هذا موضوع للدكتور من موقعه، وعلى هذا الموضوع ردود بلغت - إلى الآن - 46 ردًّا، يمكن الاطلاع عليه هنا أو في موقع الدكتور السالم، على الرابط:
http://qiraatt.com/vb/showthread.php?p=830#post830
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله ورضي عنه في سورة الأنعام :
1-وحرفي رأى كلاً أمل مزن صحبة *** وفي همزه حسن وفي الراء يجتلى
2-بخلف وخلفٌ فيهما مع مضمر *** مصيب وعن عثمان في الكل قللا
3-وقبل السكون الرا أمل في صفا يد ** بخلف وقل في الهمز خلف يقي صلا
المعنى باختصار :
أن الفعل " رأى " إما أن يكون الحرف الذي بعده :
أ*- ضمير ، نحو :" رءاها " و : "رءاه "
ب*- حرف متحرك غير ضمير نحو : " رأى كوكباً"
ت*- حرف ساكن نحو " رأى القمر"
بيّن الإمام رحمه الله أن ألمرموز له بالميم من كلمة " مزن " وهو ابن ذكوان عن ابن عامر، وبكلمة " صحبة " وهم الكوفيون غير حفص : شعبة وحمزة والكسائي ، قرؤا هذا الفعل في صورتيه " أ – ب " بإمالة الحرفين فيه : يعني إمالة الراء والهمزة .
وأن المرموز له بالحاء من كلمة " حُسْن " وهو أبو عمرو البصري قرأ بإمالة الهمزة فقط ، وهذا يعني أنه يقرأ الراء بالفتح .
ثم أضاف الإمام وجهاً آخر عن أحد راويي أبي عمرو وهو المرموز له بالياء من كلمة " يجتلا " وهو السوسي ، وهو وجه إمالة الراء أيضاً ، وهذا يعني أن للسوسي وجهين :
أ*- فتح الراء وإمالة الهمز كالدوري .
ب*- إمالة الحرفين : الراء والهمزة كابن ذكوان وصحبة .
بعد ذلك أشار رحمه الله إلى وجه آخر لابن ذكوان وهو الخلف له في الفعل " رأى " إذا كان مع ضمير نحو " رآه " و " رآها " ، وأن الراوي الذي اسمه " عثمان " وهو ورش رحمه الله قرأ هذين النوعين بالتقليل في الحرفين .
أما البيت الثالث والأخير فهو لبيان الحكم في الفعل " رأى " الذي بعده ساكن نحو " رأى القمر " فبين أن أصحاب الرموز على التوالي : ف – ص – ي ، وهم حمزة وشعبة والسوسي قرؤا بإمالة الراء ، وأن الأخير منهم وهو السوسي له الخلاف فيه بين الفتح والإمالة .
ثم ختم البيت ببيان أن السوسي وشعبة لهما الخلاف أيضاً في الهمزة ، فنتج من هذا :
1- السوسي له الوجهان في الراء والهمزة .
2- شعبة له الوجهان في الهمزة ، وله الإمالة قولاً واحداً في الراء .
هذا بيان آمل أن يكون موضحاً لما في هذه الأبيات من غموض عند المبتدئ في الشاطبية .
لكن :
هل ما ذكره الإمام الشاطبي رحمه الله هنا مقروء به ومسلّم له ؟
الجواب :
نظرياً :
يرى العبد الضعيف أن الأولى أن يكون كل ما ذكره الشاطبي مقروءاً ومسلّماً له به .
أما " عملياً " :
فالمتأخرون وخاصة أصحاب منهج " التحريرات " قد ردوا بعض ذلك وجعلوه غير مقروء به ، وحجتهم في هذا أن ذلك " زيادات " من القصيد وهو " الشاطبية " على " أصلها " وهو " التيسير " ، وهم في هذا متبعون للإمام ابن الجزري رحمه الله كما سيأتي .
وقبل مناقشة هذه المسألة أبين أولاً ما هي الأوجه الممنوعة التي لا يقرأ بها مما ذكره الشاطبي ، مقتصراً على رواية " السوسي " وتاركاً رواية " شعبة " إلى وقت لاحق إن شاء الله ، فأقول والله الموفق :
1- الفعل " رأى " الذي بعده متحرك نحو " رأى كوكباً " يمتنع للسوسي وجه إمالة الراء ، يعني : ذكرُ الشاطبي الخلاف للسوسي في " الراء " غير معتبر ، فلا يقرأ له إلا بوجه واحد وهو فتح الراء وإمالة الهمزة ، أما الوجه لآخر وهو إمالة الحرفين فلا .2-
2- الفعل " رأى " الذي بعده ساكن نحو " رأى القمر " يمتنع للسوسي وجه الإمالة سواء في الراء او الهمزة ، يعني : لا يقرأ له إلا بالفتح في الحرفين .
الخلاصة :
قول الشاطبي رحمه الله " وفي الراء يجتلا بخلف " وقوله : الرا أمل ...يد بخلف وقل في الهمز خلف يقي " قول غير معتبر وغير مقروء بما تحته من أحكام .
س: ما هي العلة التي من أجلها امتنع هذان الوجهان له رحمه الله ؟
ج : العلة هي خروج الشاطبي رحمه الله عن أصل كتابه وهو التيسير، وحتى لا يغتر أحد بما جاء في التيسير من قول الإمام الداني رحمه الله :" وروي عن أبي شعيب – السوسي – مثل حمزة " اهـ فقد تعقبه ابن الجزري رحمه الله بقوله :" قوله هذا لا يدل على ثبوته من طرقه ، فقد صرح بخلافه في جامع البيان فقال إنه قرأ على أبي الفتح في رواية السوسي من غير طريق أبي عمران موسى بن جرير فيما لم يستقبله ساكن وفيما استقبله بإمالة فتحة الراء والهمزة معاً . اهـ ( النشر : 2/45-46)
ثم أضاف ابن الجزري :" وإذا كان الأمر كذلك فليس إلى الأخذ به من طريق الشاطبية ولا من طريق التيسير ولا من طرق كتابنا سبيل .اهـ (2/47)
ثم زاد فائدة أخرى وهي قوله :" ذلك مما " انفرد " به فارس بن أحمد من الطرق التي ذكرها عنه سوى طريق ابن جرير وهي طريق أبي بكر القرشي وأبي الحسن الرقي وابي عثمان النحوي ، ومن طريق أبي بكر القرشي ذكره صاحب التجريد من قراءته على عبد الباقي بن فارس عن أبيه . اهـ (2/47) .
هذا هو حجة أهل التحريرات في منعهم القراءة بهذه " الزيادات الخارجة عن أصلها " ، ولكن هل هذا يسلّم لهم ؟؟؟
كما قلت في البداية : عملياً " هم سلموا بذلك ، لكن " نظرياً " عند كاتب هذه الحروف " نظر " في المسألة أعرضه على المهتمين بدراسة القراءات " دراية " لا " رواية " ، فأقول والله الموفق :
1- يجب أن نقف وقفة علمية صريحة تجاه ما يسمّى " زيادات الشاطبية " وأن نجعلها " زيادات " معتبرة ومقروءاً بها لأسباب علمية جوهرية أهمها عندي الآن :
أ – اتصال السند بها وبمؤلفها سواء في السبعة الصعرى أو السبعة الكبرى ، وأعني بالكبرى هنا الطرق التي أسندها ابن الجزري في " النشر " إلى " الشاطبي " رحمه الله .
ب – انقطاع السند منا إلى كتاب " التيسير " ، فلا يوجد أحد – حسب المشهور – له سند متصل بكتاب " التيسير، بل الأسانيد هي أسانيد الشاطبية مضمن فيها التيسير وهي ليست إلا عن طريق الشاطبي ، وفرق كبير بين القراءة به بسنده الخاص به وبين القراءة به بسنده المضمن فيه سواء عن الشاطبي أم غيره .
فالقول بأن هذه الزيادات لا يقرأ بها غير ديق – عندي – بسبب أن الشاطبي رحمه الله لم يأت بها من اجتهاده بل هي رواياته الخاصة به ولا يحق بحال من الأحوال قصرها على رواية الداني في التيسير وإلا لكان الأمر هو اعتبار الشاطبي صورة مكررة ومصغرة عن الداني يغني عنها وجود الداني وتيسيره ، وهذا ما لا يصح اعتباره ولا قوله خاصة أن أهل القراءات قبل ابن الجزري رحمه الله قد تلقوا هذه الزيادات بالقبول وقرؤا وأقرؤا بها مع تنصيصهم ومعرفتهم بأنها " زيادات " على التيسير.2-
2- القول بأن هذين الوجهين اللذين امتنعا للسوسي غير صحيحين ولا يقرأ له بهما هو قول مخالف لصريح عبارة الإمام الداني نفسه رحمه الله فقد حكم عليهما بالصحة ، وذلك قوله : " وقد قرأت بذلك – إمالة الراء والهمزة – في روايتيهما – خلف والسوسي- ، وروى أبو حمدون وأبو عبدالرحمن عن اليزيدي بإمالة فتحة الهكزة في ذلك كالأول ، وكل ذلك صحيح معمول به .اهـ ( التيسير :278)
3- ومما يدل على صحة إمالة الراء والهمزة للسوسي وانهما بهما أخذ العلماء له قبل إلزام المحررين : أن الداني نفسه رحمه الله ذكرهما في كتابيه " المفردات " و " التهذيب " والدليل ليس في مجرد الذكر في الكتابين ، بل في أن الداني صرح في بداية كتابه " التهذيب لما تفرد به كل واحد من القراء السبعة " بقوله :" فهذه الروايات المذكورات هي المستعملات وبها الأخذ " اهـ( التهذيب :24)
4- ما ذكره ابن الجزري رحمه الله من أن إمالة الحرفين مما انفرد به فارس شيخ الداني رحمهما الله إلا أن الداني ذكر عبارة أخرى أرى أنها مهمة لم يذكرها ابن الجزري – مع أنها موجودة في المفردات وفي جامع البيان – وهي ما نقله الداني عن شيخه فارس أنه قال له : "وكذلك – إمالة الحرفين – روت الجماعة عن أبي شعيب "اهـ
والعبارة التي هي أهم من هذه : " وإنما اختار الفتح في ذلك – في الراء والهمزة – موسى بن جرير النحوي من نفسه ، يعني فيما بعد الراء فيه ساكن ، وكان يختار في قراءة أبي عمرو أشياء من جهة العربية .اهـ ( المفردات :281).
الخلاصة :
1- ما صرح به بعض المعاصرين من عدم صحة هذا الوجه للسوسي يناقضه تصريح الداني نفسه بالصحة .2-
2- الداني نفسه كان يأخذ بهذا الوجه للسوسي وكذا من جاء بعده إلى ابن الجزري .
3- اقتراح بدراسة زيادات الشاطبي دراسة علمية وليس دراسة تقليدية .
وللمقال عودة إن شاء الله .