بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على و بعد :
إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد فهل تجزئ صلاة العيد عن الجمعة ؟ أو هل يسقط وجوب صلاة الجمعة عمن صلّى العيد ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القـول الأول :
إذا اجتمع العيد والجمعة فالمكلف مخاطب بهما جميعا : العيد على أنه سنّة ، والجمعة على أنها فرض ، و لا ينوب أحدهما عن الآخر .
وهذا ما رواه ابن القاسم عن مالك رحمه الله .
ودليل ذلك :
1) قوله تعالى : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكــر الله وذروا البيع ..) [ الجمعة 9 ]
ووجه الدلالة أنه تعالى لم يخص عيدا من غيره ، فيجب أن يُحمل الأمر على عمومه إلا ما خصّه الدليل .
2) أن الفرائض ليس للأئمة الإذن في تركها ، وإنما ذلك بحسب العذر ، فمتى أسقطها العذر سقطت ، ولم يكن للإمام المطالبة بها .
3) أن صلاة العيد سنّة والجمعة فرض ، ولا يُسقِط الأضعفُ الأقوى (1).
القول الثـاني :
أن الجمعة تسقط عمن صلّى العيد من أهل البوادي و العوالي ، كـــما روى مالك في " موطأه " عن عثمان أنه خطب في يوم عيد وجمعة فقال : " من أحب من أهل العالية (2) أن ينتظر الجمعة فلينتظر ، ومن أحب أن يرجع فليرجع " [ مالك رقم 431 ]
وبهذا قال الشافعي و أبو حنيفة ، قالوا : ووجهه ما يلحق من المشقة ، وهي صلاة سقط فرضها بطول المسافة وبالمشقة ، ومن جهة الإجماع لأن عثمان خطب بذلك يوم عيدٍ ولم يُنكر عليه ، و أن مثل ذلك ليس بالرأي إنما هو توقيف (3) .
القول الثالث :
يجزئ العيد عن الجمعة ، وللإمام أن يأذن في التخلف عن الجمـعة لكن عليه هو إقامتها .
ودليل هذا :
1) عن زيد بن أرقم أنه سُئل : أشهدتَّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدان اجتمعا في يوم واحد ؟ فقال : نعم ، قال : فكيف صنع ؟ قال : صلّى العيدَ ثم رخص في الجمعة ، فقال : ( من شاء أن يصـلي فليُصلّ ).[ رواه أبو داود كتاب الصلاة ، رقم 1070 ، والنسائي كتاب العيدين رقم 1620 وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة رقم 1310 والدارمي برقم 1620 والحاكم وصححه ]
2) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنّا مُجمِّعُونَ ) .[ أبو داود برقم 1073 وابن ماجة برقم 1311 ، وقال المحقق في الزوائد : إسناده صحيح ورجاله ثقات ، وقال البوصيري في " مصباح الزجاجة " : هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات ]
3) عن عطاء بن أبي رباح قال : صلّى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا ، فصلينا وُحدانا ، وكان ابن عباس رضي الله عنهما بالطائف ، فما قدم ذكرنا ذلك له ، فقال : " أصاب السُنّة " .[ أبود داود رقم 1071 ]
قال صاحب العجالة في شرح الرسالة : وقوله هذا ( أي أصاب السنة ) له حكم الرفع عند جمهور المحدثين .
وقد روى ابن وهب ومطرف وابن الماجشون عن مالك جواز أن يأذن الإمام في التخلف عن الجمعة إذا اجتمع عيد وجمعة ، وذلك لما يلحق الناس من المشقة .
وأنكروا رواية ابن القاسم المتقدمة كما قال الزرقاني في شرحه على الموطأ ( 1/441 )
و هذا القول نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى ، ومما قاله رحمه الله : " أن أصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم الدليل " ، و إليه ذهب أيضا سيد سابق رحمه الله في فقه السنة ، وهو الراجح إن شاء الله تعالى (4)
ـــــــــــــ
الهوامش :
(1) أنظر الفقه المالكي وأدلته ج 1 /286 ط دار المعارف ، وبداية المجتهد ص 182 ط دار ابن حزم .
(2)القرى المجتمعة حول المدينة بين أبعدها وبين المدينة ثمانية أميال ، أي ما يقارب 14 كيلومترا .
(3)أنظرشرح الزرقاني على موطأ مالك 1/441 ط دار الفكر ، بداية المجتهد ص 183 ط دار ابن حزم ، والفقه المالكي و أدلته 1/ 286 ط مؤسسة المعارف .
(4)أنظر بداية المجتهد ص 183 ط دار ابن حزم ، الفقه المالكي و أدلته1/ 286 ط دار المعارف ، شرح الزرقاني على موطأ مالك 1/ 441 ط دار الفكر ، فقه السنة 1/ 375 – 376 ط دار الفتح للإعلام العربي ، ومدونة الفقه المالكي للغرياني 1 / ، الفتاوى الكبرى لابن تيمية 1/ المنتقى للباجي 1/ 317 وكذا العجالة في شرح الرسالة 2/ 356-358 ط دار الإمام مالك