الأحبة الفضلاء
مالي أراكم تتحدثون عن الكتب الورقية وكأنها بلاء أو كارثة ، والله أعرف من الناس من لا يستطيع أن يقيم في بيت ليس فيه كتب ، وما نزل دارًا ليس فيها كتب منذ أكثر من عشرين سنة فصبر على هذا الحال أكثر من ثلاثة أيام، وإذا سافر صحب معه بعض الكتب ، وإذا لم يتمكن من حمل بعض الكتب لابد من شراء بعض الكتب خلال يومين على الأكثر ، ولا أدري كيف لطالب العلم أن يحصلَّه دون بذل الغالي والرخيص في سبيله :
ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله **** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
وأما مشكلتك فقد حلها لك علي بن محمد بن الزبير النحوي (254 هـ - 348هـ) فقد ذكر عنه القفطي في ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) (2/305) أن والده ترك له ثروة كبيرة تزيد على خمسين ألف دينار فصرفها كلها في طلب العلم وتحصيل الكتب شراء واستنساخًا وكتابة ، قال القفطي:
(( فأما كتبه ففي غاية الجودة والإتقان، والموجود منها في زماننا هذا، إذا تؤمل دل على تيقظ وبحث ورغبة ، وقد كانت لكثرتها يُعيِّنُ لكل نوع منها موضعًا مخصوصًا من خزائنه ويكتبه على أول الكتاب ليجده إذا طلبه ، ويعيده إلى موضعه المعلوم إذا غني عنه ، رحمه الله ، فما كان أسنى أفعاله )).
وهذا هو فن فهرسة المكتبات الذي يعتبر قسمًا في بعض الجامعات الآن (قسم الوثائق والمكتبات)
عليك بفهرستها فهرسة جيدة واخل الغرفة من كل شيء غير مكتب صغير تجلس عليه للقراءة ، واجعل أرفف المكتبة على قدر الكتاب وزد في ارتفاع المكتبات لتستوعب أكثر عدد ممكن من الكتب، وضع الكتب على الأرض وانثرها في كل مكان فإنها تجلب البركة وتؤنس من الوحشة.
ذكر العلماء في ترجمة ابن القيم رحمه الله كبر مكتبته وما حوته من أمهات الكتب والأصول ، وذكر ابن حجر رحمه الله في الدرر الكامنة (4/22) أن أولاده أقاموا يبيعون منها بعد موته دهرًا طويلًا سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم.
وأرى أن توريث الكتب للأبناء أفضل لهم من توريث المال والعقار.
وسبحان الله أشعر بإحساس غريب وطيب مع الكتب الورقية لا أجد شيئًا منه ألبتة مع الكتب المصورة ، ووالله نظرًا لأن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب ابن القيم هي أكثر كتب مجتمعة عندي لعالم واحد جعلت لكتبهما ركنًا مستقلا في مكتبتي ، ووالله كلما دخلت مكتبتي وخلوت بنفسي للقراءة والمذاكرة أشعر وكأن أنفاسهما معي يؤنسانني في سكون الليل، فأشعر بلذة وسعادة لا أشعر بها لتحصيل شيء من الدنيا.