الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
ألايحق لي أن أُفتَن بالدكتور محمد دراز وكتبه، الذي قال عنه شيخنا محمد اسماعيل المقدم (أنه يغزو قلبك بمجرد سماعك لصوته)!، وقد رأيت من العوام من لايستطيع حفظ اسم(دراز) ويبدله ب(دمراز) ومع ذلك أسرَته الأحاديث الاذاعية التي تُذيعها اذاعة القرآن الكريم مقدمة للتلاوة! رغم أن هذه الأحاديث على أرقى مستوى أدبي وعلمي! أليس هذا هو شأن علمائنا على مدار التاريخ الاسلامي (كان عامتهم علماء عامة) كما يقول الشيخ أحمد القاضي في مقال "امام المسجد".
رجاءً قراءة هذا الموضوع ذا الصلة
http://elmorsykhalid.blogspot.com/2010/08/blog-post_05.html

يقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد – أستاذ التفسير وعلوم القرءان بجامعتي الأزهر وأم القرى سابقا:
انني كنت دائب القراءة لكل مايقع في يدي من كتب أو مقالات دعاة الاسلام المعاصرين، وعلمائهم العاملين، وكنت شديد الاعجاب بكثير مما أقرأ، لكني لاحظت في نفسي أمرًا عجيبا كلما قرأت لواحد من اثنين هما: الشيخ محمد عبدالله دراز، رحمهما الله ورضي عنهما.
كانت كلماتهما كأنها موجات روحية نورانية تمتزج بقلبي وعقلي وتشدني اليها بخيوط غير مرئية، وتثير في نفسي نبضات روحية تسمو بها الى الملأ الأعلى، وتملأها ايمانا بجلال الله وكماله، ويقينا بعظمة شريعته ودينه، واعجاز كتابه الكريم.
ومن العجيب أن هذا التواصل الروحي كان يتدفق اشراقًا في نفسي كلما قرأت شيئا لأحدهما، ولو لم أعرف نسبته الى أيهما: وكان ذلك قبل أن أرى أحدهما أوأسمعه، وقد ظل هذا التوهج النفسي يصاحبني بعد أن رأيت وسمعت الشيخ حسن البنا، ورغم أني لم أسعد برؤية الشيخ محمد عبد الله دراز، رحمهما الله!!
وقد كنت كثير التعجب من هذه الظاهرة النفسية، ودائب البحث عن سرها، وقد استقر في نفسي أن الله تعالى قد منح الشيخين قوة روحية فائقة، وحباً واخباتاً لله عز وجل، لذلك كانت آثارهما على شاكلة باطنهما من توهج الروح، وذوب النفس، وعصارة القلب، مع اخلاص النيات، والتجرد لله عز وجل نحسبهم كذلك ولانزكي على الله أحدا، ولذلك كانت هذه الآثار تنفذ الى القلوب والأرواح في يسر وسهولة، ولعل هذا المعنى يكمن في قوله تعالى: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)لااسرا (85)
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم –(الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وماتناكر منها اختلف)متفق عليه.
وهذه المعاني الروحية العالية هي الجانب المشترك بين آثار الشيخين –رحمهما الله: رغم الفارق بين أسلوب الداعية الذي يخاطب عامة الناس بحقائق الاسلام، وأسلوبب العالم المتخصص الذي يؤدي نفس المهمة بطريقة أخرى، وكل ميسر لماخلق له، انتهى كلامه = حفظه الله -
أنقل لكم الان كلامًا للشيخ (أحمد مصطفى فضلية) يبين مدى أهمية التراث الاذاعي للشيخ دراز – رحمه الله -
عنوان: حث المستمعين لطبع الأحاديث الاذاعية:
يقول الدكتور عبد الوهاب خلاف في مقال – التطهير – نُشر بمجلة لواء الاسلام:
كان الدكتور محمد عبد الله دراز من أهل الايمان الحق ودعاته، الذي يطهر الله به القلوب والنفوس، نحسبه كذلك ولانزكي على الله أحدا، جمع بين سلامة العقيدة وقوة الايمان، والقلب الحي والعقل المؤمن، والعلم الواسع، وحب الواقعية والجد لايرى تناقضا بين العلم والدين والقديم والجديد هضم تراث أمته واستوعبه واقتبس من الثقافات القديمة والحديثة الاسلامية والغربية أفضل عناصرهما وأجملهما فمزج بينها مزجاً جميلاً وأصبح برزخاً بين بحرين لايبغيان، وكان شديد الحب لله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – شديد الحب لبلاده وأمته، عميق الفهم للاسلام وطبيعة العصر زماناً ومكاناً، كل هذا مكنّه من توجيه خطاب الاصلاح للناس وعلى كل المستويات.
فكل مصلح يريد أن تحيا الأمة حياة طيبة وأن تسود فيها النظم العادلة والمبادئ القويمة، يبدأ بتطهير أفراد الأمة وجماعتها من عوامل الفساد والانحلال وينقي البيئة من أسباب الوهن ومايفتك بها من الآفات ليكون بذر النظم الصالحة في أرض طيبة، وبناء الاصلاح على أساس سليم، والزارع الذي يبذر أجود البذور في أرض سبخة ملحة كثيرة الحشائش لايحصد زرعاًولايجني ثمراً، والباني الذي يقيم البناء على أرض رخوة لايستقيم بناؤه ولهذا كان التطهير أول ماعُني به الاسلام، وكان أول مابدأ به تطهير العقول والنفوس لأن تطهير هذين هو الأساس الذي يبنى عليه كل تطهير واذا لم تطهر اعقول والنفوس فكل تطهير يكون مجرد صورة سطحية وأغراض ظاهرة، واذا طهرت العقول والنفوس طهرت الأيادي والألسنة والجوارح وكان السلطان في كل عمل وقول للعقل الطاهر والنفس الطاهرة اللذين يخضعان لشريعة الله ووقيت الأمة من الدنس والفساد. انتهى الكلام
يقول الشيخ مصطفى: ولقد اهتمت أحاديث الدكتور محمد عبدالله دراز الاذاعية بتحقيق هذا التطهير المنشود الذي تسلم به الأمة من الزيغ والانحراف وتُصان به مجتمعات الاسلام من التردي والضياع، وليس أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من التراسل الذي يحمل تقدير وثناء المستمعين، طالبين سرعة طبع هذه الأحاديث. وان دل هذا التراسل من قِبَل المستمعين فانما يدل على مبلغ تغلغل هذه الأحاديث في نفوس الناس، وأن كلام الرجل دخل القلوب قبل العقول وهذا دليل الاخلاص له تعالى.
والرسالة الأولى التي نقدمها دليلاً وبرهاناً على نجاح الدكتور دراز وأهمية طبع هذا التراث الذي يمثل خير زاد للمسلم في عالم اليوم. رسالة من العالم الأديب واكاتب البليغ الأستاذ الشيخ (توفيق محمد سبع) رحمه الله.
نص الرسالة:
أستاذنا الجليل فضيلة الدكتور الأستاذ محمد عبدالله دراز
تحية طيبة تنقل اليك مشاعر القلوب التي تحبك وتجلك وتؤثرك وتؤمن بقلمك، أرجو أولاً أن تتقبل تهنئتنا الطيبة الكريمة بشهر الصيام المبارك أعاده الله عليكم وعلى الأمة الاسلامية باليمن والاسعاد.
ونحب أن ننقل اليكم أملاً طالما خفقت به القلوب، وهو أن تتكرموا بمناسبة رمضان – بتتابع نشر الأحاديث الدينية الكريمة، التي تطلعون بها على هذه الأمة الحائرة، فتتيحون لها أمناً هادئاً، وسلامة مطمئناً، وتشيعون في هذا المجتمع جوا صالحاً من الروحية المشرقة تنمو فيه الفضائل، وتزدهر القيم، وتتركز دعائم الأخلاق..
سيدي: لاأريد أن أسترسل في الثناء على أسلوبكم الرفيع، في معالجة الموضوعات الدينية، وانما أترك ذلك لله، وحسبكم أن أحاديثكم بالمذياع، وبالصحف هي المشرق الهادي لقلوبنا، والغذاء الروحي لمشاعرنا وعواطفنا والمادة الأدبية لفننا، وحسبكم أن صفوة العلماء والمفكرين ينتظرون كلامكم بفارغ الصبر ونازع الشوق، ويعتدون بهذا الضرب الناصع من التفكير، وذاك السمت العبقري من التعبير، وتلك الجلالة الرائعة في العرض والتصوير.. ان أفقكم الفسيح، وثقافتكم الجامعة، ومقدرتكم الفذة على الكتابة، تجعلنا نطمئن الى أن مصر مازالت بخير، ومازالت تحتفظ بالصفوة الممتازة من رجال العلم والأدب وفلاسفة الأخلاق والاجتماع..فطب نفساً يا سيدي واطمئن خاطرًا، وحاول أن تفيض علينا من اشراق روحك، وصفاء نفسك ونصاعة قلمك، فان أدبك وعلمك مدرسة لنا، ونمط من الأدب الرشيد نعتز به على مر الأيام.
حفظك الله ذخرا للعلم والفضل. ومعذرةً معذرة فان من حق أبنائك عليك أن يلاحقوك بالطلب كلما حاولت الهرب.
والسلام
تلميذ معجب بعلمكم
توفيق محمد سبع – مدرس بمعهد طنطا
في 4/4/1957م
هذه الرسالة تبرز بجلاء عمق الصلة الروحية بين الدكتور دراز والناس..وهذا الثثناء العطر والتقدير العميق ثمرة حلوة لاخلاص هذا الداعية الفذ الذي يعد بحق بقية السلف ومربي الخلف وأستاذ الجيل بحق.
والناسُ أَكيسَ من أن يَمدَحوا رَجُلاً مالم يَرَو عنده آثار احسان
وأقدم للقارئ نموذجًا ثانيًا من التراسل التقديري يفيض حبًا واعجابًا وتقديرًا وهو من الأخ المسلم الأستاذ محمد عمارة في (16/12/1376 ه – 14/7/1957م).
الى بقية السلف ومربي الخلف وأستاذ الجيل بحق
أستاذنا الجليل الشيخ محمد عبدالله دراز – زانه الله وصانه وبلغه في الدارين آماله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
فلقد استمعنا واستمع الملايين الى حديث العصر" الخاص. بموضوع الايمان وغيره من الأحاديث الجامعة المانعة الوافية الشافية في أحاديث الصيام – نشرنا أحاديث الصيام في كتاب الصوم تربية وجهاد، نشر دار القلم – مما يفيض الله به عليكم من علاج نافع لشتى أمراض النفوس وماأعضلها ومشاكل العصر وماأعقدها. فلم نملك الا أن نلجأ الى الله ضارعين اليه أن يطيل في حياتكم ويزيد في فيضكم وفضلكم وأن يعمم النفع بكم من صحة وعافية وسعادة ورضوان.
سيدي الأستاذ: ان أرواحنا لتطير شوقا ولهفة الى الانتفاع بهذا الفيض الالهي من البحوث العالية الغالية والى طبعها ونشرها ليعم النفع بها ولتقف حصنًا حصينًا وسدًا منيعًا في وجه تلك المذاهب الهدامة ومن خدعوا بها وأخذوا ينفثون سمومها في شتى الميادين بشتى الأساليب.
ولقد كانت مجلة الاذاعة تقوم قديمًا بنشر خلاصات وافية لمثل هذه الأحاديث النافعة. ولكنها.. هدى الله القائمين عليها. قد جرفها التيار فرغبت عن أحاديثكم راضية بالقشور عن اللباب وساهمت بأوفر نصيب في نشر السموم والمهلكات ولم تلتفت الى رغبات الكثيرين في أن تنشر ولو موجزًا لحديث واحد منتقى من أحاديث الصيام أو دروس العصر في كل أسبوع..
واني يامولاي وقد أعيتني الحيل في الحصول على هذه الدرر أتقدم الى فضيلتكم راجيًا وشاكرًا. أن تتفضلوا مشكورين علينا بأقباس مما منحكم الله من أنوار، ودلالتنا على ماطبع منها والمكاتب التي يُباع فيها ولكم من الله من ذاك خير الجزاء.
والرسالة الثالثة التي أقدمها دليلاً وبرهانًا على مدى تأثر الشعب المصري بأحاديث الدكتور دراز رسالة كتبها الأستاذ"عبد الحميد حسين" المحامي عن لفيف من أهالي الاسكندرية في 21 جمادى الأولى 1377 هجرية. هذا نصها:
سيدي الدكتور/محمد عبد الله دراز
تحية واحترامًا. ألا وايم الحق فقد غذيت قلوبنا وشنّفت مسامعنا وأبهجت شعورنا وثقفت نفوسنا وقويت ايماننا بتلكم الأحاديث الدينية المتتابعة التي تلقونها سيادتكم عن طريق الاذاعة بين حين وآخر، ألا وان الشعب المصري بل والشعوب العربية وأرواحهم لوثابة الى مايُستفاد من تلكم التفاسير الغذاء العقلي والروحي والآداب العالية والعلوم الراقية التي تنفعهم دنيا وآخرة.
ولكن مما يؤلم الكثير منا أنه قد يصادفه عوائق كثيرة شخصية فتفوته بعض هذه الأحاديث ذات الدرر والنفائس الدينية فيندم حيث لاينفعه الندم.
فاذا ماتقدمنا باقتراح هين لدى سيادتكم وأملنا في همتكم ألاتهملوه ظهريًا وذلك بالعمل على طبع هذه الدروس والأحاديث في كتاب ينفع الكبير والصغير والحاضر والغائب فيزداد الشعب ثقافة على ثقافته ويعلم من لم يكن يعلم بأمور دينه وآدابه العالية، وذاك النشر قد يكون عن طريق الادارة العامة للشئون الثقافية بوزارة الارشاد القومي تحت عنوان (مختارات الاذاعة )، ومانشر كتاب (يسألون..)بقلم فضيلة الأستاذ الكبير محمود شلتوت عنا ببعيد، أو عن طريق النشر الشخصي ولدينا والحمد لله كثير من المكتبات مستعدة للنشر على نفقتها (كدار الهلال، ومكاتب الحلبي وشركاه، ودار أخبار اليوم، وادارة جريدة الشعب)... الخ وفوق ذلك فهي تدفع للمؤلف مايعوضه عن تعبه وسهره وبحثه بمافيه الكفاية بل يزيد. وختامًا نطلب من الله تعالى القدير أن يزيدكم علمًا ويجازيكم على بحوثكم الدينية الطيبة ويثيبكم على ماقدمت أيديكم مما ينفع المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
واستجابة لرغبات كثير من محبي الدكتور دراز وتحقيقًا لآمال دعاة الاسلام أن يكون تراث لاشيخ الاذاعي بين أيديهم لينتفعوا به. يسعدنا أن نقدمه اليوم – لعله يقصد أغلبه أو كثير منه - في كتاب جامع أسميناه(زاد المسلم لدين والحياة) وسيدرك قارئنا العزيز أن محمد عبدالله دراز، كان من الذين يعطون الكلمة روح الحياة، ويكتبون لها الخلود بما ترسخ من قيم وتدعو الى فضائل ومُثل، وسيجد القارئ الواعي تغيرًا في نفسه ونضجًا في فكره وقوة في ايمانه ويقينه.
وقد كان هذا الزاد المبارك يجذب الشبيبة المؤمنة في الخمسينات الى معينه السلسال من الأدب والتوجيه للتي هي أقوم، وقد آن أن نلتفت اليوم الى هديها المنير. .........(مقتطف من مقدمة الشيخ مصطفى لكتاب زاد المسلم..
والحمد لله رب العالمين
خالد المرسي