سورة العلقسورة العلق

سورة العلق
مكية و آياتها تسع عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

‏ «‏اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علقٍ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم‏» ‏ عن ابن عباس ومجاهد‏:‏ هي أول سوزرة نزلت وأكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم‏.‏

محل ‏ «‏ باسم ربك ‏» ‏ النصب على الحال أي‏:‏ اقرأ مفتتحاً باسم ربك قل‏:‏ بسم الله ثم اقرأ‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف قال‏:‏ ‏ «‏ خلق ‏» ‏ فلم يذكر له مفعولاً ثم قال‏:‏ ‏ «‏ خلق الإنسان ‏» ‏ قلت‏:‏ هو على وجيهين‏:‏ إما أن لايقدر له مفعول وأن يراد أنه الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه‏.‏

وإما أن يقدر ويراد خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لأنه مطلقن فليس بعض المخلوقات أولى بتقيره من بعض‏.‏

وقوله‏:‏ ‏ «‏ خلق الإنسان ‏» ‏ تخصيص للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لأن التنزيل إليه وهو أشرف ما على الأرض‏.‏

ويجوز أن يراد‏:‏ الذي خلق الإنسان كما قال‏:‏ ‏ «‏الرحمن علم القرآن خلق الإنسان‏» ‏ الرحمن‏:‏ 1 - 2 - 3 فقيل‏:‏ ‏ «‏ الذي خلق ‏» ‏ مبهماً ثم فسره بقوله‏:‏ ‏ «‏خلق الإنسان‏» ‏ تفخيماً لخلق الإنسان‏.‏

ودلالة على عجيب فطرته‏.‏

فغن قلت‏:‏ لم قال ‏ «‏ من علقٍ ‏» ‏ على الجمع وإنما خلق من علقة كقوله‏:‏ ‏ «‏من نطفة ثم من علقة‏» ‏ غافر‏:‏ 67 قلت‏:‏ لأن الإنسان في معنى الجمع كقوله‏:‏ ‏ «‏إن الإنسان لفي خسر‏» ‏ العصر‏:‏ 2 ‏ «‏ الأكرم ‏» ‏ الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كرم بنعم على عباده النعم التي لا تحصى ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهي وإطراحهم الأوامر ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم فما لكرمه غاية ولا أمد وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم حيث قال‏:‏ ‏ «‏الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم‏» ‏ فدل على

كمال كرمه بأنه علم بعباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة وللا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به‏.‏

ولبعضهم في صفة القلم‏:‏ ورواقم رقشٍ كمثل أراقم قطف الخطا نيالةٍ أقصى المدى سود القزوائم ما يجد مسيرها إلا إذا لعبت بها بيض المدى وقرأ ابن الزبيرك علم الخط بالقلم‏.‏

‏ «‏ كلا إن الإنسان ليطغى أن رأه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرءيت الذي ينهى عبداً إذا صلى أرءيت إن كان على الهدى أو امر بالتقوى أرءيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته بالناصية ناصية كذبةٍ خاطئةٍ فليدع ناديه سندع البانيه كلا لا تطعه واسجد واقترب ‏» ‏ ‏ «‏ كلا ‏» ‏ ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه ‏ «‏ أن رءاه ‏» ‏ أن رأى نفسه‏.‏

يقال‏:‏ في أفعال القلوب‏:‏ رأيتني وعلمتني وذلك بعض خصائصها‏.‏

ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين‏.‏

و ‏ «‏ استغنى ‏» ‏ هو المعفول الثاني ‏ «‏ إن إلى ربك الرجعى ‏» ‏ واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديداً له وتحذيراً من عاقبة الطغيان‏.‏

والرجعى‏:‏ مصدر كالبشرى بمعنى الرجوع‏.‏

وقيل‏:‏ نزلت في أبي جهل‏.‏

وكذلك ‏ «‏ أرءيت الذي ينهى ‏» ‏ وروي‏:‏ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتزعم أن من استغنى طغلى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهباً لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك فنزل جبريل فقال‏:‏ إن شئت فعلنا ذلك قم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة فكف رسول الله صلى الله ليه وسلم عن الدعاء إيقاء عليهم‏.‏

ورويعنه لعنه الله أنه قال‏:‏ هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالزا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فو الذي يحلف به لئن رأيته توطأت عنقه فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا له‏:‏ مالك يا أبا الحكم فقال‏:‏ إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة فنزلت ‏ «‏ أرءيت الذي ينهى ‏» ‏ ومعناه‏:‏ أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فما ينهى عنه من عبادة الله‏.‏

أو كان أمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد وكذلك إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الدين الصحيح كما نقول نحن ‏ «‏ ألم تعلم بأن الله يرى ‏» ‏ ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب ذلك‏.‏

وهذا وعيد‏.‏

فغن قلت‏:‏ ما متعلق أرأيت قلت‏:‏ الذي ينهى مع الجملة الشرطية وهما في موضع المفعولين‏.‏

فإن قلت‏:‏ فأين جواب الشرط قلت هو محذوف تقديره‏:‏ إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى وإنما حذف للالة ذكره في جواب الشرط الثاني‏.‏

فإن قلت‏:‏ فكيف صح أن يكون ‏ «‏ ألم يعلم ‏» ‏ جواباً للشرط قلت‏:‏ كما صح في قولك‏:‏ إن اكرمتك أتكرمني وإن احسن إليك زيد هل تحسن إليه فإن قلت‏:‏ فما رأيت الثانية وتوسطها بين مفعول أرأيت قلت‏:‏ هي زائدة مكررة للتوكيد‏.‏

وعن الحسن أنه أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة ‏ «‏ كلا ‏» ‏ ردع لأبي جهل وخسوء له عن عبادة الله تعالى وامره بعبادة اللات ثم قال ‏ «‏ لئن لم ينته ‏» ‏ عما هو فيه ‏ «‏ لنسفعا بالناصية ‏» ‏ لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار‏.‏

والسفع‏:‏ القبض على الشيء وجذبه بشدة‏.‏

قال عمرو بن معد يكرب‏:‏ قوم إذا يقع الصريخ رأيتهم من بين ملجم مهره أو سافع وقرئ‏:‏ لنسفعن بالنون المشددة‏.‏

وقرأ بن مسعود‏:‏ لأسفعا‏.‏

وكتبتها في المصحف بالألف على حكم الوقف ولما علم أنها ناصية المذكرو اكتفى بلام العهد عن الإضافة ‏ «‏ ناصية ‏» ‏ بدل من الناصية وجاز بدلها عن المعرفة وهي نكرة لأنها وصفت فاستقلت بفائدة‏.‏

وقرئ‏:‏ ناصية على‏:‏ هي ناصية وناصية بالنصب‏.‏

وكلاهما على الشتم‏.‏

ووصفها بالكذب و الخطأ على الإسناد المجازي‏.‏

وهما في الحقيقة لصاحبها‏.‏

وفيه من الحسن والجزالة ماليس في قولك‏:‏ ناصية كاذب خطائ‏.‏

والنادي‏:‏ المجلس الذي ينتدي فيه القوم‏.‏

أي‏:‏ يجتمعون‏.‏

والمراد‏:‏ اهل النادي‏.‏

كما قال جرير لهم مجلس صهب السبال أذلة وقال زهير‏:‏ وفيهم مقامات حسان وجوههم والمقامة‏:‏ المجلس‏.‏

روي‏:‏ أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال‏:‏ ألم أنهك فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً فنزلت‏.‏

وقرأ ابن أبي عبلة‏:‏ سيدعى الزبانية على البناء للمفعول والزبانية في كلام العرب‏:‏ الشرط الواحدة زبنية كعفرية من الزبن‏:‏ وهو الدفع‏.‏

وقيل‏:‏ زبني وكأنه نسب إلى الزبن ثم غير للنسب كقولهم أمسى وأصله‏:‏ زباني فقيل‏:‏ زبانية على التعويض والمراد‏:‏ ملائكة العذاب‏.‏

وعن النبي صلى الله عليه وسلم


لو دعا ماديه أخذته الزبانية عياناً ‏ «‏ كلا ‏» ‏ ردع لأبي جهل ‏ «‏ لا تطعه ‏» ‏ أي أثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله‏:‏ ‏ «‏ فلا تطع المكذبين ‏» ‏ القلم‏:‏ 8 ‏ «‏ واسجد ‏» ‏ ودم على سجودك ن يريد‏:‏ الصلاة ‏ «‏ واقترب ‏» ‏ وتقرب إلى ربك‏.‏

وفي الحديث‏:‏ أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد‏.‏

من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله‏