جيل منزوع المهابة


بقلم: عوض ا الجبوري الجامعة الإسلامية- كلية أصول الدين

لا شك أن التربية الصالحة تثمر جيلا صالحا وذكرا خالدا وسعادة دائمة في الدنيا والآخرة ، لذا حرص الأنبياء والأولياء عليها فكان لها نصيب طيب في دعائهم ، {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (سورة الفرقان(74) ، من هنا كان لا بد من التركيز على التربية الصالحة والذرية الطيبة والنبت الحسن حتى لا تشقى الأمة بأبنائها ، وأي شقاء أعظم وأي مصيبة اكبر من أن يظهر في هذه الأمة جيل من المجرمين ، يسفك الدماء ويقتل الأبرياء ويزهق الأرواح بغير حق ويرهب الناس ويروع الآمنين ، أو جيل من العصاة يعاقر المنكر ويصاحب الرذيلة ويشيع الفاحشة ويلغ في أعراض الناس ، أو جيل يشتري الوهم والخيال والأحلام بماله .. يا ترى أي جيل هذا ؟ وأي منبت هذا ؟ بل أي مصير تنتظره الأمة وأي قبر تحفره بيدها ؟! والسبب في هذا أن الأسرة بدت مفككة والبيت تائه ضائع بلا رعاية ولا تربية ولا اهتمام ولا توجيه كيف لا ؟ إذا كان الأب يتصور أن مسؤوليته تنتهي بمجرد توفير العيش وجلب الطعام وتوفير المسكن فحسب والأم تتصور أن مسؤوليتها تنتهي بمجرد الوضع والحضانة فمن الذي يقوم بمهمة التربية بعد ذلك ؟ فهذا هو اليتم والضياع بعينه . !!!

ليس اليتيم من انتهى أبواه من الحياة وخلفاه ذليلا


إن اليتيم من يلقى له أُما تخلت وأبا مشغولا

وعجبي بعد هذا كما قال احد العلماء لمن هو مستمر في الإنجاب والتوليد فإذا ما امتلأ بيته بالأطفال والصغار تركهم بلا تربية ولا رعاية ولا تعليم ولا توجيه فتتخطفهم عندها أيدي الضلال والانحراف وتجرفهم عصابة القتل والإجرام فيصبحون عندها حملا كبيرا عليه وعلى عائلته وعبئا ثقيلا على مجتمعه وأمته ، أهذا من قبيل تكثير سواد الأمة أم تطبيق لأمر النبي صلى الله عليه وسلم "تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" ؟فما فائدة هذا التكاثر في الذرية من غير صلاح ولا هداية ولا منبت حسن ولا رعاية طيبة ، وصدق الذي قال: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} (58) سورة الأعراف ، فمن كان له ولدان فرباهما التربية الصحيحة ورعاهما بسقاء الإيمان والقران خير له من عشرة أبناء جهلة كسالى فارغين من غير عمل ولا رعاية ولا تعليم ولا وظيفة ولا اهتمام ..فالكثرة الكاثرة مع قلة النفع وسوء التربية وانعدام التأثير غثائية وفوضى وجهل ، ما الفائدة أن يكون لك مليار وثلاثمائة مليون نسمة لا تأثير لهم في القرار العالمي ولا هيبة لهم في المنبر الدولي شباب كالموج المتلاطم لكن من غير فائدة ولا اهتمام ولا هدف ، جيل منزوع المهابة لا يخشاه حتى أعداؤه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن المهابة منكم من قلوب اعدائكم ...) فقد أصبحنا امة تكاثر ومظاهر على حساب المعاني والحقائق فنحن مشغلون بعدد من أتى لا بعدد من تربى وبعدد من تخرج لا بعدد من أبدع وبعدد من يكتب لا بعدد من يحسن لقد حرمتنا هذه الغثائية صلاح الذرية وروعة الإبداع وحسن الإنتاج وشغلتنا كلمة "كم" عن جملة "كيف" ففرغنا في العدد وأهملنا العدة .. يقول احدهم
عدد الحصى والرمال تعددانا فإذا حسبت وجدتنا أصفارا
إذاً نحن اليوم معنيون جميعا أن نحسن الرعاية وان نجيد التربية في إعداد جيل رباني يعيد للأمة مكانتها وصدارتها بين الأمم فالعبرة بالنوع لا بالكم .