تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين

    تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين
    إعداد: اللجنة العلمية بالملتقى الفقهي





    مقدمة:



    إنّ تلقّي الأحكام الشرعية، من القرآن الكريم، عبر التّأمّل في سياق الآيات ومعاني ألفاظها، له ثمرتان جليلتان:



    الأولى:أنّ فيه توثيقاً للصّلة الإيمانيّة، حيث يقوم المسلم بين يدي ربّه تعالى، تالياً كتابه، ومتدبّراً في معانيه، راغباً في معرفة ما يتضمّنه من الأحكام الشرعية التي تتعلّق بمختلف عباداته ومعاملاته.



    والثانية:أنّ الحكم الفقهيّ في هذه الحالة، يجيء في سياق الآيات القرآنية، نابعاً من عقيدة الإيمان بالله تعالى، ممتزجاً بمبادئ الأخلاق الكريمة، ومن ثمّ فإنّه يكونُ أكثر وقعاً وتأثيراً في النفس.



    وبهاتين الميزتين، تتميّز المؤلفات في باب "تفسير آيات الأحكام".



    ولما كان المسلمون في هذه الأيام يتفيّؤون ظلال موسم الرحمة، موسم الحج ّالمبارك، ويستروحون أريج نسائمه العطرة، فقد رأينا أن نقدم هذه المادة، التي قمنا باستخراجها من تفسير الشيخ ابن عثيمين للآيات القرآنية التي تتضمّن أحكام الحج والعمرة، عسى أن يتحقّق لقارئها قبسٌ من تلكما الميزتين، يتيسر به معرفة الأحكام الشرعية المتعلّقة بمناسك الحجّ والعمرة، ويتعرّف من خلال ذلك على السياق الذي وردت فيه، وكيفيّة استنباطها منه.



    ويتلخّص العمل الذي قمنا به، في مراجعة نصّ كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مراجعة لغويّةً عامّة، ووضع عناوين تُيسّر قراءته.



    وستكون هذه الحلقة الأولى، متعلّقةً بتفسير الآية التاسعة والستين بعد المائة، من سورة البقرة، وذلك على النحو التالي:



    نصُّ الآية القرآنية وتقسيمه إلى وحدات:



    يقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 196].



    ويُلحظ أنّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، قد تعامل مع هذا النص باعتباره مقسماً إلى وحداتٍ متتابعة ومترابطة، وقف عند تفسير كلٍّ منها، ثم أردف ذلك باستخراج مجموعةٍ من الفوائد، وختمها بتنبيهٍ ذي أهمية بالغة.



    فيما يلي نصُّ كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، وتفسيره للوحدات التي تتكوّن منها هذه الآية القرآنية:



    الوحدة الأولى: قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}:



    أي: ائتوا بهما تامَّتين؛ وهذا يشملُ:



    -كمال الأفعال في الزّمن المحدَّد.



    -وكذلك صفة الحج والعمرة- أن تكون موافقة تمام الموافقة لما كان النبي --صلى الله عليه وسلم-- يقوم به.



    واللام في قوله تعالى: {لله} تفيد الإخلاص، يعني: مخلصين لله -عزَّ وجلَّ- ممتثلين لأمره.



    الوحدة الثانية: قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}:



    * {فإن أحصرتم} أي مُنعتم عن إتمامهما.



    * {فما استيسر} أي: فعليكم ما تيسَّر من الهدي. وزيادة الهمزة، والسين للمبالغة في تيسُّر الأمر.



    * و {من الهدي} أي الهدي الشَّرعي؛ فـ «أل» فيه للعهد الذهني؛ والهديُ الشَّرعيُّ هو ما كان ثنياً ممَّا سوى الضأن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تذبحوا إلا مُسنَّة إلا إن تعسَّر عليكم فتذبحوا جَذَعة من الضَّأن»[1]؛ وهذا النهي يشمل كلَّ ما ذُبح تقرُّباً إلى الله -عزّ وجلَّ- من هدي، أو أضحية، أو عقيقة.



    الوحدة الثالثة: قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}:



    * {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} أي: لا تُزيلوها بالموسى.



    * {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}: «مَحِلّ»:



    - يُحتمل أن تكون اسم زمان: والمعنى: حتى يصِل إلى يوم حلوله -وهو يوم العيد-؛ وثبتت السُّنَّة بأنَّ من قدّم الحلق على النَّحر فلا حرج عليه[2].



    - ويُحتمل أن المعنى: حتى يُذبح الهدي؛ وتكون الآية فيمن ساق الهديَ؛ ويؤيد هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل: ما بالُ الناس حلُّوا ولم تَحِلّ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إني لبَّدتُ رأسي، وقلدتُ هديي فلا أحِلَّ حتى أنحر»[3].



    الوحدة الرابعة: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}:



    * {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} أي: واحتاج إلى حلق الرأس؛ {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} وهو صحيح، كما لو كان الرأس محلاً للأذى، والقُمَّل، وما أشبه ذلك.



    * {ففدية} أي: فعليه فِديةٌ يفدي بها نفسه من العذاب.



    * {مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}؛ {أو} هنا للتَّخيير؛ وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ «الصيام» ثلاثة أيام، وأن «الصدقة» إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع[4]؛ وأما «النسك» فهو ذبح شاة.



    وهذه الجملة قد حُذف منها ما يدل عليه السياق؛ والتقدير: فمن كان منكم مريضاً، أو به أذًىُ من رأسه، فحلق رأسه فعليه فدية.



    الوحدة الخامسة: قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}:



    * {فإذا أمنتم}أي من العدوِّ -يعني فأتمُّوا الحج والعمرة-.



    ثم فصّل الله عز وجل المناسك فقال:



    * {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}أي فمن أتى بالعمرة متمتعاً بحلَّه منها بما أحل الله له من محظورات الإحرام {إلى الحج} أي إلى ابتداء زمن الحج؛ وهو اليوم الثامن من ذي الحجة،



    * {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}أي: فعليه ما استيسر من الهدي، شكراً لله على نعمة التّحلُّل.



    ويُقال في هذه الجملة ما قيل في الجملة التي سبقت في الإحصار.



    الوحدة السّادسة: قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}:



    * {فمن لم يجد} أي: فمن لم يجد الهدي، أو ثَمَنه.



    * {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} أي: فعليه صيام ثلاثة أيام.



    * {في الحَجِّ} أي: في أثناء الحج، وفي أشهره.



    * {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}أي: إذا رجعتم من الحجِّ بإكمال نسكه، أو إذا رجعتم إلى أهليكم.



    * {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} للتأكيد على أنَّ هذه الأيام العشرة، وإن كانت مفرَّقة فهي في حكم المتتابعة.



    الوحدة السّابعة: قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}:



    * {ذَلِكَ}، أي: ذلك التمتُّعُ الموجب للهدي، {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.



    * وقوله تعالى: {أهلُه}:



    -قيل: المراد به نفسُه، أي: لمن لم يكن حاضراً المسجد الحرام.



    -وقيل: المراد بـ «الأهل» سَكَنُُه الذي يسكن إليه من زوجة، وأب، وأم، وأولاد، وما أشبهَ ذلك؛ فيكون المعنى: ذلك لمن لم يكن سكنُهُ حاضري المسجد الحرام؛ وهذا أصحُّ؛ لأن التعبير بـ «الأهل» عن النفس بعيد؛ ولكن {أهلُه} أي الذين يسكن إليهم من زوجة، وأب، وأم، وأولاد، هذا هو الواقع.



    * {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}المراد به مسجد مكّة؛ و {الحرام} صفة مشبَّهة بمعنى ذي الحُرمة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتها بالأمس»[5]؛ وحرمة المسجد الحرام معروفة من وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.



    واختُلف في المراد بـ {حاضري المسجد الحرام}:



    -فقيل: هم أهل الحرم -يعني: مَن كانوا داخل حدود الحرم-، فمن كان خارج حدود الحرم فليسُوا من حاضري المسجد الحرام؛ وروي هذا عن ابن عباس، وجماعة من السلف، والخلف.



    -وقيل: حاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت، ومَن دونهم؛ وعلى هذا فأهل بدر من حاضري المسجد الحرام؛ لأنَّهم دون المواقيت؛ وأهل جدة من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم دون المواقيت.



    -وقيل: حاضرو المسجد الحرام أهل مكة، ومَن بينهم وبين مكة دون مسافة القصر؛ وهي يومان؛ وعلى هذا فأهل جدة، وأهل بدر ليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وأهل بحرة -وهي بلدة دون جدة- على هذا القول يكون أهلُها من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم داخل المسافة؛ وأهل الشرائع من حاضري المسجد الحرام.



    والأقربُ: القول الأول: أنَّ حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم؛ وأما من كان من غير أهل الحرم فليسوا من حاضريه؛ بل هم من محلٍّ آخر؛ وهذا هو الذي ينضبط.



    الوحدة الثّامنة: قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}:



    * {وَاتَّقُوا اللَّهَ}أي: الزموا تقوى الله -عزَّ وجلّ- وذلك بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.



    * {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}أي: شديد المؤاخذة والعقوبة، لمن لم يتقه تبارك وتعالى؛ وسُمِّيت المؤاخذة عقاباً؛ لأنَّها تأتي عقب الذنب.



    الفوائد:



    [1] وجوبُ إتمام الحج والعمرة:



    من فوائد الآية: وجوبُ إتمام الحج، والعمرة:وظاهر الآية أنَّه لا فرق بين الواجب منهما، وغير الواجب؛ ووجهُ هذا الظاهر: العموم في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة}؛ فيكون شاملاً للفريضة، والنافلة؛ ويؤيده أن هذه الآية نزلت قبل فرض الحج؛ لأنَّ الحج إنما فُرض في السنة التاسعة في قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} [آل عمران: 97] ؛ السنة التي يُسمّيها العلماء سنة الوفود.



    [2] أن العمرة والحج سواءٌ في وجوب إتمامهما:



    ومن فوائد الآية: أن العمرة والحج سواءٌ في وجوب إتمامهما؛ لقوله تعالى: {الحج والعمرة}.



    [3] الاستنابة في شيء من أفعال الحج والعمرة:



    ومنها: أنه لا تجوز الاستنابةُ في شيء من أفعال الحج والعمرة؛ فلو أن أحداً استناب شخصاً في أن يطوف عنه، أو أن يسعى عنه، أو أن يقف عنه بعرفة، أو أن يقف عنه بمزدلفة، أو أن يرمي عنه الجمار، أو أن يبيت عنه في منى فإنه حرام؛ لأنَّ الأمر بالإتمام للوجوب؛ فيكون في ذلك ردٌّ لقول من قال من أهل العلم: إنه تجوز الاستنابةُ في نفل الحج، وفي بعضه: أما الاستنابة في نفل الحج -كلَّ النسك- فهذا له موضع آخر؛ وأما في بعضه فالآية تدل على أنها لا تصح.



    [4] التّوكيل في رمي الجمرات بدون عذر:



    ومن فوائد الآية: الحذر مما يفعله بعض الناس الآن من التساهل في رمي الجمرات، حيث إنهم يوكّلون من يرمي عنهم بدون عذر، مخالفةً لقوله تعالى: {وأتمّوا الحج والعمرة لله}؛ وعليه فلا يصح رميُ الوكيل حينئذ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ»[6]، أي مردود عليه؛ أما إذا كان لعذر كالمريض، والخائف على نفسه من شدة الزِّحام إذا لم يكن وقتٌ آخر للرمي يخفُّ فيه الزحام، فلا بأس أن يستنيب من يرمي عنه؛ ولولا ورودُ ذلك عن الصحابة لقلنا: إنَّ العاجز عن الرمي بنفسه يسقط عنه الرَّميُ كسائر الواجبات، حيث تسقط بالعجز؛ ويدلُّ لعدم التهاون بالتوكيل في الرمي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأذن لسودة بنت زمعة أن توكِّل؛ بل أمرها أن تخرج من مزدلفة، وترمي قبل حطمة الناس[7]؛ ولو كان التَّوكيلُ جائزاً لمشقة الزحام لكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُبقيها معه حتى تدرك بقية ليلة المزدلفة، وتدرك صلاة الفجر فيها، وتدرك القيام للدعاء بعد الصلاة؛ ولا تُحْرَم من هذه الأفعال؛ فلما أذن لها في أن تدفع بليلٍ عُلم بأنَّ الاستنابة في الرمي في هذا الأمر لا يجوز؛ وكذلك لو كان جائزاً لأذن للرُّعاة أن يوكِّلوا، ولم يأذن لهم بأن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً.



    [5] وجوب الإخلاص لله:



    ومن فوائد الآية: وجوب الإخلاص لله؛ لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} يعني أتمُّوها لله لا لغيره؛ لا تُراعوا في ذلك جاهاً، ولا رتبة، ولا ثناءً من الناس.



    [6] انفراد الحجّ والعمرة بأنّه يجب إتمام نفلهما:



    ومنها: أنَّ الحج والعمرة يُخالفان غيرهما في وجوب إتمام نفلهما؛ لقوله تعالى: {وأتمُِّوا}؛ والأمر للوجوب؛ ويدلُّ على أنَّه للوجوب قولُه تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}، حيث أوجب الهديَ عند الإحصار؛ أمَّا غيرُهما من العبادات فإنَّ النفل لا يجبُ إتمامه؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على أهله ذات يوم فقال: «هل عندكم شيءٌ؟ قالوا: نعم، حيس؛ قال: أرينيه؛ فلقد أصبحت صائماً؛ فأكل»[8]؛ لكن يُكره قطعُ النفل إلا لغرض صحيح -كحاجةٍ إلى قطعه، أو انتقالٍ لما هو أفضل منه-.



    [7] جواز التّحلُّل عند الإحصار لكن مع ذبح الهدي:



    ومن فوائد الآية: أنه إذا أُحصِر الإنسان عن إتمام الحج والعمرة، فله أن يتحلَّل؛ ولكن عليه الهديُ؛ لقوله تعالى: {فإن أُحصِرتم فما استيسر من الهدى}.



    [8] شمولُ الإحصار لكل ما يمنع من إتمام النسك:



    ومنها: أنَّ الله تعالى أطلق الإحصار، ولم يُقيِّده؛ لقوله تعالى: {فإن أُحصِرتم} ؛ لأن الفعل لو بُني للفاعل، وذُكر الفاعلُ اختصَّ الحكم به؛ فإذا قلت مثلاً: «أقام زيد عمراً» صار المقيم زيداً؛ وإذا قلت: «أقيم عمرٌو» صار عاماً؛ فظاهر الآية شمولُ الإحصار لكل مانع من إتمام النسك؛ فكلُّ ما يمنع من إتمام النسك فإنه يجوز التحلُّل به، وعليه الهدي؛ أما الإحصار بالعدوِّ فأظنه محل إجماع فيتحلل بالنص، والإجماع:



    -النص: تحلّل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية[9].



    -والإجماع: لا نعلم في هذا مخالفاً.



    وأما الحصر بغير عدو، كمرض، أو كسر، أو ضياع نفقة، أو ما أشبه ذلك مما لا يستطيع معه إتمام الحج والعمرة؛ فإن العلماء اختلفوا في ذلك:



    -فمنهم من قال: إنه لا يتحلَّل، ويبقى محرماً حتى يزول المانع.



    -ومنهم من قال: إنه يتحلل، كالحصر بالعدو.



    حجة الأولين: أنَّ الله تعالى قال: {فإن أحصرتم}؛ والآية نزلت في شأن قضية الحديبية؛ وهم قد أُحصروا بعدوٍّ؛ فيكون الحصر هنا خاصاً بالعدو؛ ودليل آخر: يقولون: ضباعة بنت الزبير لما جاءت تشتكي إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنها مريضة، وأنها تريد الحج قال لها: «حجي واشترطي»[10]، فلو كان الإحصار بالمرض مبيحاً للتحلل ما احتيج إلى اشتراط؛ فكانت تدخل في النسك، وإذا عجزت تحللت؛ وأجاب القائلون بأن الحصر عام بحصر العدو وغيره بأن الآية مطلقة: {فإن أحصرتم} ؛ لم تقيد بحصر العدو؛ والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن العلة في جواز التحلل بحصر العدو عدم القدرة على إتمام النسك؛ وهذا حاصل بالحصر بغير العدو؛ والشرع لا يفرق بين متماثلين؛ وأجابوا عن حديث ضباعة بأن يُقال: إن الفائدة من حديث ضباعة أنه إذا حصل مرض يمنع من إتمام النسك فإنها تتحلل بلا شيء؛ وأما إذا لم تشترط فإنها لا تتحلل إلا بدم؛ وحينئذ تظهر فائدة اشتراط من خاف أن يعوقه مرض، أو نحوه عن إتمام النسك؛ والفائدة هي أنه لا يجب عليه الهدي لو تحلل بهذا الحصر؛ والصواب القول الثاني: أن الإحصار يكون بالعدو، وبغيره.



    فإن قال قائل: إن قوله تعالى في سياق الآية: {فإذا أمنتم} يُشير إلى أن الإحصار المذكور بعدو؟



    فالجواب: أنَّ ذكرَ بعض أفراد العام بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص، كما هو قول المحقِّقين من أهل أصول الفقه، وغيرهم؛ ونظير ذلك حديث جابر -رضي الله عنه-: «قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يُقسم؛ فإذا وقعت الحدود وصُرفت الطرق فلا شفعة»[11]، فإنَّ قوله: «فإذا وقعت الحدود ... » إلخ لا يستلزم اختصاص الشفعة بما له حدود وطرق؛ بل الشفعة ثابتة في كل مشترك على القول الراجح.



    [9] وجوبُ الهدي على من أحصر:



    ومن فوائد الآية: وجوبُ الهدي على من أحصر؛ لقوله تعالى: {فما استيسر من الهدي}.



    [10] أنَّ من تعذَّر أو تعسَّر عليه هديُ الإحصار فلا شيء عليه:



    ومنها: أنَّ من تعذَّر، أو تعسَّر عليه الهديُ فلا شيء عليه؛ لقوله تعالى: {فما استيسر من الهدي}؛ ولم يذكر اللهُ بديلاً عند العجز؛ وقال بعضُ أهل العلم: إنه إذا لم يجد هدياً صام عشرة أيام، ثم حلّ -قياساً على هدي التمتع-؛ ولكن هذا القياس ليس بصحيح من وجهين:



    -الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر الآية؛ لأن الله لم يذكر بديلاً للهدي.



    -الوجه الثاني: أن تحلل المتمتع تحلل اختياري؛ وأما المحصر فتحلُّله اضطراري.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين

    تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين
    إعداد: اللجنة العلمية بالملتقى الفقهي




    [11] وجوب الحلق على المحصر عند التّحلل ثبت بالسنة:
    ومن فوائد الآية: أنه لا يجب على المحصَر الحلقُ عند التحلل؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يذكره؛ وهو أحد القولين في المسألة؛ والقول الثاني: وجوب الحلق؛ لثبوته بالسنة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر به، وغضب على الصَّحابة حين تأخَّروا في تنفيذه[12]؛ ولا يغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- لترك مستحب؛ لا يغضب إلا لترك واجب.
    [12] عدم وجوب القضاء على المحصر:
    ومنها: أنَّ المحصر لا يجب عليه القضاء؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لم يذكره؛ ولو كان القضاء واجباً لذكره الله -عز وجل- وهذا يشمل من حُصر في فريضة؛ ومن حصر في نافلة؛ لكن الفريضة إذا حُصر عن إتمامها يلزمه فعلها بالخطاب الأول؛ لا على أنه بدلٌ عن هذه التي أُحصر عنها؛ فمثلاً رجلاً شرع في حج الفريضة، ثم أحصر عن إتمامها، فذبح الهدي، وتحلل؛ فيجب الحج عليه بعد ذلك؛ لكن ليس على أنه قضاء؛ لكن على أنه مخاطب به في الأصل؛ وتسمية العمرة التي وقعت بعد صلح الحديبية عمرة القضاء ليست لأنها قضاء عما فات؛ ولكنها من «المقاضاة» -وهي المصالحة-؛ ولذلك لم يأت بها كلُّ من تحلل من عمرة الحديبية.
    [13] ما يُشترط في هدي الإحصار:
    ومن فوائد الآية: أنه لا بد أن يكون هذا الهدي مما يصحُ أن يُهدَى: بأن يكون بالغاً للسن المعتبر سالماً من العيوب المانعة من الإجزاء؛ لقوله تعالى: {من الهدي} ؛ و «أل» هنا للعهد الذهني المعلوم للمخاطب؛ وهو الذي قال فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تذبحوا إلا مُسنَّة إلا إن تعسّر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن»[13].
    فإن قال قائل: هل يؤكل من هذا الهدي أم لا؟
    فالجواب: يؤكل؛ كلُّ شيء فيه: {فما استيسَر} فهو يؤكل؛ وأمَّا ما فيه: «فعليه» فإنه لا يؤكل؛ فجزاء الصيد لا يؤكل منه؛ وفدية الأذى لا يؤكل منها؛ لأن الله جعلها كفَّارة؛ أما ما استيسر من الهدي هنا، وفي التمتع فإنه يؤكل منه.
    [14] تحريم حلق الرأس على المحرم:
    ومن فوائد الآية: تحريم حلق الرأس على المحرم؛ لقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم}؛ والنهي عامٌّ لكل الرأس، ولبعضه؛ إذاً لو حلق بعضه وقع في الإثم؛ لأنَّ النهي يتناول جميع أجزاء المنهي عنه؛ فإذا قلت لك: «لا تأكل هذه الخبزة» وأكلت منها فإنك لم تمتثل.
    [15] إنما نُهي عن حلق شعر الرّأس فلا يجوز قياس غيره به:
    ومنها: أنه لا يحرم حلق شعر غير الرأس؛ لأن الله خص النهي بحلق الرأس فقط؛ وأما الشارب، والإبط، والعانة، والساق، والذراع، فلا يدخل في الآية الكريمة؛ لأنه ليس من الرأس؛ والأصل الحل؛ وهذا ما ذهب إليه أهل الظاهر؛ قالوا: لا يحرم على المحرم حلق شيء من الشعر المباح حلقه سوى الرأس؛ لأن الله سبحانه وتعالى خصه فقال: {ولا تحلقوا رؤوسكم} ؛ ولأن حلقه يفوت به نسك بخلاف غيره من الشعور؛ ولكن أكثر أهل العلم ألحقوا به شعر بقية البدن؛ وقالوا: إنه يحرم على المحرم أن يحلق أيّ شعر من بدنه حتى العانة -قياساً على شعر الرأس؛ لأن العلة في تحريم حلق شعر الرأس الترفه، وإزالة الأذى؛ وهذا حاصل في حلق غيره من الشعور؛ وهذا القياس غير صحيح لوجهين:
    الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر النص، أو صريحه.
    الوجه الثاني: أن بين شعر الرأس وغيره فرقاً كثيراً: فإن حلق شعر الرأس يتعلق به التحلل من النسك؛ فهو عنوان التحلل؛ بخلاف غيره من الشعور.
    وأما التعليل بأنه للترفه، ودفع الأذى ففيه نظر؛ ثم لو سلمنا ذلك فأين دفع الأذى في حلق شعر العانة، وشعر الساق، ونحو ذلك؟! وأين الدليل على منع المحرم من الترفه مع أنه يجوز له التنظف، والاغتسال، والتظلل من الشمس، واستعمال المكيفات؟!
    وهل تلحق الأظافر بشعر الرأس؟
    الجواب: لا تُلحق؛ فالأظافر ليست شعراً؛ وليست في الرأس أيضاً؛ فهي أبعد من إلحاق شعر بقية البدن بشعر الرأس؛ ووجه البعد أنها ليست من نوع الشعر؛ صحيح أنها تشبه الشعر من حيث إنها جزء منفصل؛ لكنها ليست من نوع الشعر؛ ولذلك من لم ير تحريم حلق شعر بقية البدن فإنه لا يرى تحريم قص الأظافر من باب أولى؛ ولكن جمهور أهل العلم على أن تقليم الأظافر محرم على المحرِم قياساً على تحريم حلق شعر الرأس؛ والعلة: ما في ذلك من الترفه، والتنعم؛ ولكن هذه العلة غير مسلمة:
    أولاً: لأن العرب في زمنهم لا يترفهون بحلق الرأس؛ بل الرفاهية عندهم إنما هي في إبقاء الرأس، وترجيله، وتسريحه، ودهنه، والعناية به؛ فليست العلة إذاً في حلق شعر الرأس: الترفه.
    ثانياً: أن العلة لا بد أن تطَّرد في جميع معلولاتها؛ وإلا كانت باطلة؛ وهذه العلة لا تطرد بدليل أن المحرم لو ترفه، فتنظف، وتغسل، وأزال الوسخ عنه، ولبس إحراماً جديداً غير الذي أحرم به لم يحرم عليه ذلك.
    وأقرب شيء للتعليل أن في حلق الرأس حال الإحرام إسقاطاً للنسك الذي هو حلْقُه عند التحلل؛ وهذا لا يساويه حلق بقية الشعر، أو تقليم الأظافر؛ ولكن نظراً لأن جمهور أهل العلم ألحقوا ذلك بشعر الرأس فالاحتياط تجنُّب ذلك مراعاة لقول الجمهور.
    [16] أخذ شعرةٍ أو شعرتين لا يُسمّى حلقاً:
    ومن فوائد الآية: أن المحرَّم ما يسمى حلقاً؛ فأما أخذ شعرة، أو شعرتين، أو ثلاث شعرات من رأسه فلا يقال: إنه حلق؛ وهذه المسألة مما تنازع فيها أهل العلم؛ فقال بعضهم: إذا أخذ شعرة واحدة من رأسه فقد حلق؛ فعليه فدية إطعام مسكين؛ وإن أخذ شعرتين فإطعام مسكينين؛ وإذا أخذ ثلاث شعرات فدم؛ أو إطعام ستة مساكين: لكل مسكين نصف صاع؛ أو صيام ثلاثة أيام؛ وقال بعض العلماء: إن الحكم يتعلق بربع الرأس؛ فإن حلق دون الربع فلا شيء عليه؛ وهذا لا شك أنه تحكم لا دليل عليه؛ فلا يكن صحيحاً؛ بل هو ضعيف؛ وقال آخرون: تتعلق الفدية بما يماط به الأذى؛ ومعنى يماط: يزال؛ أي بما يحصل به إزالة الأذى؛ وهذا لا يكون إلا بجزء كبير من الرأس؛ قالوا: لأن الله تعالى قال: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية ... } ؛ فدل هذا على أن المحرَّم الذي تتعلق به الفدية هو ما يماط به الأذى؛ وهذا مذهب مالك؛ وهو صحيح من حيث أنَّ الفدية لا تجب إلا بما يماط به الأذى فقط؛ لكنه غير صحيح من كون التحريم يتعلق بما يماط به الأذى فقط؛ فالتحريم يتعلق بما يسمى حلقاً؛ والفدية تتعلق بما يماط به الأذى.
    فإن قال قائل: ما هو دليلكم على هذا التقسيم؛ فالعلماء لم يقولوا هذا الكلام؟
    فالجواب: أن نقول: دليلنا على هذا التقسيم الآية الكريمة، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}؛ هذا عام لكل حلق؛ فكل ما يسمى حلقاً فإنه منهي عنه لهذه الآية؛ ثم قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية}؛ فأوجب الفدية فيما إذا حلق حلقاً يزول به الأذى؛ لقوله تعالى: {أو به أذًى}؛ فلو قدرنا محرِماً رأسه تؤذيه الهوام، فحلق منه شيئاً يسيراً لا يزول به الأذى فلا فدية عليه؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الفدية بحلق ما يزول به الأذى؛ ويدل لذلك فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فقد احتجم وهو محرم في يافوخه في أعلى رأسه[14]؛ ومعلوم أن الحجامة تحتاج إلى حلق الشعر الذي يكون في موضع الحجامة؛ ولم ينقل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- افتدى؛ فدل ذلك على أن ما تتعلق به الفدية هو ما يماط به الأذى دون الشيء اليسير.
    [17] هل يجوز الحلق قبل النّحر؟
    ومن فوائد الآية: أنه لا يجوز الحلقُ إلا بعد النحر؛ لقوله تعالى: {حتى يبلغ الهدي محله} ؛ وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم مستدلين بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إني لبَّدتُ رأسي وقلَّدت هديي؛ فلا أحِلُّ حتى أنحر»[15]؛ وهؤلاء الذين قالوا به عندهم ظاهر الآية الكريمة؛ وفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «فلا أحل حتى أنحر» ؛ لكن قد وردت الأحاديث بجواز التقديم، والتأخير تيسيراً على الأمة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل في يوم العيد عن التقديم، والتأخير؛ فما سئل عن شيء قدِّم ولا أخِّر إلا قال -صلى الله عليه وسلم-: «افعل ولا حرج»[16].
    [18] جواز حلق الرأس للمرض والأذى:
    ومن فوائد الآية: جواز حلق الرأس للمرض، والأذى؛ لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ... } إلخ.
    [19] وجوب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه:
    ومنها: وجوب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه؛ وهي إما صيام ثلاثة أيام؛ وإما إطعام ستة مساكين: لكل مسكين نصف صاع؛ وإما ذبح شاة تُفرّق على الفقراء -كما بينت ذلك السنة-؛ والسنة تبين القرآن، كما قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] ؛ والتبيين يشمل تبيين اللفظ، وتبيين المعنى.
    [20] و[21] الفدية على المحرم إذا حلق رأسه تكون على التخيير وذلك من التيسير:
    ومن فوائد الآية: أن هذه الفدية على التخيير؛ لأن هذا هو الأصل في معاني «أو» .
    ومنها: التيسير على العباد؛ وذلك بوقوع الفدية على التخيير.
    [22] أين يكون الإطعام والنسك والصيام؟
    ومنها: أن محل الإطعام والنسك في مكان فعل المحظور؛ لأن الفورية تقتضي ذلك؛ أما الصيام فالظاهر ما قاله العلماء -رحمهم الله- من كونه يصح في كل مكان؛ لكن الفورية فيه أفضل.
    [23] الكفارة تفدي من العقوبة:
    ومنها: أن كفارات المعاصي فدًى للإنسان من العقوبة؛ لقوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة ... } .
    [24] محظورات الإحرام لا تفسده:
    ومنها: أن محظورات الإحرام لا تفسده؛ لأن الله لم يوجب في حلق الرأس -مع أنه من محظورات الإحرام- إلا الفدية؛ ومقتضى ذلك أن النسك صحيح؛ وهذا مما يخالف الحجُّ، والعمرةُ فيه غيرَهما من العبادات؛ فإن المحظورات في العبادات تبطلها؛ وألحق العلماء بفدية حلق الرأس فدية جميع محظورات الإحرام ما عدا شيئين؛ وهما الجماع في الحج قبل التحلل الأول، وجزاء الصيد؛ فالجماع في الحج قبل التحلل الأول يجب فيه بدنة؛ وجزاء الصيد يجب فيه مثله؛ أو إطعام مساكين؛ أو عدل ذلك صياماً؛ وما عدا ذلك من المحظورات ففديتها كفدية حلق الرأس عند الفقهاء، أو كثير منهم.
    [25]و[26]و[27] جواز التمتع بالعمرة إلى الحج، وأنّ التمتّع يعني الحِلّ الكامل:
    -ومن فوائد الآية: جواز التمتع بالعمرة إلى الحج؛ أي أن يأتي الإنسان بالعمرة في أشهر الحج، ويتحلل منها؛ ويبقى حِلاً إلى أن يأتي وقت الحج؛ وكانوا في الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور؛ ويقولون: «إذا انسلخ صفر، وبرأ الدَّبَر، وعفا الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر» ؛ لكن الله سبحانه وتعالى يسَّر وبيَّن أنه يجوز للإنسان القادم في أشهر الحج أن يتحلل بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج.
    -ومنها: أنه إذا حلَّ من عمرته حلَّ الحِلَّ كله؛ لقوله تعالى: {فمن تمتع} ؛ لأن إطلاق التمتع لا يكون إلا كذلك.
    -ومنها: أنَّ من لم يحلّ من عمرته لا يُسمَّى متمتعاً؛ لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} ؛ وعلى هذا فالقارنُ ليس بمتمتع؛ وهو كذلك عند الفقهاء أن القارن غير متمتع؛ لكن ذكر كثيرٌ من أهل العلم أن القارن يسمى متمتعاً في لسان الصحابة؛ وذلك؛ لأن بعض الصحابة عبر عن حج النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتمتع، فقالوا: تمتع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة إلى الحج؛ ومن المعلوم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحِل من إحرامه؛ ولهذا قال الإمام أحمد: «لا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج قارناً؛ والمتعة أحب إليّ»[17] ؛ ولهذا كان وجوب الهدي على المتمتع بالإجماع؛ ووجوب الهدي على القارن فيه خلاف؛ وجمهور أهل العلم على وجوب الهدي عليه؛ وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم في العلة: هل هي حصول النسكين في سفر واحد؛ فيكون قد ترفه بسقوط أحد السفرين؛ أو العلة التمتع بالتحلل بين العمرة، والحج؛ فمن قال بالأول أوجب الهدي على القارن؛ ومن قال بالثاني لم يوجبه؛ لأنه لم يحصل للقارن تحلل بين النسكين.
    [28]و[29] من التيسير أنّه لا يجب الاقتراض للهدي:
    -ومن فوائد الآية: أنه لا يجب على الإنسان أن يقترض للهدي إذا لم يكن معه ما يشتري به الهدي -ولو كان غنياً- لقوله تعالى: {فما استيسر من الهدي}.
    -ومنها: تيسير الله على العباد؛ لقوله تعالى: {فما استيسر من الهدي} ؛ والدين كله من أوله إلى آخره مبني على اليسر.
    [30] بلاغة القرآن:
    ومنها: بلاغة القرآن؛ لقوله تعالى: {فمن لم يجد}؛ فحُذف المفعول للعموم ليشمل من لم يجد الهدي، أو ثمنه؛ فاستفيد زيادة المعنى مع اختصار اللفظ.
    [31] و[32] متى يصوم من لم يجد الهديَ أو ثمنه؟
    -ومنها: أن من لم يجد الهدي، أو ثمنه، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج: أولها من حين الإحرام بالعمرة؛ وآخرها آخر أيام التشريق؛ لكن لا يصوم يوم العيد؛ لتحريم صومه؛ ولا ينبغي أن يصوم يوم عرفة؛ ليتفرغ للدعاء والذكر وهو نشيط؛ وعلى هذا فيجوز لمن كان عادماً للهدي من متمتع أو قارن أن يصوم من حين إحرامه بالعمرة.
    فإن قال قائل: هذا ظاهر في القارن؛ لأنه إذا صام من حين إحرامه فقد صام في الحج؛ لكنه في المتمتع فيه إشكال؛ لأن المتمتع يحِلُّ بين العمرة والحج؟
    والجواب: عن هذا الإشكال أن نقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «دخلت العمرة في الحج»[18]؛ ولأنَّ المتمتع من حين إحرامه بالعمرة فقد نوى أن يحج.
    -ومن فوائد الآية: أن صيام السبعة لا يجوز في أيام الحج؛ لقوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم}
    [33] و[34] جوز التّتابع والتفريق في صوم الأيام الثلاثة والأيام السَّبعة:
    -ومنها: أنه يجوز التتابع، والتفريق بين الأيام الثلاثة،والأيام السبعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أطلق، ولم يشترط التتابع؛ ولو كان التتابع واجباً لذكره الله، كما ذكر وجوب التتابع في صيام كفارة القتل، وصيام كفارة الظهار.
    -ومنها: تيسير الله -تبارك وتعالى- على عباده، حيث جعل الأكثر من الصيام بعد رجوعه؛ لقوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم}.
    [35] لا يجب على مَن كان حاضر المسجد الحرام هدي ولا صيام:
    ومنها: أن الهدي، أو بدله من الصيام لا يجب على من كان حاضر المسجد الحرام؛ لقوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} ؛ وقد سبق أن الصحيح أنهم من كانوا داخل حدود الحرم؛ وعلى هذا إذا تمتع أهل جدة، أو الطائف، أو أهل الشرائع فعليهم الهدي.
    ولكن هل لحاضر المسجد الحرام التمتع؟
    الجواب: نعم؛ لأن حاضر المسجد الحرام قد تدخل عليه أشهر الحج وهو خارج مكة، ثم يرجع إلى أهله في مكة في أشهر الحج، فيحرم بعمرة يتمتع بها إلى الحج.
    فإن كان شخص في مكة للدراسة، لكن وطنه الرياض، أو المدينة، وتمتع فعليه الهدي؛ لأن أهله ليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وإقامته في مكة ليست إقامة استيطان؛ والمراد أن يكون مستوطناً في مكة.
    وإذا كان له مَقَرَّان -في الطائف وفي مكة-؛ يعني من أهل مكة والطائف، فهنا نقول: إن نظرنا إلى مقره في الطائف قلنا: ليس من حاضري المسجد الحرام؛ وإن نظرنا إلى مقره في مكة قلنا: هو من حاضري المسجد الحرام؛ فنعتبر الأكثر: إذا كان أكثر إقامته في الطائف فليس من أهل المسجد الحرام؛ وإذا كان أكثر إقامته في مكة فهو من حاضري المسجد الحرام.
    [36] فضيلة المسجد الحرام:
    ومن فوائد الآية: فضيلة المسجد الحرام؛ لوصف الله سبحانه وتعالى له بأنه حرام -أي ذو حرمة-؛ ومن حرمته تحريمُ القتال فيه، وتحريم صيده، وشجره، وحشيشه، وأنَّ من أراد الإلحاد فيه بظلم أذاقه الله من عذاب أليم؛ وبسط ذلك في المطولات.
    [37] وجوب التقوى:
    ومنها: وجوب تقوى الله عز وجل، وتهديد من خالف ذلك؛ لقوله تعالى: {واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب} .
    [38] و[39] و[40] أهمية العلم بشدّة عقوبة الله تعالى، وأنه لا ينافي الرحمة:
    -ومنها: أن العلم بشدة عقوبة الله من أهم العلوم؛ ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى به بخصوصه؛ لأنه يورث الخوف من الله، والهرب من معصيته.
    -ومنها: أن العقوبة على الذنب لا تُنافي الرّحمة؛ إذ من المعلوم أن رحمة الله سبقت غضبه؛ لكن إذا عاقب من يستحق العقاب فإنَّ ذلك من رحمة المعاقب؛ لأنّ هذه العقوبة إن كانت في الدنيا فهي كفارة له؛ وإن كانت في الآخرة فما دون الشرك أمره إلى الله: إن شاء عذب؛ وإن شاء غفر.
    -ومنها: أن شدة العقاب من كمال المعاقِب، وبسط قوته، وسلطانه؛ ولا يوصف الله سبحانه وتعالى إلا بالكمال؛ بل أمَرَنا أن نعلم ذلك في قوله تعالى: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} [المائدة: 98] ؛ إذاً فإذا عاقبت ولدك بما يستحق، وكانت الجناية كبيرة، فأكبرت العقوبة فإنك تُحمَد، ولا تذم؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر»[19]؛ لأنه إذا بلغ عشراً صار تركه إياها، والإخلال بها أعظم.
    تنبيه:
    كثير من الناس كلما رأوا مخالفة من شخص في الإحرام قالوا: «عليك دم» ؛ لو قال: حككت رأسي فسقطت منه شعرة بدون اختيار ولا قصد قالوا: «عليك دم» ؛ وهذا غلط:
    أولاً:لأنه خلاف ما أمر الله به؛ والله أوجب واحدة من ثلاث: صيام؛ أو صدقة؛ أو نسك؛ فإلزامهم بواحدة معينة فيها تضييق عليهم، وإلزام لهم بما لا يلزمهم.
    ثانياً:أن الدم في أوقات النحر في أيام منى غالبه يضيع هدراً؛ لا ينتفع به.
    ثالثاً:أن فيه إخفاءً لحكم الله عز وجل؛ لأن الناس إذا كانوا لا يفدون إلا بالدم، كأنه ليس فيه فدية إلا هذا؛ وليس فيه إطعام، أو صيام! فالواجب على طالب العلم أن يختار واحداً من أمرين:
    * إما أن يرى الأسهل، ويفتي بالأسهل.
    * وإما أن يقول: عليك هذا، أو هذا، أو هذا؛ واختر لنفسك.
    أما أن يذكر الأشد فقط، ويسكت فهذا خلاف ما ينبغي للمفتين.

    المراجع
    [1] أخرجه مسلم ص1028، كتاب الأضاحي، باب 2: سن الأضحية، حديث رقم 5082 [13] 1963.
    [2] راجع البخاري ص10، كتاب العلم، باب 23: الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، حديث رقم 83؛ ومسلماً ص895، كتاب الحج، باب 57: جواز تقديم الذبح على الرمي ... ، حديث رقم 3156 [327] 1306.
    [3] أخرجه البخاري ص123 - 124، كتاب الحج، باب 34: التمتع والقران، والإفراد ... ، حديث رقم 1566، وأخرجه مسلم ص883، كتاب الحج، باب 25: بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد، حديث رقم 2984 [176] 1229.
    [4] لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: «فَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ» رواه البخاري (1816).
    [5] أخرجه البخاري ص12، كتاب العلم، باب 37: ليبلغ العلم الشاهد الغائب، حديث رقم 104، وأخرجه مسلم ص903 - 904، كتاب الحج، باب 82: تحريم مكة وتحريم صيدها ... ، حديث رقم 3304 [446] 1354.
    [6] سبق تخريجه ص1/91.
    [7] راجع صحيح البخاري ص132، كتاب الحج، باب 98: من قدم ضعفة أهل بليل ... ، حديث رقم 1681، وصحيح مسلم ص892، كتاب الحج، باب 49: استحباب تقديم الضعفة من النساء وغيرهن، حديث رقم 3118 [293] 1290.
    [8] أخرجه مسلم ص862، كتاب الصيام، باب 32 جواز صوم النافلة ... ، حديث رقم 2715 [170] 1154.
    [9] أخرجه البخاري ص217 - 219، كتاب الشروط، باب 15: الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم 2731، 2732.
    [10] أخرجه البخاري ص440، كتاب النكاح، باب 16: الأكفاء في الدين وقوله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشر فجعله نسباً وصهراً) ، حديث رقم 5089، وأخرجه مسلم ص876، كتاب الحج، باب 15: جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، حديث رقم 2902 [104] 1207.
    [11] أخرجه البخاري ص171، كتاب البيوع، باب 96: بيع الشريك من شريكه، حديث رقم 2213، وأخرجه مسلم ص957، كتاب المساقاة، باب 28 الشفعة، حديث رقم 4128 [134] واللفظ للبخاري.
    [12] راجع حاشية (2) 2/398.
    [13] سبق تخريجه 2/392.
    [14] أخرجه البخاري ص144، كتاب جزاء الصيد، باب 11: الحجامة للمحرم، حديث رقم 1836، وأخرجه مسلم ص875، كتاب الحج، باب 11: جواز الحجامة للمحرم، حديث رقم 2886 [88] 1203.
    [15] سبق تخريجه 2/393، حاشية رقم (2).
    [16] أخرجه البخاري ص10، كتاب العلم، باب 23: الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها حديث رقم 83، وأخرجه مسلم ص894، كتاب الحج، باب 57: جواز تقديم الذبح على الرمي. حديث رقم 3156 [327] 1306.
    [17] أخرجه البخاري ص133، كتاب الحج، باب 104: من ساق البدن معه، حديث رقم 1692؛ وأخرجه مسلم ص883، كتاب الحج، باب 24، وجوب الدم على المتمتع ... ، حديث رقم 2983 [175] 1228.
    (1) [18] أخرجه مسلم ص880 - 881، كتاب الحج، باب 19: حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حديث رقم 2950 [147] 1218.
    (1) [19] أخرجه أحمد ج2/187، حديث رقم 6756، وأخرجه أبو داود ص1259، كتاب الصلاة، باب 26: متى يؤمر الغلام بالصلاة، حديث رقم 495، وفيه سوار بن أبي حازم قال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام؛ وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح 1/145، وله شاهد من حديث سبرة بن معبد (الإرواء 1/266) .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين

    تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين(2)
    إعداد: اللجنة العلمية بالملتقى الفقهي







    مقدمة:
    الحمد لله، والصّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
    أمّا بعد،
    فهذه الحلقة الثّانية من هذه السّلسلة الطيبة، التي نستخلص فيها من تفسير فضيلة الشيخ ابن عثيمين، ما ورد منه متعلّقاً بالآيات القرآنية الواردة في بيان مناسك الحج والعمرة.
    ويجيء هذا العمل، والمسلمون في هذه الأيام يتفيّؤون ظلال موسم الرحمة، موسم الحج ّالمبارك، ويستروحون أريج نسائمه العطرة، فما أروع أن يجلسوا بين يدي الشيخ ابن عثيمين في تفسيره لآيات المناسك.
    ويتلخّص العمل الذي قمنا به، في مراجعة نصّ كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مراجعة لغويّةً عامّة، ووضع عناوين تُيسّر قراءته.
    كانت الحلقة الأولى، متعلّقةً بتفسير الآية التاسعة والستين بعد المائة، من سورة البقرة، ونقف في هذه الحلقة على تفسير الآية السبعين بعد المائة، على النحو التّالي:
    نصُّ الآية القرآنية وتقسيمه إلى وحدات:

    {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]
    الوحدة الأولى: قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}:

    يعني أن الحج يكون في أشهر معلومات؛ وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، وقيل: العشر الأول من ذي الحجة؛ والأول أصح.
    وقد استُشكل كونُ الخبر {أشْهُرٌ}؛ ووجهُ الإشكال: أنَّ الحج عمل، والأشهر زمن؛ فكيف يصح أن يكون الزمنُ خبراً عن العمل؟
    وأُجيب بأنَّ هذا على حذف مضاف؛ والتقدير: الحج ذو أشهر معلومات؛ فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ وقيل: التقدير: الحج وقته أشهر معلومات؛ والتقدير الأول أقرب.
    الوحدة الثانية: قوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }:

    * «مَن» اسمُ شرط؛ و {فرَضَ} فعل الشَّرط؛ {فيهنَّ} الضمير يعود إلى أشهر الحج؛ وقد أجمع العلماء على أنَّ الضمير في {فِيهِنَّ} يرجع إلى بعضهِنَّ؛ لأنه لا يمكن أن يُفرض الحجُّ بعد طلوع الفجر يوم النَّحر؛ ويُفرض الحج من أول ليلة من شوال إلى ما قبل طلوع الفجر يوم النحر بزمنٍ يتمكن فيه من الوقوف بعرفة.
    * قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}: جواب الشرط؛ وفيها قراءتان؛ إحداهما البناء على الفتح في {رفثَ}، و {فسوقَ}؛ والثانية: التنوين فيهما؛ أما {جِدَالَ} فإنها بالبناء على الفتح على القراءتين.
    قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ} نفي بمعنى النهي؛ و «الرفث» الجماع، ومقدماته.
    قوله تعالى: {ولا فُسُوقَ} أي لا خروجَ عن طاعة الله بمعاصيه، لا سيَّما ما يختصُّ بالنسك، كمحظورات الإحرام.
    قوله تعالى: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} يشمل الجدال فيه، وفي أحكامه، والمنازعات بين الناس في معاملاتهم؛ مثال الجدال فيه: أن يقال: «ما هو الحج؟» ، فيحصل النزاع؛ أو «متى فُرض؟» ، فيحصل النزاع فيه؛ ومثاله في أحكامه: النزاع في أركانه، وواجباته، ومحظوراته؛ ومثال النزاع بين الناس في معاملاتهم: أن يتنازع اثنان في العقود، فيقول أحدهما: «بعتك» ، والثاني يقول: «لم تبعني» ؛ أو يقول: «بعتك بكذا» ، ويقول الثاني: «بل بكذا» ؛ أو يتنازع اثنان عند أنابيب الماء في الشرب، أو الاستسقاء، أو عند الخباز.
    الوحدة الثالثة: قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}:

    لمَّا نهى عن هذه الشُّرور انتقل إلى الأمر بالخير؛ وهذه الجملة شرطية:
    {ما} أداة الشَّرط؛ وفعل الشرط: {تَفْعَلُوا}؛ وجواب الشرط: {يَعْلَمْهُ اللَّهُ}؛ ولهذا جُزمت.
    و {مِن} بيانيَّة تُبيِّنُ المبهم من الَّلفظ؛ لأنَّ {مَا} شرطية مبهمة كالموصول.
    و {خير} نكرة في سياق الشرط، فيشمل كلَّ خير سواء كان قليلاً، أو كثيراً.
    وقوله تعالى: {يَعْلَمْهُ اللَّهُ} : أي يُحيط به علماً.
    الوحدة الرابعة: قوله تعالى: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}:

    * قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا} أي اَّتخذوا زاداً لغذاء أجسامكم، وغذاء قلوبكم -وهذا أفضل النوعين- لقوله تعالى: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} و «التقوى» اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه؛ هذا أجمع ما قيل في التقوى.
    لما رغب الله -سبحانه وتعالى- في التَّقوى أمر بها طلباً لخيرها فقال تعالى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.
    و {اتَّقونِ} فعل أمر؛ والنون للوقاية؛ والياء المحذوفة للتخفيف مفعول به.
    و {يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} جمع لُبٌّ؛ أي: يا أصحاب العقول؛ ووجَّه الله تعالى الأمر إلى أصحاب العقول؛ لأنَّهم هم الذين يدركون فائدة التقوى، وثمرتها؛ أما السفهاء فلا يدركونها.
    الفوائد:

    [1] في تخصيص الحجّ بأشهر معلومات تعظيمٌ لشأنه:

    من فوائد الآية: تعظيم شأن الحج، حيث جعل الله له أشهراً مع أنه أيام -ستة أيام-؛ وقد جعل الله له أشهراً ثلاثة حتى يأمن الناس، ويتأهبوا لهذا الحج؛ ولهذا ما بعد الحج أقصر مما قبله؛ الذي قبله: شهران وسبعة أيام؛ والذي بعده: سبعة عشر يوماً فقط؛ لأنه إذا حج انتهى غرضه؛ فطُلب منه العودة؛ بخلاف ما إذا كان قبله.
    [2] أشهر الحجّ ثلاثة:

    ومن فوائد الآية: أن أشهر الحج ثلاثة؛ لقوله تعالى: {أشهر} ؛ وهي جمع قلة؛ والأصل في الجمع أن يكون ثلاثة فأكثر؛ هذا المعروف في اللغة العربية؛ ولا يطلق الجمع على اثنين، أو اثنين وبعض الثالث إلا بقرينة؛ وهنا لا قرينة تدلُّ على ذلك؛ لأنهم إن جعلوا أعمال الحج في الشهرين وعشرة الأيام يرد عليه أن الحج لا يبدأ فعلاً إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة؛ وينتهي في الثالث عشر؛ وليس العاشر؛ فلذلك كان القول الراجح أنه ثلاثة أشهر كاملة؛ وهو مذهب مالك؛ وهو الصحيح؛ لأنه موافق للجمع؛ وفائدته أنه لا يجوز تأخير أعمال الحج إلى ما بعد شهر ذي الحجة إلا لعذر؛ لو أخَّرت طواف الإفاضة مثلاً إلى شهر المحرم قلنا: هذا لا يجوز؛ لأنه ليس في أشهر الحج، والله تعالى يقول: {الحج أشهر} ؛ فلا بد أن يقع في أشهر الحج؛ ولو أخرت الحلق إلى المحرم فهذا لا يجوز؛ لأنه تعدَّى أشهر الحج.
    وهل هذه الأشهُر من الأشهر الحرم؟
    الجواب: أنَّ اثنين منها من أشهر الحرم، وهما ذو القعدة، وذو الحجة؛ وواحد ليس منها وهو شوَّال، كما أنَّ «المحرم» من الأشهر الحرم، وليس من أشهر الحج؛ فرمضان شهر صيام؛ وشوال شهر حج؛ وذو القعدة شهر حج، ومن الحُرُم؛ وذو الحجة شهر حج، ومن الحُرُم؛ والمحرَّم من الحُرُم، وليس شهر حج.
    [3] الإحالة على المعلوم بشرط أن يكون معلوماً:

    ومن فوائد الآية: الإحالة على المعلوم بشرط أن يكون معلوماً؛ لقوله تعالى: {معلومات}؛ وهذا يستعمله الفقهاء كثيراً يقولون: هذا معلوم بالضرورة من الدين؛ وأمر هذا معلوم؛ وما أشبه ذلك؛ فلا يقال: إنه لم يبين؛ لأنه ما دام الشيء مشهوراً بين الناس معروفاً بينهم يصح أن يعَرِّفه بأنه معلوم؛ ومن ذلك ما يفعله بعض الكتاب في الوثائق: يقول: «باع فلان على فلان كذا، وكذا» -وهو معلوم بين الطرفين -يجوز وإن لم تفصل ما دام معلوماً؛ فإضافة الشيء إلى العلم وهو معلوم يعتبر من البيان.
    [4] [5] من تلبّس بالحج والعمرة وجب عليه إتمامه:

    ومنها: أن من تلبس بالحج، أو العمرة وجب عليه إتمامه، وصار فرضاً عليه؛ لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج} ؛ ويؤيد ذلك قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] ؛ فسمى الله تعالى أفعال الحج نذوراً؛ ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] ؛ فلم يبح الله تعالى الخروج من النسك إلا بالإحصار.
    ومنها: وجوب إتمام النفل في الحج؛ لقوله تعالى: {فمن فرض}؛ والفرض لا بد من إتمامه.
    [6] الإحرام بالحج قبل أشهره لا ينعقد:

    ومنها: أن الإحرام بالحج قبل أشهره لا ينعقد؛ لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث}؛ فلم يرتب الله أحكام الإحرام إلا لمن فرضه في أشهر الحج؛ ومعلوم أنه إذا انتفت أحكام العمل فمعناه أنه لم يصح العمل، وهذا مذهب الشافعي -رحمه الله -أنه إذا أحرم بالحج قبل دخول أشهر الحج لم ينعقد إحرامه؛ ولكن هل يلغو، أو ينقلب عمرة؟ في هذا قولان عندهم؛ أما عندنا مذهب الحنابلة؛ فيقولون: إن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد؛ ولكنه مكروه -يكره أن يحرم بالحج قبل أشهره - ومذهب الشافعي أقرب إلى ظاهر الآية الكريمة: أنه إذا أحرم بالحج قبل أشهره لا ينعقد حجاً؛ والظاهر أيضاً أنه لا ينعقد، ولا ينقلب عمرة؛ لأن العبادة لم تنعقد؛ وهو إنما دخل على أنها حج؛ فلا ينعقد لا حجاً، ولا عمرة.
    [7] المحظورات تحرم بمجرد عقد الإحرام:

    ومن فوائد الآية: أن المحظورات تحرم بمجرد عقد الإحرام - وإن لم يخلع ثيابه من قميص، وسراويل، وغيرها؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} ؛ لأنه جواب الشرط؛ وجواب الشرط يكون تالياً لفعله؛ فبمجرد أن يفرض فريضة الحج تحرم عليه المحظورات.
    [8] الإحرام ينعقد بمجرد النية:

    ومنها: أن الإحرام ينعقد بمجرد النية - أي نية الدخول إلى النسك؛ وتثبت بها الأحكام - وإن لم يُلبّ؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} .
    [9] تحريم الجماع، ومقدماته بعد عقد الإحرام:

    ومنها: تحريم الجماع، ومقدماته بعد عقد الإحرام؛ لقوله تعالى: {فلا رفث} ؛ وجواب الشرط يكون عقب الشرط؛ فبمجرده يحرم الرفث.
    [10] تحريم الفسوق:

    ومنها: تحريم الفسوق؛ لقوله تعالى: {فلا فسوق}.
    فإن قال قائل: الفسوق محرَّم في الإحرام، وغيره.
    فالجواب: أنه يتأكد في الإحرام أكثر من غيره.
    [11] تحريم الجدال:

    ومنها: تحريم الجدال؛ لقوله تعالى: {ولا جدال في الحج} ؛ والجدال إن كان لإثبات الحق، أو لإبطال الباطل فإنه واجب، وعلى هذا فيكون مستثنًى من هذا العموم؛ لقوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] ؛ وأما الجدال لغير هذا الغرض فإنه محرم حال الإحرام.
    فإن قلت: أليس محرماً في هذا، وفي غيره لما يترتب عليه من العداوة، والبغضاء، وتشويش الفكر؟
    فالجواب: أنه في حال الإحرام أوكد.
    [12] البعد حال الإحرام عن كل ما يشوش الفكر:

    ومنها: البعد حال الإحرام عن كل ما يشوش الفكر، ويشغل النفس؛ لقوله تعالى: {ولا جدال في الحج} ؛ ومن ثم يتبين خطأ أولئك الذين يزاحمون على الحجر عند الطواف؛ لأنه يشوش الفكر، ويشغل النفس عما هو أهم من ذلك.
    [13] [14] الحث على فعل الخير:

    ومنها: الحث على فعل الخير؛ لأن قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} يدل على أنه سيجازي على ذلك، ولا يضيعه؛ قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} [طه: 112] .
    ومنها: أن الخير سواء قلّ، أو كثر، فإنه معلوم عند الله؛ لقوله تعالى: {من خير} ؛ وهي نكرة في سياق الشرط؛ والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم.
    [15] عموم علم الله تعالى بكل شيء:

    ومنها: عموم علم الله تعالى بكل شيء؛ لقوله تعالى: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} .
    [16] الحث على التزود من الخير:

    ومنها: الحث على التزود من الخير؛ لقوله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} .
    [17] التزود بالزاد الحسي:

    ومنها: أنه ينبغي للحاج أن يأخذ معه الزاد الحسيّ من طعام، وشراب، ونفقة، لئلا يحتاج في حجه، فيتكفف الناس؛ لقوله تعالى: {وتزودوا} .
    [18] [19] [20] [21] التقوى خير زاد:

    ومنها: أن التقوى خير زاد، كما أن لباسها خير لباس؛ فهي خير لباس؛ لقوله تعالى: {ولباس التقوى ذلك خير} [الأعراف: 26] ؛ وهي خير زاد؛ لقوله تعالى: {فإن خير الزاد التقوى} .
    ومنها: وجوب تقوى الله؛ لقوله تعالى: {واتقون} .
    ومنها: أن أصحاب العقول هم أهل التقوى؛ لقوله تعالى: {واتقون يا أولي الألباب}.
    ومنها: أنه كلما نقص الإنسان من تقوى الله كان ذلك دليلاً على نقص عقله - عقل الرشد؛ بخلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل، ودين»1؛ فإن المراد بنقص العقل هنا عقل الإدراك؛ فإن مناط التكليف عقل الإدراك؛ ومناط المدح عقل الرشد؛ ولهذا نقول: إن هؤلاء الكفار الأذكياء الذين هم في التصرف من أحسن ما يكون؟ نقول: هم عقلاء عقول إدراك؛ لكنهم ليسوا عقلاء عقول رشد؛ ولهذا دائماً ينعى الله عليهم عدم عقلهم؛ والمراد عقل الرشد الذي به يرشدون.
    المراجع
    1- أخرجه البخاري ص26، كتاب الحيض، باب 6: ترك الحائض الصوم، حديث رقم 304، وأخرجه مسلم ص692، كتاب الإيمان، باب 34: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، حديث رقم 241 [132] 79.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين

    تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين(4)
    إعداد: اللجنة العلمية بالملتقى الفقهي







    مقدمة:
    الحمد لله، والصّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
    أمّا بعد،
    فهذه الحلقة الرّابعة من هذه السّلسلة الطيبة، التي نستخلص فيها من تفسير فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ما ورد منه متعلّقاً بالآيات القرآنية الواردة في بيان مناسك الحج والعمرة.
    ويجيء هذا العمل، والمسلمون يتفيّؤون ظلال موسم الرحمة، موسم الحج ّالمبارك، ويستروحون أريج نسائمه العطرة، فلا ريب أنّهم بأمسّ الحاجة لمعرفة أحكام مناسكهم، فما أروع أن يتعرّفوا عليها كذلك من خلال تفسير الشيخ ابن عثيمين لآيات المناسك.
    ويتلخّص العمل الذي قمنا به، في مراجعة نصّ كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مراجعة لغويّةً عامّة، ووضع عناوين تُيسّر قراءته.
    تناولنا في ثلاثة الحلقات الماضية، تفاسير الآيات من الآية السّادسة والتسعين بعد المائة، إلى الآية الثامنة والتسعين بعد المائة، ونقف في هذه الحلقة عند الآية التّاسعة والتّسعين بعد المائة، وذلك على النحو التّالي:
    نصُّ الآية القرآنية:

    {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199].
    الوحدة الأولى: قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}:

    قوله تعالى: {ثم أفيضوا} أي من عرفات.
    قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أي من المكان الذي يفيض الناسُ منه؛ وكانت قريش في الجاهلية لا يقفون مع الناس في عرفة، يقولون: نحن أهل الحرم فلا نقف خارج الحرم؛ فأُمر المسلمون أن يفيضوا من حيث أفاض الناس -أي من عرفة-.
    هذا هو ظاهر الآية الكريمة؛ ولكنه مُشكلٌ حيث إنه ذُكر بعد قوله: {فإذا أفضتم من عرفات}؛ وأجيب عن هذا الإشكال أنَّ الترتيب ذِكريٌّ، لا ترتيب حكمي؛ بمعنى: أنَّ الله تعالى لما ذكر إفاضتهم من عرفات، أكَّد هذا بقوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} دون أن يكون المراد الترتيب الحكمي.
    ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي: أفيضوا من المشعر الحرام من حيث أفاض الناس؛ فيكون المراد بالإفاضة هنا الإفاضة من مزدلفة؛ وعلى هذا الاحتمال لا يبقى في الآية إشكال.
    الوحدة الثانية: قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُو اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}:

    {واستغفروا الله} أي اطلبوا المغفرة منه؛ والمغفرة ستر الذنب، والتجاوز عنه؛ لأنها مأخوذة من المغفر الذي يوضع على الرأس عند القتال لتوقِّي السهام؛ وليست المغفرة مجرد الستر؛ بل هي ستر، ووقاية.
    قوله تعالى: {إن الله غفور رحيم}؛ هذه الجملة تعليل للأمر؛ أي: استغفروا الله؛ لأنه أهلٌ لأن يُستغفَر؛ فإنه سبحانه وتعالى غفور رحيم.
    وإعراب {رحيم} : خبر ثانٍ لـ {إنَّ} ؛ والخبر الأول: {غفور} .
    وقوله تعالى: {غفور} صيغة مبالغة؛ وذلك لكثرة غفرانه تبارك وتعالى، وكثرة من يغفر لهم؛ و «الغفور» أي ذو المغفرة، كما قال تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} [الرعد: 6].
    وقوله تعالى: {رحيم} إمَّا صفة مشبهة؛ وإما صيغة مبالغة؛ و «الرحيم» أي ذو الرحمة؛ وهي صفة تقتضي جلب النعم، ودفع النقم، كما قال تعالى: {وما بكم من نعمةٍ فمن الله ثم إذا مسَّكم الضُّر فإليه تجأرون} [النحل: 53] .
    الفوائد:

    [1] من فوائد الآية: وجوب المبيت بمزدلفة؛ لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} على أحد التفسيرين، كما سبق؛ ومتى أفاض الإنسان من حيث أفاض الناس فإنه يلزم من ذلك أن يكون قد بات بمزدلفة.
    [2] ومنها: أن هذا النسك كان أمراً معلوماً يسير الناس عليه من قديم الزمان؛ لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
    [3] ومنها: أن الناس في أحكام الله تعالى سواء؛ فلا يُخصُّ أحدٌ بحكم من الأحكام إلا لمعنًى يقتضي ذلك؛ والمعنى المخصِّص يكون من قِبَل الشرع، لا من قبل الهوى، والعادة،لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}.
    ولا يشكل على قولنا هذا ما ورد في قصة أبي بردة بن نيار أنه ذبح في عيد الأضحى أضحية قبل الصلاة؛ ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إن من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، وأن شاته شاة لحم» قام أبو بردة فقال: «يا رسول الله، إن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين أفتجزي عني؟ قال: نعم؛ ولن تجزئ عن أحد بعدك»1؛ لأن المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لن تجزئ عن أحد بعدك» أي بعد حالك؛ بمعنى: أن من جرى له مثله فإنها تجزي عنه؛ هكذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -وهو ظاهر-.
    وكذلك لا يُشكل على هذا قصة سالم مولى أبي حذيفة الذي كان قد تبناه؛ فلما أبطل الله التبني جاءت زوجة أبي حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في سالم أنه كان يدخل عليها؛ يعني: وكأنه أحد أبنائها؛ فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أرضعيه تحرمي عليه»2؛ فإنه ليس خاصاً به؛ بل لو جرى لأحد مثل ما جرى لسالم لحكمنا له بمثل ما حكم به النبي -صلى الله عليه وسلم- لسالم؛ لكن هذا لا يمكن بعد نسخ التبني؛ إذ لا يمكن أحداً أن يتبنى؛ وعلى هذا فالصورة التي تُلحق بقصة سالم ممتنعة.
    [4] ومنها: أنه يشرع أن يستغفر الله عزّ وجلّ في آخر العبادات؛ لقوله تعالى: {واستغفروا الله}.
    [5] ومنها: إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما: «الغفور» ، و «الرَّحيم» ؛ وإثبات ما تضمناه من الصفة؛ وهي المغفرة، والرحمة؛ وإثبات ما تضمناه من الحكم بمقتضاهما؛ وهو أنه يغفر ويرحم كما قال تعالى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} [العنكبوت: 21] ، وقال تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] .
    [6] ومنها: قرن الحكم بالعلة؛ لقوله تعالى: {واستغفروا الله إنَّ الله غفورٌ رحيم}؛ وقرن الحكم بالعلة في مثل هذا يُفيد الإقدام، والنشاط على استغفار الله عزّ وجلّ.
    المراجع

    1- أخرجه البخاري ص75، كتاب العيدين، باب 5: الأكل يوم النحر، حديث رقم 955، وأخرجه مسلم ص1027 - 1028، كتاب الأضاحي، باب 1: وقتها، حديث رقم 5070 [5] 1961.
    2- أخرجه مسلم ص923، كتاب الرضاع، باب 7: رضاعة الكبير، حديث رقم 3602 [28] 1453، وأصله في البخاري.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين

    تفسيرُ آيات أحكام الحجّ لابن عثيمين(5)
    إعداد: اللجنة العلمية بالملتقى الفقهي

    مقدمة:

    الحمد لله، والصّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
    أمّا بعد،
    فهذه الحلقة الخامسة من هذه السّلسلة الطيبة، التي نستخلص فيها من تفسير فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ما ورد منه متعلّقاً بالآيات القرآنية الواردة في بيان مناسك الحج والعمرة.
    ويجيء هذا العمل، والمسلمون يتفيّؤون ظلال موسم الرحمة، موسم الحج ّالمبارك، ويستروحون أريج نسائمه العطرة، فلا ريب أنّهم بأمسّ الحاجة لمعرفة أحكام مناسكهم، فما أروع أن يتعرّفوا عليها كذلك من خلال تفسير الشيخ ابن عثيمين لآيات المناسك.
    ويتلخّص العمل الذي قمنا به، في مراجعة نصّ كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مراجعة لغويّةً عامّة، ووضع عناوين تُيسّر قراءته.
    تناولنا في أربعة الحلقات الماضية، تفاسير الآيات من الآية السّادسة والتسعين بعد المائة، إلى الآية التاسعة والتسعين بعد المائة، ونقف في هذه الحلقة عند الآيتين: الآية المائتين، والآية الحادية بعد المائتين، وذلك على النحو التّالي:
    نصُّ الآية القرآنية:

    {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 200، 201].
    الوحدة الأولى: قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}:

    * قوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم} أي أنهيتم مناسككم؛ وذلك بالتحلل من النسك.
    * قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} أمر تعالى بذكره بعد فراغ النُّسك؛ لأن الإنسان إذا فرغ من العبادة قد يغفل عن ذكر الله.
    * وقوله تعالى: {مناسككم} جمع منسك؛ وهو فيما يظهر اسم مصدر - يعني مصدراً ميمياً -؛ أي قضيتم نسككم؛ و «النسك» بمعنى العبادة؛ وهو كلُّ ما يتعبَّد به الإنسانُ لله؛ ولكن كثُر استعماله في الحج؛ وفي الذبح؛ ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 162].
    * قوله تعالى: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}؛ «ذِكر» هنا مصدر مضاف لفاعله؛ و«آباء» مفعول به؛ أي: كما تذكرون آباءكم، أو أشد ذكراً؛ و {أشدَّ} يشمل الشدة في الهيئة، وحضور القلب، والإخلاص؛ والشدةَ في الكثرة أيضاً؛ فيذكر الله ذكراً كثيراً، ويذكره ذكراً قوياً مع حضور القلب.
    * وقوله تعالى: {كذكركم آباءكم} ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يذكرون أمجاد آبائهم إذا انتهوا من المناسك؛ وكلٌّ يفخر بنسبه، وحَسَبه؛ فأمر الله تعالى أن نذكره -سبحانه وتعالى- كذكرهم آباءهم، أو أشد ذكراً.
    * وقوله تعالى: {أو أشد ذكراً} : قال كثير من النحويين: إن {أو} بمعنى: بل؛ أي بل أشد؛ وهو هنا متوجِّه؛ ويُشبِهها من بعض الوجوه قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاه إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147]؛ وقد ذكر ابنُ القيم في قوله تعالى: {أو يزيدون} أن {أو} هنا ليست بمعنى «بل» ؛ ولكنها لتحقيق ما سبق - يعني: إن لم يزيدوا فلن ينقصوا -؛ وبناءً على هذا نقول مثله في هذه الآية: أي كذكركم آباءكم - إن لم يزد فلا ينقص -؛ إلا أنّه هنا إذا جعلناها بمعنى «بل» تكون أبلغ؛ لأن ذكر الله يجب أن يكون أشدَّ من ذكر الآباء.
    الوحدة الثانية: قوله تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}:

    * قوله تعالى: {فمن الناس} ؛ «من» للتبعيض؛ والمعنى: بعض الناس؛ بدليل أنها قوبلت بقوله تعالى: {ومنهم} ؛ فيكون المعنى: بعضهم كذا؛ وبعضهم كذا؛ وهذا من باب التقسيم؛ يعني: ينقسم الناس في أداء العبادة لا سيما الحج إلى قسمين.
    * قوله تعالى: {مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا} أي أعطنا في الدنيا؛ والمفعول محذوف؛ والتقدير: آتنا نصيبنا في الدنيا، بحيث لا يسأل إلا ما يكون في ترف دنياه فقط؛ ولا يسأل ما يتعلق بالدين؛ وربما يكون قوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا} شاملاً للقول باللسان، والقول بالحال- أي قد يقول صراحة -: ربنا آتنا في الدنيا مثلاً سكناً جميلاً؛ سيارة جميلة؛ وما أشبه ذلك؛ وربما يقوله بلسان الحال لا بلسان المقال؛ لأنه إذا دعا في أمور الدنيا أحضر قلبه، وأظهر فقره؛ وإذا دعا بأمور الآخرة لم يكن على هذه الحال.
    * قوله تعالى: {وما له في الآخرة من خلاق} ؛ {ما} نافية؛ و {مِن خلاق} مبتدأ؛ وخبره الجار والمجرور: {له} ؛ ودخلت {مِن} على المبتدأ من أجل توكيد العموم؛ لأن {خلاق} نكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ فإذا دخلت عليها {مِن} كان ذلك تأكيداً للعموم؛ و «الخلاق» بمعنى النصيب؛ يعني ما له في الآخرة من نصيب؛ لأنه لا يريد إلا الدنيا؛ فلا نصيب له في الآخرة مما دعا به؛ وقد يكون له نصيب من أعمال أخرى.
    * قوله تعالى: {ومنهم} أي ومن الناس.
    * قوله تعالى: {من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة} ؛ {حسنة} : مفعول «آتِ» الثاني؛ وأما {حسنة} الثانية فهي معطوفة على الأولى؛ يعني من الناس من تكون همته عليا يريد الخير في الدنيا، والآخرة؛ يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة؛ وحسنة الدنيا كل ما يستحسنه الإنسان منها، مثل الصحة، وسعة الرزق، كثرة البنين، والزوجات، والقصور، والمراكب الفخمة، والأموال؛ وأما حسنة الآخرة فقيل: إنها الجنة؛ لقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}[يونس: 26] ؛ ولا شك أن الحسنة العظمى في الآخرة هي الجنة؛ لكن في الآخرة حسنات يستحسن المرء وقوعها غير الجنة، مثل أن يبيض وجهه، وأن تثقل موازينه، وأن يعطى كتابه بيمينه؛ فإنه إذا أعطي الكتاب بيمينه يقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه فرحاً مسروراً.
    * قوله تعالى: {وقنا عذاب النار}أي اجعل لنا وقاية من عذاب النار؛ وهذا يشمل شيئين:
    الأول: العصمة من الأعمال الموجبة لدخول النار.
    الثاني: المغفرة للذنوب التي توجب دخول النار.
    الفوائد:

    [1] من فوائد الآيتين: أن الإنسان ينبغي له إذا قضى من العبادة أن لا يغفل بعدها عن ذكر الله؛ لقوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله}؛ وهذا كقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10] .
    [2] ومنها: تقديم ذكر الله تعالى على ذكر الوالدين؛ لقوله تعالى: {أو أشد ذكراً} [3] ومنها: أن الأجداد داخلون في مسمّى الآباء؛ لأن العرب كانوا يفتخرون بأمجاد آبائهم، وأجدادهم، وقبائلهم.
    [4] ومنها: بيان انقسام الناس فيما يطلبون من الله، وأنَّ منهم ذوي الغايات الحميدة، والهمم العالية الذين يقولون: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}؛ ومنهم ذوو الغايات الذميمة، والهمم النازلة الذين يقولون: {ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} .
    [5] ومن فوائد الآيتين: أن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة؛ لقوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} .
    [6] ومنها: أن الإنسان محتاج إلى حسنات الدنيا، والآخرة.
    [7] ومنها: إثبات الآخرة.
    [8] ومنها: إثبات النار، وعذابها.
    [9] ومنها: إثبات علم الله، وسمعه، وقدرته؛ إذ لا يُدعى إلا من اتصف بذلك.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •