الصوم (1)


عبدالله مرشد الصليلي

الصوم لغة هو الإمساك، ومنه قوله تعالى حكاية عن مريم: {إني نذرت للرحمن صوماً} (مريم: 26) أي إمساكاً.
والصوم شرعا: إمساك عن المفطرات على وجه مخصوص. وبعبارة أوضح: هو ترك شهوتي البطن والفرج من طعام وشراب ونكاح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طوال شهر رمضان، بنية التقرب إلى الله.
ولم يشرع الله الصوم تعذيبا للبشر وانتقاما منهم، بل فرضه لأسرار عليا، وحكم بالغة. وعلينا أن نتأمل حكمة الله من وراء هذا الجوع والعطش، وأن ندرك سره تعالى في الصوم حتى نؤديه كما أراده سبحانه.
ولو تتبعنا أسرار الصيام وآثاره لوجدناها كثيرة تتسع لها مجلدات، منها الأثر التعبدي والأثر النفسي، والصحي والاجتماعي، والأخلاقي. ونحن سنقصر الحديث على جانبين فقط هما الجانب النفسي والاجتماعي.
ولعل الآثار النفسية للصوم تتمثل في كونه مدرسة إيمانية عملية تزكي النفس وتمدها بطاقة نفسية كبيرة تقوي صلة الصائم بربه، وتصفي روحه بشكل يجعله طيَّعاً للخير، مُبتعدا عن الشر؛ ذلك أن الإنسان عندما ينوي الصوم يعرف أنه يقبل على الله بهذه الطاعة التي هي سر خفي بينه وبين مولاه، فيظل نهاره خاشعا موصول القلب بالله سبحانه وتعالى.. ويُقبل بنفس واعية على تلمس أسباب الخير المفضية إلى رضاه وثوابه الجزيل سبحانه، فهو يلتزم العفة في كل شيء؛ لأن صومه يُذكّره دائماً برقابة الله عليه، ويدفعه للإقبال على تنفيذ أوامره والابتعاد عما نهى عنه، فقد فرض الله الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه، وينطلق من سجن جسده، ويتغلب على نزعات شهوته، ويتحكم في مظاهر حيوانيته، ويتشبه بالملائكة.
والصوم هو العبادة التي يتحقق فيها الإخلاص المجرد لله، يستحضر فيه الإنسان الصائم رقابة الله عليه؛ لأنه أمانة بين المخلوق وربه، لا يطلع عليه إلا هو سبحانه؛ لهذا كان الصوم ثوابُه عـظيما، يقول النبي [ في الحديث القدسي حكاية عن ربه: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
والصوم في الإسلام ليس المقصود منه الجوع والعطش لذاتهما، بل ما يتبع ذلك من كسر للشهوة، وإطفاء لثائرة الغضب والطيش.. إنه وسيلة لغاية أسمى وأكبر هي تقوى الله كما قال سبحانه: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 183).