تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: تفريغ محاضرة فاسمع إذاً من أسبانيا للشيخ أبي إسحاق الحويني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    Arrow تفريغ محاضرة فاسمع إذاً من أسبانيا للشيخ أبي إسحاق الحويني

    إنَّ الحمدَ لله تعالى نحمده ونستعينُ به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهدى اللهُ تعالى فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله.
    أما بعــــــدِ
    فإن أصدق الحديثِ كتاب الله تعالي وأحسنَ الهدي هدي محمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدَثةٍ بدعه وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلَّ ضلالةٍ في النار ، اللهم صلى على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد
    دَرَسْنَا هَذَا الْمَسَاء بِعُنْوَان( فَاسْمَع إِذاً) .
    وَأَبْدَأ كَلَامِي بِذِكْر مَقْطَع مِن حَدِيْث بَدَأ بِه الْإِمَام مُسْلِم مِن كِتَاب الْطَّهَارَة مِن صَحِيْحِه وَفِي آَخِر هَذَا الْحَدِيْث يَقُوْل رَسُوْل الْلَّه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" كُلُّ الْنَّاس يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَه فَمُوْبِقُهَا أَو مُعْتِقُهَا "
    الشاهد من الحديث:شِبْه الْدُّنْيَا بِسُوْق وَالْبِضَاعَة الَّتِي تُبَاع فِي هَذَا الْسُّوْق أَنَا وَأَنْت ، فَإِذَا خَرَجَت مِن بَيْتِك صَبَاحا ، فَأَنَا أَو أَنْت أَحَد رَجُلَيْن ،كِلَانَا يَبِيْع نَفْسَه ، يَبِيْع نَفْسَه بِأَعْمَالِه الَّتِي يَعْمَلُهَا فِي هَذَا الْيَوْم إِن كَانَت الْأَعْمَال خَيْراً فَهَذَا بَائِع نَفْسَه فَمُعْتِقُهَا( أَي مَن الْنَّار )، وَإِن عَملاً طَالِحاً وَعَمِل سُوَء فَهَذَا بِائِع نَفْسِه فَمُوْبِقُهَا (أَي مُهْلِكُهُا ).
    مَا مِن إِنْسَان مِنَّا إِلَا وَهُو أَحَد هَذَيْن الرَجُلَيْن.
    رَجُل عَمِل صَالِحاً فَرَبِح وَرَجُل آَخَر عَمَل غَيْر ذَلِك فَخَسِر .
    الْدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة.
    فَلَا شَك أَن الْدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة ، فَهَل تُرِيْد أَن تَتَجَاوَز عقْبَة الْدُّنْيَا لِتَصِل إِلَى الْلَّه بِسَلَام ؟ إِن كُنْت تُرِيْد أَن تَسْمَع هَذَا فَاسْمَع إِذاً مَا سَأَقُوْلُه لَك .
    مَّعْلُوْم لَدَى كُل الْعُقَلَاء أَنَّه إِذَا أَرَاد أَن يَصِل إِلَى غَايَة وَكَانَت الْطَّرِيْق مُهْلِكَة فِيْهَا وُحُوْش وَفِيْهَا قِطَاع طُرُق ، أَنَّه لَا يَسْلُك هَذَا الْطَّرِيْق إِلَا بِحِرَاسَة ، أَو عَلَيْه أَن يَسْلُك طَرِيْقا آَمِناً حَتَّى يَصِل إِلَى غَايَتِه ، حَب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة فَالَدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآَخِرَة فَمَن اسْتَثَمْرَهَا اسْتِثْمَارا حَقِيْقِياً كَانَت رَأْس مَال جَيِّد لَكِن حُب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة ، وَهَذَا بَعْض الْنَّاس يَرْوِيْه حَدِيْثاً عَن رَسُوْل الْلَّه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ، وَهَذَا لَا يَصِح عَنْه إِنَّمَا نَحْن نَقُوْلُه قَوْلَا (حَب الْدُّنْيَا رَأْس كُل خَطِيَّة )
    مُعَالَجَة الْنَّبِي_صَلَّ الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم لِطَّرِيْق الْدُّنْيَا الْمُوَحِّش.
    أَنْت لَابُد وَأَنْت بْن الْدُّنْيَا رَضِعَت مِن لِبَانِهَا وَلَم تُفْطَم بَعْد،الْمَوْلُ وْد عِنْدَمَا يُوْلَد يُفْطَم بَعْد عَامَيْن،أَمَّا نَحْن فَلَا نُفَطَم عَن الْدُّنْيَا حَتَّى نَمُوْت إِلَا إِذَا كُنَّا مِن أَهْل الْيَقَظَة ، طَرِيْق الْدُّنْيَا مُوَحِّش ، عَالَجَه الْنَّبِي- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي حَدِيْث مَشْهُوْر رَوَاه الْإِمَام الْبُخَارِي فِي صَحِيْحِه مِن حَدِيْث بْن عُمَر –رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا قَال- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" كُن فِي الْدُّنْيَا كأنكَ غَرِيْبٌ أَو عَابِرُ سَبِيِل " .
    (أَو) فِي هَذَا الْحَدِيْث لَيْسَت لِلْتَّخْيِيْر, كَمَا لَو قُلْت لَك خُذ هَذَا أَو ذَاك فَأَنْت مُخَيَّر أَن تَأْخُذ هَذَا أَو هَذَا,بَل لَمَّا يُسَمِّيْه عُلَمَاء الْبَيَان لِلْإِضْرَاب .
    مَا مَعْنَى (أَو) لِلْإِضْرَاب ؟
    إِذَا جَاءَت (أَو) بِمَعْنَى الْإِضْرَاب فَتَكُوْن بِمَعْنَى بَل ،وَسُمِّي إِضْرَابَا لِأَنَّك أَضْرَبْت عَن الْكَلَام الَّذِي قَبْلَهَا وَأَثْبَت الْكَلَام الَّذِي بَعْدَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَي:﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (النحل:77) .
    (أو) هنا بمعنى بل ، ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ كَأَنَّه قَال: لَا ، لَا ، أَضْرِب عَن هَذَا الْكَلَام ، أُتْرُكَه بَل هُو أَقْرَب مِن لَمْح الْبَصَر ، فَنَكُوْن أَثْبَتْنَا مَا بَعْد أَو ، وَتَرَكْنَا مَا قَبْلَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى أَيْضا﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾(الصافات:147) ، أَي بَل يَزِيْدُوْن فَهُنَا فِي هَذَا الْحَدِيْث:" كُن فِي الْدُّنْيَا كأنكَ غَرِيْبٌ أَو عَابِرُ سَبِيِل"
    وَجْه الْدَّلَالَة:كَ َنَّمَا قَال لَه: لَا، لَا لَا تَكُن غَرِيْبا ، رَجَعَت عَن هَذَا الْكَلَام بَل كُن عَابِر سَبِيِل حَتَّى تَنْجُو مِنْهَا, لِأَن الْغَرِيْب قَد يَأْنَس فِي دَار الْغُرْبَة وَأَنْتُم جَمِيْعا غُرَبَاء ،لَيْس هَذَا هُو مَوْطِنُكُم الْأَصْلِي ، وَمَع ذَلِك أَنِسْتُم ، وَجَدْتُم أَصْدِقَاء جُدُدا وَجِيْرَاناً وَأَحْبَابّاً أَنْسَوْكُم أَحْبَابَكُم فِي بِلَادِكُم الْأَصْلِيَّة ،تَعِيْشُوْن فِي أُنْس وَسَلَام وَوَدَاع،بَل قَد يَكُوْن بَعْضُكُم أَسْعَد حَالاً هُنَا فِي دِيَار الْغُرْبَة مِن حَالِه فِي بِلَادِه الْأَصْلِيَّة.
    الْأُنْس فِي الْدُّنْيَا وَمَضَارِّه عَلَي الْإِنْسَان وَالْمَخْرَج مِن ذَلِك.
    وَالْأِنْس فِي الْدُّنْيَا مَمْنُوْع لِأَنَّك إِذَا أَنِسَت رَكَنَت ، وَإِذَا رَكَنَت هَلَكْت
    الْمَخْرَج: لَا تَكُن غَرِيْبا فَتَأْنَس فِي دَار الْغُرْبَة ، بَل كُن عَابِر سَبِيِل عَابِر الْسَّبِيل رَجُل لَا وَطَن لَه وَلَا بَلَد ، وَلَا بَيْت ، يَحْمِل خَيْمَتِه عَلَى كَتِفِه ، وَيحْمَل زَادَه عَلَى كَتِفِه الْآَخِر ، وَلَه غَايَة يُرِيْد أَن يَصِل إِلَيْهَا فَيَمْشِي طِيْلَة الْنَّهَار فَإِذَا جَاء الْلَّيْل عَرَّس وَنَصَب خَيْمَتَه وَنَام ، فَإِذَا أَصْبَح الْصَّبَاح جَمْع خَيْمَتِه وَحَمَلَهَا عَلَى كَتِفِه وَحَمَل زَادَه عَلَى الْكَتِف الْأُخْرَى وَوَاصَل الْسِيَر إِلَى غَايَة هُو يُرِيْدُهَا.
    فَيَا تُرَى أَيأنَس عَابِر الْسَّبِيل بِشَيْء ؟
    لَا يَأْنَس بِشَيْء أَبَدا إِلَا إِذَا وَصَل إِلَى مَوْطِنِه الْأَصْلِي الَّذِي يُرِيْدُه ، أَو هَدَفُه الَّذِي يُرِيْدُه ,إِذَا أَرَدْت أَن تَصِل إِلَى الْجَنَّة بِسَلَام فَلَا بُد أَن تَتَجَاوَز عَقْبَة الْدُّنْيَا.
    نَحْن مَعَاشِر الْمُسْلِمِيْن مَا الَّذِي نُرِيْدُه فِي نِهَايَة الْشَّوْط؟
    نُرِيْد أَن نَدْخُل الْجّنة إِذَا أَرَدْت أَن تَصِل إِلَى الْجَنَّة بِسَلَام فَلَا بُد أَن تَتَجَاوَز عقْبَة الْدُّنْيَا، وَلَا يُمْكِن لَك أَن تَتَجَاوَز هَذِه الْعَقَبَة إِلَا إِذَا كُنْت مِن أَهْل الْيَقَظَة، وَدَعُوْنِي أُفَسِّر لَكُم مَا مَعْنَى الْيَقْظَة ؟
    الْنَّاس أَمَام الْيَقَظَة نَوْعَان:-
    نَوْع يَقِظ فِي الْدُّنْيَا : أَزَال الْلَّه عَن عَيْنَيْه غِشَاوَة حَب الْدُّنْيَا فَهُو يَعِيْش فِيْهَا لَكِنَّه يَنْظُر إِلَى الْآَخِرَة .
    وَرَجُل آَخَر يَسْتَيْقِظ فِي الْوَقْت الْضَّائِع: حَيْث لَا تَنْفَعُه الْيَقَظَة ، كَمَا قَال تَعَالَي فِي هَذَا الْصِّنْف:﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ (ق:22) ، وَهَذَا يُقَال لِأَهْل الْغَفْلَة فِي الْدُّنْيَا الَّذِيْن عَاشُوْا لِمُتَع الْدُّنْيَا، فَإِذَا مَات أَبْصَر الْحَقِيقَة وَعَرَف أَنَّه كَان مُغَفَّلاً وَكَان أَعْمَى ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ الَّذِي تَرَاه الْآَن ، مُنْكَر وَنَكِيْر وَعَذَاب الْقَبْر إِلَى آَخِرِه ، فَكَشَفْنَا عَنْك غِطَاءَك لَمَّا تَرَكَت الْدُّنْيَا ، ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
    حديد: أَي فِي غَايَة الْقُوَّة وَأَصْبَحَت تَرَى الْأَشْيَاء عَلَى حَقَّيْقَتِهَا وَهَؤُلَاء الْمُغَفَّلُون كَمَا قُلْت لَك يَسْتَيْقِظُوْن فِي الْوَقْت الْضَّائِع الَّذِي لَا يُجْدِي كَمَا قَال تَعَالَى:﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾(الأنعام:28،27) .
    الْشَّاهِد مِن الْآَيَة. رَب ارْجِعُوْن سَأَعْمَل صَالِحا ، وَلَوَرَد مَرَّة أُخْرَى لِعَمَل مِثْلَمَا كَان يَعْمَل قَبْل ذَلِك مِن مُخَالَفَة الْلَّه تَعَالَى .
    مِن هُم أَهْل الْيَقَظَة فِي الْدُّنْيَا؟
    أَهْل الْيَقَظَة فِي الْدُّنْيَا هُم الَّذِيْن يَعِيْشُوْن فِي الْدُّنْيَا بُأَبْدَانِهِم وَيَرَوْن الْآَخِرَة بِبَصَائِرِهِم ، وَلَكِنَّه بِرُغْم ذَلِك لَا يعْرَف قَدْر الْجَنَّة ، يَقْرَأ عَنْهَا نَعَم ، يَتَخَيَّل مَا فِي الْجَنَّة مَن الْنَّعِيم ، نَعَم ، وَلَكِنَّه لَا يَسْتَطِيْع أَن يَصِل إِلَى حَقِيْقَة هَذَا الْنَّعِيم أَبَدا ، كَمَا قَال- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي الْحَدِيْث الَّذِي رَوَاه الْشَّيْخَان وَالْإِمَام أَحْمَد وَالْتِّرْمِذِي وَبِن حِبَّان وَالْحَاكِم وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُم ، عَن أَبِي هُرَيْرَة- رَضِي الْلَّه عَنْه- عَن الْنَّبِي- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-قَال:" إِن لِلَّه مَلَائِكَةً فُضُلاً عَن كُتَّاب الْنَّاس" فَكُل وَاحِد مِنَّا لَه مَلَائِكَة يَكْتُبُوْن حَسَنَاتِه وَيَكْتُبُوْن ذُنُوْبِه ، هَذَا الْنَّوْع مِن الْمَلَائِكَة زِيَادَة لَيْس الَّذِيْن يَكْتُبُوْن أَعْمَال الْنَّاس،" يَلْتَمِسُوْن مَجَالِس الْذِّكْر " كهذا المجلس " فَيَسْأَلُهُم الْلَّه- عَز وَجَل- عِنَدَمّا يَصِلُوٓا إِلَى مَجْلِس مِن مَجَالِس الْذِّكْر يَطُوْفُوْن بِهَؤُلَاء الَّذِيْن يَسْتَمِعُوْن الْذِّكْر، وَيَمْلَئُوْن مَا بَيْن الْسَّمَاء وَالْأَرْض وَيُنَادِي بَعْضُهُم عَلَى بَعْض وَيَقُوْلُوْا "هَلُمُّوا بُغْيَتِكُم ،"أي هذه البغية وهذا الذي تبحثون عنه .
    " فَيَسْأَلُهُم الْلَّه- عَز وَجَل- وَهُو أَعْلَم بِهِم كَيْف رَأَيْتُم عِبَادِي ، يَقُوْلُوْن يَا رَبِّي: يُمَجِّدُونَك،و َيُسَبِّحُوْنَك ،وَيُهَلِّلُونَ ك ، وَيُكَبِّرُونَك ، فَيَقُوْل لَهُم: هَل رَأَوْنِي ؟ فَيَقُوْلُوْن: لَا،فَيَقُوْل لَهُم: كَيْف لَو رَأَوْنِي ؟" أَي يُمَجِّدُونَه وَيُسَبِّحُوْنَ ه وَيُكَبِّرُونَه ، وَيُعَظِّمُونَه وَلَم يَرْوِه .قَال:كَيْف لَو رَأَوْنِي ؟ ، قَالُوْا لَو رَأَوْك لَكَانُوْا أَشَد لَك تَمْجِيْداً وَتَعْظِيْماً وَتَحْمِيْداً وَتَّهْلِيْلاً ، فَقَال لَهُم: مَا يَطْلُبُوْن ؟ قَالُوْا يَطْلُبُوْن الْجَنّة ، فَقَال لَهُم: هَل رَأَوْهَا ؟ ، قَالُوْا لَا يَا ر بَّنَا مَا رَأَوْهَا ، فَقَال لَهُم: كَيْف لَو رَأَوْهَا ؟ قَالُوْا لَو رَأَوْهَا كَانُوْا أَشَد عَلَيْهَا حِرْصاً وَأَعْظَم طَلَباً ، قَال: مِمَّا يَتَعَوَّذُون ؟ قَالُوْا: رَبَّنَا يَتَعَوَّذُون مِن الْنَّار ، قَال: هَل رَأَوْهَا ؟ قَالُوْا: لَا يَا رَبَّنَا مَا رَأَوْهَا ، قَال: كَيْف لَو رَأَوْهَا ؟ قَالُوْا: لَو رَأَوْهَا لَكَانُوْا أَشَد فِرَاراً وَهَرَباً مِنْهَا ، فَقَال الْلَّه- عَز وَجَل- أُشْهِدُكُم أَنَّنِي غَفَرْت لَكُم ، وَأُعْطِيَت لَهُم مَّا يَسْأَلُوْن ، قَالُوْا رَبُّنَا إِن فِيْهِم فُلَانا مَا جَاء يَطْلُب " .
    مَا جَاء يَذْكَر وَلَا يَجْلِس فِي مَجَالِس الْذِّكْر ، إِنَّمَا أَرَاد رَجُلاً مِن الْمَجِلس كَان لَه حَاجَة " وَهُو رَجُل خَطَّاء ، لَه ذُنُوْب ، فَقَال الْلَّه- عَز وَجَل- غَفَرَت لَه هُم الْقَوْم لَا يَشْقَى بِهِم جَلِيْسُهُم " ، فَغَفَر لَه بِالْرَّغْم مِن أَنَّه لَم يَأْتِي لِلْذِّكْر إِكْرَاما لِعِبَادِه الُمْتَّقِيْن الَّذِيْن جَلَسُوْا يَذْكُرُوْن الْلَّه .
    الشاهد من الحديث: " قَال: مَا يَطْلُبُوْن ؟ قَالُوْا يَطْلُبُوْن الْجَنّة ، فَقَال: هَل رَأَوْهَا ؟ ،قَالُوْا لَا مَا رَأَوْهَا ،َقَال: كَيْف لَو رَأَوْهَا "، إِذا نَحْن نَطْلُب الْجَنَّة وَلَا نَدْرِي حَقِيْقَتُهَا ، كَمَا قَال بِن عَبَّاس- رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا-:" لَيْس فِي الْجَنَّة مِن الْدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاء "
    قال تعالى عن الجنة مثلًا:﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ (الرحمن:68) أَنْت مَاذَا تَعْرِف عَن الْرُّمَّان ، تَعْرِف هَذِه الثَّمَرَة الَّتِي طَعِمْتُهَا
    كُل شَيْء فِي الْدُّنْيَا وَهُو فِي الْجَنَّة يَتَشَابَه فِي الْأَسْمَاء فَقَط.
    الْرُّمَّان الَّذِي فِي الْجَنَّة لَا تَسْتَطِيْع أَن تَتَصَوَّر مَذَاقُه وَلَا حَلَاوَتُه ، لَكِن عَرَفْت أَن فِي الْجَنَّة رُمَّانا ، لِأَنَّه فِي الْدُّنْيَا ، فَكُل شَيْء فِي الْدُّنْيَا وَهُو فِي الْجَنَّة يَتَشَابَه فِي الْأَسْمَاء فَقَط ، فِي الْجَنَّة لَبَن و خَمْر ،وَلَكِن أَنْت لَا تَدْرِي حَقِيْقَة الْخَمْر وَلَا مُتْعَة الْشَّارِب لَهَا فِي الْجَنَّة ، إِذاً لَيْس فِي الْدُّنْيَا مِن الْجَنَّة إِلَّا الْأَسْمَاء ، أَمَّا الْحَقِّيَّقَة فَأَنْت لَا تَعْرِفُهَا,فَأ هْل الْيَقَظَة الَّذِيْن يُدَاوِمُوْن عَلَى مَعْرِفَة أُمُوْر الْآَخِرَة سَيَعْرِفُوْن إِذَا دَخَلُوْا الْجَنَّة أَنَّهُم لَم يُقَدِّرُوْهَا حَق قْدِرَهَا كَمَا قَال الْقَائِل وَكَان يُحِب امْرَأَة وَتَصَوّرِهَا أَجْمَل امْرَأَة فِي الْدُّنْيَا ، وَلَم يُصَل عَقْلِه إِلَى أَجْمَل مِنْهَا أَبَدا فَأَنْشَد قَائِلا:
    وَكَنْت أَرَى أَن قَد تَنَاهَى بِي الْهَوَى
    إِلَى غَايَة مَا بَعْدَهَا لِي مَطْلَبُ
    فَلَمَّا تَلَاقَيْنَا وَعَايَنْت حُسْنَهَا
    تيقنتُ أني إنما كنتُ ألعـبُ

    الْشَّاهِد مِن الْكَلَام: قَال كُنْت أَتَصُوُرهَا تَصَوُّراً مُعَيَّناً ، وَلَكِن لَمَّا رَأَيْتُهَا عَلَى حَقَّيْقَتِهَا تَبَيَّن أَنَّنِي كُنْت سَاذِجاً جِداً ، وَكُنْت أَلْعَب لَأَنّنِي مَا قَدَرْت أَن تَكُوْن بِمِثْل هَذَا الْجَمَال .
    وَالْمُحِب عَادَة يَبْذَل حُشَاشَة نَفْسِه ، وَثَمَرَة فُؤَادُه لِمَن يُحِب ثُم يَرَى فِي الْنِّهَايَة أَنَّه مَا قَدَّّم شَيْئاً لِحَبِيْبِه ، مَهْمَا بَذَل .
    كَمَا قَال الْقَائِل:.
    يَا رَاحِلاً وَجَمِيْل الْصَّبْر يَتَّبِعـه
    هَل مِن سَبِيِل إِلَى لُقْيَاك يَتَفـقُ
    مَا أَنْصَفَتْك دُمُوْعِي وَهْي دَامِيَة
    وَلَا وَفَى لَك قَلْبِي وَهْو يَحْتَرِقُ

    يَقُوْل: أَيُّهَا الْرَّاحِل الَّذِي تَرَكْتَنِي وَأَخَذَت الْصَّبْر مَعَك وَأَنْت رَاحِل فَصَار لَا صَبْر لِي ، وَذَرَفْت عَلَيْك دُمُوْعِي كُلُّهَا حَتَّى انْبَجَس الْدَّم بَعْد الْدَّّمْع ، أَي عَيْنَيْه قُذِفَت دَما ،بَكَى حَتَّى انْتَهَت دُمُوْعِه ثُم جَاء الْدَّم ، يَقُوْل عَيْنَي مَا أَنْصَفَتْك بِالْرَّغْم مِن أَنَّه يَبْكِي دَما .
    وَلَا وَفَى لَك قَلْبِي وَهْو يَحْتَرِق: وَأَنَا مَا أَدَّيْت حَق الْوَفَاء لَك بِالْرَّغْم مِن أَن قَلْبِي يَحْتَرِق لِفِرَاقِك ، فَهَكَذَا الْمُحِب يَبْذَل كُل شَيْء لِحَبِيْبِه ثُم يَرَى فِي الْنِّهَايَة أَنَّه مَا وَفَّاه حَقَّه .
    فَإِذَا كُنْت مُحِبا تَطْلُب الْجَنَّة فَاسْمَع إِذا.
    مَا سَأَقُوْلُه لَك فِي هَذَا الْحَدِيْث الَّذِي رَوَاه الْإِمَام الْتِّرْمِذِي وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا مِن حَدِيْث النَّوَّاس بْن سَمْعَان- رَضِي الْلَّه عَنْه- قَال: قَال رَسُوْل الْلَّه- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ، الْحَدِيْث الَّذِي سَأَذْكُرُه مَثْل وَأَنْت تَسْمَعُنِي تَخَيَّل هَذَا الْمَثَل حَتَّى تفهَم الْحَدِيْث ، قَال- صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" ضَرَب الْلَّه مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيْماً "، هذا هو الصراط: أي الطريق ، " وَعَلَى جَنْبَتَي الْصِّرَاط سُوَرَان " فِيْهِمَا _ أَي فِي هَذَيْن الْسُّوْرَيْن _ " أَبْوَابٌ مُّفَتَّحَة ، وَعَلَى الْأَبْوَاب سُتُوْر مُرْخَاة "_ أي على كل باب ستارة مشدودة _ " وَعَلَى رَأْس الْصِّرَاط دَاعٍ يَدْعُوَا يَقُوْل يَا أَيُّهَا الْنَّاس أَدْخِلُوَا الْصِّرَاط جَمِيْعاً وَلَا تَتَعَوَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُوَ مِن فَوْق الْصِّرَاط " _ أَي مَكَانَه عَالِي _" كُلَّمَا أَرَاد رَجُلٌ أَن يَفْتَح بَاباً مِن هَذِه الْأَبْوَاب الَّتِي فِي الْسُّوْر قَال لَه وَيْحَك لَا تَفْتَحْه فَإِنَّك مَتَى فَتَحْتُه وَلَجْتُه " أي دخلت فيه .
    قَال - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- مُوَضِّحا هَذَا الْمَثَل:
    قال:" الْصِّرَاط: هُو الْإِسْلَام ، وَالْسُّوْرَان: حُدُوْد الْلَّه ، وَالْأَبْوَاب الْمُفَتَّحَة: مَحَارِم الْلَّه ، وَالْدَّاعِي الَّذِي يَدْعُوَ عَلَى رَأْس الْصِّرَاط: كِتَاب الْلَّه ، وَالْدَّاعِي الَّذِي يَدْعُوَ مِن فَوْق الْصِّرَاط: هُو وَاعِظ الْلَّه فِي قَلْب كُل مُؤْمِن " .
    الْأَمْثَال عَادَة تَكُوْن مِن بَاب الْمُبِيْن .
    لِأَن الْكَلَام إِمَّا أَن يَكُوْن مُجْمَلَاً ، وَإِمَّا أَن يَكُوْن مُبَيِّناً، الْكَلَام الْمُجْمَل تَخْتَلِف فِيْه الْأَنْظَار،وَا حِد يَقُوْل مَعْنَاه كَذَا وَالْثَّانِي يَقُوْل: مَعْنَاه كَذَا وَالْثَّالِث يَقُوْل: بَل مَعْنَاه كَذَا ، أَي تَخْتَلِف الْأَنْظَار فِي فَهْم كَلِمَة مُجْمَلَه،كَقَو ْل الْلَّه- عَز وَجَل- مَثَلا فِيْمَا يَتَعَلَّق بِالْقُرْء﴿وَالْمُطَلَّقَا تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ(البقرة:228) الْمَرْأَة إِذَا طُلِقَت ُتَنْتَظِر ثَلَاثَة قُرُوَء الْقَرْء هُنَا حَيْض،أَم طُهْر ؟ أَي تَبْدَأ تُعَد الْعِدَّة مِن أَوَّل مَا تَحِيْض وَتَأْخُذ ثَلَاث حَيْضَات ، تَحِيَض ثُم َتطْهُر ثُم تَحِيَض ثُم تَطْهُر ثُم تَحِيَض الْحَيْضَة الثَّالِثَة ثُم تَكُوْن خَرَجَت مِن زَوْجِهَا ، أَما الْقَرْء: طُهْر ، تَطْهُر ثُم تَحِيَض ، ثُم تَطْهُر ثُم تَحِيَض ثُم تَطْهُر وَتَنْفَك مَن زَوَّجَهَا .
    هَل الْقَرْء حَيْض أَم طُهْر ، وَبِأَي شَيْء تَبْدَأ الْمَرْأَة فِي عَد الْعِدَّة ؟
    الْعُلَمَاء لَهُم مَذْهَبَان فِي هَذَا:
    أَهْل الْكُوْفَة يَقُوْلُوْن: الْقَرْء: حَيْض .
    وَأَهْل الْحِجَاز يَقُوْلُوْن: الْقَرْء: طُهْر .
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ محاضرة فاسمع إذاً من أسبانيا للشيخ أبي إسحاق الحويتي

    فَيَكُوْن الْلَّفْظ هُنَا اخْتَلَفَت فِيْه الْأَنْظَار ، لَكِن الْمُبِيْن لَا تَخْتَلِف فِيْه الْأَنْظَار وَكُل الْأَمْثَال الَّتِي وَرَدَت فِي الْقُرْءَان لَا تَخْتَلِف فِيْهَا الْأَنْظَار لِأَن الْمَثْل فِي الْأَصْل يُبَيِّن كَلَاماً مُجْمَلاً .
    قَال تَعَالَي:﴿وَتِلْ كَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ ﴾(العنكبوت:43)
    وقال:﴿ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾(الحشر:21)
    رَوَى بْن أَبِي حَاتِم فِي تَفْسِيْرِه بِسَنَد صَحِيْح عَن عُمَر بْن مُرَّة- رَضِي الْلَّه عَنْه وَرَحِمَه الْلَّه- عُمَر بْن مُرَّة تَابِعِي ، قَال:" إِذَا قَرَأْتُ مَثَلاً فِي كِتَاب الْلَّه وَلَم أَفْهَمْه بَكَيْت عَلَى نَفْسِي ، لِأَن الْلَّه- عَز وَجَل- يَقُوْل:﴿ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ ﴾" .
    فَحَدِيثَنا الْيَوْم عِبَارَة عَن مَثْل فِلَابِد أَن يَكُوْن وَاضِحاً ، ضَرَب الْلَّه مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيْماً وَهُو الْإِسْلَام .
    مَيِّزّة الْإِسْلام أَنَّه مُّسْتَقِيْم .
    كما قال تعالي:﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾(الأنع ام:153) ، الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم_ لَمَّا قَرَأ هَذِه الْآَيَة مِن سُوْرَة الْأَنْعَام ، رَسْم عَلَى الْأَرْض خَطاً طَوِيْلاً ، وَعَلَى جَانِب هَذَا الْخَط مِن جِهَة الْيَمِيْن رَسْم خُطُوْطاً قِصَّاراً، وَعَلَى جَنْبِه مِن جِهَة الْيَسَار رَسْم خُطُوْطاً قِصَار أَيْضاً ، ثُم قَال:" هَذَا صِرَاط الْلَّه " الَّذِي هُو الْطَّوِيْل ، ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ﴾ ، وَأَشَار إِلَى الْطُّرُق الْصُّرَط الَّتِي عَلَى جَانِبَي الْصِّرَاط مِن الْيَمِيْن وَالْيَسَار وَقَال:" هَذِه صُِرَط الْشَّيَاطِيْن عَلَى كُل صِرَاط شَيْطَان يَدَعُوْا إِلَيْه " .
    مَيِّزّة الْطَّرِيْق الْمُسْتَقِيْم:
    أَغْمِض عَيْنَيْك وَأَمْشِي ، سَتَصِل حَتَّى لَو أَغْمَضْت عَيْنَيْك سَتَصِل لَكِن الْطُّرُق الْأُخْرَى مُتَعَرِّجَة وَمُلْتَوِيَة لَابُد أَن تَكُوْن بَصِيْرا حَتَّى لَا تَسْقُط فَيَكُوْن هَذَا صِرَاط الْلَّه ، (ضَرَب الْلَّه مَثَلا صِرَاطا مُسْتَقِيْما وَعَلَى جنبتَي الْصِّرَاط سُوَرَان ) هَذَا هُو الْسُّوْر الْأَوَّل وَالَّذِي فِي الْمُنْتَصَف الْطَّرِيْق الَّذِي بَعْد الْسُّوْر مِن هَذِه الْنَّاحِيَة ,الْكُفْر ، الْفَضَاء الْوَاسِع أَنْت مُحَدَّد بِطَرِيْق إِذَا خَرَجْت مِن خَارِج هَذَا الْطَّرِيْق فَتَكُوْن الْدُّنْيَا كُلُّهَا صَارَت طَرِيْقاً لَك تَمْشِي حَيْث تُحِب، لَكِن الْإِسْلَام مَحْصُوْر بَيْن هَذَيْن الْسُّوْرَيْن ، طَالَمَا أَنْك تَمْشِي فِي هَذَا الْصِّرَاط لَا تُخْرِج مِن هُنَا وَلَا مِن هُنَا فَأَبْشِر ، هَذَا صِرَاط الِلَّه (ضَرَب الْلَّه مَثَلا صِرَاطا مُسْتَقِيْما ، وَعَلَى جنبتَي الْصِّرَاط سُوَرَان .)
    هَذَا الْسُّوْر وَهَذَا الْسُّوْر فِيْهِمَا أَبْوَاب مُّفَتَّحَة ، لِمَا تَخْرُج مِن هَذَا الْبَاب إِلَى أَيْن تَذْهَب ؟ إِلَى الْفَضَاء الْوَاسِع ، أَبْوَاب مُّفَتَّحَة ، عَلَى هَذِه الْأَبْوَاب سُتُوْر مُرْخَاة ، سِتَارَة مَشْدُوْدَة عَلَى الْبَاب ، مِثْل الْنَّافِذَة أَنْت تَشَد عَلَيْهَا سِتَارَة لِمَاذَا ؟ حَتَّى لَا يَرَاك الْجِيْرَان ، وَحَتَّى تَكُوْن بِحُرِّيَّتِك وَلَا يَرَاك أَحَد ، فَعَلَى كُل بَاب سِتَارَة مَشْدُوْدَة ، الْرَّسُوْل- عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام- لَمّا بَيْن لَنَا هَذَا الْمَثَل قَال:" الْأَبْوَاب مَحَارِم الْلَّه " ، أَي لَو دَخِلَت مِن الْأَبْوَاب فَتَكُوْن دَخَلَت فِي مَحَارِم الْلَّه ، إِيَّاك .
    فَمَا فَائِدَة الْسِّتَارَة الْمَشْدُوْدَة عَلَى هَذَا الْبَاب ؟
    الْسِّتَارَة: هِي الْنَّص الْشَّرْعِي الَّذِي يَنْهَاك عَن دُخُوْلِك إِلَى الْمُحَرَّم وَهُنَاك بَعْض الْنَّاس يَتَغَافَلُون ، يَمْشِي وَجَد الْبَاب مَفْتُوْحاً وَلَيْس هُنَاك سِتَارَة مُمْكِن يَدْخُل ، مَا الَّذِي أَدْخَلَك يَقُوْل: وَالْلَّه أَنَا لَم أَنْتَبِه لِذَلِك لَكِن لَو أَرَاد أَن يَدْخُل لَابُد أَن يَشُد الْسِّتَارَة ، فِيِكَوْنِه مُتَعَمَّد أَم لَا قَطْعا مُتَعَمَّد ، لِأَنَّه شَد الْسِّتَارَة بِخِلَاف ما لَو كَان الْبَاب لَيْس عَلَيْه سِتَارَة مُمْكِن يَدْخُل وَهُو نَاسِي مُمْكِن يَدْخُل وَهُو لَم يَنْتَبِه ، لَكِن إِذَا شَد الْسِّتَارَة مِن عَلَى الْبَاب فَهُو يَعْلَم أَنَّه يُرِيْد الْدُّخُوْل ، إِذا فَهُو مُتَعَمَّد ، فَمَن رَحْمَة الْلَّه- تَبَارَك وَتَعَالَي- أَن جَعَل الْسِّتَارَة عَلَى هَذَا الْبَاب حَتَّى لَا تَلِجْه وَلَا تدَخَلَه .

    وَالْمُحَرَّم عِنْدِنَا قِسْمَان:
    1-مَحْرَّم لِذَاتِه : أَي مَا أَبَاحَه الْلَّه يَوْما مِّن الْأَيَّام لِأَحَد .
    كَالْشَّرَك ، وَالْقَتْل ، وَالْزِّنَا , مَا أَبَاح الْلَّه الْشِّرْك أَبَدا ، وَلَا أَبَاح الْقَتْل لِأَحَد أَبَدا بِغَيْر حَق طَبْعا ، وَلَا أَبَاح الْزِّنَا أَبَدا لِأُمَّة مِن الْأُمَم .
    2-َ مُحَرَّم لْغَيْرَة: لَيْس حَرَاماً فِي ذَاتِه ، وَلَكِن انْضَم إِلَيْه شَيْء آَخَر نَقَلَه مَن الْحَل إِلَي الْحُرْمَة .
    مثال ذلك: أَنَا عِنْدِي مَثَلا مُزَارِع مِن الْعِنَب و الْخَمْر تُصْنَع مِن أَشْيَاء عَلَي رَأْسِهَا الْعِنَب ،قد يَكُوْن الْخَمْر مِن الْعِنَب وقد يَكُوْن مِن الْتَّمْر وقد يَكُوْن مِن الْشَّعِيْر، ويوجد أَنْوَاع أُخْرَي نَُسْتَخْلِص مِنْهَا خَمْراً فلَو بِعْت هَذَا الْعِنَب لَتُجَّار الْفَاكِهَة حَلَال ، لكن لو جَاءَنِي رَجُل مُصَنَّع خَمْر وَقَال:أُرِيْد أَن أَشْتَرِي كُل هَذِه الْمَزَارِع حَرَام .
    وَهَذَا هُو الْمُحَرَّم لِغَيْرِه ،أَي أَصْل زِرَاعَة الْعِنَب وَبِيَعه كَعِنَب حَلَال لَكِن لَمَّا أَرَاد أَن يَشْترِي مِنِّي الْمُصَنَّع الْعِنَب قُلْت لَه: حَرَام أَنْضَم إِلَي هَذَا شَيْء آخَر نَقَلَه مَن الْحَل إِلَي الْحُرْمَة.
    فَعِنْدَنَا حَرَام لِذَاتِه: أَي لِمَا فِيْه مِن الْقَبَائِح وَمَا أَحَلَّه الْلَّه يَوْما مِّن الْأَيَّام وَحَرَام لِغَيْرِه: وَهُو أَن يَكُوْن حَرَام إِذَا أَنْضَم إِلَيْه شَيْء آخَر .
    اسْتِقَامَتَك عَلَي الْطَّرِيْق وَأَنْت مَاضِي إِلَي الْلَّه ( ضَرَب الْلَّه مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيْماً)آخر هَذَا الْصِّرَاط ؟ الْجَنَّة ، أَنْت حَتَّى تَصِل إِلَي الْجَنَّة لاتَدْخُل مِن هَذِه الْأَبْوَاب إِنَّمَا تَوَاصُل الْسِيَر عَلَي الْطَّرِيْق الْمُسْتَقِيْم لِأَن نِهَايَتِه الْجَنَّة وَأَنْت تَمْشِي فِي هَذَا الْطَرِيْق عِنْدَك مُشْكِلَتَان لَأَبَد أَن تَتَجَنَّب هَذِه وَتِلْك .
    المِشَكِلَتَان الْلَّتَان تُوَاجَهَان الْإِنْسَان فِي سَيْرِه إِلَي الْطَّرِيْق الْمُسْتَقِيْم.
    1-الْعَقَبَة الْأَوَّلِي: الْذَّنْب.إِذَا أَرَدْت أَن تَصِل وَكِلَاهُمَا مَذْكُوْر فِي الْقُرْآَن قَال الْلَّه- عَز وَجَل - لِلْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ، ثُم لَنَا تَبَعا لِأَن مَا أُمِرَ بِه الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- وَلَم تَثْبُت فِيْه الْخُصُوْصِيَّة فَنَحْن مَأْمُوْرُوْن بِه قَال تَعَالَي:﴿فَاسْت َقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا ﴾(هود: 112) ، فَأَمَرَه أَن يَمْشِي عَلَي الْطَّرِيْق الْمُسْتَقِيِم ثُم قَال لَه:﴿ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾ مِن أَي شَيْء يَتُوْب الْمَرْء ؟ يَتُوْب مِن الْطَّاعَة أَم مَن الْذَّنْب ؟ يَتُوْب مِن الْذَّنْب فَيَكُوْن أَوَّل عُقْبَة الْذَّنْب لِأَجْل هَذَا قَال: ﴿ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾ فيكون أذنب فلابد أن يتوب هذا هو المعوق الأول
    ﴿ وَلا تَطْغَوْا ﴾
    2- الْعَقَبَة الْثَّانِيَة الْبِدْعَة :(الطُّغْيَان) مُجَاوَزَة الْحَد ، وَهَذِه هِي الْبِدْعَة أَنْت مَا بَيْن الْمِطْرَقَة وَالْسِّنْدَان كَمَا يُقَال ، وَالَّذِي يَقْدَح فِي الِاسْتِقَامَة الْذَّنْب وَالْبِدْعَة ، نَحْن لَسْنَا مَعْصُوْمِيْن حَتَّى يُقَال لَك لَا تُقْتَرَف ذَنْباً وَسَيَقْتَرّف الْمَرْء الْذَّنْب مُهِمَّا اجْتَهَد أَلَّا يُذْنِب .
    كَمَا قَال- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" كُل بَنِي أَدَم خَطَّاء" ، وَقَال- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" لَو لَم تُذْنِبُوا لَخَسَف الْلَّه بِكُم الْأَرْض ثُم أَتَى بِأَقْوَام يُذْنِبُون فَيَسْتَغْفِرُو ْن فَيَغْفِر الْلَّه لَهُم " إِيَّاك أَن يَتَصَوَّر أَحَدُكُم أَن هَذَا حَض عَلَى الْذَّنْب ، وَيَقُوْل طَالَمَا أَن الْذَّنْب مُلَازِم لِبَنِي آدَم فَأَذْنَب لَا ،أَنْت سَتُذْنِب رُغْما عَنْك ، لِمَاذَا ؟ عِنْدَك الْشَّيْطَان الْرَّجِيْم وَعِنْدَك الْنَّفْس الْأَمَارَة بِالْسُّوْء ، وَعِنْدَك شَيَاطِيْن الْإِنْس وَالْجِن يَؤُزُّونَك أَزاً عَلَى الْمَعْصِيَة، وَالْإِيْمَان يَزِيْد وَيَنْقُص .
    مُمْكِن فِي حَال نَقُص الْإِيْمَان تَمَاماً يدعوك أحدهم للذهاب للمرقص أَو لَبَيْت الْدَّعَارَة ،أَو لِشْرَب الخمر، يَقُوْل لَه تَعَالَي لِنَشْرَب كَأْسَيْن وَنُنْسِي الْدُّنْيَا وَالْهُمُوْم ، أَو اشْرَب حَشِيْش وَكُوَكَايِين وَبانْجو وَغَيْر ذَلِك ، بَعْد أَن يَعْمَل الْذَّنْب يَنْدَم ، مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَه ؟ الْلَّه اغْفِر لِي الْلَّهُم اسْقُط عَنِّي ذَنْبِي ، الْلَّه لَا تُؤَاخِذْنِي ، أَذْنَبْت لَكِن يَجِب عَلَيْك أَن تَتُوْب .
    وُجُوْب الْتَّوْبَة عَلَي كل مِن أذنب.
    وَلِذَلِك قَال الّه – عَز وَجَل- لِلْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي هَذِه الْآَيَة:﴿ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾ ، أَي وَالَّذِي يَتُوْب مِن الْذَّنْب يُكَوِّن قَد رَجَع إِلَى الْصِّرَاط مَرَّة أُخْرَى بَعْدَمَا خَرَج مِنْه ، فَعِنْدَنَا الْذَّنْب مُشْكِلَة إِذَا أَذْنَبْت تُب إِلَى الْلَّه- عَز وَجَل- .
    الْشَّيْء الْآَخَر الَّذِي يَقْدَح فِي الِاسْتِقَامَة الْبِدْعَة:﴿ وَلَا تَطْغَوْا ﴾ ، أَي لَا تُخْتَرَع عُبَادَة تَتَقَرَّب بِهَا إِلَى الْلَّه- عَز وَجَل- بِهَا ، أَي الْجَمَاعَة الَّذِيْن يَرْقُصُوْن فِي مَجَالِس الْذِّكْر بَعْدمَا يَأْكُلُوْن وَيَمْلَئُوْن بُطُونَهم ,
    َأهَذَا هُو الَّذِي أَمَر الْلَّه- عَز وَجَل- بِه ، أَهَذَا فَعَلَه الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- ، أَهَذَا فَعَلَه الْصَّحَابَة وَالْتَّابِعُوْ ن وَالْأَئِمَّة الْمتبعُوْن يُمَسِّكُوْن بِأَيْدِي بَعْضُهُم و يْتَمايَلُوْن يَمْنَة وَيَسْرَة ، أَنْت اخْتُرِعَت شَيْئاً تَتَقَرَّب بِه الْلَّه لَم يَأْذَن بِه الْلَّه ، فَهَذَا هُو الطُّغْيَان وَمُجَاوَزَة الْحَد الَّذِي نُسَمِّيْه الْبِدْعَة .
    وَأَنَا أَقُوْل لَكُم بِصَرَاحَة لَمَّا وَاحِد يَقِف وَيَتَمَايَل ، وَسَاعَات تَأْخُذُه الْجَلَالَة وَيَتَمَايَل حَتَّى تَكَاد تصَل رَأْسَه إِلَى الْأَرْض ، لَو أَن هَذَا الْرَّجُل ذَهَب لِقصَر مَلْك مِن الْمُلُوْك اسْمُه عَبْدِه مَثَلا وَوَقَف عَلَى الْبَاب وَقَال: يَا عَبْده , وكررها عدة مرات فَيَكُوْن هَذَا أَشْبَه بِالْمُسْتَهْزِ ئ كَيْف يَقِف بَيْن يَدَي الْلَّه- عَز وَجَل - وَيَفْعَل مِثْل هَذِه الْحَرَكَات وَيتَصَوَّر أَنَّه يعْبَد رَبِّه - سُبْحَانَه وَتَعَالَي - فَهَذَا ارْتَقِي وصِل إِلَي دَرَجَة الطُّغْيَان وَرَكِب سُلَِم الْحِرْمَان ، فالَّذِي يَقْدَح فِي الِاسْتِقَامَة هذان الْشَّيْئَان قَال تَعَالَي:﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾
    ﴿ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾: أي خرج عن المعاصي وبعد ذلك رجع مرة ثانية إلي الاستقامة .

    شِعَار الْعُبُوْدِيَّة .
    ﴿ وَلا تَطْغَوْا ﴾: أَي تَتَجَاوَزُوْا الْحَد عَن أَمْرِي ، وَلَا تُنْقَل قَدَمَك إِلَا إِذَا كَان مَأْذُوْنا لَك أَن تَنْقُل قَدَمَك ، لِأَن هَذَا هُو شِعَار الْعُبُوْدِيَّة كَثِيْرا مِن الْنَّاس يَعْمَلُوْن فِي الْتِّجَارَة ، أَي رِجَال أَعْمَال ، يَذْهَب ويَعَقد صَفْقَة فِي أَي بَلَد مِن بِلَاد الْدُّنْيَا ، وَنَحْن كَبِلَاد مُسْلِمَة بِكُل أَسَف صِرْنَا سَوْقاً وَإِنِتَاجِنا قَلِيْل ، مُعْظَم مَا نَسْتَعْمِلُه فِي حَيَاتِنَا مُسْتَوْرَد وَمُسْتَوْرِد مَن الَّذِيْن لَا يَدِيْنُوْن بِدِيْن الْإِسْلَام ، أَهُم شَيْء عِنْد الْرَّجُل الْمُنْتَج هَامِش الرِّبْح ، يَبِيْع الْبِضَاعَة هَذِه بِأَعْلَى سِعْر يَكُوْن .
    فَطَبَعا لِكَي تَفْعَل صَفْقَة بَيْع بَيْنَك وَبَيْن رَجُل لَا يَدِيْن بِدَيْنِك يَضَع شُرُوْطاً قَد يَكُوْن فِيْهَا مَا يُخَالِف الْقُرْآَن وَالْسُّنَّة هُو رَجُل لَا يَدِيْن بِدَيْنِك فَيَعْمَل الْشُّرُوْط الَّتِي تُحَقِّق لَه أَعْلَي مُعدَّل رَبِح ، مَع قَطْع الْنَّظَر عَن حَلَال وَحَرَام ، وَهُم لَيْس عِنْدَهُم حَلَال وَحَرَام ، كُلُّه حَلَال حَلَال حَلَال ، الْمَذْهَب الْثُّلاثِي الْمَعْرُوْف .
    ما يَدُل عَلَى هَوَان الْدِّيْن.
    أَنْت كَتَاجِر رَجُل أَعْمَال كَبِيْر عِنْدَك مُحَاسِب يَرْأَس مَجْمُوْعَة مِن الْمُحَاسِبِيْن ، أَي شَرِكَة لَا يَكُوْن لَهَا مُحَاسِب تَكُوْن شَرِكَة خَاسِرَة للَك مُسْتَشَار قَانُوُنِي لِأَنَّه لَو حَدَث مُشْكِلَة قَانُوْنِيَّة هَذَا الْمُسْتَشَار الْقَانُوْنِي يَحُلُّهَا لَك ، هَذَا الْمُحَاسِب يَعْمَل عِنْدَك مَجَّاناً أَم تُعْطِيَه أَجْراً ؟ تُعْطِيَه أَجْراً ، هَذَا الْمُسْتَشَار الْقَانُوْنِي تُعْطِيَه أَجْراً أَم يَعْمَل مَجَّاناً؟ تُعْطِيَه أَجْراً, قَبْل أَن تَعْقِد هَذِه الْصَّفْقَة كَرَجُل مُسْلِم تُرِيْد أَن تَأْكُل حَلَالا .
    الْسُّؤَال: هَل عِنْدَك مُفْتِي عرِّضَت عَلَيْه هَذَا الْعَقْد وَقُلْت لَه: أَُنْظُر فِيْه هَل فِيْه شَيْء يُخَالِف دِيْنِي أَم لَا ؟
    الْجَوْاب: لَا ثُم لَا ثُم لَا ، عِنْدَك مُسْتَشَار قَانُوُنِي ، وَعِنْدَك مُحَاسِب وَلَيْس عِنْدَك مُفْتِي يُفْتِيَك يَقُوْل هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام ، الْمُفْتِي عِنَدَمّا يَعْمَل عِنْدَك يَعْمَل مَجَّاناً .
    عِنَدَمّا يَتَّصِل بِي أَحَد يُرِيْد يَسْأَلُنِي فِي شَيْء مَا،وَيَأْخُذ مَعِي سَاعَة عَلَى الْتَّلِيْفُوْن ،وَأَخَذ يَقُوْل لِي وَالْلَّه أَنَا أُرِيْد أَن أَقْرَأ عَلَيْك الْشُّرُوْط الْفُلَانِيَّة أَنَا سَأُحْضِر الْبِضَاعَة مَن الْبَلَد الْفُلَانِي ، وَالْشُّرُوْط يَشْتَرِط عَلَي الْمُنْتَج كَذَا وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا ، هَل فِيْه شَرْط مِن هَذِه الْشُّرُوْط يُخَالِف نَصاً مِن الْقُرْءَان وَالْسُّنَّة ؟,أظلّ أَسْأَلُه وَأَخَذ وَأَرُد مَعَه وَهَذَا الْكَلَام مُمْكِن يَأْخُذ مِنِّي عَشْر دَقَائِق ، نِصْف سَاعَة ، سَاعَة ، وَمُمْكِن يَسْأَل عَشْر مَرَّات ، كُل مَرَّة يَأْخُذ رُبْع سَاعَة ، أَنَا كَمُفَتِي مَا الَّذِي أَخَذَتْه مِنْه هَل قُلْت لَه نَظِيْر أَنَّنِي أَنْفَقْت مَعَك سَاعَة أَو سَاعَتَيْن ، أَو ثَلَاثَة ، أَعْطِنِي أُجْرَة الْفَتْوَى ,فَكَيْف تُحَضِّر مُسْتَشَار قَانُوُنِي ، وَتُحَضَّر مُحَاسِب وَتُعْطِي لَه فُلُوْس وَالْمُفْتِي الَّذِي يَعْمَل مَجاناً لَا تُكَلِّف نَفْسَك وَتَرْفَع سَمَاعَة الْهَاتِف، أَو حَتَّى تَذْهَب إِلَيْه .
    هَذَا يَدُل عَلَى هَوَان الْدِّيْن ، وَهَوَان تَحَرِّي الْحَرَام وَالْحَلَال عَلَى هَذَا الْتَّاجِر ، وَهَذَا مَوْجُوْد عِنْد تِسْعَة وَتِسْعين بِالْمَائَة مِن تُجَّار الْمُسْلِمِيْن لَيْس لَهُم مُفْتِي يَقُوْل لَهُم هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام ، فَهَذِه لَا تَكُوْن عُبُوْدِيَّة .
    الْعُبُوْدِيَّة : أَن تَنْظُر مَاذَا يُرِيْد سَيِّدُك ؟ الَّذِي خَلَقَك وَأَمْرُك وَنَهَاك ، قَبْل أَن تَرْفَع قَدَمَك، أَنْت تُرِيْد أَن تَمْشِي، فَأَوَّل فَعَل لَّك هُو أَن ترْفَع قَدَمَك الْأولي ثُم تَضَعُهَا ، ثُم تَرْفَع الْأُخْرَى وَتَضَعُهَا ، قبُل أَن ترْفَع قَدَمَك سَل نَفْسَك أَنَا كَعَبْد هَل مَأْذُوْنٌ لِي أَن أَرْفَع قَدَمَي أَم لَا ؟ فَأَنْظُر مَاذَا قَال لِي سَيِّدِي ؟ قَال لِي سَيِّدِي: ارْفَع قَدَمَك فَأَرْفَعُهَا وَبَعْد أَن رَفَعَتْهَا أَيْن أَضَعُهَا ، أَضَعُهَا هُنَا أَم هُنَا أَم هُنَا .
    أَسْأَل سَيِّدِي يَا سَيِّدِي أَيْن تُرِيْد أَن أَضَع قَدَمَي ، لِأَن هُنَا مُمْكِن يَكُوْن حَلَال ، وَهْنَا حَرَام ، أَو مَكْرُوْه ، فَيَقُوْل لَك ضَع قَدَمَك هُنَا وَلَا تَضَعْهَا هُنَا وَل هَا هُنَا ، رِجْلَك الْأُخْرَى تُرِيْد أَن تَرْفَعُهَا ، سَيِّدِي أَرْفَع قَدَمَي أَم لَا ؟ قَال: ارْفَعَهَا ، أَو قَال لَك لَا تَرْفَعُهَا تَضَعُهَا وَتَقِف حَيْث أَنْت ، فَهَذِه هِي الْعُبُوْدِيَّة ، وَلَيْسَت الْكَلِمَة الَّتِي انْتَشَرَت بَيْن الْمُسْلِمِيْن كُلَمَا أَمْرِه أَحَد بِشَيْء قَال لَه: أَنَا حُر .
    فَمَا مَعْنَي أَنَا حُر ؟ .
    أَنَا حُر: مَعْنَاهَا أَنَا مُنْفَلِت ، أَنَا مُتَسَيِّب ، أَنَا أَفْعَل مَا أُرِيْد ، وَمَا يُمْلِيْه عَلَي الْهَوَى ،فَهَذَا مَعْنَى كَلِمَة أَنَا حُر، يَا بُنَيَّتَي تَحْجَبِي ، تَقُوْل: أَنَا حُرَّة ، حُرِّيَّتِي الْشَّخْصِيَّة مِزَاجِي، لَا، هَذَا خَرَج مِن حَظِّيْرَة الْعُبُوْدِيَّة طَالَمَا قَال: أَنَا حُر وَأَفْعَل مَا أُرِيْد لَم يَعُد عَبْدا .
    الْعَبْد َإِن لَم يَأْتِي بِالْعُبُوْدِيَ ّة أَتَى بِّعُبُوْدِيَّة الْقَهْر وَالْإِذَلال.
    الْعَبْد إِمَّا أَن يَأْتِي طَوَاعِيَة إِلَى الْعُبُوْدِيَّة فَيُمْدَح بِذَلِك ، فَإِن لَم يَأْتِي بِالْعُبُوْدِيَ ّة أَتَى بِّعُبُوْدِيَّة الْقَهْر وَالْإِذَلال ، لِأَنَّه عَبْد ، عَبْد شَاء أَم أَبِي .
    أَمَّا عُبُوْدِيَّة الْقَهْر وَالْإِذَلال وَهِي الْعُبُوْدِيَّة الْمُسَيْطِرَة عَلَى الْبَشَر كُلِّهِم وَالَّتِي ذُكِرَت فِي قَوْلِه تَعَالَي:﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾(مريم:93) ، غَصَب عَنْه لِأَنَّه مَرْبُوْط وَمَقْهُور بِالْمَرَض وَمَقْهُور بِالْمَوْت ، حَتَّى مُلُوْك الْدُّنْيَا ، أَلَيْس مِن الْمُمْكِن أَن الْوَاحِد يَكُوْن مِلْك الْبَلَد وَفَجْأَة يُحَدِّث انْقِلَاب عَلَيْه وَيُؤْخَذ هَذَا الْمَلِك وَيُوْضَع فِي الْسِّجْن ؟ أَلَيْس كَذَلِك ؟ فَيَكُوْن مَقْهُوْر ، مُمْكِن يُقْهَر ، وَلَا يَكُوْن مِلْكا مِن سَاعَة مَا يَأْخُذ الْمَلَك حَتَّى يَمُوْت ، لَا مُمْكِن أَن يَكُوْن سَجِيْن وَيُمَوِّت فِي الْسِّجْن أَيْضا .
    لِمَاذَا تُعْرَض نَفْسَك إِلَى هَذَا أَن تَكُوْن عَبْداً رُغْما عَنْك ؟ وَتَأْتِي بِالْقَهْر وَالْإِذَلال ، فَلَمَّا لَا تَأْتِي طوعاً ؟
    الْسَّمَاوَات وَالْأَرْض تَكُوْنَان أَفْضَل مِن الْعَبْد الَّذِي أَرْسَل الله إِلَيْه الْرُسُل وَأَنْزَل الْكُتُب ، فِيْه إِنْسَان يَقْبَل مِثْل هَذَا ، قَال الْلَّه- عَز وَجَل- لِلِسَّمَاوَات وَالْأَرْض:﴿ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾(فصلت:11)فَأَنْت أَوْلَى أَن تَقُوْل هَذَا ، إأتِي إِلَى رَبِّك طَوْعا أَو كَرْها ، سَتَأْتِي طَوْعا أَو كَرْها ، فالْأَفْضَل لَك وَالْأَشْرَف لَك وَالْأَكْرَم لَك أَن تَأْتِي طَوْعاً، لَا تَأْتِي كُرْهاً مِنْك ,لَا تَتَجَاوَز إِطْلَاقاً حُدُوْد الْعُبُوْدِيَّة ، أَذْنَبْت فَارْجِع ، وَلَا تَبْتَدِع فِي دِيَن الْلَّه مَا لَيْس مِنْه.
    فهمنا الْآَيَة:﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا ﴾ نَحْن نَمْشِي عَلَى الْصِّرَاط ، وَاحِد يُرِيْد أَن يَخْرَج مِن بَاب مَن الْأَبْوَاب الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- قَال:" وَهَذِه الْأَبْوَاب مَحَارِمُ الْلَّه " .
    لَابَد أَن يَكُوْن الْقُرْءَان أَمَامَك وَإِمَامِك.
    هُنَاك دَاعِيَان الْدَّاعِي الْأُوَل عَلَى رَأْس الْصِّرَاط ، وَالْدَّاعِي الْثَّانِي فَوْق يُرَاقِب ، َالْدَّاعِي الَّذِي هُو عَلَى رَأْس الْصِّرَاط هُو الْقُرْءَان ، لَابَد أَن يَكُوْن الْقُرْءَان أَمَامَك وَإِمَامِك ،كَمَا قَال أَبِي مُوْسَى الْأَشْعَرِي- رَضِي الْلَّه عَنْه- قَال:( مَن جَعَل الْقُرْءَان أَمَامَه قَادَه إِلَى الْجَنَّة ، وَمَن جَعَلَه خَلْفَه زَخَّ فِي قَفَاه إِلَى الْنَّار )
    إِن كَان جِهَاز الِاسْتِقْبَال عِنْدَك جَيِّداً سَتَتَلَقِّى الْقُرْءَان وَتَنْتَفِع بِه ، إِذَا كَان غَيْر جَيِّدٍ يَزِيْدُه الْقُرْءَان ضَلَالَاً.
    قَال تَعَالَي:﴿ وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ﴾(الإسراء:82)وق ال تعالي:﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾(فصلت:44) يَسْمَع الْقُرْءَان يَزْدَاد كُفْرا ، لِأَن جِهَاز الِاسْتِقْبَال عَندْه مُعَطَّل أَو رَدِيْء
    حَتَّى لَا تَتَعِوّج فَلَا بُد أَن تَمْشِي خَلْف إِمَامَك أَلَا وَهُو الْقُرْءَان.
    هَذَا الْقُرْءَان كِتَاب الْلَّه- عَز وَجَل- يَقُوْل لِّلِسَّائِرِين خَلَفَه عَلَى الْصِّرَاط مَا بَيْن الْسُّوْرَيْن ، أَيُّهَا الْنَّاس أُدْخِلُوَا الْصِّرَاط جَمِيْعا وَلَا تَتَعَوَّجُوا،ل َا تَذْهَب يَمِيْن وَلَا تَذْهَب شَمَال ، تَذْهَب يَمِيْن سَتَخْرُج مِن الْبَاب عَلَى الْمُحَرَّمَات ، تَذْهَب شَمَال سَتَخْرُج مِن الْبَاب عَلَى الْمُحَرَّمَات ، حَتَّى لَا تَتَعِوّج وَتَذْهَب يَمِيْن أَو شِمَال فَلَا بُد أَن تَمْشِي خَلْف إِمَامَك أَلَا وَهُو الْقُرْءَان .
    الْنَفَس اللَّوَّامَة الْلَّه فِي قَلْب كُل مُؤْمِن.
    الْدَّاعِي الَّذِي فَوْق الْصِّرَاط قَال الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- هُو وَاعِظ الْلَّه فِي قَلْب كُل مُؤْمِن ، أَنْت تَعْرِف هَذَا الْوَاعِظ هُو الْضَّمِيْر الْنَفَس اللَّوَّامَة ، تَفْعَل الْشَّيْء لَا تَسْتَطِيْع أَن تَنَام مِنْهَا ، أُوُل مَا تَذْهَب لِتَنَام تَقُوْل لَك لِمَاذَا فَعَلْت هَذَا ، وَلِمَاذَا فَعَلْت هَذَا ، فَتَأْخُذ حُبُوْب مُنَوِّمَة لِكَي تَسْتَرِيْح ، لِمَاذَا ؟ لِأَنَّهَا تؤنِّبك دَائِما إِذَا خَالَفْت الْدِين أَو خَالَفَت الْمُرُوءَة ,تَظَل تَلُوْمُك .
    أَنْوَاع الْنُّفُوْس.
    الْنُّفُوْس ثَلَاثَة ، الْنَّفْس الْمُطْمَئِنَّة ، نَسْأَل الْلَّه أَن يَجْعَلَنَا مِن أَهْلِهَا وَالْنَّفْس اللَّوَّامَة نَسْأَل الْلَّه أَن يَجْعَلَنَا مِن أَهْلِهَا ، وَالْنَّفْس الْأَمَّارَة بِالْسُّوْء وَنَعُوْذ بِالْلَّه مِنْهَا ، فَتَكُوْن الْنُّفُوْس ثَلَاثَة:
    1- الْنَّفْس الْمُطْمَئِنَّة ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾(الفجر:28:27)
    2- الْنَّفْس اللَّوَّامَة ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾(القيامة:2،1) .
    3-الْنَّفْس الْأَمَّارَة ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾(يوسف:53) .
    فَتَكُوْن الْنُّفُوْس ثَلَاثَة ، وَاعِظ الْلَّه فِي قَلْب كُل نَفْس هِي النَّفْس اللَّوَّامَة تِّلُوْمَه دَائِما ، إِذَا خَالَف الْدِّيْن أَو خَالَف الْمُرُوءَة ، إِذَا خَالَف الْدِّيْن وَاضِح ، إِذَا خَالَف الْمُرُوءَة .
    فَمَا هِي الْمُرُوءَة ؟
    الْمُرُوءَة: كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِمَكَارِم الْأَخْلَاق .
    هَل الْمُرُوْءَة تَكُوْن لِّأَصْحَاب الْدِّيْن فَقَط ( لِلْمُسْلِمِيْن ) ؟
    الْمُرُوءَة لَا بَلَد لَهَا وَلَا دِيَن لَهَا ، وَانْتَبِه لِهَذَا الْكَلَام لِأَنَّه كَلَام مُهِم الْمُرُوءَة ، الْنَّجْدَة وَالشَّجَاعَة وَالْكَرَم ، لَا دِيَن لِهَذَا وَلَا وَطَن ، كَان الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كُفَّاراً كَمَا تَعْلَمُوْن وَمَع هَذَا كَانُوْا أَصْحَاب نَجْدَة وَمُرُوْءَة وَكَرُم وَشَهَامَة ، وَأَظَنْكُم كُلُّكُم تَعْرِفُوْن حَاتِم الْطَّائِي لِمَا وَاحِد يَعْمَل وَلِيَمَة يَقُوْلُوْن هَذَا كَرَم حَاتِمِّي ، حَاتِم الْطَّائِي مَات كَافِراً
    وَكَان أَكْرَم الْنَّاس لِدَرَجَة أَنَّه يَوْما رَأَى ابْناً لَه يُضْرَب كلْبَةً لَه وَأَنْت تَعْرِف قَدِيْما الْتَّائِه فِي الْصَّحْرَاء كَان يَهْتَدِي إِمَّا بِنُبَاح الْكَلْب أَو بِالْنَّار الَّتِي يُشْعِلُهَا الْرَّجُل لَكَرِيْم عَلَى قِمَّة الْجَبَل ، فالْضَّال فِي الْصَّحْرَاء الَّذِي سَيَمُوْت وَلَا يُعْرَف أَيْن سَيَذْهَب إِمَّا يَتَّبِع نُبَاح الْكَلْب لِأَن مَعْنَى أَن كَلْبا يَنْبَح أَنَّه يوجد نَاس ، وَمَعْنَى أَن يوجد نَار عَلَى قِمَّة جَبَل أَنَّه فِيْه نَاس ، فَإِمَّا أَن يَذْهَب إِلَى الْنَّار ، وَإِمَّا أَن يَتَّبَع نُبَاح الْكَلْب
    فَحَاتِم الْطَّائِي: وَجَد وَلَدِه يَضْرِب كلْبَةً لَه ، قَال لَه:( يَا بُنَي لَا تَضْرِبْهَا فَإِن لَهَا عَلَي جَمِيْلا ، إِنَّهَا تَدُل الْضِّيْفَان عَلَي)رَجُل عِنْدَه مُرُوْءَة بِرَغْم أَنَّه كَافِر ، وَلِذَلِك تَجِدُوْن مِن الْكُفَّار نَاس شُجْعَان وَتَجِدُه كَرِيْم وَيُدَافِع عَنْك بِرَغْم أَنَّه لَا يَدِيْن بِدَيْنِك ، وَيَقُوْل أَن أَقِف مَع الْمَظْلُوْم وَمُنَظَّمَات حُقُوْق الْإِنْسَان وَهَذَا الْكَلَام ، فَهَذَا كُلُّه يَدْخُل فِي بَاب الْمُرُوْءَة أَنَّه لَا يقْبَل الْظُّلْم .
    فَالْمَرَوْءَة يَدَين بِهَا الْمُسْلِم وَغَيْر الْمُسْلِم .
    وَلِذَلِك الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- قَال حَدِيْثا أَخْتُم بِه ، يُمْكِن قَلِيْل مِن الْنَّاس الَّذِي يَسْتَحْضِر مَعْنَى هَذَا الْحَدِيْث وَهُو مَشْهُوْر وَالْدُّنْيَا كُلُّهَا تَقَوَّلَه ، قَال- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم-:" إِنَّمَا بُعِثْت لِأُتَمِّم صَالِح الْأَخْلَاق " ، وَفِي رِوَايَة " مَكَارِم الْأَخْلاق " ، أَنَّمَا بُعِثْت لِأُتَمِّم لَمَّا تَأْتِي لِتُتَمِّم حَاجَة فِلَابِد أَن يَكُوْن هُنَاك بِدَايَة وَأَنْت تُتَمِّمَهَا .
    مَا الَّذِي تَمَّمَه رَسُوْل الْلَّه- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق
    أَنَّه قَال لَك: اجْعَلْهَا لِوَجْه الْلَّه ، لْأَنِك إِذَا كُنْت صَاحِب مُرُوْءَة فِي الْدُّنْيَا وَلَا تَبْتَغِي وَجْه الْلَّه سَتَدْخُل الْنَّار فِي الْنِّهَايَة ، وَلَن يَنْفَعَك مَا فَعَلْت مِن الْمُرُوْءَة ، وَحَاتِم الْطَّائِي هَذَا الَّذِي نَتَكَلَّم عَنْه ، ابْنَه عَدِي بْن حَاتِم أَسْلَم ، كَان مِن الْصَّحَابَة الْفُضَلَاء ، فَأَرَاد أَن يَطْمَئِن عَلَى مُسْتَقَر أَبِيْه كَان رَجُل يَذَبِّح وَيُطْعِم وَيَسْقِي وَهَذَا الْكَلَام ، فَقَال يَا رَسُوْل الْلَّه إِن حَاتِما كَمَا تَعْلَم كَان يَقْرِي الْضَّيْف ، وَيُضَيِّف الْضِّيْفَان وَيَعْمَل ، وَيَعْمَل ، وَيَعْمَل ، هَل ذَلِك نَافِعُه عِنْد الْلَّه ، هَذَا الْكَرْم الَّذِي عَمِلَه وَالْمَال الَّذِي يُعْطِيْه لِلْنَّاس هَكَذَا ، هَل ذَلِك نَافِعُه عِنْد الْلَّه قَال:" إِن أَبَاك أَرَاد شَيْئا فَنَالَه " .
    كَان يُرِيْد أَن الْدُّنْيَا كُلَّهَا تَقُوْل كَرَم حَاتِمِّي ، حَاتِم الْطَّائِي ، لَكِن لَيْس لَه فِي الْآَخِرَة شَيْئا نِهَائِيا ،فَهَذَا خَسِر الْخُسْرَان الْمُبِيْن أَم لَا ؟ الْمَال الَّذِي أَنْفَقَه فِي الْدُّنْيَا لَم يَنْتَفِع بِه .
    المراد بقوله صلي الله عليه وسلم "إِنَّمَا بُعِثْت لِأُتَمِّم مَكَارِم الْأَخْلاق"
    فَلَمَّا يَأْتِي الْنَّبِي- صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- وَيَقُوْل:" إِنَّمَا بُعِثْت لِأُتَمِّم مَكَارِم الْأَخْلاق "يَقُوْل لَك يَا صَاحِب الْمُرُوءَة اجْعَل عَمَلَك لله تُنْال الْذِّكْر الْحَسَن فِي الْدُّنْيَا ، وتنَال الْجَائِزَة الْكُبْرَى بِدُخُوْل الْجَنَّة أي أَجَعَل مَكَارِم الْأَخْلاق لِلَّه- تَبَارَك وَتَعَالَي- .
    نَحْن هُنَا أَيُّهَا الْأُخْوَة الْكِرَام أَمَام هَذَا الْمَثَل الْكَبِيْر ، وَالْحَدِيْث الْحَقِيقَة فِيْه فَوَائِد كَثِيْرَة جِداً ،مُمْكِن تُحْتَمَل مُحَاضَرَة ،وَاثْنَيْن ، وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة ، لَو تَكَلَّمْنَا في الْمُحَرَّم لِوَحْدِه ، لَو تَكَلَّمْنَا عن الْصِّرَاط الْمُسْتَقِيْم لِوَحْدِه ، لَو تَكَلَّمْنَا عن حُدُوْد الْلَّه لِوَحْدِهَا ، لَو تَكَلَّمْنَا عَن كِتَاب الْلَّه كَإِمَام لَنَا وَحْدَه ، لَو تَكَلَّمْنَا عَن الْضَّمِيْر وَالْمُرُوْءَة وَحْدَهَا كُل وَاحِدَه مِن هَذِه مُمْكِن تحْتَمَل مُحَاضَرَة ، أَو اثْنَيْن ، أَو ثَلَاثَة لَكِنَّنِي أَرَدْت أَن أَلْقَي ضَوْءاً عَاماً عَلَى هَذَا الْحَدِيْث ، لِمَاذَا ؟
    الْسَّبَب الَّذِي مِن أَجْلِه أُلْقِي الْشَّيْخ_ حَفِظَه الْلَّه_ الْضَّوْء عَلِي هَذَا الْحَدِيْث.
    لِأَن آَفَة الْدُّنْيَا أَصَابَت كَثِيْراً مِنَّا وَنَسِيَنَا كَثِيْراً مِّن هَذَا الْهَدْي الْنَّبَوِي الَّذِي مَن تَمَسَّك بِه وصِل إِلَى الْغَايَة وَالْمُنْتَهِي أَلَّا وَهِي الْجَنَّة ، وَالْجَنَّة يَا إِخْوَانَنَا مَع مُتَعِهَا ، نَخْل وَرُمَّان وَمُتْعَة ، وَغَيْر هَذَا الْكَلَام ، هَذَا أَقَل شَيْء فِيْهَا ، لَكِن أَعْظِم مَا فِي الْجَنَّة أَن تَرَى رَبِّك الَّذِي كُنْت تَعْبُدُه- سُبْحَانَه وَتَعَالَي - .
    أَسْأَل الْلَّه- عَز وَجَل- أَن يَنْفَعُنِي وَإِيَّاكُم بِمَا قُلْنَا وَأَن يَجْعَل مَا قُلْتُه لَكُم زَاداً إِلَى حُسْن الْمَصِيْر إِلَيْه ، وَعْتَادّاً إِلَى يَمُن الْقُدُوْم إِلَيْه ، إِنَّه بِكُل جَمِيْلٍ كَفِيْل ، وَهُو حَسْبُنَا وَنِعْم الْوَكِيْل ، وَصَلَّي الْلَّه وَسَلِم وَبَارِك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد ، وَالْحَمْد لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن .
    تمت بحمد الله نسألكم الدعاء(أختكم أم محمد الظن)

    * * * *
    وهذا رابط المحاضرة الصوتي.
    http://alheweny.org/aws/play.php?catsmktba=10314
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    دولة الكويت
    المشاركات
    102

    افتراضي رد: تفريغ محاضرة فاسمع إذاً من أسبانيا للشيخ أبي إسحاق الحويتي

    بارك الله فيك و جزاك الله خيرا
    قال النبي: { من قال: سبحان الله و بحمده ،في يوم مائة مرة حطت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر } رواه مسلم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ محاضرة فاسمع إذاً من أسبانيا للشيخ أبي إسحاق الحويني

    ولكم بمثل مادعوتم
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ محاضرة فاسمع إذاً من أسبانيا للشيخ أبي إسحاق الحويني

    يرفع للفائدة
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •