بسم الله الرحمن الرحيم:
قلت في (( الإنباه على ضَعف حديث من طلب العلم لغير الله،ص:40)):
مُنَبِّهَة:
لقد وهِم الإمام الأمير محمد بن إسماعيل البخاري -رحمات ربي عليه- عندما فرَّق بين عمرو بن واقد الهاشمي أو الأموي الدمشقي ، و بين عمرو بن واقد مولى قريش، فترجم لكل واحد منهما على حدة في "تاريخه الكبير".
و كأني به -بلَّ الله ثرى قبره- تنبَّه لهذا التفريق المتوَهَّم في "الضعفاء الصغير"، فترجم للأول فقط -أي عمرو بن الهاشمي أو الأموي- دون الثاني، هذا نقوله إحسانا للظن به ، و إلا فظاهر الأمر سهوٌ أو اضطراب منه، سحَّ الله عليه وابل رحمته و مغفرته.
و هنا تَعْجَبُ النفوس و المُهَج،و تخوض بهم الظنونُ اللُّجَج، و ليس ثَمَّة عَجَبْ، إذ الكمال رُتْبَةٌ لا تنال بنَشَب أو سَبَب، فهذا الأمير الإمام، و الفارس الضِّرغام، الذي حاز من أفانين الأحاديث أزِمَّتَها،و ملك من دِقِّها و جُلِّها أعِنَّتَها، حتى أعجز الدهر أن يأتي بِمِثْلِه، أو يجود بِشَكْلِه، قد كبا جوادُه،و جرى بالوَهْم مِدادُه، و رَقْمُ فضائله بَحْرٌ لا تَجِفُّ غَوارِبُه، و لا يَصْدَ بعد النَّهْل شَارِبُه، فهاك بيان عذره فيما أخطأ فيه، و إني سالكٌ في ذلك سبيل أهل الإنصاف في الاعتذار للأكابر:
إنَّ عمْرًا بنَ واقدٍ شاميٌّ ، و للإمام الأمير أبي عبد الله -رحمه الله- في أهل الشام أوهام، و يَسْقُطُ عنه العتْبُ و الملام، لما تعلم سبب وَهَمِه و وَهْمِه في أهل الشام، فقد روى أبو بكر الخطيب الحافظ في (تاريخ بغداد،13/102)فقال: حُدثت عن أبي عمرو محمد بن احمد بن حمدان الحيري، قال: سمعت أبا العباس بن سعيد بن عقدة، وسألته عن محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري أيهما أعلم؟ فقال: كان محمد بن إسماعيل عالما ومسلم عالم، وكررت عليه مرارا، وهو يجيبني بمثل هذا الجواب، ثم قال لي:" يا أبا عمرو قد يقع لمحمد بن إسماعيل الغلط في أهل الشام، وذاك انه أخذ كتبهم فنظر فيها فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ويذكره في موضع آخر باسمه، ويتوهم أنهما اثنان، فأما مسلم فقلما يقع له الغلط في النقل لأنه كتب المسانيد، و لم يكتب المقاطيع و لاالمراسيل." [1]
قلت: و غَلَطُه في عمرو بن واقد من جِنس ما بيَّنَه و أوضحه الحافظ ابنُ عُقدة، و يُعَزِّزُ ما قاله ابنُ عُقدة الحافظ و يؤيِّدُه،و يقوِّي مَتنه و يُعَضِّده، مقولةٌ لمتأخرٍ خَبَرَ نَهْجَ الأميرِ البخاريِّ و سَبَرَه،و اسْتَجْلى خَفِيَّ صحيحِه و دُرَرَه، ذاك هو : الحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- عندما قال في كتابه المستطاب(جامع العلوم و الحكم،259) بعد أن ذكر وهما للإمام البخاري في بعض الشاميين:"والبخاريُّ -رحمه الله- يقع له في (تاريخه) أوهام في أخبار أهل الشام".
قلت: و قد قام العلماء بتجلية تلك الأوهام من غير إغفال، إذ الحق يوجب عليهم ذلك مهما عَظُم قدر الواهم، و هذا مسرد لمن ألَّف يتعقبُ الإمامَ الأميرَ -رضي الله عنه و رحمه- في الكشْفِ عن أوهامه في (تاريخه الكبير)،و بيان مواطن الخلل منه:
المتعقب الأول: الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي-رحمه الله-، و قد عَنْوَنَ لكتابه بـ(بيان خطأ البخاري في تاريخه)، وهو مطبوع بتحقيق العلامة البصير عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني -أسبل الله عليه سَجْلا من رحمته و عفوه-.
والمتعقب الثاني: الإمام الحافظ درة مصر و مفخرتها عبد الغني بن سعيد الأزدي ، و قد سَمَّى كتابه بـ(مجلس من أوهام أبي عبد الله البخاري في تاريخه الكبير) [2]، ولا علم لي بوجوده، و الله تعالى أجل و أعلم.
والمتعقب الثالث: الإمام أبو بكر الخطيب البغدادي الحافظ، و قد وسم كتابه بـ( الموضح لأوهام أبي عبد الله البخاري في التاريخ الكبير) [3]، ولا علم لي بوجوده، و الله تعالى أجل و أعلم.
و إن كان هذا الكلام يحيد بنا عن الغَرَض، ففيه فائدة لمن انْتَهَضَ واعْتَرَض،و لْيُرََاجَع "الكامل في الضعفاء" و"تهذيب التهذيب" لكي يتجلى لك -بعد إمعان النظر- أنَّ ذينك العَلَمَين شخص واحد،و نعوذ بالله من جثوم المعاند و شين الحاسد. [4]
----------------------------------
[1] قلت: و قد نقله و اعتمده الحافظ بدر الدين الزركشي في (نكته على ابن الصلاح،1/169).
[2] قلت: ذكره الحافظ المحقق ابن خير الإشبيلي في ( الفهرسة،1/192)،و هو من مروياته عنه.
[3] نفس المصدر السابق.
[4] قلت: و لا أحتاج للإشارة إلى أن من كان هاشميا أو أمويا فهو قرشي، لظهور الأمر و جلائه.