عنوانك أخي الكريم يوحي إلى الجدل الدائم حول حقيقة اختلاف المطالع!! ويستشهدون في ذلك بقصة كريب، فيرى البعض أن الهلال قد يرى في مكان، ولا يرى في آخر حسب اختلاف المطالع كما يظنون، بينما الحقيقة العلمية المؤكدة أن الهلال لو ولد فوق أي قطر، فإن رؤيته تصبح مؤكدة في البلدان الواقعة غربا، وتزداد الرؤية وضوحا كلما اتجهنا غربا.. فالإقتران أو المحاق أو تولّد الهلال لحظة عالمية واحدة، تحدث في لحظة واحدة..
= رؤية كريب مع معاوية للهلال ليلة الجمعة تثبت دخول الهلال، بينما عدم رؤية ابن عباس للهلال إلا ليلة السبت لا يثبت أن الهلال لم يولد ليلة الجمعة، فقد يكون غم عليهم ولم يستطيعوا رؤيته لسبب ما، ولأهمية بداية الصوم قـُبلت شهادة الواحد...
= إذا انفرد صحابي بقول فليس بحجة، وهو ما ينطبق على قول ابن عباس هنا، وقوله: "لا ...هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، مشيرا إلى الحديث: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته...."، فتفسير ابن عباس هذا قد خالفه فيه جمهور العلماء ومنهم الحسن البصري، فاختلاف المطالع أثرها ينحصر في مواقيت الإمساك والإفطار وكذلك مواقيت الصلاة، ولكن على مستوى إثبات الأهلة ليس له ذلك الأثر، ومن هنا اختار كثير من أئمة الفقه في المذاهب الأربعة عدم التعويل على اختلاف المطالع في إثبات الهلال، والحديث الشريف الذي يأمر بالرؤية خطاب للأمة الإسلامية الواحدة من المشرق الى المغرب فيكفي لإيجاب الصوم على أهل بلد أن تثبت رؤيته في بلد آخر، فكأن معنى الحديث الشريف: (صوموا إذا رئي الهلال، أو: إذا تحققت رؤية الهلال).
= وعلى افتراض أن قول ابن عباس رضي الله عنه كان هو الصحيح، فإن المؤيدين لرأيه والقائلين به يرون اختلاف المطالع الجغرافية، لكنهم لم يحددوها تحديدا علميا صحيحا، وحوروها بعد ذلك إلى المطالع السياسية بدلا منها، فصاروا يلزمون كل بلد بالرؤية ضمن قرار الجهة الرسمية المخولة بإعلان بداية الصوم ونهايته.
=مسألة المطالع، وحسابات الفلك، ومنازل القمر.... علوم متقدمة لا يتقنها إلا علماء الفلك، والحديث عن صحة المطالع وأثرها في الرؤية أو عدم أثرها موضوع يتطلب من الفقهاء عدم الإنفراد بالحكم دون سماع أقوال علماء هذا الإختصاص.
والسؤال البريء لأهل المغرب ومن يرى اختلاف المطالع:
لماذا يُظن أن القمر تَسْهل ولادته على بلدان معينة، بينما تتعسر ولادته على بلدان أخرى؟
هل يُعقل أن يلد القمر فوق الهند في الشرق وجزيرة العرب ثم يعود إلى ما قبل المخاض فوق المملكة المغربية في الغرب؟!
ما هو الحل؟
الإشكال ليس عند المغاربة فقط، بل سمعنا ذلك عن كثير في مصر وبلاد الشام والجزائر، فهم يصومون ويفطرون مع السعودية، والسعودية أحيانا تصيب وتخطيء في التوقيت، لذلك هي مشكلة عويصة، فيحدث في المغرب أن هناك من هو صائم مع المشارقة اليوم، ومن هو مفطر وصيامه سيبدأ غدا حسب الجهة الرسمية في المغرب!! وهذه بلوى عظيمة، ويرى بعض العلماء أن الحل الأسلم هو اتباع الدولة حسما للفوضى والله أعلم، مع المطالبة بتحري الدقة وعدم تسييس الصوم الذي أصبح تسييسه اليوم حقيقة واقعية ولا حول ولا قوة إلا بالله..