تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من كتاب العزه للشيخ الدكتور محمد الهبدان حفظه الله

  1. #1

    افتراضي من كتاب العزه للشيخ الدكتور محمد الهبدان حفظه الله

    العزة مصادرها ـ أسبابها ـ مواقف وأحداث



    المقدمة

    الحمد لله الذي لا ينال عز عظمته سانح تمثيل ، ولا يدرك قعر عزته سابح تخييل ، متنزه عن الشبيه والمثيل ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، والصلاة والسلام على القائل : " بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري "
    وعلى أصحابه الأفاضل الذين قالوا : ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى حين تعرض الأعمال .
    أما بعد
    فما أحوج الأمة اليوم إلى من يعيد لها تاريخها المجيد ، وعزها السليب ، ذاك المجد الذي استمر قروناً طويلة ، وأزمنة مديدة ، ولكن يا حسرة على العباد انحرفت الأمة عن الجادة ، وضلت طريقها فراحت تتخبط في دياجر الظلام ، وظنت أن كرامتها في تقليد عدوها ، والسير على منواله فأصابها من الذل والهوان ما لم يمر عليها منذ أن قامت للإسلام قائمة .
    وما هذا الجهد المتواضع إلا تذكيراً للأمة بأسباب العزة ، وكيف ترتفع الأمة من غبرائها لتستقر في عليائها ، وتصلى إلى مقام السيادة والريادة ، والله اسأل أن ينفع بهذا الكتاب كاتبه وقارئه وان يجعلنا من أنصار دينه والله تعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
    وكتبه
    د . محمد بن عبدالله الهبدان
    المشرف العام على مؤسسة نور الإسلام
    1422 هـ


    تعريف العزة :
    العزة مصدر قولهم : عزَّ يعزُّ وعِزا .
    واصل هذه المادة : ( ع ، ز ، ز ) ([3])
    وهي تدور حول معاني ، الغلبة والقهر ، والشدة والقوة ونفاسة الشيء وعلو قدره .
    قال ابن منظور : العز خلاف الذل .. والعز في الأصل القوة والشدة والغلبة ، يقال : عزَّ يعزُّ بالفتح إذا اشتدَّ ، ورجلٌ عزيزٌ : منيعٌ لا يغلب ولا يقهر . وعزَّ يعزُّ – بالكسر – عزا وعزةَّ وعزازةً وهو عزيزٌ قلَّ حتى لا يوجد – ورجلٌ عزيزٌ من قوم أعزةٍ ... واعزَّ الرجل : جعله عزيزا ، وملكٌ أعزُّ : عزيز ... وتعزز الرجل : صار عزيزاً ، وتعزز : تشرف ([4])
    تعريف العزة اصطلاحاً :
    عرفت العزة بعدة تعريفات منها :
    1- قال الراغب : العزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب ([5])
    2- وقال الكفوي : العزة : الغلبة الآتية على كلية الباطن والظاهر ( وهذا في جناب الله تعالى ) ([6]) .
    3- وقال الغزالي : من رزقه الله القناعة حتى استغنى بها عن خلقه ، وأمده بالقوة ، والتأييد حتى استولى بها على صفات نفسه فقد اعزه الله في الدنيا وسيعزه في الآخرة بالتقريب إليه ([7]) .
    4- ويمكن أن تعرف العزة بأنها: ارتباط بالله تعالى وارتفاع بالنفس عن مواضع المهانة ، والتحرر من رق الأهواء ومن ذل الطمع ، وعدم السير إلا وفق ما شرع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
    ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن العزة لا بد أن يجتمع فيها الأمور التالية :
    1- القوة حتى لا يغلب – القوة الإيمانية والجسدية والعلمية - .
    2- القناعة حتى يستغني بها عن الناس .
    3- أن يمده الله بنصره وقوته .
    4- أن يسير على وفق ما أراده الله تعالى .
    قال الشاعر :
    إسلامنا بالأمس أنشأ امة
    كانت تعيش مذلة وصغار
    فغدت بفضل الله أعظم امة
    كانت لكل الحائرين منار
    وإذا اتخذنا ديننا منهاجنا
    فيه نربي صفوة أبرار
    يشرون دنياهم بأكرم ميتة
    حتى ينالوا جنة الخلد والانهارا
    وإذا تعود الدار أكرم عودة
    ونعود نرفع في الديار الغارا
    معاني العزة في كلام العرب :
    قال الخطابي : العز في كلام العرب على ثلاثة أوجه :
    الأول : معنى الغلبة والقهر ، ومنه قولهم : من عزَّ بزَّ أي غلب وسلب ، ومنه قوله سبحانه : ( وعزني في الخطاب ) [ ص : 23] ، أي : غلبني .
    والثاني : معنى الشدة والقوة كقول الهذلي يصف العقاب
    حتى انتهيت إلى فراش عزيزة
    سوداء روثة انفها كالمخصف
    جعلها عزيزة لأنها من أقوى جوارح الطير .
    والثالث : أن يكون بمعنى نفاسة القدر يقال منه : عزّ الشيء يعزُّ – بكسر العين – من يعزُّ فيتأول معنى العزيز على هذا أنه لا يعادله شيء ، وانه لا مثل له ولا نظير والله اعلم .

    معاني العزة في القرآن الكريم
    العزة في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه كما قال بعض المفسرين احدهما : العظمة : ومنه قوله تعالى ( وقالوا بعزة فرعون إنا نحن الغالبون ) [ الشعراء :44] وقوله تعالى : قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) [ ص : 82] .
    والثاني : المتعة : ومنه قوله تعالى : ( أيبتغون عندهم العزة فان العزة لله جميعا) [ النساء :139] .
    والثالث : الحمية : ومنه قوله تعالى : ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) [ البقرة :206] وقوله تعالى : ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) [ ص : 2]



    أقسام الـعـزة :
    يمكن أن تقسم العزة إلى قسمين :

    أ ـ عزة شرعية ب ـ عزة غير شرعية

    فالأول : العزة الشرعية : وهي التي ترتبط بالله تعالى ورسوله r ، فيعتز المرء بدينه ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة ، فهو لا يريق ماء وجهه ، ولا يبذل عرضه فيما يدنسه ، فيبقى موفور الكرامة ، مرتاح الضمير ، مرفوع الرأس ، شامخ العرين ، سالما من ألم الهوان ، متحررا من رق الأهواء ، ومن ذل الطمع ، لا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه ، والحق الذي يحمله ويدعو إليه ([8])

    الثاني : العزة غير شرعية : كاعتزاز الكفار بكفرهم وهو في الحقيقية ذل أو الاعتزاز بالنسب على جهة الفخر والخيلاء أو الاعتزاز بالوطن والمال ونحوها كل هذه مذمومة وسنعرف من خلال المبحث التالي تفصيل ذلك .

    ` صور من العزة غير الشرعية :

    1 ـ الاعتزاز بالكفار من يهود ونصارى ومنافقين وعلمانيين وحداثيين وغيرهم
    قال تعالى : ] بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا [ [النساء :138-139]
    إن الله - جل جلاله - يسأل في استنكار : لم يتخذون الكافرين أولياء وهم يزعمون الإيمان ؟ لم يضعون أنفسهم هذا الموضع ، ويتخذون لأنفسهم هذا الموقف ؟ أهم يطلبون العزة والقوة عند الكافرين ؟ لقد استأثر الله – عز وجل – بالعزة ؛ فلا يجدها إلا من يتولاه ؛ ويطلبها عنده ؛ ويرتكن إلى حماه ..فهي تطلب عنده وإلا فلا عزة ولا قوة عند الآخرين ! وما يستعز المؤمن بغير الله وهو مؤمن . وما يطلب العزة والنصرة والقوة عند أعداء الله وهو يؤمن بالله . وما أحوج ناسا ممن يدعون الإسلام ؛ ويتسمون بأسماء المسلمين ، وهم يستعينون بأعدى أعداء الله في الأرض ، أن يتدبروا هذا القرآن .. إن كانت بهم رغبة في أن يكونوا مسلمين .. وإلا فإن الله غني عن العالمين ! ([9])

    2 ـ الاعتزاز بالآباء والأجداد :
    ومن صور الاعتزاز المذموم الاعتزاز بالآباء والأجداد الذين ماتوا على الكفر ؛واعتبار أن بينهم وبين الجيل المسلم نسبا وقرابة ! كما يعتز ناس بالفراعنة والأشوريين والفينيقيين والبابليين وعرب الجاهلية اعتزازا جاهليا ، وحمية جاهلية .. روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ريحانة : أن النبي r قال :" من انتسب إلى تسعة آباء كفار ، يريد بهم عزا وفخرا ، فهو عاشرهم في النار " ([10]) .
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمِ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ ([11])الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ ([12]) الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ " رواه الترمذي ([13])
    ذلك أن آصرة التجمع في الإسلام هي العقيدة . وأن الأمة في الإسلام هي المؤمنون بالله منذ فجر التاريخ . في كل أرض ، وفي كل جيل . وليست الأمة مجموعة الأجيال من القدم ، ولا المتجمعين في حيز من الأرض في جيل من الأجيال .

    3 ـ الاعتزاز بالقبيلة والرهط
    قال تعالى : ] قالوا : يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول ، وإنا لنراك فينا ضعيفا ، ولولا رهطك لرجمناك ، وما أنت علينا بعزيز [ إلى قوله ] قال : يا قوم : ارهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ؟ إن ربي بما تعملون محيط [
    ] ارهطي أعز عليكم من الله ؟[
    أجماعة من البشر مهما يكونوا من القوة والمنعة فهم ناس ، وهم ضعاف ، وهم عباد من عباد الله .. أهؤلاء أعز عليكم من الله ؟ .. أهؤلاء أشد قوة ورهبة في نفوسكم من الله ؟ ] واتخذتموه وراءكم ظهريا [ وهي صورة حسية للترك والإعراض ، تزيد في شناعة فعلتهم ، وهم يتركون الله ويعرضون عنه ، وهم من خلقه ، وهو رازقهم وممتعهم بالخير الذي هم فيه . فهو البطر وجحود النعمة وقلة الحياء إلى جانب الكفر والتكذيب وسوء التقدير ] إن ربي بما تعملون محيط [.([14])
    وعن أَبَي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنّ َ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَا ءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ "([15])

    4 ـ الاعتزاز بالكثرة سواء كان بالمال أو العدد :
    قال تعالى في قصة أصحاب الجنة] وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا [ [الكهف :34] قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( أي أكثر خدما وحشما وولدا ، قال قتادة : تلك والله أمنية الفاجر ، كثرة المال وعزة النفر )([16]) .
    وقال تعالى في بيان قارون وما جرى منه ] إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين [ [القصص :76] المال الفائض عن الاستعمال والتداول - وبأن مفاتح هذه الكنوز تعيي المجموعة من أقوياء الرجال .. من أجل هذا بغى قارون على قومه . ولا يذكر فيم كان البغي ، ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور . فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم - كما يصنع طغاة المال في كثير من الأحيان - وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال . حق الفقراء في أموال الأغنياء ، كي لا يكون دولة بين الأغنياء وحدهم ومن حولهم محاويج إلى شيء منه ، فتفسد القلوب ، وتفسد الحياة . وربما بغى عليهم بهذه وبغيرها من الأسباب .
    وعلى أية حال فقد وجد من قومه من يحاول رده عن هذا البغي ، ورجعه إلى النهج القويم ، الذي يرضاه الله في التصرف بهذا الثراء ؛ وهو نهج لا يحرم الأثرياء ثراءهم ؛ ولا يحرمهم المتاع المعتدل بما وهبهم الله من مال ؛ ولكنه يفرض عليهم القصد والاعتدال ؛ وقبل ذلك يفرض عليهم مراقبة الله الذي أنعم عليهم ، ومراعاة الآخرة وما فيها من حساب :
    ] إذ قال له قومه : لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين . وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ، ولا تبغ الفساد في الأرض . إن الله لا يحب المفسدين [ .
    وفي هذا القول جماع ما في المنهج الإلهي القويم من قيم وخصائص تفرده بين سائر مناهج الحياة .
    ] لا تفرح [ .. فرح الزهو المنبعث من الاعتزاز بالمال ، والاحتفال بالثراء ، والتعلق بالكنوز ، والابتهاج بالملك والاستحواذ .. لا تفرح فرح البطر الذي ينسي المنعم بالمال ؛ وينسي نعمته ، وما يجب لها من الحمد والشكران . لا تفرح فرح الذي يستخفه المال ، فيشغل به قلبه ، ويطير له لبه ، ويتطاول به على العباد ..
    ] إن الله لا يحب الفرحين [ .. فهم يردونه بذلك إلى الله ، الذي لا يحب الفرحين المأخوذين بالمال ، المتباهين ، المتطاولين بسلطانه على الناس .([17])
    وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تنكحوا النساء لأموالهن فعسى أموالهم أن تطغيهن وانكحوهن على الدين فلأمة سوداء خرقاء ذات دين أفضل " رواه البيهقي ([18])

    5 ـ الاعتزاز بالجاه والمنصب :
    قال تعالى : ]فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون [ [الشعراء :44] فاستغاثوا بعزة عبد ضعيف ، عاجز من كل وجه ، إلا أنه قد تجبر وحصل على صورة ملك وجنود،فغرتهم تلك الأبهة ، ولم تنفذ بصائرهم إلى حقيقة الأمر .([19]) قال بعض السلف الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله([20])

    6 ـ الاعتزاز عند النصح والإرشاد :
    قال تعالى : ] وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد [ [البقرة:206] يعني إذا نصحه الناصح ،ووعظه بتقوى الله الذي أشهده على نفسه ليرتدع عن منكره وفساده الذي سعى به ، يسرع إليه الغضب ، ويعظم عليه الأمر ويأخذه الكبر والأنفة عن قبول النصح والإصغاء إليه ، إذ عزة المنصب الذي حصل عليه ألبسته الكبر الذي يجعله ملازما للإثم ، مستهترا بنصح الناصح ، لأنه بإصراره على فعل الفساد مستهزئ بربه ، لأن العزة التي حصل عليها قد لابسته مع الكفر ..([21])

    7 ـ الاعتزاز بجمال الثياب :
    عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا " رواه ابن ماجه([22]) .

    8 ـ الاعتزاز بالأصنام والأوثان :
    قال تعالى : ] واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا . كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ [مريم :19-20]فهؤلاء الذين كفروا ربهم يتخذون من دونه آلهة يطلبون عندها العزة ، والغلبة والنصرة ، وكان فيهم من يعبد الملائكة ومن يعبد الجن ويستنصر بهم ويتقون بهم ..كلا ** فسيكفر الملائكة والجن بعبادتهم ، وينكرونها عليهم ، ويبرأون إلى الله منهم ] ويكونون عليهم ضدا [ بالتبرؤ منهم والشهادة عليهم .([23])


    مصادر العزة

    للعزة مصادر شتى لكنها مثل السراب لا حقيقة لها ، والعزة الحقيقة لها مصدر واحد وهو الله جل جلاله ، والالتجاء إلى جنابه ، فهو سبحانه يذل من يشاء ، ويعز من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير يقول الله تعالى : ] قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير [ [آل عمران : 26] فالله سبحانه هو المعز الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البشر ، بما يقيض له من الأسباب الموجبة للعز ، كالقوة وحماية الذمار ، ونصرة الحق ، وكثرة الأعوان ، ونفاذ الكلمة ، وغير ذلك من الصفات التي تجعل الحاصل عليها عزيزا .
    ولا تلازم بين العز والملك ، فقد يكون الملك ذليلا لعدم قوته ونفوذه ، أو لعدم استقلاله بسياسته الخرقاء ، فيكون منفذا لإرادة الغير .
    وكم من إنسان لا ملك له ولا سلطان ، ولكنه يعيش عزيزا ، وله نفوذ وعزة أقوى من نفوذ وعزة السلطان ، وذلك لتوفر وسائل العز وأسبابه التي قدرها الله له .([24]) يروى أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حج في بعض الحجاج ومعه زوجته ابنة قرظة بن عبد عمرو بن نوفل ، فإذا هو بجماعة حول رجل يسألونه ، فبعضهم يقول : رميت قبل أن أحلق ، وبعضهم يقول : حلقت قبل أن أرمي ،ويسألونه عن أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ..فقال : من هذا ؟ قالوا : هذا عبدالله بن عمر ..فالتفت إلى زوجته ، فقال : هذا وأبيك الشرف ، وهذا والله شرف الدنيا والآخرة .([25])
    قال القرطبي : ( فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ويدخل دار العزة ولله العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ومن اعتز بالله أعزه الله )([26]) قال أبو بكر الشبلي : ( من اعتز بذي العز فذو العز له عز )([27]) .
    يقول الله تعالى : ] من كان يريد العزة فلله العزّة جميعاً [ [ فاطر : 10] هذه الحقيقة كفيلة حين تستقر في القلوب أن تبدل المعايير كلها ، وتبدل الوسائل والخطط أيضاً !
    إن العزة كلها لله . وليس شيء منها عند أحد سواه . فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره . ليطلبها عند الله ، فهو واجدها هناك وليس بواجدها عند أحد ، ولا في أي كنف ، ولا بأي سبب ] فلله العزّة جميعاً [ ..
    إن الناس الذين كانت قريش تبتغي العزة عندهم بعقيدتها الوثنية المهلهلة ؛ وتخشى اتباع الهدى – وهي تعترف أنه الهدى – خشية أن تصاب مكانتها بينهم بأذى . إن الناس هؤلاء ، القبائل والعشائر وما إليها ، إن هؤلاء ليسوا مصدراً للعزة ، ولا يملكون أن يعطوها أو يمنعوها ] فلله العزّة جميعاً [ .. وإذا كانت لهم قوة فمصدرها الأول هو الله . وإذا كانت لهم منعة فواهبها هو الله . وإذن فمن كان يريد العزة والمنعة فليذهب إلى المصدر الأول ، لا إلى الآخذ المستمد من هذا المصدر . ليأخذ من الأصل الذي يملك وحده كل العزة ، ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم . وهم مثله طلاب محاويج ضعاف !
    إنها حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية . وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم والموازين ، وتعديل الحكم والتقدير ، وتعديل النهج والسلوك ، وتعديل الوسائل والأسباب ! ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزاً كريماً ثابتاً في وقفته غير مزعزع ، عارفاً طريقه إلى العزة ، طريقه الذي ليس هنالك سواه !
    إنه لن يحني رأسه لمخلوق متجبر . ولا لعاصفة طاغية . ولا لحدث جلل . ولا لوضع ولا لحكم . ولا لدولة ولا لمصلحة ، ولا لقوة من قوى الأرض جميعاً . وعلام ؟ والعزة لله جميعاً . وليس لأحد منها شيء إلا برضاه ؟ ([28]) كما قال تعالى : ] أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا [ [النساء : 139]فالعزة لله وحده ، فهي تطلب عنده وإلا فلا عزة ولا قوة عند الآخرين .ولذا رد الله تعالى على المنافقين الذين أدعو أن العزة لهم فقال :] يقولون : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين . ولكن المنافقين لا يعلمون [ [ المنافقون :8] وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا الآية نزلت في عبدالله بن أبي بن سلول :([29])
    وفصل ابن إسحاق هذا في حديثه عن غزوة بني المصطلق سنة ست على المريسيع .. ماء لهم .. فبينا رسول الله على ذلك الماء - بعد الغزوة - وردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له : جهجاه بن مسعود يقود فرسه ، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عون ابن الخزرج على الماء ، فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار . وصرخ جهجاه . يا معشر المهاجرين . فغضب عبدالله بن أبي بن سلول ، وعنده رهط من قومه ، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث . فقال : أوقد فعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا . والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ! أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم : هذا ما فعلتم بأنفسكم : أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فسمع ذلك زيد بن أرقم . فمشى به إلى رسول الله وذلك عند فراغ رسول الله من عدوه ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب . فقال : مر به عباد بن بشر فليقتله . فقال رسول الله : فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟ لا ولكن أذن بالرحيل . وذلك في ساعة لم يكن رسول الله يرتحل فيها . فارتحل الناس ، وقد مشى عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه - فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به . وكان في قومه شريفا عظيما . فقال من حضر رسول الله من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل . حدبا على ابن أبي بن سلول ودفعا عنه .
    قال ابن إسحاق فلما استقل رسول الله وسار لقيه أسيد بن حضير ، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا نبي الله ، والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها . فقال له رسول الله : أو ما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال : وأي صاحب يا رسول الله ؟ قال عبدالله بن أبي قال : وما قال ؟ قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل ؟ قال : فأنت يا رسول الله والله لتخرجنه منها إن شئت . هو والله الذليل وأنت العزيز . ثم قال : يا رسول الله ارفق به . فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا !
    ثم مشى رسول الله بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس . ثم نزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك رسول الله ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبدالله ابن أبي .
    قال ابن إسحاق : ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين ، في ابن أبي ومن كان على مثل أمره . فلما نزلت أخذ رسول الله بأذن زيد بن ارقم ، ثم قال : هذا الذي أوفى لله بأذنه .. وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبي الذي كان من أمر أبيه .
    قال ابن إسحاق . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبدالله أتى رسول الله فقال : يا رسول الله ، إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أبي فيما بلغك عنه . فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار . فقال رسول الله : بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا .
    وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه . فقال رسول الله لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم : كيف ترى يا عمر ؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي : اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم تقتله لقتلته .. قال : قال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله أعظم بركة من أمري ..
    وذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبدالله بن عبدالله بن أبي على باب المدينة ، وستل سيفه ، فجعل الناس يمرون عليه ، فلما جاء أبوه عبدالله بن أبي قال له ابنه : وراءك ! فقال : مالك ؟ ويلك ! فقال : والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله فإنه العزيز وأنت الذليل ! فلما جاء رسول الله وكان إنما يسير ساقة ، فشكا إليه عبدالله بن أبي ابنه . فقال ابنه عبدالله : والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له . فأذن له رسول الله فقال : أما إذ أذن رسول الله فجز الآن ..
    إنها صورة رائعة ..صورة الرجل المؤمن عبدالله بن عبدالله بن أبي . وهو يأخذ بسيفه مدخل المدينة على أبيه فلا يدعه يدخل . تصديقا لمقاله هو : ] ليخرجن الأعز منها الأذل [ . ليعلم أن رسول الله هو الأعز . وأنه هو الأذل . ويظل يقفه حتى يأتي رسول الله فيأذن له . فيدخلها بإذنه . ويتقرر بالتجربة الواقعة من هو الأعز ومن هو الأذل . في نفس الواقعة . وفي ذات الأوان .
    ألا إنها لقمة سامقة تلك التي رفع الإيمان إليها أولئك الرجال . رفعهم إلى هذه القمة ، وهم بعد بشر ، بهم ضعف البشر ، وفيهم عواطف البشر ، وخوالج البشر . وهذا هو أجمل وأصدق ما في هذه العقيدة ، حين يدركها الناس على حقيقتها ، وحين يصبحون هم حقيقتها التي تدب على الأرض في صورة أناسي تأكل الطعام وتمشي في الأسواق . ([30])

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    19

    افتراضي رد: من كتاب العزه للشيخ الدكتور محمد الهبدان حفظه الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم وبعلمكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •