= ومن الأخطاء المكرورة أيضا تغيير ( قاله ) إلى ( قال )، أو العكس.
فإن من الأساليب المشهورة عند أهل العلم -وخاصة المتأخرين- أنهم يذكرون القول ثم يتبعونه بذكر قائله، كما تراه كثيرا في منار السبيل مثلا؛ (قاله في الكافي) (قاله في الشرح) .... إلخ.
ولكن أحيانا يكون ما بعد هذا الكلام يوهم أنه مقول القول، وتتحرف (قاله) إلى (قال)، فيصير مقول القول هو ما بعد (قال) لا ما قبلها، فينقلب المعنى رأسا على عقب !
وهذا الخطأ شديد الخطر جدا؛ لأن فيه نسبة القول إلى غير قائله، والقارئ النابه أحيانا ينتبه إلى مثل هذه الأخطاء، ولكنها أحيانا تكون مشكلة لا تظهر بادي الرأي.
ومن مُثُل ذلك ما جاء في كتاب الفروق للقرافي:
(( ..... فالرأفة أمر يهجم على القلب قهرا عند حصول أسبابها فيتعين الحمل [أي حمل الآية: ولا تأخذكم بهما رأفة] على الثمرة والآثار، وهو تنقيص الحد فيصير معنى الآية لا ننقص الحد. قال ابن عباس: ويكون من مجاز التعبير بالسبب عن المسبب )).
هكذا وقع النص في طبعتين مختلفتين للفروق !!
ومن الواضح أن كلمة (قال ابن عباس) خطأ وأن الصواب (قاله ابن عباس)؛ لأن جملة (ويكون من مجاز التعبير ... إلخ) لا يمكن أن تصدر عن ابن عباس، ولا عن أحد من الصدر الأول أصلا.
ومن الطريف أن كتاب الفروق قد حقق في رسائل علمية، وقد وقفتُ على هذه الرسائل ووجدت النص على الصواب فيها !!
ولم يشر المحقق إلى وجود اختلاف بين النسخ المخطوطة، وذلك يدل على أن الخطأ إنما هو من الطباعة، وليس من النسخ المخطوطة !!
وهذا الكلام يعيدنا مرة أخرى إلى ما ذكره الدكتور رمضان عبد التواب من أن معرفة أصول التحقيق والتثبت من صحة النصوص من أهم الأشياء لطالب العلم عموما؛ وليس خاصا بالقائمين على تحقيق التراث.
والله المستعان.