القياسُ في العربيةِ على أربعةِ أقسامٍ:
1- حَمْلُ فرعٍ على أصلٍ.
2- حمل أصل على فرع .
3- حمل نظير على نظير.
4- حمل ضد على ضد.
أرجو من إخوتي بيانها وتطبيقها على المسائل الآتية:
- قاسَ بعضُ النحويين جوازَ الـجَرِّ لموضعِ (أَنَّ، وأَنْ) المصدريَّـتَيْن ِ بعد حَذْفِ الجار في قولنا:(جِئْتُكَ أنَّكَ تُرِيدُ المعروفَ)، وحَسَّنَ الحذفَ قياسًا على حذْفِ الضميرِ العائدِ إلى الاسمِ الموصولِ من جملةِ الصلةِ في نحو: (هذا الذي ضرَبْتُ)، والأصلُ: (ضَرَبْتُه)، فحَرْفُ الجَرِّ مع (أَنَّ، وأَنْ) المصدريَّـتَيْن ِ وإِنْ لَـمْ يُذْكَرْ فكأنَّهُ موجودٌ في الحكمِ،كما أَنَّ الضميرَ وإٍنْ حُذِفَ فهو كالمُثبَتِ في التقديرِ، قال مستدِلًّا بالقياسِ:
(( والأقْوَى أَنَّ موضِعَهُ جَرٌّ؛ لأنَّ حروفَ الجرِّ تُحْذَفُ مِنْ (أَنْ) و(أَنَّ) مخففةً ومشددةً؛ لأنَّهُمَا وما بعدهما بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، وقد طالَ فَحَسُنَ الحذفُ منه، كما يَحْسُنُ حَذْفُ الضميرِ العائدِ إلى(الذي)، فحرفُ الجَرِّ وإِنْ لَـمْ يُذْكَرْ فكأنَّهُ موجودٌ في الحكمِ، كما أَنَّ الضميرَ وإٍنْ حُذِفَ فهو كالمُثبَتِ في التقديرِ)).
2- استدلَّ بعضهم لسيبويه بالقياسِ على جوازِ إعمالِ فِعْلِ الظَّنِّ وإلغائِهِ إذا تقدَّمَ عليه شيءٌ متصِلٌ بالمفعول الثاني، نحو: (متى تظنُّ عمرٌو منطلقٌ؟، ومَتَى ظنُّكَ زيدٌ ذاهبٌ؟) بالإلغاءِ، ويجوز الإعمالُ وهو الأرجَحُ، وقد مَنَعَ المبردُ إلغاءَ الفعل في مثلِ هذا، بحجةِ أَنَّ الفعلَ قد تَقَدَّمَ على المفعولَيْنِ فوَجَبَ إعمالُه وامتنَعَ إلغاؤهُ، وقد احتجَّ النحويون لسيبويه في جواز الإلغاءِ بالقياس على جوازه في قولهم:(أَيْنَ تَظُنُّ زيدًا؟)، فيقال:(أَيْنَ تَظُنُّ زيدٌ؟)الذي تقدَّمَ فيه الخيرُ، قال رادًّا على المبرد مستدلًا بالقياس:
(( إنه إنما شَرَطَ أَنْ يتقدَّمَ الفعلُ وليس قبلَه شيءٌ في صِلَةِ ما بعده، فإذا تقَدَّمَ شيءٌ مما بعده قبل أَنْ يأتيَ بفعلِ الشكِّ فقد مضـى ذلك اللفظُ على غيرِ الشكِّ، فجـاز فيه الإلـغاءُ، كمـا جاز في: (أين تظنُّ زيدٌ؟) إذا تقدَّم الخبرُ )).
3- احتجَّ بالقياس إلى جانبِ السماعِ في مسألة:(ما يَتَعَيَّنُ أَنْ يكونَ عطفَ بيانٍ لا بَدَلًا)، فسيبويه يذهب إلى أنَّ كلمةَ (بِشْرٍ) مِنْ قولِ الشاعرِ:
أَنَا ابْنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ وُقُوعًا
بالـجرِّ عطفُ بيانٍ لـ(البَكْرِيِّ) ولا يصلحُ أَنْ يكونَ بَدَلًا؛ لأنَّ حُكْمَ البَدَلِ أَنْ يُقَدَّرَ في موضعِ الأول، فلا يقال: (التاركِ بِشْرٍ)؛ لأنَّ الصفةَ إذا كانت بـ(أل) لا تُضَافُ إلا إلى ما فيه (أل)، أو ما أُضِيفَ إلى ما فيه (أل).
وقد أنكر المبردُ روايةَ الجرِّ لكلمةِ (بِشْرٍ) في البيت، وادَّعَى أنَّ الروايةَ بنَصْبِ الكلمةِ هكذا: (بِشْرًا) على أنها بدلٌ، ولا يجوز فيه إلا النصبُ، وقد رَدَّ النحويون بالقياسِ إلى جانبِ السماعِ، أما القياسُ فإِنَّ عطفَ البيانِ تابعٌ كالنعتِ، وقد يجوز في التابعِ مالا يجوز في المتبوع، قالوا:
(( وأَجَازَ سيبويه في:( هذا الضاربُ الرجلُ زيدٍ، وهذا الضاربُ الرجلِ وزيدٍ) على عطفِ البيان، فأجازَ في المعطوفِ والبيانِ ما لا يجوز في الاسمَيْنِ قبلَهما لو لَـمْ تدخُلْهُما الألفُ واللام، وإنَّما ذلك؛ لأنه قد يجوز في التابعِ مالا يجوز في المتبوعِ؛ ألا تَرَى أنك تقول: ( يا أيُّهَا الرجلُ ذو الـجُمَّةِ)، ولو قلتَ:(يا أيُّهَا ذو الـجُمَّةِ)، لَـمْ يَـجُزْ، وتقول:(يا زيدُ الرجلُ)، ولو قلتَ:(يا الرجلُ) لَـمْ يَجُزْ إلا في الشعر... والقياسُ ما ذكر فيه سيبويه؛ لِـمَا بَيَّنَا، مع إنشادِ العربِ البيتَ بالجرِّ)).
4- احتجَّ النحويون بالقياسِ أيضًا إلى جانب السماعِ في مسألة:(الترخيم في غير النداء): حيث أجاز سيبويه الترخيمَ في غيرِ النداء على لغةِ مَنْ ينتظر للضرورة الشعريةِ، كما أجازه على لغةِ مَنْ لا ينتظر، بينما مَنَعَ المبردُ الترخيمَ في غير النداءِ على لغةِ مَنْ ينتظر، وأجازه على لغةِ مَنْ لَـمْ ينتظر خاصةً، وقد احتجَّ النحويون لسيبويه بالقياسِ، حيث حَمَلَ الترخيمَ في غير النداءِ على الترخيمِ في النداءِ، فقال:
(( والثانية: القياسُ؛ وذلك أَنَّ هذا الترخيمَ أصلُ جوازه في النداء، فإذا اضطُرَّ الشاعرُ إلى ذكره في غير النداء أجراه على حكمِهِ في الموضع الذي كان فيه؛ لأنَّ ضرورتَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ موضعٍ إلى موضع )).
5- احتجَّ النحويون بالقياس أيضًا في مسألة: (إمالة (مال، باب)في غيرِ حالةِ الجر) ، حيث نَسَبُوا إلى المبردِ مخالفتَهُ سيبويه في جواز إمالتهما في غيرِ حالةِ الجر، فسيبويه أجازه بما حكاه عن بعضِ العربِ الموثوقِ بعربِيَّتِهِم، في حين رَدَّ ذلك عليه المبردُ، فمَنَعَ الإمالةَ في(باب، ومال) مطلقًا في حالةِ الجرِّ وغيرها، فاحتُجَّ لسيبويه بالقياسِ، فقالوا:
((وقال المبردُ: لا تجوزُ إمالةُ (باب، ومال)؛ لأنَّ لامَ الفعلِ قد تنقَلِبُ ياءً، وعينُ الفعلِ لا تنقَلِبُ.
وليس الأمرُ على ما قال، والذي حكاه سيبويه صحيحٌ، وله وَجْهٌ مِنَ القياس؛ لأنَّ عينَ الفعلِ إذا كانت واوًا فقد تنقلبُ ياءً في قولهم:(قِيلَ مِنَ القولِ، وقِيدَ مِنَ القَودِ)، وما أشبه ذلكَ في قولهم:(أقامَ يُقِيمُ، وأَجَادَ يُـجِيدُ) وليس الأمرُ على ما قالَ، والذي حَكَاهُ سيبويهِ صحيحٌ، وله وَجْهٌ مِنَ القياسِ؛ لأنَّ عينَ الفعلِ إذا كانت واوًا فقَدْ تَنْقَلِبُ ياءً في قولهم: قِيلَ مِنَ القَوْلِ، وقِيدَ مِنَ القَوْدِ، وما أشْبَهَ ذلك، وفي قولِـهِم: أَقَامَ يُقِيمُ، وأَجَادَ يُجِيدُ )).