المقدمة:
الحمد لله ذي القصد والنعم، والشكر له موصول ومعتصم، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وذريته وأمته أفضل الأمم.
أما بعد:فإنَّ المقاصد فن مخصوص المسمى، وهو يحوي طائفةً من المباحث الشرعية على وجه الاستبداد و الاستئثار في مقابلة الفنون الأخرى.
يتجلى استقلال علم المقاصد من حيث مناهجه وغاياته ومسالكه، و مصطلحاته، وضوابطه..، وينحصر إجمالا في عبارة حاوية لأحكام المقاصد، ومقاصد الأحكام، وأوصاف الشريعة الإسلامية.
وتنتظم حقيقته وفق المراد الشرعي الذي تُحمل عليه النصوص القرآنية والنبوية من حيث الظاهر والباطن، على أن يشهد لذلك شواهد بالاعتبار وإن كانت مرسلة.
على معنى :أن المقاصد لا تبحث في الأحكام ولكن في ثمرات الأحكام ومآلاتها الشَّرعية.
وقد تعددت مناهج العلماء في تدوين هذا العلم على أنحاء توزعت بين:
أولاً: الاهتمام بالأحكام المقصودة للشارع الحكيم، وترجموا ذلك تحت ما يسمى بإيقاع المأمورات واجتناب المنهيات على سبيل اللزوم أو الندب أو الإباحة.
ثانيا: الاهتمام بمقاصد الفروع أو الأبواب الفقهية..
ثالثا : الاشتغال بالجانب التنظيري الفلسفي دون رعي لتنزيل أو إعمال.
رابعا :تحصيل المحصل على وجه يعيد فيه النظر مقولات من سلف دون تحقيق وتمحيص .
خامسا : معالجة مباحث المقاصد معالجة أصولية .
والناظر لهذه المناهج يلامس الحقائق ملامسةً تضمنيةً، فلا يظفر إلا بقدر بسيط من المعرفة في هذا التخصص .
بيان ذلك : أن الاهتمام بأحكام المقاصد من وجوب أو ندب أو حرمة أو كراهة أو إباحة ممدوح ،وهو متشوف حسن ، ولكن درك مقاصد هذه الأحكام وتحصيل الثمرات المتمثلة في المصلحة المأمور جلبها، والمفسدة المطلوب درؤها أو رفعها, حال التوقع أو الوقوع, أشوف منه.
-وأن الوقوف عند أسرار التفريع- فقها وأبوابا - محمود شرعاً ,وأكثره حمداً الارتقاء بهذه المقاصد من الظن إلى القطع بالطرق التي وقتها أربابها, على أن يُجلب منها القدر المشترك ليكون مقصدا عاما يحتكم إليه المتخاصمان مع ضرورة الاعتناء بالقرآن والسنة .
- كما أن الاعتكاف على التنظير الفلسفي لا يحقق الغاية المرجوة من هذا العلم ،ويخالف المآل الذي يرمي إليه البحث المقاصدي من خلال عدم الالتزام بالتفعيل والاستثمار .
وهذا التنظير هو أكثر ما اشتغل به الفقه المعاصر , حتى أضحت المقاصد عسيرة على اللبيب الألمعي . وجُعل في ثنايا ذلك الإبداع الشاطبي دريئة لكل رامٍ إيهاماً بمزية مقام التخصيص .
ثُّم إنَّ الاقتصارَ على الحديث المعاد ،تعطيلٌ لفيض المقاصد التي ما لها من نفاد ،وتحصيل الحاصل عبث تأنفه العقول الراجحة ,لأن فيه هدر الأوقات ,و صرف الطاقات فيما لا يجوز.
وأن مناهج الأصوليين لا تورِّث إلاَّ ظنّا في حقل المقاصد ، وتوسع الخرق على الراقع، والعدل الوسط الذي ينجبر به الكسر ، هو أن نعمد إلى المباحث الأصولية فنعيد صهرها في وعاء جامع لخاصية التواتر , ومنهج التمالأ القائم على ترقية الظنون , والعدول من التوصيف إلى الاستدلال على وجه نفصله قريبا .
وعليه : فإنا اليوم بأمس الحاجة إلى إعادة ترتيب علم المقاصد وفق منهج جديد يعيد الاعتبار لحقائقه ومسالكه ومدارسه ,تربصا بمواقع التنزيل والتوظيف ,على أن نهذب من مصطلحاته و نيسِّر سُبَلَ الوصول إليه , ليستغرق أهل التكليف .