يقول أبو مسلم الفارهيدي: "هناك الكثير من الكنوز لا نشعر بقيمتها إلا بعد أن نفقدها.. ولات حين مندم".
لقد كانت (أم السعد) تلك الضريرة التي ظلت أكثر من نصف قرن تعلم وتمنح الإجازات للنساء والرجال في القراءات العشر أشهر نساء عصرنا وأكثرهن تبحرًا في هذا العلم الراقي.
يقول -صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار, فسمعه جار له فقال: ياليتني أتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل...))
ولأن خير الكلام على الإطلاق كلام الله, فخير الناس من اشتغل به وعمل له ووعاه قلبه..
وكم من الناس قد رفعه الله بالقرآن في الدنيا قبل الآخرة, فهذا أبي العالية رفيع بن مهران وكان مولى لامرأة, وكان ابن عباس -رضي الله عنه- يرفعه في المجلس ويدنيه ويجلسه على السرير.. ولما تغامزت عليه قريش قال ابن عباسلهم: هكذا العلم يزيد الشريف شرفا ويجلس المملوك على الأسرة!!
وكما قال حافظ إبراهيم: صنعتن ما يعي الرجال صنيعه *** فزدتن في الخيرات البركات
نشأت (أم السعد) في أسرة فقيرة وفقدت بصرها في عامها الأول فألحقها أهلها بمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم, وتحكي عن ذكرياتها في تلك المدرسة قائلة: "كان مدير المدرسة يتلطف بي ويحسن معاملتي, ويعطيني الدفاتر, وقد كنت الفتاة الضريرة الوحيدة بالمدرسة, وكان يقول لي: ستكونين اسما على مسمى وستحفظين كتاب الله".. وغيرها من كلمات التشجيع
التي أثرت في نفسها كثيرًا ومنحتها من الثقة والسعادة ما دفعها للنجاح ونيل أعلى الدرجات والتفوق على زميلاتها المبصرات..
تقول -رحمها الله: "ستون عامًا من حفظ القرآن والمواظبة على مراجعته, جعلتني لا أنسى منه حرفًا..فأنا أتذكر كل آية فيه وأعلم المتشابه فيها وكيفية قراءتها بالقراءات العشر.. أحفظ القرآن كاسمي"
وتعلن عن أسعد أيامها وهو اليوم الذي تمنح فيه الطالبة الإجازة وبالرغم من أن هذا اليوم تكرر معها في حياتها أكثر من ثلاثمائة مرة, إلا أنها تذكر تلك الأيام جميعًا؛ لشدة سعادتها بها.. وتحتفظ بنسخة لكل إجازة منحتها..
رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه وجمعنا بها في الفردوس الأعلى من الجنة
للاستزادة عن حياتها أدعوكن لزيارة هذا الرابط, وهي محاضرة للشيخ الدكتور (محمد إسماعيل المقدم), بعنوان "وداعا أم السعد" فما أحوجنا للقراءة عن تلك الفئة الفريدة من النساء من أهل عصرنا:
http://saaid.net/book/open.php?cat=6&book=4250
...