الحمد لله
مما اشتهر على الألسنة قول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته:
ولولا ثلاث هن من لذة الفتى *** وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبق العاذلات بشربة *** كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وكري إذا نادى المضاف محنبا *** كسيد الغضا ذي الطخية المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب *** ببهكنةٍ تحت الطراف المعمد
(ينظر شرح الأبيات في شروح المعلقات).
وأعجب الشعراء بهذا المعنى، فعارضوه بما تيسر.
وكان منهم ابن أبي الحديد المعتزلي الرافضي فقال:
لولا ثلاث لم أخف صرعتي *** ليست كما قال فتى العبدِ
أن أنصر التوحيد والعدل في *** كل مكان باذلا جهدي
وأن أناجي الله مستمتعا *** بخلوة أحلى من الشهد
وأن أتيه الدهر كبرا على *** كل لئيم أصعر الخد
لذاك لا أهوى فتاة ولا *** خمرا ولا ذا ميعة نهد
وتذكرت حين قرأت كلام هذا الرافضي ضمن ترجمته في مقدمة تحقيق كتاب (الفلك الدائر على المثل السائر)، ما أثر عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، أنه لما حضره الموت، قال: انظروا أصبحنا؟ فأتى فقيل: لم تصبح، فقال: انظروا أصبحنا؟ فأتى فقيل له: لم تصبح حتى أتى في بعض ذلك فقيل: قد أصبحت، قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار. مرحباً بالموت مرحباً، زائر مغب، حبيب جاء على فاقة. اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب، عن حلق الذكر).
ثم تجشمتُ محنة القول، فقلتُ:
لولا ثلاث لم أبال بميتتي *** ليستْ كما زعم الفتى البكري(1)
بسطيْ الكتابَ أمام عينِي مونقا *** تُدني صحائفُه جنا الفكر
ومجالسٌ للعلم فيها يُنتقى *** خير الكلام وأفضل الذكر
ودعاء ربي - حين يرقد غافل - *** مستمتعا بنسائم الفجر.
(1) : طرفة بن العبد من بكر بن وائل.
فهل من مشمر يتكبد عناء المعارضة؟