[أثر الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العقل والفكر والمفاهيم]
لقد جاء الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليرتقى بالناس وفي شتى مجالات الحياة , ومن أهم ما جاء النبي ليرقى به عقل الإنسان وهو الشيء الذي به تميز عن غيره , فقد ورد مصطلح العقل في القران بصيغتي الاسم والفعل ما يقارب بمن 50 مرة , ووردت لفظة أولي الألباب ما يقارب من بضع وعشرين مرة , وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام الإسلام العظيم بالعقل , وسوف أقوم بتعداد بعض مظاهر اهتمام الإسلام بالعقل وهي كالتالي:
1ـ حفز الله تعالى الإنسان في القرآن ليفعل عقله ويستخدمه في الاستدلال والتمييز بين ما حق وما هو باطل...
قال الله تعالى:
{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}[الأعراف]
2ـ نهى الله عن التقليد الأعمى لأنه يعطل العقل , بل لقد أرشدنا الله أن من أهم أسباب تقليدهم الأعمى لغيرهم وعدم إعمالهم لعقولهم ...
قال الله تعالى:
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}[الملك]
وقال أيضا:
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}[الزخرف]
وإنك إذا ذهبت تنظر إلى عالمنا المعاصر وجدت الكثيرين قد قلدوا شيوخهم أو أحزابهم أو جماعاتهم في المعروف والمتلوف , مؤتسيا بمن سبقوا , ومقتديا بهم , دون أن يعمل عقله أو يجد في البحث عن الحق.
3ـ حث الله تبارك وتعالى الإنسان ألا يتبع إلا ما قام عليه الدليل وساندته الحجج وأيدته البراهين ونهى الله أن يكون الإنسان كحاطب ليل يتلقف كل ما يصله ويصدق كل ما يسمعه , ويؤمن بكل ما يقال له , ويحدث بكل ما وصل إليه ...
قال الله تعالى:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}[الإسراء]
وقال أيضا:
{وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)}[القصص]
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<< كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.>>
4ـ حبب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناس في طلب العلم والتزود منه , وذلك لأن العقل إنما يرقى بالعلم لا بغيره ...
قال الله تعالى:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}[الزمر]
وقال أيضا:
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)}[العنكبوت]
وقال أيضا:
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)}[المجادلة]
[أثر الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأخلاق والسلوك]
لقد بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى العرب وكانوا يتصفون بصفات وأخلاق بعضها حميدة فجاء الإسلام وأقرها والأخرى رذيلة فجاء الإسلام وأنكرها , ولقد تميز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين قومه بأخلاقه فَعُرف بلقب الصادق الأمين ...
ويوم أراد الله مدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مدحه بأخلاقه ...
قال الله تعالى:
{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)}[القلم]
أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« بعثت لأتمم صالح الأخلاق »
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
«لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا. »
ولقد جد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القضاء على كل ما هو رديء من أخلاق الجاهلية وسلوكياتها ...
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
<< أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنّ َ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَا ءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ.>>
وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
<<أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ.>>
فهلا عدنا إلى أخلاق ديننا وهلا تصفحنا كتابا يتحدث عن الأخلاق وما أكثرها ... ومن أحسن ما قرأت كتاب: فقه الأخلاق للشيخ مصطفى العدوي ـ سلمه الله ـ.
[أثر الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المجال الاجتماعي]
ولقد تمثلت آثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المجال الاجتماعي فيما يلي:
1ـ توحد العرب بالمنهج الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد فرقة , بل بعد فشل في التوحد مع الجهود الحثيثة التي بذلت من أجله , فالعرب ومن خلال تجربة التاريخ لا يوحدهم إلا الدين الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
قال الله تعالى:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}[آل عمران]
وقال أيضا:
{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}[الأنفال]
2ـ عاش الناس بعد مجيء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في استقرار أسري لا مثيل له , وذلك لأنه بين لكل إنسان ما له من حقوق وما عليه من واجبات , فبين حقوق كل من الآباء والأبناء بعضهم على بعض ...
قال الله تعالى:
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}[الإسراء]
أخرج مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<<اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ>>
وبين حقوق كل من الزوجة على زوجها والزوج على زوجته ...
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ:
<< أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ.> >
وبين حقوق القريب على قريبه , كما وبين حقوق المسكين وابن السبيل على الموسرين من المسلمين ...
قال الله تعالى:
{ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}[الروم]
وبين حقوق الجيران بعضهم على بعض ...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي شُرَيْح أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
<< وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ.>>
وبين حق المسلم على أخيه المسلم ...
أخرج البخاري في صحيحه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
<< حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ.>>
3ـوحتى يكون حال المجتمع المسلم على أحسن الحال لم يترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عملا من الأعمال التي تنشر المحبة إلا وأمر بها , ولم يترك عملا من الأعمال التي تنشر الكراهية إلا وحرمها ...
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<< لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ.>>
أخرج أبو داوود في سننه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<< أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ.>>
4ـ ومن آثاره ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ على المجال الاجتماعي أنه حقق للإنسان الأمن والأمان على المستوى الداخلي والخارجي ...
ولقد نجح النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في توفير الأمن الخارجي من خلال إعداد جيش قوي على درجة عالية من التدريب للذود عن الإسلام وأهله ...
قال الله تعالى:
{ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُم ْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)}[التوبة]
أما الأمن الداخلي فقد حققه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عبر سنه لبعض التشريعات وهذه أمثلة عليها:
1ـ تشريع عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على أمن المسلمين ...
قال الله تعالى:
{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)}[المائدة]
2ـ نهى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عن كل الأعمال الأعمال السلبية التي تنشر الخوف بين الناس كإشهار لسلاح في الشوارع والتجسس وإفزاع المسلمين وإيذاء الجار وعدم رد الأمانات إلى أهلها وغيرها.
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
<< الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.>>
3ـ أمر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بكل الأعمال الإيجابية التي تحقق الأمن للمسلمين , فاحترم حرية الإنسان في اختيار لدينه...
قال الله تعالى:
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}[البقرة]
وأمر الناس أن يحافظوا على أرواحهم وأرواح إخوانهم ...
قال الله تعالى:
{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)}[المائدة]
وحث النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ المسلمين أن يحافظوا على أعراض بعضهم البعض وأن يهتموا بالنسل والذرية وأن لا يتعدى أحدهم على مال أخيه إلا بطيب نفس منه ...
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}[النساء]
[أثر الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المجال الاقتصادي]
إن النظام الاقتصادي المعاصر يعيش بين طرفي نقيض , فالرأسمالي يقدس مصلحة الفرد مهملا مصلحة الجماعة , والاشتراكي يقدس مصلحة الجماعة مهملا مصلحة الفرد , أما الإسلام فهو دين الوسطية بين هذا وذاك ...
قال الله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ... (145)}[البقرة]
ولذلك نراه يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة , فالبيع حلال والربا حرام , والإضرار بالتجار حرام من قبل الحكومات , ومضارة التجار للعامة بالاحتكار وغيره حرام أيضا , والأمانة في البيع والراء مطلوبة شرعا , والغش والخيانة والخداع والغرر محرمة ...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
<< الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا.>>
ولقد ارتقى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنظام الاقتصادي وأحدث فيه تقدما ما أحدثه إنسان قبله ولن يحدثه بعده إلا رجلا متردا بتوجيهاته وتعليماته , ويظهر ذلك من خلال النقاط التالية:
1ـ أوجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المسلمين أن يعملوا , لأن الدين والدنيا لا يقومان إلا بالعمل ...
قال الله تعالى:
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}[الملك]
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
<< مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ.>>
2ـحارب الإسلام البطالة ويقصد بها: القعود عن العمل مع القدرة عليه لعدم توفره...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<< لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ.>>
3ـ فرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الزكاة على المسلمين وهي كما هو معلوم ركن من أركان الإسلام الخمسة ...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<< بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ.>>
4ـ أوجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفقة القريب المعدم على قريبه ...
قال الله تعالى:
{ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}[الروم]
وجعل النفقة والصدقة من أفضل الأعمال التي تبوأ صاحبها المنازل العلى عند الله ...
قال الله تعالى:
{ وَسَيُجَنَّبُهَ ا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) }[الليل]
وقال أيضا:
{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}[البقرة]
5ـ دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى التوازن الاقتصادي في المجتمع وحارب الطبقية وهي: أن يكون في المجتمع أغنياء غنى فاحش وفقراء تحت خط الصفر دون أن يكون هناك طبقة وسطى...
قال الله تعالى:
{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)}[الحشر]
ولعل من أبرز حكم مشروعية الميراث إحداث التوازن الاقتصادي والقضاء على الطبقية الاقتصادية.
6ـ حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـعلى التكافل الاجتماعي والتعاون الاجتماعي لمواجهة الأزمات الاقتصادية ...
أخرج أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<<مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ (حي أو حارة) أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى.>>
أخرج البخاري في صحيحهعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
<< إِنَّ الْأَشْعَرِيِّي نَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.>>
والحمد لله رب العالمين
الاثنين
26 جمادى الأولى | 1431هـ
10 | 5 | 2010م