هديتي إليكم تفريغ سلسلة يانفس جدي لشيخنا ابي إسحاق الحويني
سِلْسِلَة مُحَاضَرَات
مَدْرَسَة الْحَيَاة
(يَانَفْس جِدِّي)
فَضِيْلَة الْشَّيْخ
أَبِي إِسْحَاق الْحُوَيْنِي
حَفِظَه الْلَّه
الْمُحَاضَرَة الْأَوَّلِي
دَرَسُنَا هَذَا الْمَسَاء سِلْسِلَة بِعُنْوَان مَدْرَسَةُ الْحَيَاة وَكُنْتُ قَدِيْماً مُنْذ نَحْو عَشْر سَنَوَات أَرَدْت أَبْتَدِئ هَذَا الْدَّرْس الَّذِي هُو عِبَارَة عَن تَجَارِب الْعُلَمَاء وَالْحُكَمَاء وَالْخُلَفَاء وَالْوُزَرَاء فِي شَتَّى أُمُوْر الْحَيَاة الُمخْتَلِفَة ، وَالَّذِي نُسَمِّيَه نَحْن بِالتَّجْرِبَة فَإِن الْتَّجْرِبَة مِن أَعْوَنِ مَا يُعِيْن الْعَبْد عَلَى تَأَمَّل الْأَحْدَاث الْجَارِيَة ، وَمَا مِن حَدَثِ مَضَى إِلَّا وَالَّذِي يَأْتِي شَبِيْه بِه مَع اخْتِلَاف الْشُّخُوْص ، إِنَّمَا يَحتَاج الْمَرْء إِلَى تَأَمُل لَيُدْرِك الْعِبْرَة وَالْعِظَة فِيْمَا مَضَى لِيَسْتَعِيْن عَلَيْه فِي حَيَاتِه الْحَاضِرَة .وَكَان عَلِي بْن أَبِي طَالِب قَد لَخَص بِقَوْلِه: (وَاسْتَدَل عَلَى مَا لَم يَكُن بِمَا كَان فَإِن الْأُمُور اشْتِبَاه)
إن الْحَمْد لِلَّه تَعَالَى نَحْمَدُه وَنَسْتَعِيْن بِه وَنَسْتَغْفِرُه وَنَعُوْذ بِاللَّه تَعَالَى مِن شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَات أَعْمَالِنَا مَن يَهْدِى الْلَّه تَعَالَى فَلَا مُضِل لَه وَمَن يُضْلِل فَلَا هَادِى لَه وَأَشْهَد أَن لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه وَأَشْهَد أَن مُحَمَّداً عَبْدُه وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعــــــد.
فَإِن أَصْدَق الْحَدِيْث كِتَاب الْلَّه تَعَالَي وَأَحْسَن الْهَدْي هَدْي مُحَمَّدٍ صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم ، وَشَّر الْأُمُور مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِه وَكِلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي الْنَّار الْلَّهُم صَلّى عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آَل مُحَمِّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيْم وَعَلَى آَل إِبْرَاهِيْم فِي الْعَالَمِيْن إِنَّك حَمِيْدٌ مَجِيْد ، وَبَارِك عَلَى مُحَمدٍ وَعَلَى آَل مُحَمِّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيْم وَعَلَى آَل إِبْرَاهِيْم فِي الْعَالَمِيْن إِنَّك حَمِيْدٌ مَجِيْد.
فهذا هو الدرس الأول من دروس مدرسة الحياة ونشرح فيها كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي- رحمه الله تعالى- وهو يوافق السادس من شهر رمضان لسنة ألف وأربعمائة وثلاثين من هجرة خير من وطئ الحصى وقد اخترت خاطرة ماتعةً لا يفقهها إلا صاحب ذوق وليس هذا كلامي إنما هو كلام مصنفهما بن الجوزي- رحمه الله تعالي- من كان له ذوق
الْمَقْصُوْدُ بِالْذَّوْقِ عِنْدَ أَصْحَابِ الْفُنُوْنِ : جودة الفهم ، وهذا هو المقصود بكلمة الذوق عندما يطلقها كل أصحاب الفنون سواء كان في علم السلوك ، حتى الصوفية مثلًا يسمون الذوق هو الوجد ، أن تفهم عنه فهمًا صحيحًا ، وأصحاب علوم الآلات كعلوم الفقه والحديث والتفسير يسمون هذا أيضًا كلما ارتقى المرء في باب الفهم وجودته يسمونه صاحب ذوق .
الْمَقْصُوْدُ بِالْذَّوْقِ فِيْ عِلْمِ الْحَدِيْثِ :وهذا يتجلى عندنا أكثر في علم الحديث ، كلما استتمت ملكة المرء تكلم بكلام يراه المبتدئ في الفن تناقضًا ، لكن إذا علا ذوقه علم أنه كان ناقص الفهم .وهذه الخاطرة اخترتها بعناية أن تكون في مطلع شهر رمضان وأرجوأن ينتفع بها العالم والجاهل وطالب العلم وغيره ، لأن طالب العلم أو العالم مهما علا في منصبه فإنه يحتاج دائمًا تذكير غيره له ، وكلما سُدد المرء في الفهم تلقى كلام غيره بأذن مشتاقةٍ لا بأذنٍ ناقدة ,أحيانًا يدخل بعض طلبة العلم وأنا كنت متلبسًا بذلك قبل هذا ، أدخل في أي خطبة الجمعة وأسمع الخطيب بأذن ناقدة ، ممكن أقول أنه ليس جيد ولم يعرف أن يأتي بها ، لو أنا كنت أتيت بها صح ، لو أنا كنت وضعت الدليل الفلاني الذي فاته مثلًا ، وأخرج من الخطبة وأقول هذا الإمام ضعيف المستوى ، لماذا ضعيف المستوى لأنني سمعته بأذنٍ ناقدة ، فلما وقعت لي واقعة وسأحكيها للعبرة ، وأسأل الله ألا يجعلنا عبرة بل يجعل لنا عبرة ، لكن أنا اعتبرت بهذه العبرة ، وحكيتها مرة فيما تقدم من الزمان .
يَسْرُد الْشَّيْخ حَفِظَه الْلَّه قِصَّة حدثْت لَه مَع أَحَد الْأَشْخَاص وَالْعِبْرَة مِنْهَا:كان هناك رجل طيب ليس غزير المعلومات ، وهذا ليس نقد ، وهذه هي الحقيقة ليس غزير المعلومات ، وكان يطرق مساجد الجمعية الشرعية وهو من بلدي ، من عندنا من كفرالشيخ ، وعندما يلقاني يقول لي الفهرس الخاص بخطبه ، ماذا قال فيما مضى وماذا سيقول ، فإذا أنا التقيت به على الأقل أحاول أنزع منه نزعًا رفيقًا لأنني ليس لدي وقت ولا أستطيع أبدًا لأنه متوالي الكلام ، أريده أن يأخذ نفسه لكي أقول له السلام عليكم وهو لا يأخذ نفسه ، دائمًا كلامه متتابع ,فكنت أكره أن ألقاه ، كلما أذهب لمسجد لأصلي الجمعة ولم يكن عندي جمعه لابد أن يقابلني ، فذهبت مرةٍ إلى مسجد نكرة جدًا تحت عمارة وقلت يستحيل أن يأتي هذا الرجل فيه ، المهم سبحان الله على ناصية الشارع التقطني ، فتمثلت بقول الجماعة العوام الذي يخاف من العفريت يطلع له ، فقلت أنا اليوم لن انتهي ، المهم قال لي أنا خطبت الجمعة وتكلمت عن قصة إبراهيم عليه السلام ، وإسماعيل عليه السلام ، قصة الذبح وغير ذلك ,ثم قلت:﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ﴾ (الصافات:103-105) ، ثم وقف هذه الوقفة جعلتني أعمل حوالي خمسة أو ست خطب ، وهو لم يكن يقصد أن يقف قد صدقت ، ثم جعل يقول وأنا انشغلت عن كلامه تمامًا واستغرقت في المعني الذي أُلقي في قلبي ، هذه الوقفة.
أَهَمِّيَّةِ الْوَقْفِ وَالابْتِدَاءً فِيْ تِلَاوَةِ الْقُرْءَانَ:ومسألة الوقف والابتداء هذا فن كبير ، لما يقرأ المقرئ أعرف إذا كان فاقهًا أم غير فاقه بمسألة الوقف والابتداء .مثلًا أحد القراء المشهورين قال وهو يقرأ في الحفلة وأنت تعرف الذين يسمعون هؤلاء صم ، هو أهم حاجة الرجل كيف سيختم لكي يقولون الله الله يا مولانا ، ولا يعرف هو لماذا يقعد ؟ قاعد﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ﴾(الزمر:71) قاعد ، قاعد ، أم ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾(الزمر:73) ، ليس عنده فكرة بما يقرأه القارئ ، المهم هو يريده أن يقرأ ويقف ليهلل .
مِثَالُ لِلْوَقْفِ وَالابْتِدَاءً الْفَاسِدِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ :المهم هذا القارئ قرأ:﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾(لقمان:13) ، قرأها هكذا:﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ ، وهذا معنى تام صحيح ، لكنه لما بدأ قال:﴿ بِاللَّهِإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ، المعنى صح أيضًا لأن الباء هنا صارت باء القسم وليست حرف جر ، الآية ليس فيها قسم أصلًا لكي يخترع معنى في الآية ليس موجودًا ، فهذه بداية فاسدة لا يجوز لأحد أن يبدأ بها مطلقًا ، لماذا ؟ لأنه أوجد معنيً ليس موجود في الآية ، لما يقول:﴿ بِاللَّهِإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ والناس يهللون وغير ذلك,.
نَصِيْحَة الْشَّيْخ _حَفِظَه الْلَّه_ لْمُقْرُئي الْقُرْآَن:وأنا أنصح أهل القرآن إخواننا الذين تصدروا للقراءة في المحاريب ، ويفسروا القرآن وغير ذلك أن يعتنوا بباب الوقف والابتداء . وأبو عَمر الدالي له كتاب كامل في هذا اسمه( الوقف والابتداء ).
أريد أن أقول عندما وقف الرجل ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ ﴾ ، أعطت المعني الذي أريده وكنت أنا وقتها أتكلم عن أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الإيمان لابد له من عمل ، فالذي وقع في قلبي آنذاك من هذا الوقف ، أنظر الآية تقول:﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ هذا شغل عمل الجوارح جعله علي وجهه وأتي بالسكين وسيذبحه أليس كل هذا عمل ؟ قال:﴿ قَدْ صَدَّقْتَ ﴾ ، إذا التصديق لا يصلح إلا بعمل .
تخطَيِّيء الْشَّيْخ_حَفِظ ه الْلَّه_ لِمَن يَقُوْل أَن الْإِيْمَان هُو الْتَّصْدِيْق:الجماعة الذين يقولون الإيمان هو التصديق ، هذا خطأ لماذا أضفت هذه الجزئية ؟ الأدلة التي أتيت بها ، وطبعًا هذا ليس دليل في المسألة ، الأدلة كثيرة جدًا ومباشرة أيضًا ، لكن أنا اغتبطت بهذا لأن هذه الآية لم أقدر وأن أقرأ لم أقدر أن أنتزع منها الدلالة علي هذا المعني ، فلما وقف قال:﴿ قَدْ صَدَّقْتَ ﴾
الْعَهْد الَّذِي أَخَذَه الْشَّيْخ عَلِي نَفْسِه عِنْدَمَا يَسْتمَع لِأَي خَطِيْب: فآليت علي نفسي من هذه اللحظة إذا دخلت مسجدًا , أن أعطي قلبي وسمعي للخطيب أي كان هذا الخطيب ، وطرحت الأذن الناقدة خلف ظهري وفعلًا لا أنكر من أنني استفدت من كل خطيب تكلم بكلمة علي أي منبر .
فأنا أريد أن أقول مسألة الذوق في العلوم هذا معناها جودة الفهم في هذا العلم ، وربما تكلمت بكلام لا يفقهه من لم يكن عنده ذلك الذوق ، وأن أريد أن نفرق بين ذوق الصوفية الذي لا ينطبق علي الأصول التي أتفق عليها الأئمة ، والذوق الصحيح الذي ينقل عن ملكة صحيحة ، فهذه الخاطرة أعجبتني ، وأنت عندما تعطي لها أذنيك ، ثم تعطيها قلبك ، ولذلك أنا أقول لك أنصت لا أقول لك استمع .
الْفِرَقَ بَيْنَ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ :والفرق بين الإنصات والاستماع كبير جدًا ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ﴾(الأحقاف:29)فالإنصات: يختص بسمع القلب ، والاستماع: يختص بسمع الجارحة ، ولا مانع أن هذه الكلمة تبقي مكان هذه وهذه مكان هذه ، لكن الصحيح أو الصواب في المسألة: أن الإنصات عادةً يكون بسمع القلب والاستماع يكون بسمع الجارحة ، ولا مانع كما قلت أن يكون الاستماع يدل على إنصات القلب وهكذا ,فأنت إذا أعطيتني سمعك أو أقول كما قال القرءان ألقيت سمعك أو ألقى السمع وهو شهيد .
مَعْنِي إِلْقَاء الْسَّمْع: الاستسلام لما يُقال ، أي لا توجد معارضة قلبية لما تستمعه بأذن الجارحة ، مسلِّم تمامًا ، فإذا سلمت وتركت سمعك ألقيته ، وطالما لا توجد مقاومة للمعني السمع يستمع بسهوله ، ومتى تقف الدنيا لما أذنك ترفض ، لذلك الله تعالي يقول:﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ﴾(الأنفال:23) ، وهم يسمعون لكن يسمعون بالأذن الجارحة ، ولأن هناك مقاومة من السمع فهم لا يقدرون أن يفهموا فحدث نوع من المقاومة للمعنى فلم يصل إلى القلب ,فأنت إذا ألقيت قلبك ليس في هذه الخاطرة فقط ، بل في كل كلام يدلك على الله- سبحانه وتعالي- تنتفع انتفاعًا كثيرًا .
يقول بن الجوزي- رحمه الله-: (واعجبا من عَارف بالله- عز وجل- يُخَالفه ولَو في تَلفِ نَفسهِ هَل العَيش إلا مَعهُ ؟ هَل الدُّنيا والآخِرة إلا لَه ؟ أُفٍ لِمُتَرَخِصٍ في فعلِ ما يَكره لِنَيل ما يُحِب ، تَالله لقَد فَاته أضعَافُ ما حصَّل ، أَقبِل على ما أقوله يَا ذا الذَّوق هَل وقَع لك تَعثِيرٌ في عَيشٍ ؟ وتَخبيطٍ في حَالً ؟ إلا حَالَ مُخالفتِه:
ولَا انثَنَى عَزمي عن بَابِكم
إِلَّا تَعثَرتُ بِأَذيَالِي
(أما سَمعتُ تِلك الحِكايةِ عن بَعض السَّلف أنَّه قَال: رأيتُ على سُورِ بَيروت شَابًا يَذكرُ الله تعالى فقُلتُ لَه: ألكَ حاجَة ؟ فقَال: إِذا وقَعَت لي حاجةٌ سَألتَه إِيَاهَا بقَلبي فقَضَاهَا ,يا أربَابَ المُعامَلة بالله عليكم لا تُكَدِِّرُوا المَشرب قِفُوا على بَابِ المُراقبةِ وِقُوفَ الحُرََّاس وادفَعُوا مالا يَصلُح أن يَلِجَ فَيُفسِد واهجروا أغَراضَكَم لِتحصيلِ مَحبوبَ الحبيبِ فإنَّ أغرَاضَكُم تُحَصَّل ، عَلى أَننِي أقُولُ أُفٍ لمن تَركَ بِقَصدِ الجزاء: أهذَا شَرطُ العُبُودية كَلا ؟ إنَّما يَنبغِي لي إذا كُنتُ مَملُوكًا أن أفعَل ليَرضَى لا لأُعطَى فإن كُنت مُحبًا رأيت قطَعَ الآرَابِ في رِضَاهُ وَصلًا اقبل نُصحِي يا مَخدُوعًا بِغَرضه ، إن ضَعُفتَ عن حمَل بَلائِهِ فاستَغِث به وإن آلمَكَ كَربُ اختياره فإنكَ بين يَديه ولا تَيأَس مِن رَوحِه ، وإن قَويَّ خِنَاق البِلاء ، بالله إن مَوتَ الخَادم في الخِدمَةِ حَسنٌ عِند العُقَلاء ,إِخواني لِنَفسِي أقولُ فَمَن لَه شِربٌ مَعي فَليَرِد: أيَتُها النَّفس لقَد أعطَاك مَا لم تُؤَمِلِي ، وبَلَغكِ ما لم تَطلُبِي وسَتَر عَليك من قَبِيحِكِ ما لَو فَاحَ ضَجَت المَشَام فمَا هَذا الضَّجِيج مِن فَوَاتِ كَمَالِ الأَغرَاض ؟ ,أمَملُوكةً أنتِ أم حُرة ؟ أما عَلِمتِ أنَّكِ في دارِ التَّكليف وهَذا الخِطابُ يَنبغي أن يَكُون لِلجُهَالِ فَأين دَعوَاك المَعرِفَة ؟ ,أَتُرَاهُ لو هَبَت نَفحةً فَأخذَت البَصر كَيف كانت تَطِيبُ لك الدنيا ؟ وأسفًا عليك لقَد عَشِيَت البَصيرة التي هِي أَشرَف ومَا عَلِمت كَم أقُولُ عَسى ولَعَل ؟ وأنتِ في الخَطأ إلى قُدََّام ، قَرُبت سَفينةِ العُمرِ من سَاحِلِ القَبر ومَا لكَ في المَركبِ بِضَاعةٌ تَربَح تَلاعبت في بَحر العُمر ريحُ الضَّعف فَفَرَقَت تَلفِيقَ القُوى وكَأَن قد فَصَلت المَركَب بَلغَتِ نِهَاية الأَجَل وعَينُ هَوَاكَ تَتَلفت إلى الصِّبا ، بالله عَليكِ لا تُشمِتي بِكِ الأَعدَاء هَذا أقَلُ الأقسَام وَأوفَى منها أن أقُول: بالله عليكَ لا يَفُوتنَكَ قَدمُ سَابقٍ مَع قُدرَتِك عَلى قَطعِ المِضمَار ,الخَلوَة الخَلوة واستَحضِرِي قَرينَ العَقلِ وجُودِي في حَيرَة الفِكر واستَدرِكِي صُبَابَة الأَجلِ قَبل أن تَميل بِكِ الصَّبَابَة عن الصَّواب , واعَجبًا كُلمَا صَعَد العُمر نَزلتِ وكُلمَا جَدَّ المَوتِ هَزَلتِ ، أَتُرَاكِ مِمَن خُتِمَ له بِفتنَة وقُضيَت عَليه عِندَ آخِر عُمرِه المِحنَة ، كَانَ أَولُ عُمُرِكِ خًيرًا مِن الأَخِير ، كُنتِ في زَمنِ الشَّبابِ أصلَحُ مِنكِ في زَمنِ أيَام المَشيب ﴿ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ ﴾(العنكبوت:43) .نَسألُ الله- عَز وجَل- مَا لا يَحصُل مَطلُوبُنَا إِلا بِهِ وهو تَوفِيقَهُ إِنَّه سَميِعٌ مُجِيب) .أرجو أن تكون الخاطرة مست القلوب .
وَعَصَبِهَا فِي مِحْوَرَيْن ،مَرَد المِحُورِين إِلَى وَاحِد مِنْهُمَا:العصب الأول: العبوديـــة العصب الثاني: المحبـــــة ,ومرد المحبة إلى العبودية لأن الناس أصحاب الدنيا وليس الذين يتكلمون بلسان الشرع ، إنما الكلام الذي سأذكره هو كلام المحبين ، الشعراء الذين يتعلقوا بالنساء ، أو الكتاب من أصحاب القلم السيال الذين يستطيعون تعريف المحبة تعريفًا قويًا يدخل على قلبك رغمًا عنك ، وكما قال النبي ﷺ:" إن من البيان لسحرًا " ، وهذا هو الذي يسميه العلماء السحر الحلال ، أي الكلام الجميل ,كاتب أو صاحب لسان جيد أو شاعر بدئوا يعرفون المحبة ، فعرفوها بكلام كثير ووضعوا لكل كلام عنواناً ، وقالوا أنت لا تستطيع أن تصل إلى قمة أي شيءٍ إلا بالتدرج ، وهذا حق
خذ الطير مثلًا: حمامة باضت ، أفرخت ، أطعمت أولادها ، بدأت تعلمه الطيران هل يستطيع أن يحلِّق في جو السماء بريشه الأصفر ، وجناحه الضعيف ؟ ، لا ، تبدأ تعلمه الطيران يطير متر ثم يسقط على الأرض ، لأنه لا يعرف أن ينزل ، لأن الطائر عندما يريد أن يرتفع يضرب بجناحيه بقوة ، فإذا أراد أن ينزل نشرهما وأوقفهما ، وترى هذا الكلام ، فوصف الطائر في الصعود يضرب بقوة ، وفي النزول ينشر جناحيه ولا يضرب ولا يضم جناحه إلى جسده لأنه سيسقط مباشرة ، والذي سيحفظ توازنه هو نشر الجناحين . ولما تقرأ قوله تعالي:﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾(الإسراء:24)اخفض: أي أنزل ، كيف ينزل ؟ ينشر جناحيه، لكن لما تعمل هكذا تزعجهم ، تعمل هكذا معنى هذا أنك ستسبب لهم قلق ، أنت متى تضع الشيء على الجناح ولا يتحرك ؟ عندما يسكن.
كَيْفِيَّة خَفَض الْجَنَاح مَع الْوَالِدَيْن:فأنت المفترض مع أبيك وأمك تعمل مثل الطائر الذي أراد أن ينزل تنشر جناحيك ، تعمل هكذا لو أبوك على جناح وأمك على الجناح الثاني ، فلو عملت هكذا وخفضت جناحيك ستوقع بهم ، لكن تظل هكذا تنشر جناحيك وتنزل فهذه مرحلة سكون ، والساكن ضد المتحرك ، لا تتحرك فلا يكون هناك إزعاج .
الْرَّجُل مُتَحَرِّك وَالْمَرْأَة سَاكِنَة:لذلك لما نقول الرجل المتزوج ، نقول المرأة هي السكن ومعنى السكن: أي لا تتحرك﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ * لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ (الروم:21) ، أنت الذي تسكن وليس العكس ، لأنك كرجل تسعى في الدنيا الواسعة وهذا يريد أن يخدعك والآخر يريد أموال وأخر يريد كذا وكذا فأنت تعمل كالذئب ، تمشي بين الناس وأنت تنصب عينك وفي حذر ومنتبه ، فأنت بذلك تكون متحرك أم لا ؟ متحرك ، كل جسمك مركز في الخارج ، لو دخلت البيت وتحركت أيضًا ، فتكون متحرك بالخارج ومتحرك بالداخل فهذا قد يصيبك بالجنون ,المفترض أنا رجل متحرك بالخارج المرأة تفهم هذا الكلام ، الكلام هذا للنساء الذين يجلسون تحت وليس لكم إنما لهن ، الذين يجعلون البيت به عفاريت تعمل به ، تتقي الله- سبحانه وتعالي- حتى تلقى الله بوجه أبيض ، فالمفترض أن الرجل أول ما يدخل بيته يسكن ، ما المقصود من يسكن ؟ أي يوقف أذنه ورأسه ، وهو آمن أن هذه المرأة مؤتمنة على حياته كلها ، ولا يدخل أول ما يدخل تعالى أنظر لأولادك ، هذا الولد لم يذاكر ، وهذا يفعل كذا وهذا كذا ، وغير ذلك ، رأسه ، أول ما تتلقاه بهذا الكلام وممكن أول ما تتلقاه ، وهو يدخل إلى البيت يسقط على وجهه لأن حقيبة الولد خلف الباب مباشرة ، وهي لما جاء الولد من المدرسة لم تكلف نفسها وتضع الحقيبة على جنب لا ، أول القصيدة وقوع ، المفروض الرجل يدخل لكي يسكن ويأخذ قوة يستطيع أن يواصل غدًا مع خلق الله ، الذين يجعلونه متحركًا رغمًا عنه .
المفترض أنني أريد أن أتعامل مع أبي وأمي لكي تفهم القرءان ودقائق القرءان ومعانيه:﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ ، وهذه سنعود لها بعد قليل ، لكن نجعل المعني الثاني الذي أريد أن أقوله حتى في موضعه حتى تظهر المسألة ,فتكون الأم التي هي الحمامة تعامل أولادها قليل ، قليل حتى يبدأ يصير له ريش ويطير ، أي واحد وصل إلى القمة في عمله ما وصل إليه طفرةً .
أَهَمِّيَّة الْتَّدْرُج فِي كَمَال الْعَمَل الْدِّيْنِي وَالْدُّنْيَوِي:أي إنسان وصل إلى كمال العمل سواء في عمل الدنيا أو الآخرة ، ما وصل إليه طفرة ، إنما وصل تدرج ، وعلى حسب جده ومعرفته بهدفه يكون قرب وصوله أو بعد وصوله ، الإنسان العارف بالحقيقة غير المغفل .
قَال الْمُحِبُّون لَن تَسْتَطِيْع أَن تَصِل إِلَى قِمَّة الْحُب إِلَا بِمَرَاحِل:، تبدأ الأول في الروضة ثم ترتقي قليلًا إلى الروضة رقم اثنين ولا أريد أن أقول الكيجيهات وهذا الكلام الفارغ الذي يقولونه ، أكره جدًا التعبير بالإنجليزي ، وأي محاضرة تخرج كلمة من الكلمات أنا أعتذر عنها ، وأنا أقول ذلك ، أعتذر عنها اعتزازًا بلغتي ، وأنا لا أعبر أبدًا بلغة عدوي مطلقًا .فأنا أريد أن أقول أنه دخل الروضة الأولى ، الروضة الثانية أولى ابتدائي ، ثانية ابتدائي ، ويظل يتدرج حتى يصل إلى الجامعة ، والحب هكذا أيضًا أوصل هؤلاء المحبون درجات الحب إلى قريبًا من ستين اسمًا ، لابد أن تتقلب في هذه الستين اسمًا ، ونحن سنسمي الستين اسمًا هذه مراحل ، أو منازل ، لابد تنزل في المنزلة الأولى ، فإذا فيها ونجحت تنقلك إلى المرحلة الثانية ، وتظل تترقي كالسلم تترقى إلى فوق حتى تصل إلى أعلى درجات الحب التي لا يوجد بعدها ، وأنا لن أشرح درجات الحب لكن سأقرأ لكم الأسماء ، كل اسم تحته معنى .قال هذا المعنى نلخصه ونقول فيه ماذا ؟ قال نضع له عنوان كذا ، فإذا تدرج قليلًا تكون المحبة اسمها كذا ، قال: نضع لها عنوان ، فأنا لست معنيًا بشرح هذا الكلام للمحبين ، لكنني سأذكر لكم الأسماء الذي ذكرها بن القيم- رحمه الله- وجمعها من كتب الشعراء وغير ذلك – رحمه الله- وأراحنا ، ولكي تعرف آخر درجة من درجات الحب كيف هي .
يقول بن القيم- رحمه الله- وكما قلت لك هذه عبارة عن عناوين فقط ، يقول: الحب أول شيء في سير المحب إلى آخر مقصوده أيًا كان المقصود دنيا أم دين ، المهم له آخر المقصود .
__________________
هنا المواد المفرغة في موقع الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله
http://alheweny.org/aws/catplay.php?catsmktba=228