تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 38

الموضوع: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام والسلام على من لا نبي بعده
    أما بعد..
    فقد دفع إلىّ أحد الأفاضل الأحبة برابط لمنتدى من المنتديات، فيه كلام كتبه عضو هناك يتهم فيه الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم، ويدعي أن السلفيين (المعاصرين) يقلدونه!!
    فرأيت أن أنشر الجواب عن كلامه ذاك هنا على العام - على طوله - لتعم به الفائدة، أسأل الله الأجر والمثوبة.

    ولنشرع في المقصود بعون المعبود جل وعلا.
    بدأت الصفحة بقول صاحب الموضوع:
    لا شك أن كتاب نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد لعثمان بن سعيد الدارمي هو أحد مصادر عقائد السلفيين المعاصرين، وعندما طبع محمد حامد الفقي هذا الكتاب صدره بمقولة ابن قيم الجوزية في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية: (كتابا الدارمي – النقض على بشر المريسي والرد على الجهمية- من أجل الكتب المصنفة في السنّة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه، وكان شيِخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظّمهما جداً، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما) اجتماع الجيوش143
    وقد نوقشت رسالة ماجستير بعنوان: عثمان بن سعيد الدارمي ودفاعه عن عقيدة السلف، لمحمد أبو رحيم في جامعة أم القرى عام 1403هـ.
    وعليه فلا يماري واحد في أن الكتاب هو أحد مصادر عقيدة السلفيين المعاصرين، فماذا يقول السلفيون المعاصرون في هذا الكلام؟
    قال عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على المريسي:
    (ولو قد شاء (أي الله جل جلاله) لاستقر على ظهر بعوضة، فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم أكبر من السماوات والأرض، وكيف تنكر أيها النفاخ أنَّ عرشه يقله والعرش أكبر من السموات السبع والأرضين السبع، ولو كان العرش في السماوات والأرضين ما وسعته، ولكنه فوق السماء السابعة) ص85
    هل هذا هو مذهب السلف الصالح؟
    وجوابه تفصيصا لقوله ذاك فصا فصا للإتيان على ما فيه من الغي والهوى:
    أولا: قوله (لا شك أن كتاب نقض التأسيس هو أحد مصادر عقائد السلفيين المعاصرة) قول لا يخفى ما فيه من إلزام للسلفيين بقبول كل ما فيه وكأنه نص منزل بالوحي من السماء، وهذا ليس بلازم عقلا من تعظيم الأئمة للكتاب.. هذه واحدة، الثانية ما فيه من ادعاء أن عقائد السلفيين (المعاصرة) تتميز عن عقائد الأولين منهم بكونها (معاصرة)، ومن ادعاء أن المعاصرين هؤلاء إنما يتلقون عقائدهم تقليدا لكتب بعض الأئمة، وهذه الأخيرة ثالثة الأثافي!
    ثانيا: القول المنقول عن الإمام رحمه الله مبتور من سياقه.. ولا يخفى على ذي بصر يدري ما يقرأ أن الكلام جاء في مقام محاججة بشر المريسي، والمحاججة يجوز فيها من التنزل مع الخصم ومن ضرب المثال بالمستحيلات والممتنعات ما لا يجوز في غيرها كما يعلمه أي مبتدئ في طلب العلم!
    المريسي يعترض على معنى الاستواء والجلوس على العرش بزعمه أن جلوسه سبحانه على العرش يلزم منه أن يكون العرش أكبر منه، فيحتويه ويزيد عليه كما يزيد المقعد على الجالس عليه ويحتويه، تعالى الله عن هذا علوا كبيرا..
    فيقول الإمام رحمه الله ردا عليه وتنكيلا بذلك السفيه:
    وأعجب من ذلك كله قياسك الله بمقياس العرش ومقداره ووزنه من صغر أو كبر وزعمت كالصبيان العميان إن كان الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلا على العرش وإن كان مثله فإنه إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر مع خرافات تكلم بها وترهات تلعب بها وضلالات تضل بها لو كان من يعمل عليه لله لقطع ثمرة لسانه والخيبة لقوم هذا فقيههم والمنظور إليه مع هذا التمييز كله وهذا البصر وكل هذه الجهالات والضلالات
    فيقال لهذا البقباق النفاج إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحتمله العرش عظما ولا قوة ولا حملة العرش احتملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم ولكنهم حملوه بقدرته ومشيئته وإرادته وتأييده لولا ذلك ما أطاقوا حمله
    وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته لولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات والأرض ولا من فيهن ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات السبع والأرضين السبع وكيف ينكر أيها النفاج أن عرشه يقله والعرش أكبر من السموات السبع والأرضين السبع ولو كان العرش في السموات والأرضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة فكيف تنكر هذا وأنت تزعم أن الله في الأرض وفي جميع أمكنتها والأرض دون العرش في العظمة والسعة فكيف تقله الأرض في دعواك ولا يقله العرش الذي أعظم منها وأوسع وأدخل هذا القياس الذي أدخلت علينا في عظم العرش وصغره وكبره على نفسك وعلى أصحابك في الأرض وصغرها حتى تستدل على جهلك وتفطن لما تورد عليك حصائد لسانك فإنك لا تحتج بشيء إلا وهو راجع عليك وآخذ بحلقك
    فالكلام كما هو واضح جاء في مقام إلزام وإفحام، فإن كان المريسي يؤمن بأن الله في كل مكان، فكيف يقول بأن الأرض تحتويه وبأنه حال فيها ولا يقبل أن يحتويه عرشه الذي وسع السماوات السبع وما فيها؟ فالآن هذا الكلام في مقام المحاججة، فهل يقول عاقل يعي الكلام ويجمع سباقه إلى لحاقه، ويفهم وجه إيراده، أن الإمام يثبت به معنى أن العرش يحتوي رب العالمين احتواء المقعد للمخلوق القاعد عليه أو أن الله معتمد عليه في الاستواء اعتماد المخلوقين؟؟
    ما أخف تلك العقول!
    ثم إن الله مستو فوق عرشه مع كونه سبحانه أكبر من العرش ولا يقاس على شيء من خلقه، فصغر العرش بالنسبة إليه سبحانه لا يمنع من هذا الاستواء الحقيقي، إذ لو شاء لاستوى فوق بعوضة وما منعه صغرها من ذلك لأنه أصلا لا يعتمد على شيء من خلقه ولا يحمله شيء كما يحمل المخلوق المخلوق أو كما يحمل المقعد رجلا جالسا عليه كما يتوهم ذلك السفيه المريسي وأشياعه، وإنما هو استواء على نحو يليق بعظمته وجلاله، لا يعلمه إلا الله، فكيف والعرش على نحو ما وُصف لنا؟
    هذا مراد الإمام رحمه الله ببساطة.. فهل يعقل هؤلاء ما يقرؤون؟؟ إنما هو البغي والهوى قاتلهما الله!
    وعلي أي حال نقول، لنفترض أن الإمام رحمه الله أخطأ في ضرب هذا المثل وكان يحسن به ألا يفعل، فهل يلزم من ردنا هذا المثل بعينه بطلان المعنى الذي ينتصر له في رده على المريسي، أو بطلان نسبته إلى السلف؟؟
    تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    وفي مشاركة تالية في ذات الموضوع، يقول عضو آخر:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أودّ أن أذكر أولا كلام الإمام الذهبي عن كتاب النقض للدارمي..
    قال الإمام الذهبي في عبارة رقيقة منه عن ذاك الكتاب: (فيه بحوث عجيبة مع المريسي، يبالغ فيها في الإثبات، والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث)؛ يُنظر: كتاب العلوّ للعلي الغفار، للذهبي، (195).
    ونقل علي أبو زيد محقق الجزء الثالث عشر من سير أعلام النبلاء للذهبي في هامش السير (13/320) عن محمد حامد الفقي قوله بحق كتاب النقض للدارمي: (إنه أتى فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الردّ، وشدة الحرص على إثبات صفات الله وأسمائه التي يبالغ بشر المريسي وشيعته في نفيها، وكان الأولى والأحسن ألا يأتي بها، وأن يقتصر على الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة، كمثل الجسم والمكان والحيّز، فإني لا أوافقه عليها، ولا أستجيز إطلاقها، لأنها لم تأت في كتاب الله، ولا في سنة صحيحة)؛ ولو كان الشيخ محمد حامد الفقي أشعريا، لأقيمت الدنيا ولم تقعد، لأجل كلامه في سلفي محض! كالدارمي، غير أن الشيخ حامدا ليس أشعريا، بل هو إلى مدرسة ابن تيمية وابن القيم أقرب.
    رجعتُ إلى كتاب النقض له بتنزيله بصيغة الـ: بي دي إف، من النت، وهو من تحقيق منصور بن عبد العزيز السماري، نشر: أضواء السلف، وعليها اعتمدتُ ها هنا.
    قال الدارمي في النقض، (57): (والله تعالى له حدّ لا يعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهّم لحدّه غاية في نفسه، ولكن، نؤمن بالحدّ، ونكل علم ذلك إلى الله)، وروى عن ابن المبارك أن لله حدّا؛ وقال عثمان بن سعيد بعد أن ذكر قول الجارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله إنه في السماء، قال الدارمي: (وأنه لا يجوز في الرقبة المؤمنة إلا من يحدّ الله أنه في السماء).
    ومسألة الحدّ مسألة كبيرة، جرت فيها فتنة لابن حبان، فأُخرج من سجستان، لأجل إنكاره له.
    ولو لم يكن في الحدّ إلا أنه لم يرد به نصّ، لكفاه أن يكون مرفوضا، إذ الأمر يتعلق بصفات الله، ولا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
    ولعلّه لأجل شيوع القول بالحدّ عند بعض أهل الحديث، تُرى مسألة الحدّ هينة، وبعيدة عن التجسيم، ومع ذلك، فعبارات أخرى للدارمي تُبت تجسيمه..
    قال الدارمي في (64) من النقض: (فالله الحي القيوم القابض الباسط، يتحرك إذا شاء، وينزل إذا شاء، ويفعل ما يشاء، بخلاف الأصنام الميتة التي لا تزول حتى تزال)؛ وقال في (52): (لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء، ويهبط ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط، ويقوم ويجلس إذا شاء، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك، كل حي متحرك لا محالة).
    من أخبره ببعض ما ذكره هنا؟ أكتاب أم سنة؟!
    إن الحركة أمارة ما بين الحي والميت من المخلوقات، وليس للأمر صلة بالخالق سبحانه، فمن ذا الذي جرّ صفات المخلوقات إلى الخالق سبحانه؟
    ونسبة الحركة إلى الله تعالى تجسيم ظاهر، قال ابن عبد البر، في التمهيد، (7/137)، من الطبعة المغربية: (وليس مجيئه حركة ولا زوالا ولا انتقالا، لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا..).
    وقال عثمان بن سعيد عن الله سبحانه وتعالى، (64): (غير أنه وَلِيَ خلق الأشياء بقوله وأمره وإرادته، وولي خلق آدم بيده مسيسا، وشرف بذلك ذِكره، لولا ذلك ما كانت له فضيلة في ذلك عن شيء من خلقه، إذ كلُّهم خلقهم بغير مسيس في دعواك)، يقصد في دعوى بشر المريسي.
    أليس قوله: خلق آدم بيده مسيسا، دليلا على تجسيمه؟ أوليس مثل هذا الكلام بدعة يخرج بها قائلها عن أهل السنة والجماعة؛ أما كان يكفي الدارميَّ أن يفوّض علم المعنى في لفظة: (لِما خلقْتُ بيدي)، فلا يدخل من بوابة تفسيرها إلى التجسيم؟ وإلا، فهل في نصوص الكتاب والسنة شيء من هذا؟!
    وفي الصفحة (290-291)، من النقض يقول الدارمي: (فقال: ألا ترى أنه من صعد الجبل لا يقال له: إنه أقرب إلى الله تعالى؟، فيقال لهذا المُعارِض المدّعي ما لا علم له: من أنبأك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله تعالى من أسفله، لأنه من آمن أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته، علم يقينا أن رأس الجبل أقرب إلى الله تعالى من أسفله، وأن السماء السابعة أقرب إلى عرش الله من السادسة، والسادسة أقرب إليه من الخامسة، ثم كذلك إلى الأرض، كذلك روى إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن ابن المبارك أنه قال: رأس المنارة أقرب إلى الله تعالى من أسفلها، وصدق ابن المبارك، لأن كل ما كان إلى السماء أقرب، كان إلى الله أقرب، وقرب الله إلى جميع خلقه أقصاهم وأدناهم واحد، لا يبعد عنه شيء من خلقه، وبعض الخلق أقرب إليه من بعض، على نحو ما فسّرنا من أمر السماوات والأرض، وكذلك قرب الملائكة من الله، فحملة العرش أقرب إليه من جميع الملائكة الذين في السماوات كلها، والعرش أقرب إليه من السماء السابعة، وقرب الله إلى جميع ذلك واحد؛ هذا معقول مفهوم إلا عند من لا يؤمن بأن فوق العرش إلها، وكذلك سميت الملائكة: المقربون، وقال: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه وله يسجدون)، فلو كان الله في الأرض كما ادّعت الجهمية، ما كان لقوله: (إن الذين عند ربك)، معنى).
    انتهى نصّ كلام الدارمي.
    إنه قال شيئين: الأول: قرب الله إلى جميع خلقه واحد، وقول الإمام الدارمي رحمه الله هنا حق لا ريب فيه، غير أن القرب هنا، ليس قرب مسافة.
    الثاني: قوله: (من آمن أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته، علم يقينا أن رأس الجبل أقرب إلى الله تعالى من أسفله، وأن السماء السابعة أقرب إلى عرش الله من السادسة، والسادسة أقرب إليه من الخامسة، ثم كذلك إلى الأرض)، وهذا تجسيم واضح، لأن قرب تلك المخلوقات التي ذكرها إلى الله تعالى، هو قرب مسافة على حسب عبارته، وهو التجسيم بلا ريب؛ فمن أخبر الدارميَّ بهذا، أكتابٌ أم سنة؟
    إنني أتأسّف أن يكون الدارمي ذاك أحد مراجع العقيدة عند ابن تيمية وابن القيم، والذي لا شكّ وجد طريقه إلى سلفية العصر المقلّدة لابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله تعالى.
    أما ما نسبه إلى ابن المبارك، فلا يتضح اتصال السند فيه، ويحتاج أمره إلى تحقيق.
    أرجو ملاحظة أنني نقلتُ كلام الدارمي وكلام غيره في هذه المشاركة من مداخلة لي كنت كتبتها في أحد المواقع، فنسختها من هنالك، وكنت قد نقلتها فعلا من كتاب النقض للدرامي.
    والسلام عليكم ورحمة الله.
    سآتي على هذا الكلام بجواب مستفيض فيما يلي من المشاركات بعون الله تعالى.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    يقول الكاتب:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أودّ أن أذكر أولا كلام الإمام الذهبي عن كتاب النقض للدارمي..
    قال الإمام الذهبي في عبارة رقيقة منه عن ذاك الكتاب: (فيه بحوث عجيبة مع المريسي، يبالغ فيها في الإثبات، والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث)؛ يُنظر: كتاب العلوّ للعلي الغفار، للذهبي، (195).
    ونقل علي أبو زيد محقق الجزء الثالث عشر من سير أعلام النبلاء للذهبي في هامش السير (13/320) عن محمد حامد الفقي قوله بحق كتاب النقض للدارمي: (إنه أتى فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الردّ، وشدة الحرص على إثبات صفات الله وأسمائه التي يبالغ بشر المريسي وشيعته في نفيها، وكان الأولى والأحسن ألا يأتي بها، وأن يقتصر على الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة، كمثل الجسم والمكان والحيّز، فإني لا أوافقه عليها، ولا أستجيز إطلاقها، لأنها لم تأت في كتاب الله، ولا في سنة صحيحة)؛ ولو كان الشيخ محمد حامد الفقي أشعريا، لأقيمت الدنيا ولم تقعد، لأجل كلامه في سلفي محض! كالدارمي، غير أن الشيخ حامدا ليس أشعريا، بل هو إلى مدرسة ابن تيمية وابن القيم أقرب.
    رجعتُ إلى كتاب النقض له بتنزيله بصيغة الـ: بي دي إف، من النت، وهو من تحقيق منصور بن عبد العزيز السماري، نشر: أضواء السلف، وعليها اعتمدتُ ها هنا.
    قلت: لفظة الجسم والمكان والحيز لم ترد ولا يجوز وصف الله تعالى بها تعبدا، إذ لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم! أما في باب الإخبار عنه تعالى لبيان معاني صفاته جل وعلا في معرض الرد على النفاة من الجهمية والمتفلسفة وأضرابهم، فينظر في المعاني التي يريدها المتكلم من تلك الألفاظ، فإن كانت حقا فحق، وإن كانت باطلا فباطل! يعني عندما نقول الله في السماء، هذا من حيث المعنى اللغوي مكان أم ليس بمكان؟؟؟ هو مكان قطعا، ولا يماري في هذا المعنى إلا مريض في عقله أو معلول في لسانه جاهل بأبجديات اللغة!!! فإن مجرد المعرفة بأن الله ليس حالا في شيء من خلقه، فلا هو في الأرض ولا في سماواته السبع وإنما هو فوق ذلك كله، في جهة العلو، هذا معناه أنه خلا منه المكان المخلوق.. ولكنه لا يعني – عقلا – أنه لا مكان له!! إذ الشيء الذي لا مكان له = لا وجود له يعقله الإنسان!!! الشيء الذي ليس له مكان – من حيث المعنى اللغوي للمكان - فإنما هو عدم لا وجود له! وكذا يقال في معنى الجهة! وأما معنى التحيز فإن أراد به قائله إن الله محاط بشيء من خلقه من حوله فباطل قطعا، وإن أراد به أنه بائن عن الخلق منحاز عنهم لا يحل فيهم بذاته، فهذا معنى صحيح يفهمه العقلاء من معاني صفاته جل وعلا! ولا يلزم منه أن تكون ذات الله تعالى كذوات المخلوقين في حقيقتها وكيفها!!
    وأنا أسأل من يتخوف من استعمال تلك الكلمات في مقام الرد على المستفصل أو المتفلسف .. لو جعلنا السؤال: "في أي مكان استوى ربنا؟" بدلا من اللفظ الوارد: "أين الله؟"، أيكون المعنى المسؤول عنه حينئذ باطلا؟؟؟ كلا! بل المعنى الواحد! فإن لفظة "أين" إنما هي سؤال عن المكان بلا خلاف بين العقلاء من أهل هذا اللسان وغيره من ألسنة البشر! ولكن من المتكلمة من ينتفض جسده من سماع سؤال النبي عليه السلام (أين الله)، يقول لا نسأل بأين عن الذي أيّن الأين! أأنت أعلم بالله من رسوله يا هذا، أتستنكر هذا السؤال عليه، صلى الله عليه وسلم؟؟؟؟
    فوالله لولا أن خرج علينا بعد قرن الصحابة والتابعين من الفلاسفة والمتكلمة وأذنابهم من يلوي لسانه بالنص المنزل وبكلام النبي عليه السلام تصنعا مخافة أن يقع به إثباته تلك المعاني في (التجسيم) و(التشبيه)، ما اضطررنا إلى بيان هذا المعنى الواضح الذي يغني وضوحه عن شرحه، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله!
    ما معنى "الحركة" هذه التي تنكرونها؟ نعم لم يرد وصف الله بها كما لم يرد وصفه بالمكان والجهة، ولكن هذه ليست صفات نثبتها له سبحانه! هذه معان كمعنى الوجود ونحوه، إنما يأتي إثباتها لازما لإثبات غيرها من المعاني، مفسرا لها، كما فسر السلف الاستواء بالعلو والاستقرار.. هذه لوازم معنوية لا يمكن إثبات المعنى – عقلا - بدونها، ولا نكارة في إثباتها إذ ليس لازمها قياس الرب على خلقه كما تتوهمون! فلا يلزم من نزول الله إلى السماء الدنيا خلو عرشه منه، إذ هذه صورة إنما نشأت من تصور كيفية ذلك النزول، وقياسها على كيفيات المخلوقين، وهذا باطل ننكره ولا نقول به، ولكن يلزم من إثبات معنى النزول وقبوله، إثبات معنى الحركة كتفسير له! إذ الصعود حركة والاستواء حركة، والنزول حركة، والإتيان حركة، وغير ذلك مما ثبت لله تعالى من صفات فيها انتقال من حال مكاني إلى حال آخر.. هذه معاني تلك الصفات كما تفهمها عقول البشر، ولم نسمع أحدا من الصحابة أو التابعين ينهانا عن أن نفهمها على هذا النحو (المستقيم لغة وفطرة وعقلا)، ويأمرنا بالتفويض في معناها مخافة الوقوع في التشبيه!!!
    نحن ما سألنا عن حقيقة ذلك الاستواء أبدا وما يكون لنا ذلك، وإنما سألنا عن معناه، كسؤالنا عن معاني ما سواه مما خاطبنا الله به من الألفاظ في نصوص الوحي الشريف! وألزمنا أنفسنا بالوقوف على ما ورد عن السلف من تلك المعاني دون مجاوزته.. فمن جاءنا بعد ذلك بلفظة أخرى يشرح بها معاني الصفات أو يعترض بها أو نحو ذلك، كلفظة الجوهر أو العرض أو ما شابهها من ألفاظ المتكلمين، سألناه عما يقصد بها، وبحسب مراده كان خطابنا معه! فإن الذي يطالبنا بألا نسأل عن معنى صفة وصف الله بها نفسه – والعلم بأسماء الله وصفاته أول واجبات المكلفين!! - بدعوى أن معناها ليس لنا فهمه ولا السؤال عنه لأن لازم القول به هو كذا وكذا، فقد صنع بنا كصنيع النصارى حين ينهون الناس عن السؤال عن معنى ثالوثهم الباطل، الذي هو أساس دينهم، لأنهم يعلمون أنه معنى باطل في نفسه ولوازمه فلا تقبله الأذهان! إن معاني صفات رب العالمين لا يأباها العقل السوي، ولا يلزم منها عندنا ما يتعارض مع قوله تعالى ((ليس كمثله شيء)).. ولكن لما غرق القوم في كلام الفلاسفة، وعجزوا عن الرد على إلحادهم، رجعوا إلينا بالنكير على كل من يفسر تلك المعاني عندنا كما فهمها سلفنا الأول ولا يجاوز ذلك ولا يفرط فيه، فقالوا لنا فوضوا في المعنى تسلموا!! ثم اجترأوا على الصحابة والتابعين ونسبوا إليهم ذلك المذهب وجعلوه هو طريقة أهل السنة والجماعة!! فالذي حصل في الحقيقة أن هؤلاء قد دخلت الشبهات عليهم فلوثت عقولهم، ولم يجدوا منها مخرجا إلا تقعيد ما لم يسبقهم إليه أحد من المسلمين بإطلاق قاعدة النفي مطلقا – أو بقيد مبتدع – أو التفويض في المعاني مطلقا أو التأويل مطلقا أو بقيود مبتدعة لم يسبقهم إليها أحد من السلف!! يقولون هذه الصفة لازمها التجسيم فهي على المجاز ووجهها كذا وكذا في اللغة، وأما هذه فلا، فنثبتها على حقيقتها ولا إشكال.. وينسى هؤلاء جميعا أو يتغافلون أن دعواهم تلك لا قائل بها من الصحابة قط، وأنها تحتاج إلى دليل واضح، إذ لا يتصور عاقل أن ينقطع الوحي عن أمتنا ولا يبين النبي عليه السلام ذلك الأصل الخطير بلفظ واضح صريح، ولا ينقل مثله – كأصل – أو ما يدل عليه من المرويات لا من روايات آحاد ولا بالتواتر الذي يشترطه إخواننا في أخبار العقائد حتى يقبلوها!! فلا يسعفهم في الاستدلال أن يأتوا بنصوص تأولها بعض الصحابة، فيزعم الزعيم منهم أن هذا تأويل للصفة – مع أن أكثر ذلك كان إخراجا للنص من باب الصفات أصلا – بل ويزيد رميا بالغيب أن يدعي أن سبب هذا التأويل عند هذا الصحابي إنما هو "الهروب من التجسيم والتشبيه" الذي يتوهمون لزومه من معاني أكثر ما ورد من الصفات! فهلا أثارة من دليل أو برهان مما يستدل بمثله في العقائد، ولا ترضون بأقل منه، يا من تتهموننا بالتقليد في الأصول والكليات الكبرى في العقيدة ؟؟؟؟
    تستنكرون معنى الحركة، فمن الذي قال إن مجرد معنى الحركة يلزم منه جعل ذات الله كذوات المخلوقين؟؟! إنه هو نفسه الذي قال إن السمع والبصر يلزم منهما جعله كخلقه له (حواس) كما لهم حواس، ومن ثم جعله على كيفيتهم، جسما كأجسامهم!! وهو نفسه الذي أتى على بقية الصفات فنفاها كلها لأمثال تلك اللوازم العفنة في رأسه، التي لم يسبقه إلى توهمها أحد من المسلمين!! فإن وافقتموه في بعض دعواه فبم خالفتموه في بعضها الآخر يا عقلاء الأشاعرة والماتريدية ومن لفّ لفهم؟؟ إنها شبهة واحدة، منهم من وقع فيها إلى أذنيه، ومنهم من وقع فيها إلى صدره، ومنهم من وقع فيها إلى ركبتيه، وجوابها عندنا جواب واحد ولله الحمد: جواب من سلمه الله من توهم تلك اللوازم أصلا!
    فإن قيل إن النزول حركة والحركة تشبيه، قلنا مطلق معنى الحركة كمطلق معنى النزول، لا يلزم منه ما تتوهمون! فإننا نفهم معناها على لسان العرب الذي خوطب به الأولون، ونثبتها بمعناها ولا نتوقف دون ذلك! أما حقيقة تلك الذات التي تتحرك بما معناه في اللغة الاستواء أو النزول أو بغيره من الحركات – حركة تليق بتلك الذات ويصح معناها عند العقلاء دون لزوم التجسيم أو غيره – وكيفية تلك الذات، فهذا الله وحده أعلم به، لا يسعنا تصور ذلك ولا يجوز لنا طلبه! فمن ادعى أنه لا يمكن قبول معنى النزول أو غيره من معاني الحركة لعدم إمكان تجريده من لازم التجسيم والتشبيه، فهذا هو المطالب بإثبات سلفية هذا المعنى، لا من خالفه في ذلك!!!
    ومن قال إن لفظ الحركة والمكان لم يردا في الكتاب والسنة فلا يجوز استعمالهما في الكلام عن الله تعالى، فلينكر كذلك على من يخبر عن الله بمجرد معنى "الوجود"، لأنه لم يوصف الله به كذلك في الكتاب ولا في السنة!!! فإن قال هناك فرق بين تلك المعاني ومعنى الوجود إذ الأخير لا يلزم منه تشبيه ولا تجسيم، قلنا له فبأي حجة تحكمت بعقلك هذا التحكم وزعمت في المعاني الأخرى ذلك اللزوم؟؟ ومن سلفك فيه ممن تزعم موافقتهم من الصحابة والتابعين؟؟
    وما رأيك لو قال لك ملحد إن معنى الوجود نفسه يلزم منه المادية الحسية، بمعنى ألا يكون الشيء الموجود إلا كنحو ما نرى من الأشياء الموجودة، مركبا من أجزاء، موصوفا بما توصف به سائر الأشياء، إذ العقل لا يتصور في الموجودات إلا أن تكون هكذا؟؟ كيف تجيبه عن هذا؟؟
    إن قلت لهذا الملحد إن هذا لا يلزم عقلا من مجرد إثبات معنى الوجود، إذ هذه معاني زائدة على ذلك المعنى، قلنا لك وكذلك لا يلزم عقلا من مجرد المعنى الذي نثبته للصفة أن يكون النزول والاستواء وغيره مما يمكن تجنيسه بمعاني الحركة، موافقا في الحقيقة والوصف الكيفي لتلك الأشياء المادية التي نراها من حولنا! فإن هذه صفات زائدة ومعاني إضافية لا نقول بها ولا نخوض فيها ولا يلزمنا التشبيه فيها بحال! ألا يعقل العقلاء أن يتحرك إلا ما موصوفا من الموجودات بكونه مبنيا من جزيئات وذرات (مثلا)؟ فكيف تعقلون انتقال الطاقة كالحرارة ونحوها؟ وكيف تعقلون انتقال حركة الملائكة ونحوهم؟ كل "حركة" تليق بالذات الموصوفة بها، ولا تعلق لتفصيل الكيفية بأصل المعنى، فلا يلزم جنس بعينه من أجناس الكيفيات التي يتحقق بها ذلك المعنى، من مجرد إثبات المعنى نفسه! ولهذا يقول علماؤنا إن الاشتراك في المعنى لا يلزم منه الاشتراك في الكيفية! فالكيفية وصف زائد على المعنى لا نخوض فيه ولا نطلبه!
    فالحاصل أن لا برهان في العقل ولا في اللغة فضلا عن النقل على هذا التفريق المعنوي الذي أحدثتموه بين أجناس الصفات ومعانيها، والله المستعان!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    قال الدارمي في النقض، (57): (والله تعالى له حدّ لا يعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهّم لحدّه غاية في نفسه، ولكن، نؤمن بالحدّ، ونكل علم ذلك إلى الله)، وروى عن ابن المبارك أن لله حدّا؛ وقال عثمان بن سعيد بعد أن ذكر قول الجارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله إنه في السماء، قال الدارمي: (وأنه لا يجوز في الرقبة المؤمنة إلا من يحدّ الله أنه في السماء).
    ومسألة الحدّ مسألة كبيرة، جرت فيها فتنة لابن حبان، فأُخرج من سجستان، لأجل إنكاره له.
    ولو لم يكن في الحدّ إلا أنه لم يرد به نصّ، لكفاه أن يكون مرفوضا، إذ الأمر يتعلق بصفات الله، ولا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
    قلت: نكرر ما تقدم تقريره، من أن مقصود الأئمة من إثبات معنى الحد ليس من باب وصف الله بما لم يرد، وإنما بيان معنى لازم من صفاته سبحانه من أنكره فقد أنكر ملزومه! ولهذا لم تذكر تلك الألفاظ ولم ينافح عنها الأئمة إلا في مقام الرد على هؤلاء! من لم يعتقد أن لله حدا يفصله عما سواه فقد خلطه بخلقه، ونقض الإيمان الواجب بأنه سبحانه في السماء، مستوى فوق عرشه من فوق خلقه بائن من ذلك الخلق غير مخالط له!! فالعاقل الذي يعي ويفهم معاني الكلام، يدرك سبب تمسك هؤلاء الأئمة بتلك المعاني ونكيرهم على من أنكرها بإطلاق! نحن لا نذهب نقول للعوام اعبدوا ربكم وتوسلوا إليه بقولكم: "يا من له الحدّ والمكان في جهة العلو"!! وإنما نقول للفلاسفة والمتكلمة ومن على شاكلتهم في مثل هذا المقام الذي نحن فيه الآن: دعوا عنكم المراء والتفلسف والتكلف، واقبلوا معاني صفات الله على حقيقتها كما قبلها سلفكم من قبلكم.. لا تبطلوا ما صح لغة وعقلا من معانيها، ولا تزعموا لتلك المعاني ما ليس من لوازمها: يسلم لكم دينكم كما سلم لهم من قبل، وكما سلم لهؤلاء العجائز! هذه هي المسألة، فيا ليتهم يتفكرون!
    ولعلّه لأجل شيوع القول بالحدّ عند بعض أهل الحديث، تُرى مسألة الحدّ هينة، وبعيدة عن التجسيم، ومع ذلك، فعبارات أخرى للدارمي تُبت تجسيمه..
    قال الدارمي في (64) من النقض: (فالله الحي القيوم القابض الباسط، يتحرك إذا شاء، وينزل إذا شاء، ويفعل ما يشاء، بخلاف الأصنام الميتة التي لا تزول حتى تزال)؛ وقال في (52): (لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء، ويهبط ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط، ويقوم ويجلس إذا شاء، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك، كل حي متحرك لا محالة).
    من أخبره ببعض ما ذكره هنا؟ أكتاب أم سنة؟!
    إن الحركة أمارة ما بين الحي والميت من المخلوقات، وليس للأمر صلة بالخالق سبحانه، فمن ذا الذي جرّ صفات المخلوقات إلى الخالق سبحانه؟
    قلت قوله: الحركة أمارة ما بين الحي والميت من المخلوقات قول باطل ظاهر البطلان! وإلا فما قوله في حركة الريح؟ أهي حركة لمخلوق حي؟ وما قوله في حركة المطر؟ أهي حركة لمخلوق حي؟ ثم إنه إن كان يقول إن الحي يتحرك بينما الذي لا يتحرك فإنه ميت = فقد وصف ربه بالموت من حيث لا يدري، ذلك المسكين!!! الإمام رحمه الله يقول إن الرب يتحرك إذا شاء، يهبط ويرتفع إذا شاء! فبالله كيف يفهم العقلاء معنى النزول إن لم يكن فيه معنى الهبوط والدنو؟؟ ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، أي يدنو منها، على كيف لا نتصوره، بما يليق بذاته سبحانه! فما النزول والدنو – لغة - إن لم يكن هبوطا وحركة؟؟؟ ولماذا يصرون على إلصاق صفات المخلوقين بهذه المعاني وكأنه لا ينزل ولا يتحرك – عقلا – إلا ما كان مركبا من أجزاء، وما كان نزوله يلزم منه خلو مكانه الأول منه وحلوله في المكان الجديد وإحاطة المخلوقات به و.... إلخ؟؟؟!! سبحان من قسم على الناس أرزاقهم من العقل والفهم!!
    ونسبة الحركة إلى الله تعالى تجسيم ظاهر، قال ابن عبد البر، في التمهيد، (7/137)، من الطبعة المغربية: (وليس مجيئه حركة ولا زوالا ولا انتقالا، لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا..).
    قلت: فلينظر المنصفون والعقلاء من الذي يتلقف كلام الرجال يجعله حجة، وهو يرمي مخالفه بتقليد شيخ الإسلام والإمام الدارمي من قبله، رحمهما الله!!
    لا شيء أهون علي الآن من أن أتأول هذا الكلام وأقول إن ابن عبد البر إنما يقصد بمعنى الحركة هنا ما بينه في العطف التالي عليه مباشرة، من قوله (زوالا وانتقالا)! فنحن لا نقول إن الله إن نزل وتحرك، زال عن العرش أو انتقل عنه! فإن كان هذا هو المراد فنحن نوافقه عليه، ونفهم من قوله (جسما) أو (جوهرا) ما يكون من الوصف اللائق بالمخلوقات.. فإن الله ليس كمثله شيء. فإن كان هذا مراده رحمه الله من تلك العبارة ودل عليه سياق كلامه، فخير والحمد لله رب العالمين، وإلا فلا إشكال عندنا في أن نردها عليه!!
    وقال عثمان بن سعيد عن الله سبحانه وتعالى، (64): (غير أنه وَلِيَ خلق الأشياء بقوله وأمره وإرادته، وولي خلق آدم بيده مسيسا، وشرف بذلك ذِكره، لولا ذلك ما كانت له فضيلة في ذلك عن شيء من خلقه، إذ كلُّهم خلقهم بغير مسيس في دعواك)، يقصد في دعوى بشر المريسي.
    أليس قوله: خلق آدم بيده مسيسا، دليلا على تجسيمه؟ أوليس مثل هذا الكلام بدعة يخرج بها قائلها عن أهل السنة والجماعة؛ أما كان يكفي الدارميَّ أن يفوّض علم المعنى في لفظة: (لِما خلقْتُ بيدي)، فلا يدخل من بوابة تفسيرها إلى التجسيم؟ وإلا، فهل في نصوص الكتاب والسنة شيء من هذا؟!
    قلت: الكلام هنا في مقام الرد على دعوى المريسي، وأنا أسأل كل عاقل يفهم معاني الكلام، ما الفرق بين أن يقول القائل: "صنعت هذا الشيء" ويقف، وبين أن يقول "صنعت هذا الشيء بيدي"؟؟؟ لا شك أن قوله خلقته بيدي يفيد أنه باشره حقيقة بيده الحقيقية التي نثبتها له على النحو اللائق بذاته جل وعلا! فإن كان ذلك كذلك فإن معنى المسيس باليد مفهوم تبعا لمعنى الخلق بتلك اليد! (وإن كان ليس بلازم منه، والذي أراه - والله أعلم - أنه معنى إضافي يحتاج إلى نص مخصوص للقول به، إذ لا يمتنع عقلا أن يخلق الله آدم بيده دون مسيس، ولكن على نحو خاص كرمه به، فلعل الإمام رحمه الله قد وقف على هذا النص فقال بمقتضاه، والله أعلم)
    ولكن على أي حال فليس تشبيه تلك اليد بالجوارح المخلوقة بلازم من هذا المعنى أو ذاك!
    وإلا فما قولكم في الحديث الذي صححه الإمام البخاري في قوله عليه السلام: "فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال يا محمد قلت رب لبيك قال فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا أدري رب قالها ثلاثا قال فرأيته وضع كفه بين كتفي وجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت "
    صحيح إن ما يراه النائم يختلف عما يراه اليقظان، ولكن المراد هنا إثبات معنى الصورة والكف والأنامل والمس بها! فلو كان لا يجوز وصف الله بتلك المعاني لأن لازمها جعله ذا جوارح وأبعاض كالمخلوقات، فكيف يحدثنا النبي عليه السلام هذا الحديث بتلك الألفاظ ولا ينبه في هذا النص ولا في غيره على أن الله لا يد له ولا كف ولا أنامل ولا شيء من هذا على الحقيقة؟؟؟ هل كتم البيان عند الحاجة (وما أشدها من حاجة!!)؟؟ وكيف لم يَرد إلينا – مع شدة الداعي إليه كما لا يخفى - عن القرون الأولى تفصيل الصحابة ومن تبعهم بنفي معاني تلك الصفات وحقيقتها الظاهرة عن الله جل وعلا حتى لا نقع فيما صار يتوهم هؤلاء المساكين من بعدهم وقوعنا فيه من مجرد إثبات حقيقتها؟؟؟
    يقول الأخ: أما كان يكفي الدارمي أن يفوض علم المعنى؟ وأقول ما كان للدارمي ولا غير الدارمي أن يفوض علم المعنى لا في هذه الصفة ولا في غيرها، إذ ربنا يا معاشر المتكلمة لم يصف نفسه في خطابه إلينا بطلاسم نجهل معانيها! أي ثمرة تكون وأي فائدة تطلب في خطاب يأتينا بصفات لا نفهم نحن المكلفون لها أي معنى، أو يكون معناها الحق على خلاف ظاهرها ولابد، لا لشيء إلا لأن ظاهرها يوجب الانصراف عنه عقلا؟؟؟
    بل يجب على المسلمين وجوبا أن يثبتوا تلك الصفات ويفهموا معانيها كما فهمها الأولون وأن يعملوا بمقتضياتها كما عملوا! فكيف والإمام ههنا في مقام الرد على من يعطل الصفات ويزعم أن هذا هو القول الحق في فهم تلك النصوص والتعامل معها؟؟؟
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    وفي الصفحة (290-291)، من النقض يقول الدارمي: (فقال: ألا ترى أنه من صعد الجبل لا يقال له: إنه أقرب إلى الله تعالى؟، فيقال لهذا المُعارِض المدّعي ما لا علم له: من أنبأك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله تعالى من أسفله، لأنه من آمن أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته، علم يقينا أن رأس الجبل أقرب إلى الله تعالى من أسفله، وأن السماء السابعة أقرب إلى عرش الله من السادسة، والسادسة أقرب إليه من الخامسة، ثم كذلك إلى الأرض، كذلك روى إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن ابن المبارك أنه قال: رأس المنارة أقرب إلى الله تعالى من أسفلها، وصدق ابن المبارك، لأن كل ما كان إلى السماء أقرب، كان إلى الله أقرب، وقرب الله إلى جميع خلقه أقصاهم وأدناهم واحد، لا يبعد عنه شيء من خلقه، وبعض الخلق أقرب إليه من بعض، على نحو ما فسّرنا من أمر السماوات والأرض، وكذلك قرب الملائكة من الله، فحملة العرش أقرب إليه من جميع الملائكة الذين في السماوات كلها، والعرش أقرب إليه من السماء السابعة، وقرب الله إلى جميع ذلك واحد؛ هذا معقول مفهوم إلا عند من لا يؤمن بأن فوق العرش إلها، وكذلك سميت الملائكة: المقربون، وقال: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه وله يسجدون)، فلو كان الله في الأرض كما ادّعت الجهمية، ما كان لقوله: (إن الذين عند ربك)، معنى).
    انتهى نصّ كلام الدارمي.
    إنه قال شيئين: الأول: قرب الله إلى جميع خلقه واحد، وقول الإمام الدارمي رحمه الله هنا حق لا ريب فيه، غير أن القرب هنا، ليس قرب مسافة.
    الثاني: قوله: (من آمن أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته، علم يقينا أن رأس الجبل أقرب إلى الله تعالى من أسفله، وأن السماء السابعة أقرب إلى عرش الله من السادسة، والسادسة أقرب إليه من الخامسة، ثم كذلك إلى الأرض)، وهذا تجسيم واضح، لأن قرب تلك المخلوقات التي ذكرها إلى الله تعالى، هو قرب مسافة على حسب عبارته، وهو التجسيم بلا ريب؛ فمن أخبر الدارميَّ بهذا، أكتابٌ أم سنة؟


    قلت: ما رأيت مثل هذا عجبا! معنى العلو الذي يوصف به رب العزة يلزم منه – عقلا ولغة - أن كل ما كان في الأسفل، فهو عنه سبحانه أبعد مما كان في الأعلى!! أي عاقل يخالف في هذا المعنى؟؟ هذا ليس تجسيما ولا قياسا على حقائق الذوات المخلوقة وكيفياتها، وإنما هو من تحقيق معنى العلو نفسه عند العقلاء!!! وأنا أسألك يا مسكين: النبي عليه السلام لما عُرج به إلى السماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى، هل كان يزداد بذلك اقترابا من رب العزة كما يفهم بجلاء من نصوص رحلة المعراج، حتى انتهى بالسجود له سبحانه عند العرش وتلقي التكليف بالصلاة منه في القصة المعروفة، أم هو في - عقلك الفاسد – لم يزل على مبعدة واحدة من العرش والرب من فوقه مهما صعد وهبط؟؟؟ سبحانك ربي!! هذا تشوه عقلي ورب الكعبة، وإنه لمما يؤسف له أن يقال إن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة! أهل السنة والجماعة ما كانوا يفهمون الفرق بين العلو والدنو؟؟ أهل السنة والجماعة ما فهموا معنى العروج في السماء إلى الرب جل وعلا وما يلزم منه عقلا من المعاني الصحيحة؟؟؟ أهل السنة والجماعة قالوا فوق الجبل كأسفله في القرب من الرب الموصوف بأنه فوق العرش من فوق السماوات السبع كلها؟؟ أهل السنة والجماعة كانوا يقولون (قرب المسافة هو التجسيم ولا ريب)؟؟؟ ما هذا العبث؟؟؟ كفاكم إفسادا لعقائد الناس وعقولهم يا هؤلاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    بارك الله فيكم أيها الشيخ الكريم عن هذا الذب عن الإمام الجليل ..

    وما أحسن قولكم :
    ( يقول الأخ : أما كان يكفي الدارمي أن يُفوض علم المعنى؟ وأقول : ما كان للدارمي ولا غير الدارمي أن يفوض علم المعنى لا في هذه الصفة ولا في غيرها، إذ ربنا يا معاشر المتكلمة لم يصف نفسه في خطابه إلينا بطلاسم نجهل معانيها! أي ثمرة تكون وأي فائدة تطلب في خطاب يأتينا بصفات لا نفهم نحن المكلفون لها أي معنى، أو يكون معناها الحق على خلاف ظاهرها ولابد، لا لشيء إلا لأن ظاهرها يوجب الانصراف عنه عقلا؟؟؟ بل يجب على المسلمين وجوبا أن يُثبتوا تلك الصفات ويفهموا معانيها كما فهمها الأولون ، وأن يعملوا بمقتضياتها كما عملوا! فكيف والإمام ههنا في مقام الرد على من يعطل الصفات ويزعم أن هذا هو القول الحق في فهم تلك النصوص والتعامل معها؟؟؟ ) ..

    ويُقال له - أيضًا - : ( يلزمك أن تقول لأصحابك ممن أوّل صفات الله عز وجل ، وحرفها إلى معانٍ مخترعة : "أما كان يكفيكم أن تُفوضوا معانيها ! " ، لا أن تُخيّرنا بين طريقتكم " تفويض المعنى " و طريقتهم " التأويل " كما هو مذهبكم المتناقض .. هداك الله ) ..

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    3

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    جزاك الله الف خير وسدد الله أمرك وأماتني وأماتكم على العقيدة السلفية الصافية .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    الدولة
    المملكة المغربية
    المشاركات
    175

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    بارك الله فيك وأحسن إليك يا شيخ أبا الفداء ..
    وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

  9. #9

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء مشاهدة المشاركة


    قلت: ما رأيت مثل هذا عجبا! معنى العلو الذي يوصف به رب العزة يلزم منه – عقلا ولغة - أن كل ما كان في الأسفل، فهو عنه سبحانه أبعد مما كان في الأعلى!! أي عاقل يخالف في هذا المعنى؟؟ هذا ليس تجسيما ولا قياسا على حقائق الذوات المخلوقة وكيفياتها، وإنما هو من تحقيق معنى العلو نفسه عند العقلاء!!! وأنا أسألك يا مسكين: النبي عليه السلام لما عُرج به إلى السماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى، هل كان يزداد بذلك اقترابا من رب العزة كما يفهم بجلاء من نصوص رحلة المعراج، حتى انتهى بالسجود له سبحانه عند العرش وتلقي التكليف بالصلاة منه في القصة المعروفة، أم هو في - عقلك الفاسد – لم يزل على مبعدة واحدة من العرش والرب من فوقه مهما صعد وهبط؟؟؟ سبحانك ربي!! هذا تشوه عقلي ورب الكعبة، وإنه لمما يؤسف له أن يقال إن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة! أهل السنة والجماعة ما كانوا يفهمون الفرق بين العلو والدنو؟؟ أهل السنة والجماعة ما فهموا معنى العروج في السماء إلى الرب جل وعلا وما يلزم منه عقلا من المعاني الصحيحة؟؟؟ أهل السنة والجماعة قالوا فوق الجبل كأسفله في القرب من الرب الموصوف بأنه فوق العرش من فوق السماوات السبع كلها؟؟ أهل السنة والجماعة كانوا يقولون (قرب المسافة هو التجسيم ولا ريب)؟؟؟ ما هذا العبث؟؟؟ كفاكم إفسادا لعقائد الناس وعقولهم يا هؤلاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
    على مذهبهم استواء الله على العرش وتحت العرش سواء !
    فهل هناك فرق بين فوق العرش وتحته بلازم قولهم في البعد والقرب ؟
    هذا غير الاستواء على كل شئ !

    ولو كان استيلاء فهو بعيد لغة في هذا السياق ويلزم منه أن العرش أخذ غلابا ولم يكن تحت سلطان الله قبل ذلك مما هو معروف.

    جزاك الله خيرا .. متابعون لهذه الردود الطيبة وجاري استكمال المطالعة. كتب الله لكم الاجر.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    شكر الله مروركم وإضافتكم يا شيخ سليمان..
    الإخوة الكرام الشبولي، وأبا أويس، جازكما الله خيرا وجمعنا وإياكم في مستقر رحمته.
    الأخ الفاضل أبا نسيبة، صدقت وجزاك الله خيرا.
    -------------------------

    هذا ومما يحلو لبعض الأشاعرة قذفه في وجوه إخواننا في المنتديات ما ينقلونه عن الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على كتاب الإمام الدارمي رحمه الله، حيث قال:
    لا شك في حفظ الدارمي وإمامته في السنة ، ولكن يبدو من كتابه ( الرد على المريسي ) أنه مغال في الإثبات ، فقد ذكر فيه ما عزاه الكوثري إليه من القعود والحركة والثقل ونحوه!! وذلك مما لم يرد به حديث صحيح ، وصفاته تعالى توقيفية فلا تثبت له صفة بطريق اللزوم مثلا كأن يقال : يلزم من ثبوت مجيئه تعالى ونزوله ثبوت الحركة ، فإن هذا إن صح بالنسبة للمخلوق فالله ليس كمثله شيء فتأمل
    قلت: رحم الله الشيخ الألباني وجزاه عن المسلمين خيرا. ولقد كان يحسن به رحمه الله ألا يطلق مثل هذا الكلام عن مثل الإمام الدارمي رحمه الله في حاشية صغيرة بمثل هذه العبارة دون بيان مفصل لصرف ما قد ينقدح في ذهن المخالف من قراءتها. فإن فيها فيما أرى – والله أعلم - خللا في التحرير والاصطلاح يحتاج إلى معالجة وبيان مفصل والله المستعان.

    أولا إن تحرير معنى المغالاة في الإثبات يتوقف على تحرير معنى الإثبات نفسه. فإن قيل إن إثبات الصفة هو نسبتها إلى الله تعالى بدليل، فإن المثبت هذا إن أثبت ما لا يصح فيه دليل، وإنما قال به لشبهة دليل عنده (وأعني بذلك تصحيحه ما لا يصح من الأخبار التي ورد فيها ما أثبته)، فإنه لا يوصف بالغلو في الإثبات ولكن يوصف بالخطإ فيه! فإن آكد أصول أهل السنة في الإثبات إنما هو قبول ما جاء في الخبر الصحيح بلا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف.. فإن رأينا رجلا يثبت صفات تقوم عنده على دليل ضعيف من نص لا يُحتج به، لم نقل له إنه غال في الإثبات، وإنما قلنا إنه مقصر - أو مجتهد مخطئ - في استيفاء شروط الإثبات من التحقق من صحة النص، ولذا فإثباته هذا مردود عليه!
    فإن كان في كلام الدارمي من تعويل على نصوص لا يرى الألباني صحتها (رحمهما الله جميعا)، فإنه ليس له أن يصف الدارمي – لأجل ذلك – بالغلو في الإثبات، وإنما بالخطإ في الإثبات! والفرق بين "الغلو" و"الخطإ" ليس بالذي يخفى! وإلا فإن هذه المعاني التي ذكرها الألباني وقرر أنها لا يصح فيها نص، قد يصح فيها وفي معناها عند الدارمي نص بل نصوص (بغض النظر عن أيهما أسعد بالصواب في ذلك)! فلا يكون إثباته إياها – والحالة تلك – "غلوا في الإثبات"!

    وعلى سبيل المثال فإن من ينظر في الكتاب يجد أن صفة (الثقل) هذه قد ساق فيها الدارمي نصا، ولم يأت بها من رأسه – ولا يُظن بمثله أن يطلق هذا الوصف من عند نفسه، إذ هو ليس من معنى الاستواء لغة ولا يلزم عقلا من الاستواء على العرش إلا في المخلوقين، والله ليس كمثله شيء! فإن جاءنا به نص وصح عندنا (ولا يعني كلامي هذا أني أصحح ما جاء به الدارمي من النص ولابد، فليتنبه لهذا)، طردنا عليه قاعدتنا، بأن نمره كما جاءنا، نثبته على النحو اللائق بذاته جل وعلا، ونقول لمن يسأل: الله أعلم كيف يكون ذلك الإثقال على حملة العرش: (فلا يكون من جذب الجاذبية لذاته جل وعلا - مثلا - ولا يلزم منه معنى الاعتماد على العرش كذلك، سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقين)! فيكون حينئذ كالاستواء.. الإيمان به – على معناه الصحيح - واجب والسؤال عنه – أي عن كيفه وحقيقته - بدعة.
    فالقصد أنه لا يصح أن نقول إن الدارمي غالى في الإثبات لأنه أثبت تلك الصفة بناء على هذا النص الذي صح عنده!! وأنا ما أظن إلا أن الألباني رحمه الله لو وقف على نص صح عنده بتلك الصفة لما تردد في إثباتها كذلك، ولرأيتنا الآن ندفع عنه – هو أيضا – كلام من يرميه "بالغلو في الإثبات"، رحمه الله!

    أما قوله رحمه الله:
    وصفاته تعالى توقيفية فلا تثبت له صفة بطريق اللزوم مثلا كأن يقال : يلزم من ثبوت مجيئه تعالى ونزوله ثبوت الحركة ، فإن هذا إن صح بالنسبة للمخلوق فالله ليس كمثله شيء

    فلنا معه فيه وقفات. والكلام ههنا اصطلاحي دقيق يحتاج إلى روية في القراءة وطول تأمل في النظر، لأنه قد زلت فيه أقدام والله المستعان، ومنه التوفيق والسداد.
    فإن هناك فرقا دقيقا بين "إثبات الصفة": التي هي معنى مستقل لا يقال مثله في حق الله تعالى إلا بالنص، وتفسير الصفات أو الكلام – عند المحاججة والجدال مع النفاة والمعطلة – بمعاني تلك الصفات الثابتة ومقتضياتها العقلية الصحيحة. فإن من معاني الاستواء التي ذكرها السلف: الاستقرار (وقد اختلف فيما إذا كان قد ثبت عنهم تفسير الاستواء بالجلوس). فهل يقال لا تثبتوا لله (صفة الاستقرار) – هكذا – لأنه "لا يلزم من ثبوت استوائه ثبوت الجلوس أو الاستقرار، لأن هذا لا يصح إلا في الملخوقين"؟؟ وافقت إذن من عطلوا معنى صفة الاستواء ومنعوا من القول بظاهره!
    هذا ليس إثباتا لصفة بلا دليل، وإنما هو تفسير للصفة، وتحقيق لمعناها – لغة - بما يناسب من الألفاظ الصحيحة ولا يلزم منه ما يتوهمه المعطلة والمفوضة هداهم الله! وقد تقدم ضرب المثال بمعنى الوجود، فإنه ليس الوجود (صفة) نثبتها لله تعالى، حتى يقال إنه لا دليل لنا عليها في كتاب ولا سنة فلا يجوز لنا وصف الله بها! وإنما هو إخبار عن الله تعالى بمعاني تلك الصفات الثابتة له وبلوازمها العقلية الصحيحة! إذ الوجود من اللوازم المعنوية لمعنى الحياة والقيومية والصمدية والأولية والآخرية وغير ذلك مما ثبت لله من المعاني! الوجود معنى صحيح لازم لتلك المعاني، ومن نفاه وعطله فقد عطلها كلها بالتبعية! فيجب من إثباتها إثباته (معنويا)! لا أننا إن قلنا نثبت لله معنى الوجود أنه يصير بهذا صفة مستقلة نبحث عن لفظها في النصوص الثابتة الصحيحة، فضلا عن أن يقال إن الله تعبدنا بها كسائر أسمائه وصفاته التي قال فيها ((ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها))! فلا يصح اشتقاق اسم لله منها – على مذهب من يقولون بجواز اشتقاق الأسماء من الصفات – كمثل قولنا إن الله اسمه "الموجود"! فهذا إثبات، وذاك إثبات، ولكن لا يستويان اصطلاحا، ولا ينبني على الأول ما ينبني على الثاني من عمل! فإثبات الصفة شيء، وإثبات معناها أو تفسيرها بظاهر اللغة شيء آخر.
    وهذا التفريق الاصطلاحي بين إثبات الصفة لله تعالى، وتصحيح المعاني اللازمة من معناها، الشارحة له، في باب الإخبار عنه جل وعلا، لا ينبغي أن يغيب عن أذهان طلبة العلم في هذا الباب، والله أعلى وأعلم.

    فكما تقدم في مشاركة آنفة، إن قال القوم: هذا – أي معنى الوجود - نقبله لأنه لا يلزم منه التجسيم أما معنى الاستقرار والحركة والحد ونحوها فيلزم منها التجسيم فلا نقبله، رجع الأمر بيننا وبينهم إلى إبطال دعواهم لزوم التجسيم في ظواهر ألفاظ الصفات ومعانيها كما تفهمها عقول البشر بلسان التنزيل..
    فهل معنى الحركة فيه ما يحتاج إلى نص مخصوص لإثباته (كصفة)؟ كلا!
    فإن النزول – لغة – حركة! فإن قلنا ليس بحركة، فما هو إذن في اللغة وكيف نعقل تلك الصفة؟؟ لست أسأل عن كيفيته أو عن صفته (التي لا تعرف إلا بخبر مخصوص، وليس ثم ذلك ولا تسعه عقولنا أصلا)، وإنما أسأل عن معناه، معنى النزول في اللغة! هو حركة من أعلى إلى أسفل (إلى السماء الدنيا) وليس يلزم منه مفارقة العرش ولا خلوه منه ولا الحلول وسط المخلوقين ولا شيء من هذا، مع كونه محققا لمعنى النزول!! ولا بديل عن هذا الفهم لظاهر المعنى إلا التأويل أو التفويض كما يذهب المتكلمة، وما حملهم عليه إلا ما تعلمون!
    فلو دفعنا عن النزول معنى الحركة لدفعنا ظاهره المعنوي، وهذا عين ما يريده لنا المعطلة والمفوضة! وإلا فما حقيقة قول القائل منا: "نزولا حقيقيا كما يليق بذاته سبحانه وتعالى"؟؟؟ حقيقته أنه نزول على معنى النزول لغة، ولكن على كيف لا نعلمه ولا يقاس على المخلوقين، ولا يلزم ذلك القياس في الكيفية من ذلك المعنى الذي نفسره به! فإن نحن وافقناهم وجعلنا معنى الحركة داخلا في هذا القياس الممنوع شرعا وعقلا، فقد عطلنا معنى النزول نفسه وصرفناه عن ظاهره كما يريدون، ولزمنا حينئذ تأويله أو تفويضه كما يصنعون!
    فقول الألباني رحمه الله: "(لا).. يلزم من ثبوت مجيئه تعالى ونزوله ثبوت الحركة ، فإن هذا إن صح بالنسبة للمخلوق فالله ليس كمثله شيء"
    هذا يلزمه به – عند التأمل - قبول كلام المفوضة في منعهم حمل معنى النزول على ظاهره!!
    والقول الجامع في ذلك كما في غيره أن نقول إنه لا يلزم أن يكون هذا الشيء المتحرك ذاتا مخلوقة مقيسة على ذوات المخلوقين، تماما كما لا يلزم أن يكون ذلك النازل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير، ذاتا مخلوقة أو مقيسة على ذوات المخلوقين (صفة نزولها كصفة نزولهم)! فإذا ما دفعنا ذلك اللزوم الباطل عن الأذهان، لم يبق لنا من إشكال عقلي في تحقيق معنى النزول على أنه "حركة" (كما يفهمه سائر العقلاء في جميع لغات الأرض)! وليس هذا إثباتا لصفة بلا نص، ولا هو وصف بما لا يصح عقلا إلا بالنسبة للمخلوقين، وإنما هو ظاهر المعنى اللغوي!

    وفي الأخير، وحتى يزداد المعنى وضوحا، لو قال الألباني (مثلا): لا
    يلزم من ثبوت استوائه تعالى على العرش ثبوت معنى الثقل، فإن هذا إن صح بالنسبة للمخلوق فالله ليس كمثله شيء"
    لوافقته بلا تردد! ولقلت إنه يلزم الوقوف على نص صحيح للقول بمعنى الثقل (وهو حينئذ يكون إثباتا لصفة مستقلة).. ولكن إطلاقه هذا الكلام – رحمه الله - في العلاقة بين معنى النزول ومعنى الحركة ليس بمقبول منه، وإنما مثله عندي كمثل من يقول: إنه لا يلزم من ثبوت الحياة والقيومية لله تعالى، ثبوت الوجود!!!
    فمن تأمل هذا التفريق وفهمه حق الفهم، زال عنه – بإذن الله تعالى – كثير من شبهات القوم في تلك البابة، والله أعلى وأعلم.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء مشاهدة المشاركة
    [right][color=green][font=&quot]
    أولا إن تحرير معنى المغالاة في الإثبات يتوقف على تحرير معنى الإثبات نفسه. فإن قيل إن إثبات الصفة هو نسبتها إلى الله تعالى بدليل، فإن المثبت هذا إن أثبت ما لا يصح فيه دليل، وإنما قال به لشبهة دليل عنده (وأعني بذلك تصحيحه ما لا يصح من الأخبار التي ورد فيها ما أثبته)، فإنه لا يوصف بالغلو في الإثبات ولكن يوصف بالخطإ فيه!
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    أحسن الله إليك، أخي الحبيب، ونفع بك، وجزاك خير الجزاء.
    كنت قرأتُ لشيخ الإسلام، في مواضع عدّة من مؤلفاته، ولعلّني قرأت هذا لغيره أيضًا، وصف بعض علماء السلف بأنه كان "شديد الإثبات" أو "قويّ الإثبات"، واستوقفتني هذه العبارة...
    وقد استعنت الآن بالشاملة، ربحًا للوقت، فوفِّقت إلى هذين النصَّين من "مجموع الفتاوى":
    _ "أَمَّا الْحَنْبَلِيَّة ُ فَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ قَوِيٌّ فِي الْإِثْبَاتِ جَادٌّ فِيهِ يَنْزِعُ لِمَسَائِلِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ ؛ وَسَلَكَ طَرِيقَهُ صَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى ؛ لَكِنَّهُ أَلْيَنُ مِنْهُ وَأَبْعَدُ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الْإِثْبَاتِ."
    _ "فَابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِ الْمَادَّةُ الْمُعْتَزِلِيَ ّةُ بِسَبَبِ شَيْخِهِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ التَّبَّانِ المعتزليين ؛ وَلِهَذَا لَهُ فِي كِتَابِهِ " إثْبَاتِ التَّنْزِيهِ " وَفِي غَيْرِهِ كَلَامٌ يُضَاهِي كَلَامَ المريسي وَنَحْوِهِ لَكِنْ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ كَلَامٌ كَثِيرٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فِي كِتَابِ " الْإِرْشَادِ " مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِي الْإِثْبَاتِ لَكِنْ مَعَ هَذَا فَمَذْهَبُهُ فِي الصِّفَاتِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ قُدَمَاءِ الْأَشْعَرِيَّة ِ والْكُلَّابِيَة فِي أَنَّهُ يُقِرُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَيَتَأَوَّلُ غَيْرَهُ."
    أرجو أن تتعرّض لهذه المسألة بمزيد بيان، وتفيدنا بما فتح الله عليك...
    جزاك الله خيرًا.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    ...
    وكنتُ قرأت في كتاب "الفنون" لابن عقيل ردًّا له على من يثبتون لازم الصفة، وأظنّه –إن لم تخنّي الذاكرة- ردًّا على من يفسِّر الاستواء بالاستقرار. وفيه يحتج بقوله تعالى: "ونفختُ فيه من روحي" ولوازم إثبات ذلك..
    أظنك مررت بهذه الشبهة. وإن تيسّر لي الوقت، سأنقل لك كلام ابن عقيل.
    ورجائي أن تبيّن وجه الحق في هذه المسألة، لأنها من شبهات الأشعرية المعاصرة...

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    ...
    حبّذا، شيخنا الفاضل، لو تتفضل بالإرشاد إلى أفضل طبعات كتاب الدرامي، ليتسنّى لمتابعي الرد مراجعة النصوص في مواضعها وإثراء الموضوع.
    وحبّذا لو تشير إلى سر امتعاض الأشعرية المعاصرة من الدارمي تحديدًا...

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    ...
    منذ فترة بعيدة، لمّا قرأت كتاب الدارمي أوّل مرة، استنجتُ أنّه واضع أصول منظومة سجال المخالفين في مسائل الصفات، وأنّ شيخ الإسلام إنّما أوضحها وتوسّع فيها.
    فهل رأيك من رأيي؟
    بارك الله فيك.
    * عتاب: ألم تلحظ أنّ الأخضر اللامع يتعب النظر؟ (ابتسامة)

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    حياك الله أيها الحبيب المفضال الواحدي .. لا حرمنا الله من قلمك المبارك ومن فوائدك النفيسة، فإني لفي شوق إليها، نفعنا الله بك.
    لا إشكال فيما يظهر لي - والله أعلم - في وصف من أثبت ما لا يثبت بنص صحيح بأنه كانت عنده "زيادة في الإثبات"، ولكن هذه الزيادة (أو القوة فيها أو الشدة) ينبغي ألا نسويها بمعنى الغلو في الإثبات بهذا الإطلاق.. فهذا – أي الحكم بتلك الزيادة - حكم اجتهادي ضابطه عند أهل السنة والحديث إنما هو النظر في النص الذي به أثبت المثبت ما زاد بإثباته.. فإن لم يكن صالحا للحجاج رددناه عليه، وقلنا زاد بذلك في الإثبات ولم يوفق.. أما كلام الألباني رحمه الله فلازمه أن من أثبت للصفة معناها الظاهر لغة فهذا (غلو) في الإثبات، وهذا وإن كان موافقا لمصطح بعضهم إلا أن فيه نظرا، إذ القول بمعنى الصفة الظاهر وإثباته ليس من الغلو في الإثبات إلا على مصطلح من جعلوا الزيادة في الإثبات تشبيها، وقالوا – كما نقل قولهم شيخ الإسلام:
    " "وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْحَنْبَلِيَّة ِ أَنَا أُثْبِتُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ تَعْطِيلِ ابْنِ عَقِيلٍ وَتَشْبِيهِ ابْنِ حَامِدٍ"
    فهؤلاء لم يقولوا بما قال به بعض السلف من معاني الصفات خوفا من أن يكون ذلك من التشبيه (الذي هو مقصودهم بزيادة الإثبات)، وهذه ليست بسبيل أهل السنة.. ولا شك أن من غلاة الإثبات - على هذا المعنى - من جنح بهم القول إلى إنزال كيفيات المخلوقين على معاني تلك الصفات (كالخوض في هيئاتها بما لم ينزل به الله من سلطان)، فكانوا بذلك مشبهة ومجسمة على التحقيق! والحاصل أن كلام الألباني رحمه الله يدخل الدارمي في هؤلاء عند التأمل!!
    وأقول لو كان إثبات معنى الاستقرار لصفة الاستواء داخلا في تلك الزيادة أو ذاك "الغلو في الإثبات" كما هو مفهوم كلام الألباني، فشيخ الإسلام نفسه يلحق به ذلك الوصف إذن، وسائر من فسر الاستواء بالعلو الحقيقي والاستقرار الحقيقي من الأئمة والسلف، وهذا لا أظن الألباني يزعمه! العلو الحقيقي والاستقرار ليس صفة الصفة أو كيفيتها أو هيئتها وإنما هو معناها اللغوي! والفرق بين هذين المفهومين هو عين محل النزاع بيننا وبين من يخالفوننا في الحقيقة! فنحن لا نتهيب من إثبات المعنى اللغوي على ظاهره، وليس هذا - عندنا - كمن زاد في تفصيل هيئة ذلك المعنى وكيفيته بمعان لا تكون إلا للمخلوق!! نعم هناك اشتراك في المعنى بين الخالق والمخلوق في ظواهر تلك الصفات ولابد.. الله يسمع والمخلوق يسمع، الله له يد والمخلوق له يد.. ولكن ما زاد على تلك المعاني من تفصيل فيها بلا بينة، فإننا نعده زيادة في الإثبات (وهي مردودة)، وما زاد من المعاني في ذلك مما لا يكون - عقلا - إلا في المخلوقين (كقولهم إنه مركب من أبعاض وأجزاء ونحو ذلك)، فإننا نعده من الغلو في الإثبات (التشبيه والتجسيم المحض)! أما ما كان لازما بضرورة العقل لتحقيق معنى الصفة، كالقول بأن الله تعالى لا يمكن أن يُنفى عنه معنى الجهة لأن لازم ذلك نفي معنى العلو نفسه (إذ العلو - لغةَ - جهة!)، أو إنه لا يمكن أن ننفي عنه معنى "الحد" لأن لازمه نفي العلو والاستواء بل والقول بحلوله في خلقه واختلاطه بهم، ولا يمكن أن ننفي عنه معنى "الحركة" لأن لازمه أنه لا ينزل في ثلث الليل الأخير كما وصفه نبيه (إذ النزول - لغةَ - حركة) .. الخ، فهذه المعاني ليست بصفات نثبتها له بلا دليل، ولا هي من جنس المعاني التي لو قلنا بها لشبهناه بخلقه، وإنما هي معان مفسرة وشارحة للمعنى الظاهر لصفاته الذي نقول به كما قال سلفنا، ولا نطلقها إلا في مقام المحاججة مع من يلحدون فيها عن طريق السلف!
    ولعله من الحسن أن يقال إن المعنى المشترك بين الخالق والمخلوق، الذي لم يرد فيه نص صحيح، إن كان مفهوما بموجب المعنى اللغوي من صفة ثابتة فإننا نقبله، وإن لم يكن كذلك فلا نثبته ولا ننفيه، إذ لو جاءنا به نص صحيح لأثبتناه وجوبا، مع نفي مشابهة المخلوقين وإعمال قاعدة ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) على كل حال .. وهذا هو القدر التوقيفي في الإثبات الذي لا يجوز الزيادة عليه عندنا.
    فنحن لا نقول مثلا إن كلامه سبحانه وتعالى يلزم منه أن يكون له لسان.. هذا ليس بلازم عقلا إلا في المخلوقين، والله ليس كمثله شيء. ولكن هل معنى هذا أننا ننفي أن يكون له سبحانه لسان لأن لازم إثبات اللسان التشبيه بالمخلوقين؟؟؟ كلا! كلام المخلوقين يلزم له لسان مخلوق، أما في حق الخالق فلا يلزم من صفة الكلام إثبات صفة اللسان، إذ هو ليس كمثله شيء سبحانه (وهذا ما يصح فيه قول الألباني إننا لا نثبت لله الصفات باللزوم وإنما بالنص)، ولذا فإننا نتوقف، لا ننفي ولا نثبت، لأنه من حيث المعنى لا يمتنع أن يتصف الله بهذه الصفة لمجرد كونها مشتركة معنويا مع المخلوقين! وإلا لمنعنا عنه صفة السمع والبصر وغيرهما مما لا ينفيه إلا غلاة المتكلمة لذات العلة، بل لنفينا عنه سائر الصفات إلا قليلا لذات العلة!! فالاشتراك في المعنى لا يرفضه العقل السوي المستقيم، ولا يلزم منه - كقاعدة مطردة - الاشتراك في الكيف والحقيقة إلا عند من أصابتهم لوثة التجهم!


    ومن المؤكد عندنا ولا نزاع فيه بين أهل السنة، أن شيخ الإسلام رحمه الله ما كان يتوقف في إثبات معنى الصفة كما جاء عن السلف رحمهم الله، بدعوى أن هذا المعنى أو ذاك – الذي هو صريح المعنى اللغوي الظاهر للصفة – يلزم منه مشابهة المخلوقين! ولا كان رحمه الله يتوقف في شرح وبيان معنى الصفة عند محاججة من يعطلونها، بما يتضح به المعنى من صحيح الألفاظ! فلا يصح أن نجعل ضابط الميل إلى التشبيه (الذي هو معنى الغلو في الإثبات كما لا يخفى) على حد ما وصفه الألباني رحمه الله في عبارته المذكورة، وإلا لزم من ذلك رمي الألباني نفسه وشيخ الإسلام وسائر أهل السنة بالتشبيه!!!

    والشأن في الإمام الدارمي رحمه الله أنه أثبت صفات وقف فيها على نص صح عنده – بغض النظر عما إذا كنا نوافقه أو نخالفه في ذلك – فراح في مقام محاججة الجهمي الهالك المريسي يحقق معاني تلك الصفات ويتكلم على اقتضاء ذلك، على طريقة أهل السنة في المنافحة عما يثبتون من الصفات بمعانيها الظاهرة، دون مشابهة لكيفيات المخلوقين.. فأي غلو وأي تشبيه يرمى به من كانت هذه طريقته؟ إنما يرميه بذلك – كما يرموننا جميعا وسائر أهل السنة - من تشمئز جلودهم من مجرد سماع السؤال (أين الله؟) والله المستعان!!
    (ولا يلزم من هذا بالمناسبة أننا نوافق الدارمي رحمه الله – ولا ابن تيمية ولا غيرهما من الأئمة - على سائر حججه التي ساقها في الكتاب، فإنه ليس بمعصوم، ولكن محل الكلام ههنا فيما اتهمه به القوم من الوقوع في التشبيه والتجسيم!)
    هذا ما ألهمنيه ربي من فهم لما أوردته - بارك الله فيك - فما كان فيه من زلل فالله أسأل العفو والمغفرة، وما كان من صواب فمنه وحده، والله أعلى وأعلم.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    بارك الله فيك، وجوزيت خيرًا على ما تفضلتَ به من توضيح.
    ولعلّك لاحظت أنّ كلام الألباني إنّما هو نقل لعبارة الذهبي بالمعنى. وللذهبي حكم على مقاتل بن سليمان يشبه حكمه على الدارمي.
    ثم ألا ترى أنّ تبرير استعمال ألفاظ غير واردة في حقه تعالى، بحجة إلزام المخالِف، يعتبر مزلقًا مزدوجا في تقرير العقائد؟
    وبيان ذلك:
    1_ أنّنا إذا أثبتنا لفظ "الحركة" –مثلاً- وأعطيناه معنى يخالف المدلول الذي أراده المخالف لإحراجنا، نكون وافقناه على اختيار اللفظ وسلّمنا له به، وإن أعطيناه معنى يليق بعقيدة الإثبات.
    2_ أليس تقريرنا لألفاظ لم تَرِد بها النصوص، انطلاقًا من صفات أثبتتها، هو في حد ذاته ضربًا من التأويل الخفي؟

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواحدي مشاهدة المشاركة
    ...
    وكنتُ قرأت في كتاب "الفنون" لابن عقيل ردًّا له على من يثبتون لازم الصفة، وأظنّه –إن لم تخنّي الذاكرة- ردًّا على من يفسِّر الاستواء بالاستقرار. وفيه يحتج بقوله تعالى: "ونفختُ فيه من روحي" ولوازم إثبات ذلك..
    أظنك مررت بهذه الشبهة. وإن تيسّر لي الوقت، سأنقل لك كلام ابن عقيل.
    وهذا نص كلام ابن عقيل (كتاب الفنون، ج1، رقم: 81، ص66):
    "فإذا ثبت هذا، كيف يحسن بهذه الطائفة أن تتوسع في قوله تعالى: "ثم استوى على العرش" [بمعنى؟] "استقر" أو "جلس"، فقالت: "استواء استقرار"؟
    وهذا يصرف من أخذ الاستواء في حقّه ما اعتقده من استواء الملِك على سريره، ونوح على سفينته، واستواء السفينة على الجوديّ، والراكب على مطيّته وسرجه. وهذا بعينه هو التشبيه الذي لا يليق بمذهب مَن تجعّد عن التصرف في الأسماء بالمعنى.
    وحيث تجاسروا هذا التجاسر، كان ينبغي أن لا يتجعّدوا عن تصريفهم لقوله تعالى: "فإذا سوّيتُه ونفختُ فيه مِن رُوحي" أنْ يقولوا: "نفخ بفيه إلى ذات آدم المجوّفةِ صفتَه التي هي الروح." وكذلك: "نفخ في فرج مريم..."، إذ لا يُعقَل من النفخ إلا ذلك. بدليل نفخ عيسى في الطائر، حيث قال: "وإذ تَخلُق من الطين كهيئة الطير"، فينفخ فيه فيكون طيرًا. (...)"
    ثم قال:
    "وإنّني لأعجب من هؤلاء القوم المدّعين أنّهم أهل سنّة، لا يتعدَّون من اسم إلى غيره ممّا هو مثله في المعنى، ثم ينبسطون في وصف الله تعالى بما يوجب إضافة الحوادث إليه، ويتنصّلون من التشبيه!"
    وكأنّي به يتساءل: إذا قلنا إنّ حقيقة الاستواء الاستقرار، فما هي حقيقة النفخ؟
    أو: ما هي حدود إسناد "المعنى الظاهر" إلى صفة من الصفات؟

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء مشاهدة المشاركة

    أما ما كان لازما بضرورة العقل لتحقيق معنى الصفة، كالقول بأن الله تعالى لا يمكن أن يُنفى عنه معنى الجهة لأن لازم ذلك نفي معنى العلو نفسه
    (إذ العلو - لغةَ - جهة!)
    وماذا-حفظك الله، ونفع بك- لو أورد علينا المخالف هذا الاعتراض:
    إنّ العلو في حقه تعالى هو بمعنى الإحاطة. فوجوده محيط بالكائنات، مباين لها. وما كان محيطا، لا جهة له على التعيين؛ لأنه في كل الجهات، عدا جهة الكائنات المخلوقة، وكل الجهات علوّ بالنسبة للمخلوقات. وهذا يتضح إذا استصحبنا كرّيّة الأرض وغيرها من الكواكب...

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء مشاهدة المشاركة

    فهذه المعاني ليست بصفات نثبتها له بلا دليل، ولا هي من جنس المعاني التي لو قلنا بها لشبهناه بخلقه، وإنما هي معان مفسرة وشارحة للمعنى الظاهر لصفاته الذي نقول به كما قال سلفنا، ولا نطلقها إلا في مقام المحاججة مع من يلحدون فيها عن طريق السلف!
    وماذا لو اعترض معترض قائلاً:
    الإطلاق إطلاق، سواء كان في مقام تقرير العقائد أو في مقام الحِجاج. فاللفظ إمّا جائز توقيفًا، أو غير جائز.
    وبما أنّ هذه الألفاظ أُطلِقَت لتفسير وشرح المعنى الظاهر للصفات. أليس مطلقها عرضةً للخطأ؟ أليس تقريرها ضربًا من التأويل، وإن كان مآله مزيدًا من الإثبات لا التعطيل؟ فكما أنّ التأويل الأشعري مآله التعطيل، فإن هذا الضرب من الزيادة في الإثبات بألفاظ لم تطلقها النصوص مآله التشبيه...
    فالأشعري يقول: أنا لا أعطّل الصفة، وإنما أعطيها معناها اللائق،
    والزائد في الإثبات يقول: أنا لا أشبّه، وإنما أعطيها معناها الظاهر!

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    أنّنا إذا أثبتنا لفظ "الحركة" –مثلاً- وأعطيناه معنى يخالف المدلول الذي أراده المخالف لإحراجنا، نكون وافقناه على اختيار اللفظ وسلّمنا له به، وإن أعطيناه معنى يليق بعقيدة الإثبات.
    بارك الله فيكم.
    العبرة بالمعنى لا باللفظ.. ونحن لا نثبت اللفظ مجردا من معناه، وإنما ننظر في المعنى الذي يريده منه المتكلم، فإن كان حقا قبلناه منه وإن كان باطلا رددناه عليه.. وهذه طريقة شيخ الإسلام في محاججة المتكلمين كما هو معلوم.
    وفي الحقيقة فإن لفظ النزول أو الاستواء أو اليد أو الوجه، وكذا ما فُسرت به بعض الصفات من ألفاظ فيما ورد عن السلف كالاستقرار والعلو، كل هذا لا يلزم من إثبات معناه على الحقيقة، إثبات ما يزيد عليه من معان تتعلق بكيفية أو هيئة أو حقيقة الذات الموصوفة بتلك الصفات! فليس الكلام به عن الله تعالى - عند الحاجة - من القول عليه بغير علم، فضلا عن أن يكون مؤداه التشبيه والتجسيم!
    فإن تكلمنا عن ربنا سبحانه في مقام الإخبار أو المجادلة بمعان صحيحة لغة من هذا الصنف، فلا يقال لنا إنكم أثبتّم لله ما لم يثبت بنص صحيح! فإن معاني الصفات - على وجهها الحقيقي - ملازمة لها لغة وعقلا لا تنفك عنها بحال، ولا يلزم منها مشابهة المخلوقين في حقيقة الصفة وكيفية تحققها في ذواتهم (إذ هذه معان إضافية لا نخوض فيها أصلا)! يعني على سبيل المثال، الله يصف نفسه في القرءان بأنه ليس كمثله شيء.. فما حكم من يقول - عند الإخبار عن الله في مقام محاججة المخالفين - إنه سبحانه "(شيء) لا كالأشياء"؟ هل نقول هذا اللفظ لم يرد، إذن فلا (نثبته)؟ ليس هذا وصفا وإنما هو إخبار بمعاني صحيحة لا يظهر المعتقد الحق إلا ببيانها وتحريرها في مثل هذا المقام. وإلا فلم يقل أحد من الخلق إن من صفات الله أنه "شيء"! وإنما هو معنى صحيح لغة وعقلا!
    دعني أضرب لك مثالا: إن جادلك فيلسوف ملحد وقال لك: "كيف تقولون إنه ليس كمثله شيء - تجعلونه داخلا في معنى الشيء - ثم تقولون في مقام آخر إنه "خالق كل شيء"، فتخرجونه من معنى الشيء؟ أهو شيء أم ليس بشيء؟؟"
    كيف تجيبه؟
    جوابه أن الله تعالى يدخل في معنى الشيء عندما يطلق ويراد به سائر الموجودات، ولكنه يخرج منه عندما يطلق اللفظ ويراد به سائر المخلوقات، فإنه لا يعقل لموجود أن يخلق نفسه، والجمع بين النصين يوصلنا إلى أن كل ما عداه سبحانه من الموجودات فإنه مخلوق ولابد!
    فتأمل هذه العبارات التي أجبنا بها ذاك الفيلسوف وما فيها من ألفاظ أخبرنا بها عن الله جل وعلا لوجود الداعي إلى ذلك في مقام المحاججة:
    وصفناه - على المعنى اللغوي للوصف لا الاصطلاحي - بأنه "شيء"، وبأنه "موجود من الموجودات".. إذ دعتنا الحاجة إلى ذلك.. مع أننا لا نجيز بحال من الأحوال أن يتعبد الإنسان ربه بهذه الألفاظ كصفات (اصطلاحا)، كأن يدعوه بقوله - مثلا - يا موجودا لا كالموجودات أو يا شيئا لا كالأشياء! فلا هذا اللفظ ورد بنص صحيح كصفة له سبحانه، ولا ذاك، بل وفي محلِ جاز أن يطلق لفظ (شيء) في حق الله تعالى بينما في محل آخر لم يجز، لاختلاف المراد من اللفظ في كل من السياقين.. فالعبرة في الإخبار عن الله تعالى والمجادلة عن العقائد الصحيحة، إنما هي بصحة المعنى المثبت نفسه في النهاية لا بكون اللفظ ورد أم لم يرد! أما إثبات الصفات (على المعنى الاصطلاحي للصفة) فشأن آخر، وهو ما يقال فيه إنه يجب لزوم اللفظ الوارد ولا تجوز الزيادة عليه.
    وفي جميع الأحوال فنحن لا نثبت الصفات ألفاظا مجردة من المعاني، وإنما يلزمنا لزوما أن نثبت معها معانيا الحقيقية وننافح عنها عند المحاججة للاعتقاد الصحيح.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: الرد على من اتهم الإمام الدارمي رحمه الله بالتجسيم.

    شكرالله للشيخ أبي الفداء على دفاعه المسدد..
    وبخصوص ما أثاره الشيخ الحبيب الواحدي فقد أجاد أبو الفداء أيضاً
    وبكلمة لو جاز لي تلخيص رده الأخير أقول :
    لو لم يمكن بيان المعاني اللغوية لصفات الله لكان عين التفويض
    والله منزه عن تعريف نفسه لعباده بما لا سبيل لبيان معناه اللغوي
    أملاه أبو القاسم
    قال الإمام ابن تيميّة رحمه الله تعالى:
    والفقرُ لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً..كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •