رأي الشيخ عبد الكريم الخضير وفقه الله فيما يسمى اختلاف مناهج المتأخرين عن المتقدمين في نقد الحديث النبوي
يقول الشيخ عبد الكريم الخضير وفقه الله:
هناك دعوةٌ تُرَدَّدٌ على ألسنة بعض طلبة العلم ، وهي الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين في مصطلح الحديث والأخذ مباشرة من كتب المتقدمين ، وذلك لأن قواعد المتأخرين قد تختلف أحياناً عن مناهج المتقدمين ، فمثلاً: زيادة الثقة أو تعارض الوصل والإرسال أو الوقف والرفع عند المتأخرين في كتبهم النظرية يحكمون بحكم عام مطرد ، فيرجحون قبول الزيادة مطلقاً والحكم للوصل مطلقاً والرفع دائماً ، ومنهم من يرجح ضد ذلك لأنه المتيقن .
وإذا راجعنا أحكام المتقدمين كالبخاري وأبي حاتم وأحمد وغيرهم كالدارقطني ، وجدناهم لا يحكمون بحكم عام مطرد بل ينظرون إلى كل حديث على حدة ، تارة يحكمون بالزيادة وقبولها ، وتارة يحكمون بردها لأنها شاذة ، وتارة يحكمون للوصل ، وتارة يحكمون للإرسال ، وهكذا في الرفع والوقف تبعاً لما ترجحه القرائن .
وهي دعوة في جملتها وظاهرها مقبولة ، لكنها لا تصلح أن يخاطب بها جميع الطلبة ، فالمبتدئ في حكم العامي عليه أن يقلد أهل العلم ، وتقليد المتقدمين يجعل الطالب في حيرة لصعوبة محاكاتهم ممن هو في البداية لأنه يلزم عليه أن يقلدهم في كل حديث على حدة ، وهذا يلزم عليه قطع باب التصحيح والتضعيف من قِبَل المتأخرين ، وهذا ما دعى إليه ابن الصلاح - رحمه الله - ، لكنه قول رده أهل العلم عيه وفنَّدوه وقوَّضوا دعائمه .
وأما طالب العلم المتمكّن من جمع الطرق واستيعابها ، وإدامة النظر في أحكام المتقدمين بعد أن تخرّج على قواعد المتأخرين وطبقها في حياته العلمية مدة طويلة ، وحصل عنده مَلَكة تؤهله للحكم بالقرائن ، فهذا هو المطلوب بالنسبة لهذا النوع ، وهذا هو مسلك المتأخرين أنفسهم كالذهبي ، وابن حجر لا تجد لهم أحكاماً مطردة في التطبيق وإن اطرد قولهم في التقعيد للتمرين .
وإذا كان كبار الأئمة في عصرنا وقبله كسماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز ، ومحدث العصر الشيخ ناصر الدين الألباني رحمهما الله ، قد اعتمدا كثيراً على قواعد المتأخرين ، فكيف بمن دونهما بمراحل.
وليست قواعد المتأخرين قواعد كلية لا يخرج عنها أي فرع من فروعها ، بل هي قواعد أغلبية يخرج عنها بعض الفروع كغير هذا العلم من العلوم الأخرى .
ونظير هذه الدعوى دعوى سبقتها ، وهي الدعوة إلى نبذ كتب الفقه ، وطرح كلام الفقهاء وعدم اعتبارها ، والتفقه مباشرة من الكتاب والسنة ، وهي دعوة كسابقتها لا يمكن أن يخاطب بها جميع فئات الطلبة بل يخاطب بها طالب العلم المتمكن الذي لديه أهلية النظر في الأدلة وما يتعلق بها ، فليست كتب الفقه وأقوال الفقهاء دساتير لا يحاد عنها بل ينظر فيها ، فما وافق الدليل عمل به ، وما خالف الدليل ضرب به عُرض الحائط كما أوصى به الأئمة أنفسهم . أهـ المقصود [أنظر تحقيق الرغبة ص12]