بسم الله الرحمان الرحيم
حديث الصلاة الوسطى
_حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا قال ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء وقال أبو معاوية مرة يعنى بين المغرب والعشاء[1].
إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير شتير بن شكل فمن رجال مسلم
فقه الحديث:
اختلف في الصلاة الوسطى ما هي على عشرين قولا، حكاها ابن حجر وابن غازي والحطاب وغيرهم وألف فيها الحافظ عبد المؤمن الدمياطي رحمه الله كتابا بعنوان " كشف المُغَطَّى في تبيين الصلاة الوسطى ".
نظمها سيدي عبد الواحد الونشريسي في قوله:
كل من الخمس فهي فالجمعة …....... - ....فالوتر فالظهر وجمعة معه
فالخوف فالعيدان فهي مبهمة…........ - ...في الخمس فالصبح ومعها العتمة
فصبح أو عصر على التردد …....... - ....ثم صلاتنا على محمد
فالصبح مع عصر فوقف فالضحى… - …ثم الجماعة بها الوسطى اشرحا …ومذهب مالك والشافعي رحمهما الله وجمهور أصحابهما أنها الصبح، ومذهب الحنفية وبعض الشافعية أنها العصر[2].
وقيل الصبح والعصر معا لقوة الأدلة فظاهر القرآن الصبح وظاهر السنة العصر
قال ابن عبد البر الاختلاف القوي في الصلاة الوسطى إنما هو في هاتين الصلاتين وغير ذلك ضعيف.
قال القرطبي وصار إلى أنها أبهمت جماعة من العلماء المتأخرين وهو الصحيح لتعارض الأدلة وعسر الترجيح [3].
ومن اجمل من فصل القول في ذلك الامام العيني في شرحه لصحيح البخاري,قال:
"وذكر العلماء فيه عشرين قولا:
• القول الأول: أن الصلاة الوسطى هي العصر وهو قول أبي هريرة وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو في رواية وسمرة بن جندب وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم ...وهو قول الحسن البصري والزهري وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر ويونس وقتادة والشافعي وأحمد والضحاك بن مزاحم وعبيد بن مريم وذر بن حبيش ومحمد بن السائب الكلبي وآخرين وقال أبو الحسن الماوردي هو مذهب جمهور التابعين وقال أبو عمر هو قول أكثر أهل الأثر وقال ابن عطية عليه جمهور الناس وقال أبو جعفر الطبري الصواب من ذلك ما تظاهرت به الأخبار من أنها العصر وقال أبو عمر وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب وقال الترمذي هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم قال الماوردي هذا مذهب الشافعي لصحة الأحاديث فيه [4].
• القول الثاني :الصلاة الوسطى المغرب, وهو قول قبيصة بن ذئب قال أبو عمر هذا لا أعلم قاله غير قبيصة قال ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر وأن رسول الله لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها قال أبو جعفر وجه قوله أنه يريد التوسط الذي هو يكون صفة للشيء الذي يكون عدلا بين الأمرين كالرجل المعتدل القامة.
• القول الثالث : أنها العشاء الأخيرة وهو قول المازري وزعم البغوي في شرح السنة أن السلف لم ينقل عن أحد منهم هذا القول قال وقد ذكره بعض المتأخرين.
القول الرابع : أنها الصبح وهو قول جابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وابن عباس في قول وابن عمر في قول وعطاء بن أبي رباح وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك بن أنس والشافعي في قول وقال أبو عمر وممن قال الصلاة الوسطى صلاة الصبح عبد الله بن عباس وهو أصح ما روي عنه في ذلك وهو قول طاوس ومالك وأصحابه .
• القول الخامس : أنها إحدى الصلوات الخمس ولا تعرف بعينها روي عن ابن عمر من طريق صحيحة قال نافع سأل رجل ابن عمر عن الصلاة الوسطى فقال هي منهن فحافظوا عليهن كلهن وبنحوه قال الربيع بن خثيم وزيد بن ثابت في رواية وشريح القاضي ونافع. [5]

هذه أشهر الأقوال أما ما بقي منها فهي أقوال متضاربة فمنهم من جعلها هي الخمس إذ هي الوسطى من الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" بني الإسلام على خمس",ومنهم من قال هي المحافظة على وقتها قاله ابن أبي حاتم في كتاب التفسير وبعضهم جعلها الجمعة خاصة ,حكاه الماوردي وغيره,وقيل أنها صلاتان الصبح والعشاء وعزاه ابن مقسم في تفسيره لأبي الدرداء ومنها أنها العصر والصبح وهو قول أبي بكر المالكي الأبهري وغيرها من الأقوال ,فقد بلغت عشرين قولا كما قال العيني وغيره,وقد فصل القول في ذلك كثير من العلماء ولا يسعني نقل جميع الأقوال فمن أراد مزيد إيضاح وتفصيل يرجع إلى المصادر في ذلك.
← أدلة من قال هي العصر:من الأدلة القوية على أن الصلاة الوسطى هي العصر ما ذكره الإمام العيني في شرح البخاري:"
حديث علي رضي الله تعالى عنه عند مسلم عنه أنه قال: قال رسول الله يوم الخندق "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" وحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عند مسلم أيضا عنه حبس المشركون النبي عن صلاة العصر حتى غابت الشمس فقال حبسونا عن الصلاة الوسطى وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند مسلم أيضا عن أبي يونس مولى عائشة أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات قال فلما بلغتها آذنتها فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقالت سمعتها من رسول الله ( قلت ) كذا وقع عند مسلم وصلاة العصر بواو العطف ووقع في رواية أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني من رواية أبي هريرة عن قبيصة بن ذؤيب قال في مصحف عائشة "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر" يعني بلا واو...ومنها حديث سمرة بن جندب عند الترمذي عنه عن النبي أنه قال في "الصلاة الوسطى صلاة العصر" وعند أحمد أن النبي سئل عن الصلاة الوسطى قال "هي صلاة العصر" وفي لفظ قال "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" وسماها لنا أنها هي العصر وعند الحاكم محسنا من حديث خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة يرفعه وأمرنا أن نحافظ على الصلوات كلهن وأوصانا بالصلاة الوسطى ونبأنا أنها صلاة العصر"[6].
والكلام في ذلك طويل,فقد فصل الإمام العيني رحمه الله في ذلك وإنما ذكرت ما ذكرت من باب الاختصار والإيجاز.
← أدلة من قال هي الصبح: قال الإمام ابن العربي في القبس: ( الصحيح عندي أنها مخفية في جملة الصلوات، لأن الأحاديث لم تثبتها زيادة في فضلها، والأقوى من جهة الدليل أنها الصبح حسبما ذهب إليه مالك، لأنها فاتحة العمل، ولأن صلاتها تعدل قيام ليلة)، زاد في الأحكام: (ولأنها بين نهاريتين وليلتين، وهن أجل الصلوات قدرا، والظهران والعشاءان يجمعان، وهي لا تجمع مع شيء من الصلوات)، ثم قال في القبس: ( ولله دَرُّ مالك ما كان أرحب ذراعه في النظر واطلاعه على الأدلة، وقد استدل القاضي أبو محمد بن أبي زيد شيخ المالكية على أنها الصبح، بقوله تعالى: " وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ" - البقرة 238-، والقنوت لا يكون إلا في الصبح، ولأنها ركعتان لا نظير لها في سائر الصلوات.[7]
ونقل الإمام الحافظ بن حجر عن شيخه حاصل الأدلة التي ترى أنها غير صلاة العصر.قال:"
"قال شيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي حاصل أدلة من قال أنها غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع أحدها تنصيص بعض الصحابة وهو معارض بمثله ممن قال منهم أنها العصر ويترجح قول العصر بالنص الصريح المرفوع وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة ثانيها معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء وقد تقدم في كتاب الصلاة وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر وقد تقدم أيضا ثالثها ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر فإن العطف يقتضى المغايرة وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع وكونه ينزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه سلمنا لكن لا يصلح معارضا للمنصوص صريحا وأيضا فليس العطف صريحا في اقتضاء المغايرة لوروده في نسق الصفات كقوله تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن انتهى ملخصا.[8]

← القول الراجح:
من خلال استقراء النصوص والأحاديث وأقوال العلماء والمحدثين في صلاة العصر ترجح لي والله اعلم ان الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ,لورود الادلة الصريحة والأحاديث الصحيحة في ذلك , وهذا الذي رجحه كثير من العلماء قديما وحديثا, من ذالك ما ذكره الإمام بن حجر في الفتح وما نقل عن الإمام النووي في شرحه على مسلم,قال الإمام الحافظ بن حجر رحمه الله:
"أنها صلاة العصر وهذا قول أكثر أهل العلم ، وهو القول الصحيح المعتمد ، لدلالة السنة الصحيحة عليه .
"وهو قول علي بن أبي طالب ، فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش قال :
قلنا لعبيدة : سل عليا عن الصلاة الوسطى . فسأله فقال : كنا نرى أنها الصبح ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب : (شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى ، صَلَاةِ الْعَصْرِ).
وهذه الرواية نص في أن كونها العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن شبهة من قال إنها الصبح قوية ، لكن كونها العصر هو المعتمد .
وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة ، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة ، وقول أحمد ، والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه .
قال الترمذي : هو قول أكثر علماء الصحابة .
وقال الماوردي : هو قول جمهور التابعين .
وقال ابن عبد البر : هو قول أكثر أهل الأثر .
وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية" [9].
وذهب إليه أكثر الشافعية مخالفين نص إمامهم لصحة الحديث فيه وقد قال إذا صح الحديث فهو مذهبي[10].
وقال النووي رحمه الله :
والصحيح من هذه الأقوال قولان العصر والصبح وأصحهما العصر للأحاديث الصحيحة ومن قال هي الصبح يتأول الأحاديث على أن العصر تسمى وسطا ويقول أنها غير الوسطى المذكورة في القرآن وهذا تأويل ضعيف [11].

.ما يستفاد من الحديث:
يحتوي الحديث الذي بين أيدينا على جملة من الفوائد نستخلصها من جمله:
الفائدة الأولى:
قوله "ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء":قال النووي رحمه الله:" فيه بيان صحة إطلاق لفظ العشاءين على المغرب والعشاء وقد أنكره بعضهم لأن المغرب لا يسمى عشاء وهذا غلط لان التثنية هنا للتغليب كالأبوين والقمرين والعمرين ونظائرها.
الفائدة الثانية:
وأما تأخير النبي صلى الله عليه و سلم صلاة العصر حتى غربت الشمس فكان قبل نزول صلاة الخوف قال العلماء يحتمل أنه أخرها نسيانا لا عمدا وكان السبب في النسيان الاشتغال بأمر العدو ويحتمل أنه أخرها عمدا للاشتغال بالعدو وكان هذا عذرا في تأخير الصلاة قبل نزول صلاة الخوف وأما اليوم فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العدو والقتال بل يصلي صلاة الخوف على حسب الحال[12].
فائدة أخرى:
وفي هذا الحديث دليل على أن من فاتته صلاة وذكرها في وقت أخرى ينبغي له أن يبدأ بقضاء الفائتة ثم يصلى الحاضرة وهذا مجمع عليه لكنه عند الشافعي وطائفة على الاستحباب فلو صلى الحاضرة ثم الفائتة جاز وعند مالك وأبى حنيفة وآخرين على الإيجاب فلو قدم الحاضرة لم يصح وقد يحتج به من يقول أن وقت المغرب متسع إلى غروب الشفق لأنه قدم العصر عليها ولو كان ضيقا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضا ولكن لا دلالة فيه لهذا القائل لأن هذا كان بعد غروب الشمس بزمن بحيث خرج وقت المغرب عند من يقول أنه ضيق فلا يكون في هذا الحديث دلالة لهذا وان كان المختار أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق [13].

.بعض خصائص وفضائل صلاة العصر:
وقد ذكر الحافظ الدمياطي بعض الخصائص والفضائل التي اختصت بها صلاة العصر :
"فمنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ المصيبة في فوتها بذهاب الأهل والمال في قوله صلى الله عليه وسلم : (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهل وماله) .
ومنها : حبوط عمل تاركها .
ومنها : أنها كانت أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم .
ومنها : أنها أول صلاة شرعت فيها صلاة الخوف .
ومنها : أنها أول صلاة توجه فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة .
ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم : (ورجل أقام سلعة بعد العصر فحلف بالله .. الحديث) . وقد عظم الله الأيمان التي يحلف بها العباد بعد صلاة العصر .
ومنها : أن سليمان عليه الصلاة والسلام أتلف مالاً عظيماً من الخيل لما شغله عرضها عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس .
ومنها : ما جاء في قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) .
ومنها : أنها وسطى في الوجوب ، لأن أول الصلوات وجوبا كانت الفجر ، وآخرها العشاء ، فكانت العصر هي الوسطى في الوجوب" انتهى [14].



[1]مسند الإمام أحمد بن حنبل: مسند علي رضي الله عنه,1_13, رقمه:911 ,اسناده صحيح.

[2] الفجر الساطع على الصحيح الجامع _للشبيهي الزرهوني:ج10_ درواسة وتحقيق :عبد الفتاح الزنيفي,مكتبة الرشد.الطبعة:1430ه ـ

[3]شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك :ج1_408

[4] عمدة القاري شرح صحيح البخاري_احمد العيني :ج:7_397, ضبطه وحققه عبد الله محمود محمد عمر,دار الكتب العلمية_بيروت, لبنان.

[5] المصدر السابق:ج:7_399_400

[6]عمدة القاري :ج:7_398

[7]الفجر الساطع على الصحيح الجامع _للشبيهي الزرهوني:ج10_

[8]فتح الباري شرح صحيح البخاري _بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي:ج:8_198

[9]نفس المصدر السابق:ج:8_196

[10]شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك :ج1_406

[11]المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج _النووي :ج:5_129

[12]نفس المصدر:ج:5_128

[13]نفس المصدر:ج:5_132_133

[14]كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى_للضمياطي: ج1 _ص/129- 130_131,تحقيق :مجدي فتحي السيد .دار الصحابة للتراث.ط:الأولى:1 410هـ