خمْسونَ فائدة ً وفائدةًٌ من شرح ِ الطَّحاوية ِ للشيخ / عبد الرحمن البراك
بسم الله الرحمن الرحيم , ثم الصلاة ُ والسلام ُ على أشرف ِ الأنبياء ِ والمرسلين .
وبعد .
فإني بدأتُ معتصما ً بالله مستهديا ً في شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي , ثم ذكّرني أخ ٌ فاضلٌ لي , بشرح الشيخ عبد الرحمن البراك للطحاوية .
فرأيت الأفضل أن أقرأُ شرح َ الشيخ ِ البراك ليكونَ مقدمة ً لي على كتاب ِ ابن أبي العز – رحمه الله – فأنتقي من شرح العلامة ِالبراك الفوائد قبل انتقائي من ابن أبي العز الفرائد.
وقد قرأتُ شرحَ الشيخ ِ كاملا ً , فألفيته كتابا رائعا ً لمن بدأ في فنِّ العقيدة تبصرةً له , تذكرة ً لمن انتهى , مفيدا ً للعامة وطلاب العلم المبتدئين .
فقد سبك الشيخُ عبارات الطحاوية سبكا سهلا ً سلسا ً , وأسأل الله أن يشرحه الشيخ ثانية ً بسهولة الشرح هذا لكن بتوسع في شوارد المسائل والخلاف ِ فيها .
ترجمةُ الإمام ِ الطحاوي :
اسمه : أحمدُ بنُ محمد ٍ سلامة َ بن ِسلمة بن عبد الملك ِ الأزدي المصري أبو جعفر الطحاوي نسبة ً لقرية ِ " طحا" في صعيد ِ مصر .
َ
من شيوخِه : يونسُ بنُ عبد ِ الأعلى * والربيع بن سليمانَ المرادي * وخاله إسماعيل المزني .
رحلته : رحل إلى الشام سنة 268هـ ، ولقيَ القاضي أبا خازم عبد الحميد بن عبد العزيز ِ , وتفقه عليه , وتنقل بين مدن الشام وسمع من جماعة ٍ من المحدِّثين .
مذهبه الفقهي : كان شافعيّا ثم تحول إلى مذهب أبي حنيفة َ , وسببه : أنه كان يقرأ على خاله ِ المزني الشافعي , فمرت مسألة دقيقة لم يعقِلها أبو جعفر , فبالغ المزني في تقريبها , فلم يتفق ذلك , فغذب المزني وقال " لا والله جاء منك شيء " فغضب أبو جعفر وانتقل إلى مجلس القاضي الحنفي ابن أبي عمران .
من مؤلفاته : 1_ شرح ُ مشكلِ الآثار 2_ شرح معاني الآثار 3_ شرح الجامع ِ الكبير 4_ شرح الجامع الصغير 5_ الوصا 6_ أحكام القرآن 7_ الفرائض وغيرها .
من تلاميذه : أبو القاسم الطبراني * أحمد بن عبد الوارث الزجاج * يوسف بن القاسم الميانجي
كان –رحمه الله- ثبتا ً فقيها ً عاقلا ً حافظا ً جهبذا ً جليلَ القدر , فقيه البدن , بصير بالتصنيف , عالماً بالحديث ِ واختلاف العلماء , وفي مذهب أبي حنيفة وكان شديد العصبة فيه .
وفاته : توفي –رحمه الله – بمصر ليلة الخميس مستهل ذي القعدة سنة 321هـ
فوائدُ الشرح :
هذا ذكرُ بيان ِ عقيدة ِ أهل ِ السنّة والجماعة
1_ المرادُ بالعقيدة ِ أو الاعتقاد ِ : نفسُ عقد ِ القلب , وجزمه ويقينه , وتارة ً يُطلقُ الاعتقاد ُ على الشيء المعتقَد المعلوم , فيقال في الأول ( اعتقادُه قويٌّ وسليم ) وفي الثاني ( اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان بالله ِ وملائكتِه ) .
على مذهب ِ فقهاء ِ الملة ِ أبي حنيفة .....
2_ لو قال " على مذهب فقهاء الملة منهم : أبو حنيفة .. " لكان أولى , لأنَّ الإمامةَ ليست محصورةً فيهم . ولكنه نظرَ إلى كونِه منْتمِيا ً إلى فقه أبي حنيفة , وتفقه على فقهِه .
وما يعتقدون من أصول الدين , ويدينون به ربّ العالمين .
3_ مسائلُ الدّين نوعان ِ 1_ مسائلُ علميّة وله أصولٌ وفروعٌ 2_ مسائلُ عمليّة وله أصولٌ وفروعٌ كما حرَّرَ ذلك شيخُ الإسلام ِ ابن تيمية , وأنكر على من يجعل جميع مسائل الاعتقاد من أصول الدين .
إنَّ الله واحد ٌ لا شريك َ له
4_ الكافرُ الأصليُّ أو اليهوديُّ أو المشرك أو المرتد يدخلون في الإسلام بالإقرار ِ في الشهادتين ِ ( شهادة ِ أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا ً رسول الله ) والالتزام ِ بالشرائع ِ الأخرى كالصلاة ِ والزكاة .
وقال بعضُ أهل ِ الكلام " إن أولَ واجبٍ هو النظر " وبعضهم تنطع فقال " بل أوّلُ واجبٍ هو القصدُ إلى النظر ِ " وأقبحُ من ذين من قال " إن أولَ واجب ٍ هو الشكُّ " أي أن يشكَّ الإنسانُ في وجود ِ الإله ثم ينظرُ بعدُ في الأدلة . وبئسَ ما قالوا وهي أقوال ظاهرةُ الفساد ِ والبطلان ِ " والنظرُ مشروعٌ لكن لا يقال " أول واجب " ! بل النظر من الأسباب ِ التي يقوى بها إيمانُ المؤمن , وأثنى اللهُ على أوليائه المتفكرين في المخلوقات " ويتفكرون في خلق ِ السموات والأرض ربنا ما خلقتَ هذا باطلا ً سبحانك فقنا عذاب النار "
لا شيءَ مثلَه ..
5_ يجبُ الإيمان بأن الله َ تعالى موصوفٌ بالكمال ِ , وإثابتُها التي وصفه بها نفسَه , ليستْ منَ التشبيه ِ في شيء ٍ خلافا ً للمعتزلة ِ والجهميَّة ِ ومن وافقهم , من زعم أنَّ إثباتَ الصفات ِ تشبيهٌ , وأصلُ هذه الشبهة ِ قولهم " المخلوقُ يوصَفٌ بأنه عليمٌ وسميع وبصير فلو أثبتْناها إلى الله ِ لكان مماثلاً للمخلوق ِ "
وردَّ عليهمْ أهلُ السنةِ فقالوا " يلزمكم أن تقولوا إنَّ وصفه تعالى بالوجودِ تشبيهٌ ,فالله تعالى موجود ٌ , والمخلوق موجود , ولكلٍّ منهما وجودٌ يخصه , وليس الموجودُ كالموجود ".
ولا شيء يُعجزه ..
6_ ودليلُه قولُه تعالى " وما مسّنا من لغوب " وقوله " ولا يؤوده حفظُهما " وكلُّ ما يوصَف اللهُ به من النّفيِ فإنه متضمنٌ لإثبات ِ كمال , هذه قاعدة , فاللهُ تعالى لا يوصفُ بنفي ٍ محض ٍ لا يدلُّ على ثبوت ٍ , فإنَّ النفيَ المحضَ ليس فيهِ مدحٌ , وإنما المدحُ في النفي المتضمِّنِ للكمال , فاللهُ موصوفٌ بالنفي والإثبات .
فنفيُ السَّنَةِ والنوم ِ متضمنٌ لكمال ِ حياتِه وقيّوميّته , وقوله " لا يعزُب عنه مثقال ذرة " يتضمن كمال العلم ِ وقولُه " ولا يظلمُ ربّك أحدا " يتضمن العدل , وأما المعطلةُ فإنهم يصفونه بالنفي المحض ِ كقولهم " إن الله لا يجهلُ " وقد يقولون " إن الله َ لا يعجز " لكنهم لا يُثْبِتُونِ الأضداد .
قديمٌ بلا ابتداء ٍ , دائمٌ بلا انتهاء ٍ , لا يفنى ولا يَـبيد ..
7_ القديمُ في اللغة : ضدُّ الحديث ِ كقوله " قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون* أنتم وآباؤكم الأقدمون " وأصلُ القديم ِ المتقدِّم على غيره فيشمل " التقدم المطلق *و * التقدم النسبي " أما التقدُّمَ المطلقُ فهو لله تعالى سابقٌ في وجوده كلَّ شيء , ولا بداية لوجوده لذا قال المؤلف " بلا ابتداء " ويقال أزلي وهو الماضي لا حدّ له .
فالله أزلي أبدي , وليسا من أسمائه الحسنى التي يُثنى عليه بهما ويدعى بهما , فلم يردا في الكتاب ِ ولا السنة , إنما يصحُّ الإخبار بهما عن الله فتقول " الله موجود وشيءٌ وله ذاتٌ وقديم ٌ ودائمٌ "
ولكن ورد " الأول " والآخر" في القرآن الكريم ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن )
وغلبَ على أهل ِ الكلام ِ إطلاق لفظ ( القديم ) على الله تعالى فيقولون : هذا يجوزُ على القديم ِ وهذا لا يجوز على القديم وهذا من أغلاطهم .
وأما التقدّم النسبي فهو للمخلوقاتِ " فبضعها متقدِّم على بعض "
ولا يكونُ إلا ما يريد ..
8_ الإرادةُ المضافةُ إلى الله ِ نوعان : 1_ إرادةٌ كونيَّةٌ 2_ إرادةٌ شرعيّةٌ . فمن شواهد الإرادة ِ الكونيَّة قوله تعالى ( ومن يردْ أن يضلَّه ) ( فمن يرد الله ُ أن يهديه ) وبمعنى المشيئة تماما( إن الله يفعل ما يشاء)
ومن شواهد ِ الإرادة ِ الشرعية قوله تعالى ( يريدُ الله ُ بكم اليُسْرَ ولا يريدُ بكم العسر )( يريدُ اللهُ ليبيِّنَ لكم)
والفرق بين الإرادتين من وجهين :
1_ أن الإرادة َ الكونية : عامةٌ لكل ما يكونُ , لا يخرجُ عن شيء ٍ , فيشمل ما يحبه الله وما يبغضه
2_ أن الإرادة َ الشرعية : مختصةٌ بما يحبّه الله عزوجل فالكونية لا تستلزم المحبة بخلاف الشرعية
3_ أن الإرادة َ الكونيّة : لا يتخلّف مرادُها أبدا ً
4_ أن الإرادةَ الشرعية : لا يلزمُ منها وقوع المراد
فتجمتع الإرادتان ِ في إيمان ِ المؤمن , وتنفرد الكونيةُ في كفر الكافر , فلا نقول " إن اللهَ شاء من أبي جهل ٍ الإيمان ِ " لا , لأن الشرعية لا تفسر بالمشيئة ِ بل نقول " إن الله أرادَ منه الإيمان " فالمشيئةُ كونيةٌ فقط
وفي هذا ردٌّ على المعتزلة ِ , فإنهم ينفونَ الإرداة َ الكونية , ومن أصولهم الباطلة ٍ ما يسمّونه بالعدل ِ ويدرجونَ فيه القدر , ومن نفيهم القدر : نفيهم عموم ُ المشيئة ِ فكلُّ أفعال ِِالعبادِ عندهم ليستْ بمشيئةِ الله
لا تبلغُه ُ الأوهامُ , ولا تدْركُه الأفهامُ ..
9_ فلا يبلغُ اللهَ الظنونُ والخيالاتُ , ولا يمكن للعباد ِ أن يُدركوا حقيقة ذات ِ الرب , ولا تدركه الأفهام : الإدراكُ فيه من معنى الإحاطة ِ ولم يقل " لا تعرفه الأفهام " لا , العباد يعرفونه لكنهم لا يُحيطون به علما ً
ويقول بعضُ المتكلمين : كلُّ ما خطرَ ببالك , فاللهُ تعالى بخلاف ذلك , وهذا من الألفاظ المبتدعة المجملة فلو أراد " كل ما خطر ببالك " الكيفيات فصحيح والله بخلاف ِ ذلك وليس كمثله شيء .
أما ما خطرَ ببالك من أنه فوق السماوات فهذا علمٌ وحقٌّ , وليس بخاطرٍِ , بل يجبُ الإيمانُ به .
لا شيءَ مثله , ولا يشبهُ الإنام َ ..
10_ الصواب هذه " ولا يشبِهُ الأنام " ولو كانت " ولا يُشبِهه الأنام " لم تختلف عن " ولا شيء مثله "
فالتمثيل الذي يحبُ نفيُه عن الله ِ نوعان ِ :
1_تمثيلُ الخالق ِ بالمخلوق , كما وصف اليهود اللهَ بالفقر والبخل فهما من خصائص المخلوق شبهوها بالخالق .
2_ تمثيل المخلوق ِ بالخالق ِ , كما فعل المشركون َ فقد اتخذوا مع الله آلهة ً أخرى ,فجعلوا للمخلوق ِ ما هو من خصائص الرب .
إذا ً فقول المؤلف " ولا شيء مثله " نفيٌ لتمثيل ِ المخلوق ِ بالخلف وقوله " ولا يشبه الأنام " نفي للماثلة الخالق ِ بالمخلوق ِ , وأفادت ِ الجُمْلتان ِ نفي التشبيه ِ أو التمثيل بنوعيه , وهو الظاهر من كلام المؤلف.
أنواع الصفات وموقف المعطلة منها
11_صفاتُ الله ِ نوعانِ : صفات ذاتية ,وهي: اللازمة لذات ِ الرب –التي لا تنفكُّ عن الذاتِ- كالعلم , والسمع والعزة والقيومية , وصفاتُ فعلية مثل : الاستواء على العرش ِ والنزول ِ والمجيئ ِ والغضب ِ , فكلُّ ما تستطيعُ أن تقولَ فيه
" ما زال " فهي ذاتية , وهناك صفات ذاتية فعلية مثل : الكلام والخلق ِ والزرق ِ
وضابطُ الصفاتِ الذاتية والفعلية ( أن الذاتية لا تتعلق بها المشيئة خلاف الفعلية ) ونفى الجهمية كلَّ الصفات ِ , ولم يثبتوا إلا ذاتاً مجردةً , وتبعهم المعتزلة في ذلك .
وهناك َ طوائف لفقوا واضطربوا أخذوا من هذا في جانب , ومن هذا في جانب مثل : الكلابية الذين ينفون الصفات الفعليى وهي المتعلقة بالمشيئة , وكذلك الأشاعرة ينفون كثيرا من الصفات ِ- الذاتية والفعلية- فيقولون إنه تعالى لا تقومُ به الأفعال الاختيارية .
12_ الأفعال الاختيارية هي : المتعلقةُ بالمشيئة ِ مثل : النزول –فعل اختياري- يفعلهُ الله بمشيئته , والاستواء –فعل اختياري – وكذا الغضب والرضا والحب , ونفاة الأفعال ِ الاختيارية بنو على مذهبهم شبهةٌ باطلةٌ فقالوا ( إنه تعالى منزه عن حلول الحوادث) فيقال لهم هذا لفظ ليس موجودا في القرآن ولا السنة , وهو لفظٌ مجملٌ يحتملُ حقاً وباطلا ً , فإن قصد َ " أن الله منزّه أن يحلَّ فيه شيء من المخلوقاتِ فهو حق " وإن قصد " أن الله منزه أن تقوم به الأفعال الحادثة التي تكون بالمشيئة " فباطل .
13_ في تسلسل ِ الحوادث ِ ( يعني هل يمكن أن يكونَ ما من مخلوق ٍ إلا قبلَه مخلوق , وقبله مخلوق , وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية َ له فهل هذا ممتنع ؟ ) ثلاثةُ مذاهب :
1_ قال جهم ٌ : بامتناع ِ دوامِ الحوادث ِ في الماضي والمستقبل ِ , فجنسُ الحوادث ِ عنده له بدايةٌ , ويمتنعُ دوامها في المستقبل , ولهذا قال بفناء ِ الجنة والنار .
2_ جمهورُ المتكلِّمين قالوا : بامتناع ِ دوام ِ الحوادث ِ في الماضي , وجوازه في المستقبل .
3_ الصواب هو : جواز دوام الحوادث في الماضي والمستقبل لأنه ممكن لا مانعَ منه , فإذا كان الرب لم يزل على كلِّ شيء ٍ قديرا ً , فلم يزل ِ الفعلُ ممكنا ً , ومن يقول : إنه لم يخلق في الأزل ِ فعليه بالدليل .
خلقَ الخلق َ بعلمه , وقدر لهم أقدارا ً , وضربَ لهم آجالاً , ولم يخفَ عليه شيءٌ قبل أن يخلقهم , وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم .
14_ العلمُ من صفات ِ الله تعالى , أما الجهمية فإنهم ينفون أسماءَ اللهِ وصفاتِه , ويقول " إضافتها إلى الله مجاز " , والمعتزلةُ ينفون الصفات ويقولون " اسمه عليمٌ بلا علم ٍ " فليس العلمُ صفةً قائمةً به , والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة ِ ومن اتبعهم بإحسان ٍ أنه عليمٌ بعلم ٍ , وأن العلم صفته سبحانه وتعالى , قال تعالى " أنزله بعلمه " وقال " ولا يحيطون به علما ً " وعلمه تعالى علمٌ أزليٌّ لا يتجدد
ومعنى قوله " وضرب لهم آجالاً " أي أن الله ضرب لعباده آجالاً يموتون , فالمقتولُ ميت بأجله , هذا عند أهل ِالسنة .
وعند المعتزلة " إن القاتلَ قد قطع َ على المقتول ِ أجلَه , فيمكن أنه سيعيشُ مائة سنةً , لكن اعتدى القاتِلُ فقتله وهو ابنُ عشرين سنة ً , فضيَّع عليه القاتل ثمانين سنة " نعوذ بالله ِ من الجهل والضلالة , بل المقتولُ ميّت بأجله , وجعل الله لانقضاء الآجال ِ أسبابا ً فمن الناس ِ من يموتُ بأسباب ٍ سماوية ٍ لا دخلَ لأحد ٍ من الناس , ومنها ما له سبب كالقتل!! .
فالآجال والأعمار مقدرة بيد الله ِ , وقد تطولُ وقد تنقص , لأسباب ٍ كوينة وشرعية فأما الشرعية: كبر الوالدين وصلة ِ الرحم , ويكون البر والصلة مكتوباً عند الله عزوجل , فيطيلُ الله عمره , وفي الحديث " من أحب أن ... وينسأ له في أثره فليصل رحمه " وفي الحديث " ولا يزيدُ في العمر ِ إلا البر "
وجوبُ الإيمان ِ بالقدر
وأمرهم بطاعتِه , ونهاهم عن معصيتِه ....
15_ قول المشركين " لو شاءَ الله ُ ما أشركْنا " يتضمن أنهم يقرون بالقدر وبمشية ِ الله , لكنها –كلمةُ حقٍّ أريدَ بها باطلٌ -! فهم يقولون ذلك معارضة ً لما جاءت به الرسل من الأمر بعبادة ِ الله , ونهيهم عن الشِّرك .
والجبريّة –المنستبون للمسلمين- يقال لهم " مشركية " لأنهم بمنهجهم شابهوا المشركين الذين قالوا " لو شاء الله ما أشركنا"
16_ الهدايةُ المضافةُ إلى الله ِ المتعلِّقة ِ بالمكلف ِ نوعان :
1_ هدايةٌ عامة –للمؤمن والكافر- وهي :هدايةُ الدلالة والبيان ِ والإرشاد ِ لسبيل ِ الخير والشر كما قال تعالى " وهديناه النجدين " وقال " وأما ثمود فهديناهم " أي دلهم .
2_ هدايةُ التوفيق : لقبول ِ الحق , وإلهامِ الرشد , وشرح الصدر قال تعالى " فمن يريد اللهُ أن يهديَه يشرح صدره للإسلام فهاتان ِ هدايتان ِ : الأولى ( هداية عامة ) والثانية ( هدايةٌ خاصة ) وهي التي لا يملكها إلا الله , وأما الأولى فقد جعلها الله للرسل ِ , كما قال تعالى " وإنك لتهدي إلى صراط ٍ مستقيم ٍ "
وأنكرت ِ المعتزلةُ( هداية التوفيق ) لأنهم أخرجوا أفعال العباد ِ عن مشيئة ِ الرب سبحانه وتعالى , وإنما أثبتوا الهداية العامة .
الفرق بين النَّبيِّ والرسول :
17_ الفرق المشهور " أن النبي أوحي إليه بشرع ٍ جديد ولم يؤمر بتبليغه " والرسول " من أوحي إليه بشرع ٍ جديد ٍ وأمر بتبليغه " وهي غير مستقيم , لأنه يشعر أن النبيَّ الموحى إليه بشرع ٍ جديد هو المكلَّف فقط ! وهذا خلاف قوله تعالى " إنا أنزلنا التوراة َ فيها هدى ً ونورٌ , يحكم بها النبيون الذين أسلموا "
والصواب: أن كلَّ نبيٍّ رسولٌ مأمورٌ بالتبليغ ِ , لكن الإرسال على نوعين :
1_ الإرسالُ إلى قوم ٍ مؤمنين ,بتعليمهم , وفتواهم , والحكم بينهم , وهذه وظيفةُ الأنبياء .
2_ الإرسالُ إلى قوم ٍ كفار مكذبين , لدعوتهم إلى الله , وهذه وظيفة ُ الرسل .
وهو الذي اعتمده شيخ الإسلام ِ في " النبوات " .
وقالت ِ المعتزلة : إن النبوّة لا تثبتُ إلا بالمعجزات ِ , مثل : عصا موسى ويده , وانشقاق ِ القمر لمحمد عليه الصلاة والسلام . وهذا باطل , فإن من الأنبياء لم تذكر آياتُهم وقال النبي عليه الصلاة والسلام " ما من الأنبياء ِ نبيٌّ إلا أعطيَ ما مثله آمنَ عليه ِ البشر " فالنبوة تثبتُ بغير ِ المعجزات ِ .
هل من الجنِّ رسلٌ ؟
18_ اختلف أهلُ العلم في ذلك , فجمهورُ أهل ِ العلم ِ أنَّ الرسلَ من البشر ِ , وأما الجنُّ فمنهمْ دعاةٌ ونذرٌ , وقال تعالى
( وما أرسلنا من قبلكَ إلا رجالاً نوحي إليهم من أهلِ القرى )
واستدلَّ أهلُ القول ِ الثاني بقوله ( يا معشر َ الجنِّ والإنس ِ ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم ءاياتي وينذرونكم لقاء َ يومِكم هذا ) فخاطب الجميع : الجنَّ والإنسَ بقوله ( ألم يأتكم رسلٌ ) . وقال الجمهور : إن الآية محتملة, وليس صريحةً
والأمر في هذا سهلٌ , والمقصود : أن الجن والإنس مكلفون ,وخلقهم الله لعبادته , وأقام الحجة عليهم , منهم الصالح والطالح . ومن أنكرَ وجودَ الجنِّ فقد كفر !!!
19_ فائدة لغوية : يشترطُ في كونِ المصدر ِ مؤكِّدا ً , أن يكون من لفظ ِ الفعل ِ كـ قمت قياماً , أو بمعناه كـ قمت وقوفا ً .
وإنَّ القرآنَ كلامُ الله ِ , منه بدا لا كيفيَّة ٍ قولا ً ....وكلام الله تعالى بالحقيقة ِ ليس بمخلوق ٍ ..
20_ القول بخلق ِ القرآن ِ قولٌ مبتدع باطلٌ مبنيٌّ على باطل , فهو مبني أن الله لا يقومُ به كلامٌ , وهذا قولُ الجهيمة والمعتزلة ِ .
وأما الأشاعرةُ فمذهبهم في القرآنِ ملفقٌ , فيثبتونَ الكلامَ لله ِ , ويقولون : إنه تعالى متكلمٌ , والكلام يقومُ به , وهو معنى واحدٌ قديمٌ قائم به لازمٌ لذاتِه , لا تتعلق به المشيئة , لا بحروف وأصوات , ولا يسمع من الله , هذا تحريرُ مذهبِهم .!
وهم يقتربون من الجهمية والمعتزلة ِ , فليسَ بينهم كبيرُ فرق ٍ .
وأهلُ السنَّة ِ والجماعة ِ عندهم : أنَّ القرآن كلامُ الله ِ على الحقيقة ِ كيف ما تصرف : مكتوباً , ومحفوظاً ,ومسموعاً , ومتلوّا ً.
فإن سمعتَ حديث " إنما الإعمال بالنيات " قلتَ : هذا قول رسول الله , وإن سمعت بيتا لامرئ القيس قلتَ : هذا كلامُ امرئ ِ القيس .
\