سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
زهده وورعه
- قال أبو سعيد الأشج: حدثنا المحاربي، عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرة قال: قال أبو الدرداء: (بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا تاجر؛ فأردت أن يجتمع مع العبادة فلم يجتمعا؛ فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة، والذي نفس أبي الدرداء في يده ما أحبّ أنَّ لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كلَّ يوم أربعين ديناراً أتصدق في سبيل الله!
قيل له: لم يا أبا الدرداء؟!! وما تكره من ذاك؟!!
قال: (شدة الحساب). رواه ابن عساكر.
وروى أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه وغيرهما من طريق الأعمش، عن خيثمة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه نحو هذا مختصراً، وقد تقدم.
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا موسى بن مسلم [وهو موسى الصغير]، عن هلال بن يساف، عن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم؟
فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أمامكم عقبة كؤوداً، لا يجاوزها المثقلون؛ فأحبّ أن أتخفف لتلك العقبة). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال عون بن موسى الليثي، عن معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون، فكان إذا أعاره قال: هو يحمل كذا وكذا، فلا تحملوا عليه إلا كذا وكذا؛ فلما كان عند انقضاء هلاكه، قال: (دمّون! لا تخاصمني عند ربي، فإني كنت لا أحملك إلا طاقتك). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب في كتاب الورع، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن أمّ الدرداء، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي الناس شيئاً.
قالت: فقلت: فإن احتجت؟
قال: (فإن احتجت فتتبعي الحصادين فانظري ما سقط منهم فاخبطيه ثم اطحنيه ثم كليه، ولا تسألي الناس شيئاً). رواه أحمد في الزهد.
تخوّفه النفاق وتعوّذه منه
- قال أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني: أنبأنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر [الخبائري]، عن جُبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص؛ فإذا هو قائم يصلي في مسجده؛ فلما جلس يتشهد جعل يتعوّذ بالله من النفاق؛ فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء! ما أنت والنفاق ما شأنك وشأن النفاق؟!!
فقال: (اللهم غُفْراً -ثلاثاً- لا يأمن البلاء من يأمن البلاء، والله إنَّ الرجل ليفتن عن ساعة واحدة فيقلب عن دينه). رواه البيهقي في شعب الإيمان واللفظ له، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق مختصراً، وابن عساكر في تاريخ دمشق ولفظه: (من يأمن البلاء؟ من يأمن البلاء؟).
- وقال بقية بن الوليد: حدثني صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر حدثني جبير بن نفير أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق؛ فأكثر التعوّذ منه.
قال: فقال له جبير: ما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟!!
قال: (دعنا عنك! دعنا عنك! فوالله إنَّ الرجلَ ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه). رواه ابن عساكر.
تفكّره واعتباره
- قال محمد بن عجلان، عن عون بن عبد الله قال: قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كان أكثر؟
قالت: (التفكر والاعتبار). رواه ابن المبارك في الزهد، والنسائي في السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سفيان الثوري، عن مالك بن مغول، عن عون بن عبد الله، قال: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟
فقالت: (التفكر والاعتبار). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
ورواه وكيع في الزهد، ومن طريقه الإمام أحمد في الزهد عن مالك بن مغول والمسعودي عن عون قال: سُئلت أم الدرداء ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟
قالت: (التفكر والاعتبار).
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء قال: قيل لها: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟
قالت: «التفكر». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو داوود في الزهد ولفظه: (طول التفكر).
- وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: (تفكر ساعة خير من قيام ليلة). رواه أحمد في الزهد، وابن سعد في الطبقات، وهناد بن السري في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: (لما فُتحت قبرس مُرَّ بالسبي؛ فجاء أبو الدرداء يبكي!!
فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟!!
قال: (يا جبير! بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله؛ فلقوا ما قد ترى!).
ثم قال: (ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه). رواه ابن عساكر.