تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: عقاب المبتدع وتعزيره

  1. #1

    افتراضي عقاب المبتدع وتعزيره

    بسم الله الرحمن الرحيم
    عقاب المبتدع
    من أمارات تهافت القول – حينما يكون موضوعه بيان الحكم الشرعي – أن يكون مبتكراً وجديداً على ساحة الفقهاء ، لم يقل به فقهاء الإسلام خاصة السلف منهم مع كونه يمس موضوعاً يهمهم وعايشوه ، لا نازلة أو حادثة عصرية ، فجدة القول بذاتها علامة على تهافته إذ لو كان حقاً لبعُد أن يظل المسلمون في عصر صدر الإسلام وما تلاه من عصور التميز العلمي والفقهي مجانبين لهذا الحق لم يهتدوا إليه ، عوضاً عن أنه لا يخلوا زمان من قائم بالحق كما هو مدلول حديث : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ) ، فما بالك إذا انضاف لذلك تصريح علماء الإسلام بخلاف هذا القول ؟ وجريان عمل المسلمين على خلافه ؟ ثم ما بالك لو كانت ظروف إشاعة القول هي حقبة شاعت فيها تأثيرات مدرسة من خارج الإطار الفقهي بل والإسلامي ؟
    ذلك ما نقدمه بين يدي وقفة متواضعة حول موضوع : ( عقوبة المبتدع ) لنضع استفهاماتٍ ثلاث ، على الرأي المخالف في هذه المسألة ، الذي حاصله : أن لا عقوبة على الرأي مهما جدف وخرج عن الحق ، فنقول لأصحاب هذا الرأي : من أين لكم في تأريخ المسلمين تفريق بين الرأي وما عداه ، وإعفاءٌ لمجرمي الآراء من العقوبات الشرعية ؟ ثم ما محل عمل السلف ومن تلاهم من المسلمين عندكم من تقرير عقاب المبتدع ولو على أبسط المستويات ( الهجر الاجتماعي ) ؟ ثم ما جوابكم عن ظرف منشأ قولكم ، إذ لم نسمعه إلا بعد مواضعة الغرب على تقديس ( الرأي ) وحريته ، المواضعة المتماشية مع ثقافتهم الخالية من رأي قاطع يقيني ولو في مسألة فطرية كوجود الرب ؟

    شهد الفقه الإسلامي خلافات متعلقة بالعقوبات والتعزيرات ، تلك الخلافات لم تكن صادرة عن شيء سوى صدورها عن الأحاديث والآيات والمرجعية الإسلامية ، ولن تجد فيها خيطاً أو شبهة لتأثر بثقافة أجنبية أو وافدة ، اختلفوا رحمهم الله في مسألة جواز التعزير بالقتل للمسلم مثلا ، لكنهم لم يقولوا : إلا مسائل الرأي ، واختلفوا في جواز الجلد فوق عشرة أسواط مثلاً ، لكن ما أثر قولهم : إلا في مسائل الرأي !
    إن التفريق بين الرأي وما عداه تفريق لا يستقيم شرعاً ولا عقلاً ، فلا تكاد توجد آراء مجردة لا أثر لها في حياة الناس وممارساتهم ، و الرأي حينما يتعلق بالدين والعقيدة هو أساس شق صف الأمة ، وهو أساس إضعافها وترديها ، وظهور المحن في تأريخ المسلمين ، بل إن أثر الرأي المخالف في واقع الأمة وتاريخها أشد وأنكى من ممارسات الشاذين من المجرمين ،ومن يقيس أثر فارغ طائش يخرج على الناس في الشارع ليضربهم بأثر منافق عليم اللسان يؤصل ويقعد لنقض عرى الدين أو خلخلة الحق وتشكيك الناس فيه والشذوذ بفرقة يقطعها من جسد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
    فعوضاً عن كون الثاني يمس موضوع الدين الذي هو ضرورة مقدمة على النفس والعقل والمال والعرض ، فإنه معلوم بدعم الواقع والتاريخ ما يؤدي إليه هذا الانشقاق الفكري والشذوذ عن الحق من التناحر والتباغض ، وفتنة الناس ، والطائفية ، وما وراء ذلك : من سفك الدماء ، كما حصل في فتنة القول بخلق القرآن مثلاً .
    فليس هناك رأي مجرد لا أثر له في عمل الناس وتصرفاتهم ، بل إن الرأي يكون خلف الممارسات الأخطر دائماً ، فسفك الدماء وقتل الناس وبغضهم بناء على الآراء والأفكار أكبر وأخطر منه حينما يكون بناء على التصرفات الشهوانية عند أفرادٍ مجرمين أو شاذين ، والفرقة والتناحر لازمة غالباً للاختلاف في الأصول كما يعضد ذلك الواقع .
    ومن جهة الشرع : فلن يكفينا خلو وفاض من يستثني ( جرائم الرأي ) عن الدليل الشرعي ، حتى نسأله : هل ثمة إثم و انحراف وكفر وباطل في الرأي ؟
    فإن أقرّ بها عوارضَ للرأي ، فيُجنى بسببه الإثم ، وبه يكون الانحراف ، فقد كفانا الجواب ، فالتعزير في الإسلام : على كل معصية لم يرد فيها نص ، كما أنه على ترك الواجبات .
    وإن كان التعزير يجوز تركه للمصلحة وليس لازما كالحد ، فأين ذلك من قولهم : ( لا تجوز العقوبة على الرأي ) ؟؟
    وإن نفى عروض : الإثم والباطل والكفر للرأي ، فقد قال بقولٍ لا يقوله أهل السنة ، ومثله يكون الحديث معه حول تقرير الحق في مسألة الخلاف في الأصول وإبطال نسبية الحق وتعدده ونحو ذلك .
    ولقد تكلف هؤلاء المانعون لعقوبة المبتدع في البحث عما يسند قولهم الذي لا مستند له ، وأغلب ما يتعلقون به حوادث أعيان ، كأعمال المنافقين في المدينة ، أو ظهور مبتدعة لم يتم عقابهم ، وقد أجاب مشايخنا على هذه الاستدلالات جوابات محكمة مطولة .
    إلا أنهم مطالبون من الأدلة بما يقرر ( حرمة عقوبة المبتدع ) كما هو قولهم ، لأن عقوبته التعزيرية كما هي في رأي فقهاء الإسلام هي من اختصاص ولي الأمر و يجوز تركها للمصلحة ، فلا يبعد أن يقعوا على حوادث هي من قبيل ترك العقوبة للمصلحة أو من قبيل تقصير ولي الأمر – سوى الرسول وخلفائه الأربعة – في إيقاع العقوبة على أهل البدع ، وتقصيره ليس بحجة .
    إن القارئ لهؤلاء حينما يؤصلون رأيهم لا يكاد يخفى عليه معاناتهم من عقدة : الاستخدام السياسي لمبدأ مثل مبدأ عقوبة المبتدع ، أو الفهم الأعوج الغالي لمثل هذا المبدأ ، فلكأنهم خالوا قطع الطريق على هذين الصنفين يكون بإلغاء الحكم الشرعي ، وذلك لم يكن حلاً ولن يكون ، فالسياسي لن توقفه المسائل الشرعية عن إنفاذ ما يريد ، والغالي لن يحجزه القرآن والسنة عن فهمه القاصر ، وكلاهما يكون الخلل من جهتهما وجهة فهومهما لا من جهة الحكم الشرعي ، وسنجد أنفسنا مضطرين لإلغاء الشريعة بأكملها حتى لا يفهمها فاهم على غير وجهها !
    وأيضاً فإن تقرير عقوبة المبتدع لا يعني عقوبة من عرفت ديانته واستفاض علمه إذا أخطأ ، فكل معرض للخطأ ، ولن يلتبس حال المبتدع المنحرف الذي يخرج عن الدين بآرائه ، بحال العالم الورع الذي يجتهد في الصدور عن الدين ولو أخطأ ، ومنع عقاب الأول لئلا يُستغل بعقاب الثاني : لا يختلف عن إبطال أحكام الجهاد لئلا يستغلها من لا يفهم .

    والله أعلم .
    عبد الوهاب آل غظيف – الرياض

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: عقاب المبتدع وتعزيره

    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  3. #3

    افتراضي رد: عقاب المبتدع وتعزيره

    إضافة وتنبيه :
    في غمرة الاسترسال مع قداسة الرأي ، التزم نفاة العقوبة على الآراء نفي حد الردة إذا كانت الردة بالرأي ، وتأولوا الردة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) بأن المراد من فارق جماعة المسملين لا بالرأي وإنما بالسياسة والانحياز لمعسكر المحاربين ، وزعموا أنه إطلاق يقيده : ( التارك لدينه المفارق للجماعة ) .
    وهو زعم فاسد ، وتأويل مذموم ، دفعهم إليه ما دخل عليهم من آراء الغربيين ، فإنا لو سلمنا لهم أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( التارك لدينه المفارق للجماعة ) يحتمل أن المراد مغادرة جماعة المسلمين ، والانضمام لمعسكر الكافرين ، فإنه ليس بإمكاننا ولا إمكانهم نفي احتمال كون مفارقة الجماعة وصف لمجرد ترك الدين ، ومع تطرق الاحتمالين يبطل تحكمهم ويسقط استدلالهم ، هذا مع التسليم والتنزل ، وإلا فإن المراد بحد الردة وكون المفارقة تحصل بمجرد ترك الدين قد قامت عليه الأدلة من عمل الصحابة ، كما حكى عليه الإجماع أكثر من واحد ، وإن كان فيه خلاف شاذ ، وخلاف في تفاصيله لا في أصله .

    والله أعلم .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •