجوب الصوم:
41- وليس بخافٍ على المسلمين ** بسائر أعرابهم والعجم
42- سموُّ منازلِ ركن الصيام ** من الدين حتى غدا كالعلَم
43- وعدّوه رابعَ أركانــه ** بذلك يدري الفتى والهَـرِم
44- فمُنكِرُهُ كافرٌ باتفـاق ** يصيــر إلى حلّ مال ودم
45- وتاركه كسلاً بالفسوق ** يُسمّى وفي دينـــه يُتّهم
46- وبشّره بالويلِ يوم المعادِ ** إذا جمع اللهُ كل الأمـم
بِمَ يثبتُ الشهر؟:
47- وتثبتُ أحكامُ شهر الصيام ** برؤيا الهلال قبيل الظُلَم
48- ويكفي لإثباته مسلــمٌ ** ولو واحــدٌ حيث لا يُتّهم
49- سوا ذكرٌ كان أو عكسه ** وحرٌ وعبدٌ إذا ما احتلـم
50- وإلا فإتمــام ما قبله ** ثلاثين يومـاً فلا تنخــرِم
51- ولا تسبقَنْه بصـومٍ وإن ** يَحُل دونَهُ سُحــبٌ أو قَتَم
52- ومن صام في يوم شكٍّ فقد ** عصى ولغا صومه وأثِم
من يجب عليهم الصوم:
53- وفرضٌ على مسلـم عاقل ** مقيمٍ بلا مانــعٍ محتلِم
54- يطيقُ أدا الصومِ في وقته ** بأمــر شريعتنا المنحتِم
55- فلا توجبوه على كافر ** فليس بأهلٍ لهذا الكـــرم
56- كذا فاقدِ العقلِ لا واجبٌ ** عليه ويُرفــعُ عنه القلم
57- فيفطر من جُنّ أومَن غدا ** بلا عقلَ من مرضٍ أو هرَم
58- كذلك من طال إغماؤُه ** إذا زال إدراكُــــه وانعدم
59- وأطفالنا إن أطاقوا الصيامَ ** يصومون قبلَ بلوغ الحُلُم
60- وذلك من أجل تعويدِهم ** عليه وليس بفرضٍ حُتِـــم
61- وما من قضـاءٍ على هؤلاءِ ** لأن تكاليفَـــهم لم تَتِم
62- ولكنّ من عاد إدراكُــه ** بيومِ الصيـــامِ له فليصُم
63- ويقضي لِمَا فات من يومه ** ويُمســكُ ثم القضا ينحتِم
64- وذوالكفر يُسلم وسطَ النهارِ ** فذلك يُشبــهُ أهل السقَم
65- ومن لم يطلْ وقتُ إغمائه ** ويُشبههُ الطفــلُ إن يحتلم
66- فإن كان في ليلهِ قد نوى ** وأمســك في يومه وانفطَم
67- فقد تمَّ ما كان من صومه ** وذلك من فضلِ مولِي النِّعم
68- وذاتُ المحيضِ وذات النفاس ** فصومُهما باطلٌ قد حَرُم
69- وأما المسافــرُ فلينظرِ الـ ** مُيسّر فليُفْطِرَنْ أو يصم
70- ولا تنكرنّ على مُفطــرٍ ** ولا صائــم قادرٍ لم يُضم
71- وأما المريضُ فإن لم يَشق ** عليه فلا رخصة تعتـــزم
72- وإنْ شقّ من غير إضــرارِهِ ** فخيِّره وليخترِ المنسجِم
73- وأما إذا ما أضــرّ الصيامُ ** به فهنا فطــرُه قد لزِم
74- وأهل الزمانـــةِ والبالغون ** من العمر غايتهِ والهرَم
75- إذا لم يُطيقوا أداءَ الصيام ** فكفـــــارةٌ عنهم تُلتزَم
76- فيطعم عن كل يوم فقيراً ** فإن شاء قسّمـــهُ بينهم
77- وإن شاء فليدعُ تَعدادَ ما ** عليه ويُشبِعُــــهم كلّهم
78- ولا تُطعِمَنّ غنياً بها ** فلا تجزِ في غيــر ما قد رُسم
79- ومن شقّ حملٌ بها أو رضاع ** على النفس والولدِ المحترَم
80- فتفطر واختلفـوا في الذي ** عليها من الحــقّ منذ القِدَم
81- فأكثرُهم أمـروا بالقضاءِ ** على أي حــالٍ وفي كل يَم
82- وقال ابنُ عباس وابن الذي ** يفرِّق بين الضيــا والظُلم
83- هما يُطعمان ولا يقضيانِ ** وقاساهُما بالعجــوز الهرِم
84- وقيل ســوى ذينِ لكنـه ** ضعيفُ الدليــلِ فلا يُلتزَم
النية في الصوم:
85- ولابدَّ للصوم من عُنصرين ** إذا زال بعضُهما ينهـــدِم
86- هما نية من قُبَيل الصَّباح ** لواجبِ صـــومٍ عليه انحتَم
87- ومن لم يكن قد نواه بليلٍ ** فلا صــومَ يُجدي هنا أو يتم
88- ويجزيء في النفل أن ينوِه ** نهاراً إذا لم يكــن قد طَعِم
المفطرات:
89- وثانيهما هو إمساكُــه ** عن المُفطِــرات كما قد عُلم
90- وعدتها ستة فاعلمــوا ** هي الأكلُ والشرب ثم يُضم
91- إليها الذي فيه معناهما ** كحقــن غـذاءٍ وإعطاءِ دم
92- وأما الذي ليس من جنسِ ذا ** كحقن الـدواءِ فلا ينخرم
93- به الصومُ نحو علاج الجروح*أوالدهن في الرأس أوفي القَدم
94- وقطــرةِ أذنٍ وقطرةِ عينِ ** وكحلٍ لزينةٍ أو لسقـــم
95- وإن بلـغ الحلقَ من طعمه ** إذا لم يصـــله بأنفٍ وفم
96- فلا شيءَ في كلِ ذا فاعلموا ** وضُجُّوا بشكـر مُعيد النعم
97- ومما يفطِّر فعلُ الجماع ** وإنزالُ مني بفعــــل كشَم
98- وتقبيلُ أو لمسُ أو نحـوه ** ولا شيء فيما أتــى بالحلُم
99- كذا الفكرُ أو نظرةُ كل ذا ** ولا فطـــر بالمذي فليفتَهم
100- ومنها تقيُّـؤه عامداً ** ولو لغثاالنفــسِ أو للسقــــم
101- وإن ذرع القيءُ أصحابَه ** فلا شيءَ فيه فخـــذ ما رُقم
102- وسادسُها حيضــها والنفاس ** وذلك أمـــر لكل عُلم
بعض مسائل الصوم المتعلقة بالحيض والنفاس:
103- وتفطـــر لو لِبَقا لحظةٍ ** من اليوم من قبل أن يُختتم
104- كذا إن تأخرّ من طُهـــرها ** إلى مطلع الفجر فلتلتزم
105- قضاذلك اليـوم أما التي ** تطهَّــر في أُخريـات الظلم
106- ولو أخرت غسلها للصباحِ ** فقد زالَ مانعُها فلتصُم
107- كذا جنبٌ أخَّر الاغتسالَ ** إلى الصبحِ مع أنه معتزِم
108- على الصوم يُقبل منه الصيام ** لأنّ الرسولَ بهذا حكم
109- ومن طهُرت من دماءِ النفاس ** وعدتُّها بعد لم تَستَتِم
110- فإن عليها أداءَ الصـــلاة ** كذاك الصيامِ وأن تلتزم
111- بكل الذي يلزم الطاهــراتِ ** فحكمُ النفاسِ هنا لم يدُم
شروط المفطرات بعد فروعها:
112- وغيرُ المحيض وغير النفاس ** من المفطرات فلا ينثلم
113- بها الصومُ إلا إذا أكملت ** ثلاثَ شـــروط بهن تتم
114- هي العلـم والذكـر والاختيار ** بهذا أدلتنـــا تلتئم
115- فمن كان يحسب أن النهار ** لـــم يأتِ ثم بشيء ألَم
116- ومن كان يحسب أن المساء ** أقبلَ من شرقـه وادْلَهَم
117- فأفطرَ ثم بــــدا أنــه ** بما ظنَّه مخطئُ قد وهِم
118- ومن كان يجهلُ بعض الذي ** مضى ثم قارفه ما علِم
119- فليس عليه قضــاءٌ ولا ** يعاقَب فيــما أتى أو يُذم
120- كذاك مقارفــها ناسياً ** ولو بالجماع فلا ينثـــلم
121- عليه الصيامُ كذلك من ** أتى مكرَهاً بعضَ هذي الحُرم
122- فلا شيء لكــنّ من شرطه ** لذلك إلجـــاؤه فافتهم
الأحكام المترتبة على من باشر مفطراً من المفطرات:
123- وفي كل ما مرّ من مفطرات ** قضاءٌ بمقــداره يُلتزَم
124- ويأثمُ إنْ كان من دون عـذر ** وإن كان في رخصةٍ لم يُلَم
125- وزيد لمفسـده بالجماع ** كفــارةٌ تجـبر المنهــدم
126- هي العتق إن كان ثم صيام **شهرين من غيـر أن ينخرم
127- فإن لم يطقه فإطعامــه ** لستين ذي حاجــة أو عدم
128- ويقضي المريضُ وذاتُ المحيض**وذات النفاس ومن لم يقم
129- بتعداد ما كان قد أفطـروه ** بأي زمـــان يسوغ لهم
130- شريطــة ألا يحول الصيام ** عليه فيأثـــم فيمن أُثم
131- وليس التتابـــع من شرطه ** وليس عليه دليــل يتم
132- ولا صوم نفلٍ لمن لم يكن ** قضى ما عليه من المنحتِم
حكم من زال عذره أثناء النهار في رمضان:
133- ومن زال موجبُ إفطاره ** أو العذر ممن مضى حكمهم
134- وذلك أثناء يوم الصيامِ ** كطُهر وبُـرء وســـارٍ قَدِم
135- فقيل يصومـون ما أدركوه ** وقيل يظلـون في فطرهم
136- ولكن يُسرون لا يجهرون ** لكي يتقـــون سِهام التهم
137- ومن أفطروا دون عذر صحيح ** فإمساكهم واجبٌ منحتم
138- فإنّ المعاصيَ لا تُستباح ** بها حرمةُ الشهر أو تُختــرم
المباحات في الصوم وما يعفى عنه:
139- ونهيُ الرسول عن الاحتجام ** صـح لنا نسخُـه فاحتجَم
140- كذا الفصُد أيضاً وأخذُ الدماء ** مبـاحٌ إذا ربّه لم يُضـم
141- ولا ضير يلحقه بالرُّعاف ** كما يتوهّمـــه من وهِـم
142- ورُخّص للــزوج تقبيله ** لزوجتهِ معَ لمــس وضَـم
143- إذا هو آنــس من نفسه ** ضمانَ التباعــد عما حـرم
144- وضبط النفوس فلا يُنْزلان ** فيفسدُ صومهمـــا إن يحم
145- وخير لمن خاف مما مضى ** لزوم السلامــة فليعتصم
146- ولا ضير في الطيب حتى البخور**ولا تنشقـنّ دخاناً ضُرِم
147- لما قد يصاحبه من جسوم ** تطايــر من حرقه كالحمم
148- فتبلغ للجوف من أنفه ** بمحـــض اختيارٍ وفعلٍ وشمْ
149- وما دخل الجوفَ من أنفه ** فذاك بتفطيـــره قد حُكِم
150- وأما الدخان المضرّ الخبيثُ ** فشاربه مفطــر قد أثم
151- ولا ضير في البرد والاغتسال** ومضمضـةٍ وكذا إن طعم
152- طعاماً ومجّ مع الاحتراس ** أن يصل الجــوف أو يلتقم
153- كذا ما تسرّب لا باختيار ** كمثـــل الغبار إذا ما اقتحم
154- ومثل غبار نخال الدقيق ** ومثـــل الذباب إذا ما هجم
سنن الصوم وآدابه:
155- وسُنّ لمن صام أكلُ السحور ** وتأخيرُه معْ بقاء الظّلَم
156- إلى صادق الفجر لا بعده ** كما أمرَ الله فيما حكم
157- وبادر بفطرِك عند الغروب ** فإن التأخر عنه يُذَم
158- فأفطر على رُطَبٍ إن وجدت** وإلا على التمرِ أو كنت لم
159- تجده فماءٌ وقلْ عندهُ ** بما قال قبلَك خيرُ الأمم
160- وما صحّ فيما علمتُ سوى ** حديث ذهابِ الظما فالتزم
161- وسُنّ له كسواه السواكُ ** بسائر آنائه فاغتنم
162- وسُنّ له تركُ هجرِ الكلام ** وقولُ أنا صائمٌ إن شُتِم
163- ولا يرفثنّ ولا يصخبنّ ** ولا يجهلنّ ولا ينتقم
164- ومن لم يدع خلقَ الجاهلين ** وزورَ الفعال وزورَ الكَلِمْ
165- فلا خير في تركه الطيبات ** وإرساله النفس فيما يُذَم
166- وادْعُ فللصائم دعوةٌ ** تجاب ويعطى بها ما قُسِم
167- وليست تخصّ بوقت الفطور** وما جاء في ذاك لم يستقم
168- وأكثر من الذكر واتل الكتاب ** وأكثر تلاوتهُ ثم قم
169- فمن قامه مؤمناً طالباً ** لنيلل الثواب ونيل الكرم
170- يكفّر سالف آثامه ** فجدّ لتكفيرها واعتزم
171- وفي العشر ضاعف من الصالحات**وشمّر لإحيائها والتزم
172- وفيها يسنّ لنا الاعتكاف ** لتخلوَ من كلّ شغل وهم
173- فقد كان ذلك دأب الرسول ** وشأن الخيار وأهل الهمم
174- ففيها الجوائز للعاملين ** وفيها تُنالُ وتعطى القسم
175- كذا ليلةُ القدر في وترها ** فجدّ لتدركها واستدم
176- فإن حزتها نلت فيها المنى ** وأدركت غاية ما يغتنم
177- ونسألُ ذا العرش سبحانه ** مجيب الدعاء ومولي الكرم
178- قبولاً لسائر أعمالنا ** وغفر كبائرنا واللمم
179- وأحمده حيث تمّ المراد ** ولولا هدايته لم يتم