ذكر بعض مصنفات الأئمة المفقودة، والكلام على بعض مناهج الأئمة فيها.
"منقول"
خليل بن محمد العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
ففي هذا الموضوع أذكر – بعون الله وتوفيقه – ما وقفت عليه من الكلام على بعض مصنفات أئمة الحديث – رضي الله عنهم – المفقودة، مع بيان ما أمكن من مناهجهم في هذه المصنفات.
أولاً:
كتاب { الفصل بين النقلة } للإمام ابن حبان البستي – رحمه الله تعالى - .
قال ابن حبان في كتابه الثقات (6/27)، لما ترجم لإبراهيم بن طهمان:
(( أمره مشتبه، له مدخل في الثقات، ومدخل في الضعفاء.
وقد روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات.
وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلات سنذكره إن شاء الله تعالى في كتاب { الفصل بين النقلة } إن قضى الله ذلك.
وكذلك كل شيخ توقفنا في أمره ممن له مدخل ف الثقات والضعفاء جميعًا)).
وقال أيضًا في كتابه المجروحين ( 1/288):
((وإنما بعد هذا الكتاب كتاب : { الفصل بين النقلة } ، ونذكر فيه كل شيخ اختلف فيه أئمتنا ممن ضعفه بعضهم، ووثقه بعضهم.
ونذكر السبب الداعي لهم إلى ذلك، ونحتج لكل واحد منهم.
ونذكر الصواب فيه لئلا نطلق على مسلم الجرح بغير علم.
ولا يقال فيه أكثر مما فيه، إن قضى الله ذلك وشائه)).
ثانيًا:
كتاب { ذكر أئمة الأقطار المزكين لرواة الآثار } للإمام الحاكم أبي عبد الله النيسابوري :
قال ابن طاهر المقدسي في كتاب {أطراف الغرائب والأفراد} للدارقطني (1/46-47): ((ولما صنف أبو عبد الله الحاكم كتابه المرسوم بـ { ذكر أئمة الأقطار المزكين لرواة الآثار } ذكر فيه في كل عصر أربعة ممن يستحق أن يكون يزكي إلى أن انتهى إلى الطبقة الحادية عشر فذكر فيها أربعة:
أبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، وأبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، وأبو علي الحسين الماسرجسي، وأبو عبد الله محمد بن العباس الضبي الهروي)).
ثم أخذ ابن طاهر ينتقد الحاكم في ذكره بعض الأئمة في طبقة أنزل من طبقاتهم، فليرجع إليه من شاء.
ثالثًا:
كتاب { المغازي } لموسى بن عقبة – رحمه الله تعالى - :
أورد الإمام الذهبي في السير (6/ 115) لما ترجم لموسى بن عقبة أن الإمام مالك قال:
((عليكم بمغازي موسى ، فإنه رجل ثقة، طلبها على كبر السن، ليقيد من شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكثر كما كثر غيره)).
قال الإمام الذهبي : (( هذا تعريض بابن إسحاق، ولا ريب أن ابن إسحاق كثر وطول بانساب متوفاة اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة حذفها أرجح، وبآثار لم تصحح، مع أنه فاته شيئ كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح وتصحيح ورواية ما فاته .
وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير، سمعناها، وغالبها صحيح، ومرسل جيد، لكنها مختصرة تحتاج إلى مزيد بيان وتتمة.
وقد أحسن في عمل ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في تأليفه المسمى بـ : كتاب دلائل النبوة)).
رابعًا:
كتاب: { تاريخ نيسابور } للحاكم أبي عبد الله النيسابوري
قال السبكي في طبقاته الكبرى: (1/324-325): (( وبغداد لها كتاب (التاريخ ) للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب - رحمه الله - ، وهو من أجل الكتب وأعودها فائدة.... وقد كانت نيسابور من أجل البلاد وأعظمها، لم يكن بعد بغداد مثلها.
وقد عمل لها الحافظ أبو عبد الله الحاكم تاريخًا تخضع له جهابذة الحفاظ، وهو عندي سيد التواريخ، وتاريخ الخطيب وإن كان أيضًا من محاسن الكتب الإسلامية إلا أن صاحبه طال عليه الأمرو، وذلك لأن بغداد وإن كانت في الوجود بعد نيسابور إلا أن علماؤها أقدم ؛ لأنها كانت دار علم وبيت رياسة قبل أن ترتفع أعلام نيسبور، ثم إن الحاكم قبل الخطيب بمده، والخطيب جاء بعده فلم يأت إلا وقد دخل بغداد من لا يحصي عددًا فاحتاج إلى نوع منة الاختصار في تراجمهم.
وأما الحاكم فأكثر من يذكره من شيوخه، أو شيوخ شيوخه، أو ممن تقارب من دهره لتقدم الحاكم وتأخر علماء نيسابور، فلما قل العدد عنده كثر المقال، وأطال في التراجم استوفاها.
وللحطيب واضح العذر الذي أبديناه)).
وقال السبكي في طبقاته الكبرى (3/277) : {{ وأطال الحاكم ترجمة شيخه هذا - يعني: أبا علي النيسابوري - وأطنب، على عادته إذا ترجم كبيرًا استوفى وحشد الفوائد والغرائب}}.
خامسًا:
كتاب: { الضعفاء } للساجي - رحمه الله تعالى - :
صنف الساجي كتابه الضعفاء على البلدان، فيذكر مثلا ضعفاء البصريين، ثم الكوفيين، ثم غيرهم على حسب ما ينسبون إلى بلدانهم.
ويذكر في كل راو أغلب أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه.
ثم يذكر بإسناده الأحاديث التي يستنكرها على الراوي مع التفصيل والترجيح في اختلافات أسماء الرواة في المتشابه منهم، مع الجمع والتفريق وغير ذلك مما يذكر في أحوال الرواه من مولد ووفاة وما أشبه ذلك.
هذا، ولا يخلو كتابه من ذكر أقواله الخاصة به في أحوال الرواة.
ولقد اعتمد على كتاب الساحي في الضعفاء في تصنيفه الحافظ ابن عدي في كتابه الكامل اعتمادًا كبيرًا حتى أكثر في الرواية عنه.
وابن عدي من الكبار الذين رووا عن الساجي ، والراجح أنه روى عنه كتابه هذا بدليل الكثرة التي يذكرها في كتابه الكامل عن الساجي.
وكذلك فيمن اعتمد على الساجي في تصنيفه: الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد حيث روى الخطيب عدة مرويات عن الإمام الساجي بإسناده إليه وهي: (( 1/37، 223، 8/306، 9/68، 10/215، 217)) من رواية الإيادي عن الساجي.
نقلا من مقدمة كتاب : {{ تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان، ومعه نقولات من كتاب الضعفاء للساجي من رواية ابن شاقلا عن الإيادي به}}.
سادسًا:
{مسند بقي بن مخلد}:
قال ابن حزم: {{ ومسند بقي روى فيه عن ألف وثلاث مئة صاحب ونيف، ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه، فهو مسند ومصنف، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله، مع ثقته وضبطه، وإتقانه واحتفاله في الحديث}}.
السير (13/291).
وقال طاهر بن عبد العزيز الأندلسي: {{ حملت معي جزءًا من مسند بقي بن مخلد إلى المشرق، فأريته محمد بن إسماعيل الصائغ، فقال : ما اغترف هذا إلا من بحر، وعجب من كثرة علمه}}.
السير (13/287).
وقال أبو الوليد بن الفرضي في تاريخه: {{ بقي بن مخلد ليس لأحد مثل مسنده}} .
المصدر السابق.
وقال الإمام الذهبي : {{ بقي بن مخلد صاحب المسند الذي لا نظير له}}.
هذا، وقد اشتهر عن بقي بن مخلد روايته عن الإمام أحمد، ولا سيما بعد انقطاع الإمام أحمد عن التحديث أيام المحنة، وقد وردت في ذلك حكاية مشهورة في تخفي بقي بن مخلد في زيًّ السؤال كي يتمكن من الرواية عن الإمام أحمد خفية، إلا أن الإمام الذهبي قال عن هذه الحكاية أنها منقطعة،
ثم أوردها الإمام الذهبي بتمامها وقال: {{ هي منكرة، وما وصل ابن مخلد إلى الغمام أحمد إلا بعد الثلاثين ومئتين، وكان قد قطع الحديث من أثناء سنة ثمان وعشرين، وما روى بعد ذلك ولا حديثًا واحدًا، إلى أن مات.... ثم لو كان بقي سمع منه ثلاث مئة حديث، لكان طرز بها مسنده، وافتخر الرواية عنه، فعندي مجلدان من مسنده، وما فيهما عن أحمد كلمة}}.
السير (13/ 294).
وقال الذهبي أيضًا – المصدر السابق (13/286) – {{ بقي بن مخلد سمع من أحمد بن حنبل مسائل وفوائد، ولم يرو له شيئًا مسندًا ، لكونه كان قد قطع الحديث}}.
سابعًا:
{المستخرج الصحيح} للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري، المشهور بابن الأخرم - رحمه الله تعالى -.
قال الحافظ ابن حجر في اللسان (1/115-116): ((وذكر الحاكم أن ابن الأخرم حدث عن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم من ولد حنظلة بن الغسيل في (صحيحه المستخرج)، ثم قال الحاكم: أنا أتعجب من شيخنا كيف حدث عن هذا الشيخ في الصحيح، وليس في كتابه من أشباهه من المجهولين أحد، وكتابه الصحيح نظيف بمرة)).
ثامنًا:
{صحيح} أبي أحمد محمد بن أحمد بن حسين الغطريفي.
قال الإمام الذهبي لما ترجم له في كتابه سير أعلام النبلاء (16/355): ((صنف الصحيح على المسانيد)).
تاسعًا:وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصبحه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
((المسند المستخرج على صحيح البخاري)) للحافظ أبي بكر أحمد بن الفضل الباطرقاني:
قال يحيى بن مندة: وذكر الباطرقاني عمي يومًا والحافظ عبد العزيز النخشبي – وجماعة حاضرون- فقال عبد العزيز: صنف ((مسندًا مخرجًا)) على ((صحيح)) البخاري، إلا أنه كتب أكثره من الأصل، ثم ألحقه الإسناد، وهذا ليس من شرط أصحاب الحديث.
من كتاب سير أعلام النبلاء (18/183).
عاشرًا:
((كتاب الرواة عن شعبة)) للحافظ أبي عبد الله بن منده، رحمه الله تعالى.
قال الحافظ الذهبي في كتابه السير (7/205) بعد أن ذكر أسماء من حدَّث عن شعبة بن الحجاج:((اسْتَفْ تُ أَسْمَاءَهُم مِنْ خَطِّ الحَافِظِ أبِي عَبْدِ الله بنِ مَنْدَةَ، فَإِنَّه سَوَّدَ كِتَابَ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ، وَخَرَّجَ لِكَثِيرٍ مِنْهُم)).
الحادي عشر:الثاني عشر : " الضعفاء " للحافظ الكبير أبي عبد الله الحاكم النيسابوري - رحمه الله تعالى - :
كتاب: ((المنتقى)) للقاسم بن أصبغ
قال الإمام الذهبي في التاريخ (25/193): ((ومن مصنفات القاسم بن أصبغ كتاب ((المنتقى))، وهو كـ ((صحيح)) مسلم في الصحة)).
قال الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي – رحمه الله تعالى – في كتابه النفيس " الصارم المنكي " ص 61 : (( قال – يعني : أبا عبد الله الحاكم – في كتاب " الضعفاء " بعد أن ذكر عبدَ الرحمن – يعني : ابنَ زيد بن أسلم – منهم و قال : ( ما حكيتُه عنه فيما تقدم أنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ) قال في آخر هذا الكتاب : ( فهؤلاء الذين قدمتُ ذكرَهم قد ظهر عندي جَرحُهم ، لأن الجَرح لا يثبتُ إلا ببينة ، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به ، فإنَّ الجَرحَ لا أستحلُّه تقليدًا ، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتبَ حديثَ واحدٍ من هؤلاء الذين سميتُهم فالراوي لحديثهم داخلٌ في قوله صلى الله عليه و سلم : مَنْ حَدَّثَ بحَديثٍ و هو يرى أنَّه كذبٌ فهو أحدُ الكاذبين . ) هذا كله كلام الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك ...)) .